لنتضامن مع أنفسنا
حتى لا نبقى عبيدا عند عبيد
نزار بدران
أين الأمة العربية والأمة الإسلامية من جوع أهل مضايا وغيرها من البلدات السورية، أين نحن من كل أشكال الموت اليومي السريع قصفاً، والبطيء جوعاً، وما بينهما تعذيباً في السجون.
أبناء الشعب السوري رجالاً ونساءً كباراً وأطفالاً، هم هدف هذا الموت الملون، القادم من صمت المشاهدين، أمام شاشات تلفازاتهم، وهم ينتظرون كل مساء الحلقة القادمة. هم لم يُدركوا بعد أنهم ليسوا فقط متفرجين، وإنما أيضاً ضحايا وبشكل آخر. ليس لهم إلا حرية واحدة، وهي رؤية موت جوعى مضايا، حتى لا يثوروا أو يطالبوا بحريتهم يوماً، وإلا لما تنافست قنوات الأنظمة لبث صور المُعذبين. فهؤلاء المتفرجين، هم أيضاً جوعى، لأنهم لا يملكون ثمن وجبات طعام أبنائهم، ولا دواءَ مرضاهم، ولا يُقبل منهم إلا السمع والطاعة لولي أمرهم.
أن نموتَ هنا الآن، أو هناك غداً، هو الثمن الذي قد ندفعه للحصول على حق أبنائنا بأن لا يموتوا جوعاً، وأن لا يبقوا عبيداً عند السلطان، يعيشون على فتات موائده. الاكتفاء بموقع المشاهد، لن يحمينا من السقوط بدورنا، في دائرة حصار الجوع، الذي تفرضه الأنظمة علينا.
الخروج للمطالبة، في كل مدن العرب، بالحرية لأهل مضايا، واجب طبيعي، فاين هم شبابُ ساحات التحرير وميادين الاعتصام، والذين خرجوا بالملايين في القاهرة أو تونس. الهم واحد والقاتل واحد وكلنا هدف له، فلا يجوز أن نترك أهل مضايا من دون أن نرفع صوتنا عالياً.
أين هم العرب، والذين تغنوا ببلاد العُرب أوطاني من الشامِ لتطوانِ، وهم يفتخرون بصيحة وامعتصماه. أين هم المسلمون والقرآن يقول “من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً”, أو نبيهم “لأن تُهدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من أن يُراق دم امرىء مسلم”. وأين هم مسيحيونا الذين حملوا راية العروبة لسنوات طويلة، ودينهم يقول بالكتاب المقدس “الله محبة ومن يَثبُت في المحبة يثبُت في الله والله فيه”.
هل مزقت الحدود التي وضعها الاستعمار في أوطان العرب والمسلمين عقولنا، وحولتنا من عرب إلى مصريين وسوريين وفلسطينيين، ثم إلى علويين واكراداً وبربر ودروز، ثم إلى شيعة وسنة ومسيحيين ويزيديين وحوثيين وغيرهم.
اهتمام العالم بضحايانا وجوع أطفالنا ودمنا السائل، لن يحدث إلا عندما يكون لها صدى بين أهلهم الأقربين. هكذا فهمنا تضامن العالم مع ضحايا باريس، بعد تضامن كل فرنسا وأوروبا معهم.
الأقربون أولى بالمعروف، فهل رددنا الجميل للشعب السوري وأهل مضايا، لدفعهم ثمن الحرية بالنيابة عنا. انتصار سوريا الثورة سيكون انتصاراً لكل الشعوب العربية المظلومة، وهزيمتها ستُعيدنا في كل دولنا، لوضع أسوأ مما كنا عليه، قبل بدء الحراك العربي بتونس، وستصبح قوى الثورة المضادة أعنف واشد فتكاً من الأنظمة التي ثرنا ضدها، وسنقول “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”.
فلننصر أهلنا المواطنين في مضايا وفي كل سوريا كمواطنين، لا كقطعان أو شلايا طوائف ومذاهب، ولنتضامن مع أنفسنا حتى لا نبقى عبيدا عند عبيد، ولأننا بذلك ننصر أنفسنا، ونسمح للعالم أن يتحرك أخيراً معنا ويدعمنا لنيل الحرية. ولنسمع كلمات محمود درويش “وأنت تُعد فطورك فكر بغيرك لا تنس قوت الحمام”.