أردغان واللعب بالنار

أُردغان واللعب بالنار

نزار بدران

كلما تصورنا أن أحد الدول الإسلامية، وصلت لمرحلة النضوج والديمقراطية، وبدأت تنتمي للعالم المعاصر بمقاييسه الحضارية، تُعيدنا الحقائق إلى الخلف، إلى عالم التشدُد والخدع السياسية، والتلاعُب بمشاعر الناس وعمل المُستحيل للانفراد بالسلطة. هذا للأسف ما نلاحظه هذه الأيام بتركيا.

استطاع هذا البلد في السنوات الأخيرة من الانتقال، بفضل انتخابات حرة وقيادة واعية، مثلها حزب العدالة والتنمية الإسلامي بقيادة طيب رجب أُردغان  الى مصاف الدول المتقدمه والمثال المحتدى.

ورغم نجاحات باهرة، في كثير من الميادين، الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصاً إنهاء الصراع الداخلي مع الأكراد. فإننا نكتشف اليوم أن عظمة السلطة وحب تملكها دفع أُردغان، ذا الشعبية القوية، إلى هدم ما بنته يداه.

فبانتقاله من مركز رئيس الوزراء إلى مركز الرئاسة، أراد أُردغان نقل مركز السلطة التنفيذية معه من الحكومة إلى الرئاسة، مُمثلاً بتنظيمه انتخابات برلمانية، تُشبه الاستفتاء، وكأن تركيا لم تلد غيره من القادة المُلهمين. هذه العملية التلاعبية، تم إفشالها من قِبل جماهير الأتراك الواعية وخصوصاً الأكراد، اللذين لم يُعطوه النسبة الضرورية للحصول على الإذن بذلك. فبدل أن يقبل بالنتيجة، وينصاغ لها كباقي حكام العالم الديمقراطيين، قرر الاحتجاج على الشعب، وإلغاء انتخاباته والبدء بحملة انتخابية جديده. وللأسف الشديد، مع استعمال وسائل غير مقبولة في العرف الديمقراطي، أي تأليب الناس وخصوصاً الأتراك على إخوتهم الأكراد، عن طريق لصق تُهم دعم الإرهاب، بالحزب التركي المحسوب على الأقلية الكردية (حزب الشعوب الديمقراطي) والذي صوت له المواطنون الأكراد بكثافة. هدف ذلك تخويف الناس حتى يرتموا بأحضانه من جديد.

هذه سياسة لم نكن نتوقعها من السيد أُردغان، خصوصاً أنه لم يتوانى عن استعمال القوة العسكرية والتأليب الإعلامي، وإغلاق بعض مراكز الإعلام المُناوئة له.

سياسة تكميم الأفواه وتخويف الجمهور، لا يمكن إلا أن تُعطي نتائج عكسية، وهو ما شجع حزب متطرف كحزب العمال الكردستاني، على العودة للكفاح المسلح ضد الدولة التركية، ويقوم يومياً بهجمات دامية ضد الجنود الأتراك، سقط فيها عشرات القتلى. هذه السياسة ستفتح الباب أمام أعداء تركيا للتدخل بشؤونها، ونحن نرى إسرائيل تتربص وتعد عدتها، لإعادة تركيا للحلف الإسرائيلي التركي القديم، برعاية أمريكا بعد تحييد إيران.

الشعب التركي الذي أثبت نُضجه بالانتخابات الأخيرة، عندما حرم أُردغان، من استرداد السلطة لمركز الرئاسة، لن يقبل أن يقع ضحية المُناورات السياسية، فهو بكل تأكيد أحرص من أردغان وحزبه على وحدة تركيا ووحدة شعبها. لن يقبل الشعب التركي بالانجرار وراء سياسة القوة والتخويف، وخلق الأعداء الوهميين، والتي تعودنا عليها من قِبل الأنظمة الديكتاتورية، ولن يقبل الأكراد الانجرار وراء طبول الحرب التي يضربها حزب العمال الكردستاني.

نتمنى على الشعب التركي، في الأسابيع المُقبلة، أن يُظهر نُضجه الديمقراطي وابتعاده عن القادة المُلهمين المعصومين عن الخطأ. الانتخابات القادمة ستُعطيه الفرصة لإثبات تشبثه بمبدأ التبادل السلمي للسلطة، وإبعاد كل من يستعمل أصواتهم، بمناورات سياسية ومجازفات خطيرة، سيدفع ثمنها المواطن والاقتصاد التركي.

 

 

 

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s