ألماء والزيت أدوات السياسة الأمريكية الحالية بالشرق الأوسط

الماء والزيت

أدوات السياسة الأمريكية الحالية بالشرق الأوسط

نزار بدران

 

نرى اليوم ونسمع عن تحركات عديدة للدول الغربية، باتجاه تهدئة الأوضاع في مناطق النزاع بالشرق الأوسط. فبعد الاتفاق النووي الإيراني، وبعد التصعيد الروسي في سوريا، يأتي زمن التهدئة، على ما يبدو. أطراف النزاع اليمني مجتمعون بجنيف، كذلك الاتفاق المُحتمل حصوله قريباً، بين أطراف النزاع الليبي، وإنهاء الانشقاق بين برلمان طُبرق وبرلمان طرابلس بالمغرب. سبق ذلك اتفاقيات أمريكية روسية لوضع خارطة طريق، لحل المُعضلة السورية، تلاه مؤتمر الرياض لتوحيد تمثيل المعارضة السورية، تبدأ أولى خطواتها بعد بضعة أيام، بمطلع العام القادم. ونشاهد أيضاً بشىء من الدهشة، بداية تهدئة الوضع بلبنان، بعد مبادرة سعد الحريري، والاتجاه نحو توافق لانتخاب رئيس للجمهورية.

مقابل ذلك نرى بعد اعتداءات باريس وسان برناردينو بأمريكا، والتي قام بها أصوليون إسلاميون، مشتبهون بالارتباط بتنظيم داعش، نرى تصعيداً بالمواقف الغربية، خصوصاً الأمريكية باتجاه الحرب على الإرهاب الداعشي فقط، دافعة المملكة العربية السعودية لإقامة تحالف إسلامي للحرب ضد الإرهاب، كُون من أربعة وثلاثون دولة.

هل هناك تغيير حقيقي بالمواقف الدولية، وما هي المُعطيات الموضوعية التي قد تُفسر أي تغيير. إدخل الوطن العربي، منذ خمس سنوات، بحرائق وحروب عدة بسبب رد أنظمة القمع، المدعومة غربياً، على نداءات الشعوب بالحرية، ولكنهم لم يستطيعوا أن يخمدوا شعلة الثورات، ولم يستطع هدا الرد أن يُعيد إلى نفوس الشباب عقدة الخوف من النظام، وهي التي كانت العائق أمام تحرك آبائهم من عقود. لم يتدخل الغرب وخصوصاً أمريكا، لإطفاء هذه الحرائق، إلا بمقدار ما يؤمن بقاء حلفائها، ويُحافظ على مصالح إسرائيل، والمثل الأكثر وضوحاً هو انتزاع السلاح الكيميائي السوري.

دخول العنف الأصولي الديني على خط الحرائق، التي أشعلتها الأنظمة، أعطت تلك الأخيرة، الحُجة الإيديولوجية لقمع شعوبها، وبررت بنفس الوقت، أمام الرأي العام الغربي، تقاعُس الحكومات الغربية عن الوقوف بجانب التغيير الديمقراطي العربي.

ولكن النتائج الأخيرة لإجرام النظام السوري بحق شعبه، والذي وضع ملايين السوريين على طريق الهجرة، ومئات الآلاف لأوروبا، برغم كل صعاب الطريق وخطورتها، مُضاف إليه وصول العنف والإرهاب إلى شوارع المدن الغربية والأمريكية، قد يكون غير بعض الشيء من المعادلة، لصالح محاولة إخماد التطرف الأصولي الديني، عن طريق إطفاء قدر الممكن الأزمات الدامية ذات النتائج الاجتماعية المُدمرة على المواطنين، كما نرى باليمن وسوريا وليبيا، وهذا يُفسر الاجتماعات التصالحية الأخيرة، في البلدان التي ذكرناها سابقاً.

الغرب لا يتحمل مسؤولياته إلا أمام شعوبه فقط، هذه حكومات مُنتخبة من شعوبها، وليس من الشعوب العربية، تُغير سياساتها بمقدار ما تحمي وتُفيد أبنائها. يبدو أنها استنتجت أن القوة العسكرية وحدها، لن تحمي شوارع باريس ولندن ونيويورك، بل ما يحميها هو تخفيف حرارة التناقضات، في الدول المُصدرة لهؤلاء الأصوليين. إعطاء الأمل بالسلام لأهل اليمن، هو أفضل الطرق لإبعاد شبح تغلغل القاعدة أو داعش، كذلك الأمر بليبيا وحدودها الممتدة لآلاف الكيلومترات مع الدول الإفريقية، كذلك بسوريا وآلاف قتلاها وملايين مُهجريها.

الاتفاق الروسي الأمريكي الأخير، لخارطة الطريق بسوريا، والتقارب الجديد بينهما، بشأن خطة مُشتركة، بما فيه قرارات قد تؤخذ بمجلس الأمن، وفشل الروس بتغيير خارطة التوازنات على الأرض وتراجع اسعار النفط والغاز العمود الفقري للاقتصاد الروسي, وبدء هزيمة عسكرية إيرانية بسوريا، على ما يُذكر، كل هذا قد يفتح الطريق بالطبع إلى إيقاف الحملة الجوية الروسية مع بداية العام القادم، وإعطاء نوع من المصداقية للعملية السياسية، والرحيل المُنتظر للأسد.

العمل يتم إذاً على جبهتين، جبهة تزايد وتيرة الحرب والتحالفات ضد داعش والأصوليين الإسلاميين، وجبهة تبريد الجبهات الأخرى المفتوحة من الأنظمة ضد شعوبها.

على عكس الحكومات الديمقراطية الغربية، لا تُعير الحكومات العربية، أي اهتمام لمآسي شعوبها، لا ترى الدم النازف وآلاف القتلى والمُهجرين، من سوريا أو اليمن أو العراق، هذه حكومات بدل أن تلتفت لشعوبها لحمايتهم، وتتبع سياسات مُبدعة لذلك، تعمل العكس، أي التوجه المُستمر نحو مزيد من العنف بحجة مقاتلة الإرهاب، بينما هدفها النهائي هو البقاء بالسلطة، والاستمرار باستعباد ملايين المحرومين والمُعذبين. وحدها أمريكا من يُقرر لها ما تعمل حرباً أم سلماً، لهذا نرى الجيوش العربية تحارب باليمن وتُدمر البُنية التحتية وتقتل ألآلاف وتوصل البلاد إلى ما يشبه ألمجاعة فقط انصياعا للأمر الأمريكي، بمواجهة التمدد الإيراني نحو مضيق باب المندب.

نفس هذه الحكومات تقوم اليوم بتغيير سياساتها، بناءً على “النصائح الأمريكية”، مثل تشكيل تحالف إسلامي ضد الإرهاب، أو القبول بهدنة باليمن لبدء الحل السلمي، هذا الحل الذي كان بإمكان اليمنيين أنفسهم تصوره وعمله بدون التدخل السعودي العربي.

قوات حفتر بليبيا تنصاع أيضاً للطلب الغربي، بالاتجاه نحو المصالحة الوطنية، وتقبل الجلوس مع من تعتبرهم إسلاميون في طرابلس.

يبقى أن التناقضات بين السلطات المُستبدة العربية وشعوبها، ستبقى قائمة، وتخفيض حرارة النزاعات التي كانت هذه السلطات هي أساس نشأتها، برفضها الانصياع لمطالب جماهيرها، سيؤدي من جديد إلى تجدد الاحتجاجات الاجتماعية السلمية المُطالبة بالحرية. هل ستستطيع الحكومات العربية حين ذاك، بأسلحتها المُكدسة، والتي كلفتنا مليارات الدولارات، أن تعود إلى العنف المُفرط ضد شعوبها من جديد؛ هذا ممكن ولكني أظنه أقل احتمالاً من السنوات الماضية.

الوضع في مصر قد لا يبقى على حاله، وعودة العملية الديمقراطية الحقيقة والذي نامله سلميا، شيء ممكن، بعد التخلي التدريجي لدول الخليج عن الجنرال السيسي، وفشل سياساته الاقتصادية لتحسين الوضع المعاشي للمواطنين.

قادم الأيام قد يُعيد لنا أيضاً، مركزية القضية الفلسطينية والصراع العربي ألإسرائيلي فإسرائيل لم تسكت عن الصفقة الإيرانية الأمريكية، إلا بعد أن تأكدت من خلع أنياب ومخالب الإيرانيين وإزالة أي خطر تجاهها. انكفاء حزب الله المتوقع من جديد إلى الداخل اللبناني مُنهكاً، وهو الذي شكل في الماضي الخطر الحقيقي على إسرائيل بعكس باقي الجيوش العربية , هو ما سيدفعه للدخول والقبول بالعملية السياسة،وهذا قد يدفع إسرائيل منطقياً إلى المُغامرة لإنهاء قوة حزب الله العسكرية، إما عن طريق إجباره على تسليم سلاحه للسلطة الشرعية اللبنانية، أو عن طريق ضربة عسكريه فإسرائيل لم تترك حزب الله يدخل سوريا ويحارب هناك إلا لشيء في نفس يعقوب، وهو إنهاء ثورة الشعب السوري، ووقف زحف التغيير الديمقراطي الذي تعتبره اسرائيل خطرا على وجودها مما يمثله من صحوة للامة. هذا ما يُفسر اليوم أيضاً الدعم الصارخ ألإسرائيلي للوجود العسكري الروسي بسوريا ورئينا وقوف نتنياهو بجانب بوتين ضد تركيا.

الانتفاضة الفلسطينية ألحالية ستُعيد الحرارة والسخونة إلى العداء العربي الإسرائيلي من جديد بنفس الوقت التي قد تخفُتُ هذه الحرارة بحروب دول الجوار. هذا سيكون مؤشراً إلى عودة الأمور نحو الاتجاه السليم، أي مركزية القضية الفلسطينية، والتي يجب أن ترتبط بنضال الأمة، من أجل حريتها وكرامتها. وعندما نرى الدعم الشعبي، الذي تلقاه فلسطين في كل الساحات العربية (بعكس المواقف الرسمية) يعود لنا الأمل بأن تبقى فلسطين، بوصلة النضال العربي ضد الاحتلال، ولكن أيضاً منارته من أجل ألحرية كما كانت وكما يجب أن تكون دائماً.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s