اسئله الى اللاجئ السوري
نزار بدران
لم يعد في أي بقعة في سوريا مكان آمن، تكالبت على شعبها قوى الاستبداد وقوى التخلف القادمة من القرون الوسطى. لم يعد هناك قرية آمنة ولا بيت آمن، لا تميز آلة القتل الأسدية الإيرانية الروسية بين طفل ومقاتل، أو امرأة ورجل. مئات الآلاف فقدوا أرواحهم، وآلاف البيوت دُمرت، حقول القمح والزيتون حُرقت، وآثار أجدادنا وتاريخنا هُدمت.
شُرد ملايين البشر المدنيين الآمنين، داخل وخارج بلادهم، ووجهت صرخة الحرية التي انطلقت من حناجر أطفال، درعا بجحيم من النار.
أين نحن في بلادنا العربية من كل ذلك، ننظر إلى سفن الغرق المتوسطية ومئات آلاف اللاجئين، بعد أن امتلأت بهم دول الجوار. أين نحن من استقبال هؤلاء المهجرين من بلاد العرب، ونحن نغني بلاد العرب أوطاني من الشام لتطوان؛ لم تُفتح أبواب دول شمال أفريقيا، إلا لآلاف قليلة، تُعد على أصابع اليد الواحدة، وأُغلقت تماماً أبواب الخليج (وبشهادة المنظمات الإنسانية الدولية)، والتي لا تستقدم اللاجئ السوري إلا للعمل، كأي عمالة أخرى بالعالم.
حق اللجوء حق إنساني طبيعي، كفلته المواثيق الدولية، وواجب استقبال هؤلاء المُهجرين كذلك. الاستقبال الألماني الحافل لمئات الآلاف، والذي تبعته الدول الأوروبية الغربية الأخرى هو النموذج الذي يجب أن يُحتذى، بدل أن يُنتقد. ولتعرف عزيزي القارئ، الجواب على الأسئلة التي تُراود خُلدك، اطرحها فقط على اللاجئ السوري، أو ضع نفسك مكانه لحظة واحدة، اسأله عن رأيه باستقبال إخوته العرب، بمصر وليبيا وتونس ودول الخليج، وعن ظروفه المعيشية بدول الجوار.
في أوروبا الغربية الآن، يدخل اللاجئ من الباب الواسع، ويندمج بالمجتمع الذي خرج بالآلاف لاستقباله، له حق العمل والإقامة، والتنقل والمساعدة المالية، والضمان الصحي والاجتماعي، له حق السكن وتعليم أطفاله بأحسن المدارس فوراً، والمئات فُتحت لهم خصيصاً بألمانيا.
اسأل هذا اللاجئ عن وضعه بلبنان، وعيشه بخيام تخلعها الريح، أو تحرقها شمس الصيف، أو تُدفن تحت الثلج، اسأل هذا اللاجئ عن فرص العمل التي وُفرت له، ومساواته بأخيه العربي الآخر.
اسأل اللاجئ الفلسطيني بمخيم عين الحلوة، فهو هناك منذ سبعه وستين عاماً، لماذا يُمنع من العمل بثمانين مهنة، بما فيها الطب والهندسة، ولا يُسمح له البناء والتوريث والعلاج، اسأل اللاجئ الفلسطيني إن كان مخيم عين الحلوة، هو بالنسبة له الأفضل والأقرب والأنسب، لتحضير عودته إلى فلسطين، وهو المخيم المُحاصر ويعيش أهله على الكفاف. هل اللاجئ الفلسطيني هو النموذج الذي تعطيه الدول العربية للاجئ السوري الجديد.
الدين المُعاملة كما يقول المثل، فأين نحن من حُسن استقبال اللاجئ مهما كان، أين حقوقه ببلادنا. حكومات الدول العربية، لم ترى باللاجئ الفلسطيني، إلا خطر محدق بها، قد يدفع تضامن شعبها معه، إلى اضطرابات داخلية، واستقبال اللاجئ السوري قد يُهدد أمن البلاد، وثبات الحكم. هذه هي المحاور الحقيقة للسياسات العربية تجاه اللاجئين، أبناء نفس الوطن ونفس الأمة ونفس اللغة، وفي كثير من الأحيان نفس الدين.
انتقدنا أوروبا عندما أغلقت أبوابها لسنوات بوجههم، ونحن كذلك، أما الآن فلا يحق لنا أن ننتقد استقبالهم الحافل الإنساني، عندما نرى بيئتنا العربية. نموذج اللجوء الفلسطيني التاريخي، منذ سبعه وستون عاماً، ونموذج اللجوء السوري الآن، يُحتم علينا أن ننظر أولاً إلى أنفسنا، ونقوم بتقويمها ونحن دول غنية بمساحتها وثرواتها الهائلة.
اللاجئ الفلسطيني والسوري بالغرب هو سند لشعبه، والدعم الذي يؤمنه هؤلاء، على المستوى المادي والسياسي لأوطانهم، وتأثيرهم الحالي والمستقبلي على السياسة الغربية، لصالح قضايا فلسطين وحرية سوريا، هو ما يُخيف اسرائيل ويدفعها لدعم مواقف دول شرق أوروبا العنصرية، مثل بلغاريا والمجر ومساعدتهم ببناء أسوارهم العنصرية، على غرار ما تعمل بفلسطين، لأنها تخاف من هؤلاء بأوروبا، أكثر بكثير من خوفها منهم في مخيمات اللجوء بالدول العربية المجاورة، الأكثر قرباً لفلسطين جغرافياً ولكن الأقل تأثيراً وخطراً عليها.
مئات الآلاف اللذين ذهبوا لأوروبا الغربية، قد يكونوا خسارة للشعب السوري، لبناء وطنهم بعد سقوط النظام، ولكنهم أيضاً قد يكونون مصدر قوة ودعم له، كما هو اللاجئ الفلسطيني في أوروبا، بينما الخسارة الحقيقة التي لا تُعوض والكارثة التي لا تُقاس، هو مقتل مئات الآلاف من السوريين، تحت براميل بشار المُتفجرة، هؤلاء ذهبوا ولن يعودوا، مهندسين وأطباء وعمال ومهنيين، أطفال المستقبل وشابات وشباب الشعب، هؤلاء ذهبوا برضا إسرائيل، وهم حق خسارة لا تُقدر بثمن.
اندماج اللاجئين بدول أوروبا الغربية، سيُزود هذه الدول بقوة عمل جديدة، وألمانيا لها تجربة كبيرة، فقد استوعبت شعب دولة كاملة، سبعة عشر مليون مواطن من ألمانيا الشرقية عام 1989 بعد سقوط الجدار، كلفها ذلك مئات المليارات، ولكنها أصبحت أكثر قوة على كل المستويات. لم يكن لتُفتح الأبواب الأوروبية بهذا الحجم، لو لم تتحرك الشعوب الأوروبية، وتُظهر انتمائها أولاً للإنسانية وترحب باللاجئين، مما أجبر الحكام على إعادة النظر بسياساتهم تجاه استقبال هؤلاء.
حان الوقت لوضع حد لنزيف هذا الجرح الدامي، وتظافر كل جهود أبناء الأمة، لنصرة إخوتهم بسوريا.
استشهاد الطفل السوري، إيلان، فتح أعين الغربيين على إنسانيتهم، فهل سيفتح أيضاً عيوننا على إنسانيتنا وعروبتنا.