الثورة السورية
أو الموت بالنيابة عن الآخرين!
د. نزار بدران
في الخامس عشر من هذا الشهر، تكون قد مرت أربع سنوات على انطلاقة الثورة السورية. ومذذاك يواجه الشعب السوري واللاجئون الفلسطينيون حرب إبادة من قِبل النظام السوري، لإبقائهم في بيت الطاعة..
هل كل هذا الدم النازف فقط بسبب تعنت النظام وجبروته، ونحن نرى جيشا مقطع الأوصال وشديد الإنهاك، وقد فقدت الطائفة العلوية – وهي عماد النظام- الآلاف من أبنائها. بينما بات الكل يدرك أنه لولا الدعم الأجنبي، وخصوصا الروسي والإيراني، وتواطؤ الدول الغربية تحت ضغط اللوبي الصهيوني، لانتصرت الثورة السورية منذ زمن طويل.
لكن المستهدف حقيقة من هذه الحرب، والذي يفسر إصرار حلفاء النظام السوري على دعمه، هو إنهاء أي نفس ديمقراطي لما يشكله لهم من هاجس انتشار الحرية في بلادهم، وتصرفات بوتين في أوكرانيا وقمعه للمعارضة الروسية، واغتيال قادتها أكبر دليل على ذلك.
إيران آيات الله وأدت ربيعها سنة 2009، عندما قمعت “الثورة الخضراء” بقوة السلاح، ونفذت الاعدامات بالجملة. من يومها واستعدادات الدعم الايراني لكل حراك معاد للربيع العربي، من قبيل دعم الحوثيين باليمن، واستفراد الربيع البحريني، يعني أن الثورة المضادة بزعامة الملالي قد أطبقت في ليل على قوى الثورة في بلادنا، ليتضح أن هاجس قوى الثورة المضادة ذات التوجه الامبراطوري في إيران، ليس الدفاع عن الطائفة الشيعية كما تحاول أن تظهر، وإنما القضاء على أي مطالب بالحرية.
بدورها اسرائيل لم تكن لتتوقف يوما عن إظهار الخطر المحدق بها من المحور الايراني السوري اللبناني، لتطالب العالم بالتصدي له، ولكنها لم تنتهز فرصة انغماس هذا المحور بحرب داخلية طاحنة للانقضاض عليه، ومنعت عمليا أي تدخل غربي فعلي لصالح دعم الحراك الديمقراطي السوري، ولم تدع الحصان الأمريكي الهائج يتدخل إلا لصالح مصادرة الأسلحة الكيميائية وتدميرها، وذلك لتفادي خطر سقوطها بأيدي المعارضة وخروجها من اليد الأمينة. فالصهيونية تدرك ما يشكله الربيع العربي وانتشار الديمقراطية من خطر وجودي على إسرائيل التي لم توجد إلا للامعان بتجزيء الأمة، والإبقاء على أنظمة الاستبداد.
من جهتها تحول الأنظمة العربية المرتعشة دون وصول أمل الحرية إلى شعوبها؛ لتقف صفا واحدا، موحدة جهودها لمحاربة كل من نادى ورفع شعار أحقية المواطن باختيار قياداته السياسية عبر عملية ديمقراطية. فمن أجل ذلك تقوم حكومات الاستبداد بنقل تناقضاتها مع مجتمعاتها التي أفقرتها ونهبتها الى تناقضات داخل مكونات المجتمع نفسه،عامدة إلى خلق الأرضية المناسبة للتناحر العرقي والطائفي، بينما الكل هم ضحايا هذه الأنظمة مند ستين عاما.
وحتى ترعب المطالبين بالحرية، فهي تلجأ إلى إثارة مخاطر الحركات الفاشية الجديدة، فيما هي وتحت راية محاربة الارهاب والتطرف، تقوم بتوحيد جهودها لقهر أي حراك ديمقراطي، وهذا ما سنراه في مؤتمر شرم الشيخ المزمع انعقاده لتكوين قوة مشتركة لمحاربة الإرهاب، والذي يعني لهم طبعا كل من رفع كلمة الحرية، كما في رابعة العدوية، أو ساحة اللؤلؤة بالمنامة، وليس فاشيي “داعش”.
في الخلاصة فإن هذه الأنظمة لم تجتمع لمحاربة إرهاب النظام السوري الذي قتل مئات الآلاف، وما اجتمعت لمحاربة إرهاب اسرائيل الذي يدمر غزة مرة كل سنتين، ويطرد الشعب الفلسطيني من أرضه يوميا ويحاول تهويد القدس.
الشعب السوري يدفع اذا ثمن الحرية التي يطالب بها المواطن العربي في أي بلد كان، فالضحايا الابرياء والأطفال المشردين والنساء الثكالى والشهداء، هم ثمن حريتنا جميعا.
لقد اصطدم تسونامي “الربيع العربي” الجارف في سوريا بصخرة تحالف المستبدين، وتواطؤ الغرب معهم. حتى أن ارتداده إلى الخلف هو أيضا جارف، فتواطؤ القوى المعادية لأي تغيير ديمقراطي في بلادنا، مستفيدين مما يجري في سوريا، أدى الى مذابح رابعة العدوية وارتداد الثورة المصرية وعودة مصر الى اسوأ مما كانت. لتتواصل موجات هذا التسونامي المرتد لتصل إلى ليبيا، حيث وصل الأمر بأن يزود خليفة حفتر المدعوم من دول الخليج ومصر وأمريكا في آن واحد، بكل الوسائل للقضاء على الثورة الليبية التي تصور البعض مخطئا، أنها كانت صنيعة الغرب. وما يحدث في اليمن من انتشار للثورة المضادة التي يقودها الحوثيون، المدعومين مباشرة من إيران، إلا شكل آخر من أشكال هذا الارتداد.
الشعب السوري بإصراره على المضي بثورته، ورفضه العودة لزمن العبودية، يدفع من دم أبنائه ثمن حريتي وحريتك، وحقي وحقك بأن نعيش في وطن يحفظ لنا حقوقنا، ويدافع عنها، بدل أن نكون رعاعا وخدما للحكام وأسيادهم.
إن نصرة الشعب السوري هي إذن مهمة الأمة، ومهمة كل مواطن حر، من أجل الدفاع عن النفس. وسيكون انتصار الثورة السورية بمثابة نقطة اللا عودة، كي يتقدم الربيع العربي من جديد، وتتوقف أمواج الردة، بل وكي تعود الثورة من جديد الى ألق بداياتها.
وحدة كل قوى التغيير الديمقراطي في وطننا الكبير، والتوقف عن الانكفاء على مشاكلنا القطرية، والانتباه الى توحد معسكر أعداء الديمقراطية؛ هو الكفيل بإعادة البوصلة الى اتجاهها السليم، وإعطاء الزخم الضروري للنصر.
ليكن شعارنا كلنا سوريا وكلنا سوريون.