الاستفتاء البريطاني
تفكك الاتحاد الأوروبي أم المملكة المتحدة؟
حزيران 2016
نزار بدران
سيقوم الشعب البريطاني الخميس في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران الجاري، بالاستفتاء على بقائه أو خروجه من الاتحاد ألأوروبي، في أجواء يسودها الانقسام الحاد داخل ألمجتمع, خصوصاً بعد مقتل النائبة ألبريطانية جو كوكس، المؤيدة للبقاء والداعمة للقضية ألفلسطينية، .استفتاء اقترحه رئيس ألوزراء دافيد كاميرون في عام 2015، في خضم صراعه الداخلي مع الجناح الأكثر يمينية داخل حزبه ألحاكم (حزب المحافظين)، وذلك في حملته لإعادة انتخابه لذلك العام.
التجاوب الذي أبداه كاميرون لبقائه زعيما للحزب، ورئيسا الحكومة، مع الطرف الأكثر رغبة بالخروج من الاتحاد لأوروبي، لم يؤدي إلا إلى ازدياد ضغط هذا الطرف، والدفع لتحويل وعد كاميرون من مجرد وعد في حملة انتخابية، إلى حقيقة واقعة. سبع من وزرائه الثلاث والعشرون صوتوا لصالح الخروج، بزعامة عمدة لندن السابق بوريس جونسون، كذلك حوالي نصف نواب الحزب (130 من أصل 299 نائبا). هذه المواقف المعارضة لموقف رئيس الوزراء، الداعم لبقاء بريطانيا داخل الاتحاد أظهرت عمق الانقسام داخل الحزب الحاكم وهشاشته.
حزب العمال المعارض، بقيادة الاشتراكي جيرمي كوربين، أيد البقاء بغالبية ساحقة (217 من أصل 227 نائبا)، ولكنه لم يقم بحملة انتخابية لصالح البقاء، وترك الأمر لتوني بلير وغوردن براون، رؤساء الوزراء السابقين.
أراد كوربين أن يترك كاميرون يغرق لوحده، في وحل هذا الاستفتاء، وخصوصاً أن قاعدته الانتخابية، ليست على نفس المستوى من تأييد البقاء؛ كنواب الحزب، فهو اضطر كإشتراكي الاختيار بين أقل الضررين، البقاء داخل الاتحاد الأوروبي الليبرالي، أو الانكفاء على الجزر البريطانية، الأكثر ليبرالية.
الانقسام داخل بريطانيا، ظاهر على كل المستويات، وليس بين الأحزاب فقط، بل داخلها أيضاً، فهناك انقسام بين النخبة وعامة الشعب، فالنخبة التي بأغلبيتها الساحقة قادمة من جامعة أوكسفورد وكامبردج، لا تزيد عن 1%، ولكنها تستولي على مقاليد السلطة السياسية والاقتصادية.
وهناك الانقسام بين طبقات الشعب، فالطبقة العمالية منقسمة على نفسها بالتساوي، ولا تتفق مع النخبة الاقتصادية ورجال أعمال السيتي بلندن، من خلال أطروحاتهم الداعية للبقاء، ملوحين بخطر التراجع الاقتصادي الحاد في حالة الخروج.
هناك انقسام واضح أيضاً بين سكان لندن وسكان الأرياف خصوصاً بالشمال، فسكان لندن المتعددو الأصول، والمتواجدون في أكثر المدن تنوعاً وقوة مالية، يؤيدون البقاء، بنسبة تزيد عن 80%.
نرى هذا الانقسام أيضاً بين الطبقة السياسية وقطاعات عديدة من الشعب، فبعد الاستفتاء الاسكوتلندي عام 2014 على الاستقلال، فقد حزب العمال المعارض، تقريباً كل مقاعده في البرلمان المحلي (40 من أصل 41 نائباً)، في انتخابات مايو/أيار عام 2015، وهذا أحد الأسباب التي تدفع حزب العمال، لعدم دعم كاميرون، كما فعل لصالح بقاء اسكوتلندا داخل الاتحاد البريطاني.
الانقسام مُلاحظ أيضاً بين الأجيال، فمن هم دون سن الأربعين، يؤيدون البقاء بالاتحاد الأوروبي، وخصوصاً فئة الشباب ما بين 18 و25 سنة.
الأخطار المُحدقة بالمملكة المتحدة، ليست فقط على المستوى الاقتصادي، والذي هو موقع نقاش، ولكن من حيث وحدة بريطانيا نفسها، والمكونة من أربع شعوب. فالبرلمان الاسكوتلندي سيعود بشكل مؤكد لطرح مسألة الاستقلال عن بريطانيا، بعد فشل استفتاء 2014. وخروج بريطانيا سيكون بالنسبة لداعمي الاستقلال الاسكوتلندي، الفرصة الذهبية التي لا تُضيع، فهم يعلنون على الملأ، رغبتهم في البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، ولكن خروج بريطانيا نفسها، سيعكس تماماً هذه المُعضلة، وقد يضع حداً للاتحاد مع بريطانيا الذي أُسس عام 1707.
الخطر الثاني هو عودة الحدود، بين إيرلندا الشمالية، والتي هي جزء من بريطانيا، والجنوبية والتي هي دولة مستقلة، عضو بالاتحاد الأوروبي، 40% من اقتصاد إيرلندا الشمالية الفقيرة نسبياً، يتم مع إيرلندا الجنوبية، وعودة الحائط الجمركي، سيعيق حركة المواصلات والأشخاص والتبادل التجاري بشكل كبير.
الهجرة هي أيضاً من الأسباب الدافعة، لتأييد الخروج من الاتحاد، فبولندا بعد انضمامها قبل سنوات قليلة، صدرت أكثر من مليون عامل إلى بريطانيا، مستغلة حرية الحركة داخل الاتحاد. على أن وصول ملايين المهاجرين من دول الشرق الأوسط وأفريقيا لأوروبا، زاد داخل الرأي ألعام من منسوب الشعور بخطر تضرر التركيبة الاجتماعية والاقتصادية لبريطانيا.
التلويح بدخول تركيا الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد الاتفاق الأخير في آذار/مارس الماضي في شأن الحد من وصول اللاجئين، والذي ألغى تأشيرات الدخول للأتراك لأوروبا، بالإضافة لتسريع محادثات الانضمام، كان القشة التي قصمت ظهر البعير.
هل هناك خطر لانسحاب دول، قريبة فكرياً واجتماعياً من بريطانيا، مثل السويد من الاتحاد الأوروبي؟، هذا ممكن وعلينا انتظار ما سيأتي به المستقبل، علماً بأن المصلحة السويدية بالخروج ليست بنفس المستوى البريطاني، ولا الرأي العام بنفس الحدة.
الدول الأخرى القادمة من شرق أوروبا، مثل بولونيا وهنغاريا، رغم التصريحات النارية لقياداتها ضد الاتحاد، تستلم حالياً المليارات من اليوروات، القادمة من ذلك الاتحاد، وهو ما يمنعها من أي تفكير بالخروج، وخصوصاً وأن دولة كبولونيا، صدرت لأوروبا 2.5 مليون عامل خلال سنوات قليلة، من أصل 38 مليون ساكن (امتصاص البطالة)، وتستلم مبلغ 82.5 مليار يورو ما بين 2014-2020، حتى تصل إلى مستوى الدول الغربية، كما كان ذلك الحال سابقاً مع إسبانيا والبرتغال خلال القرن الماضي.
على السياسيين والنخبة الأوروبيين مسؤولية كبيرة بدفع الرأي العام نحو الانفصال، فهم كانوا يحملون دوما كل مآسيهم وفشلهم بدولهم، على بروكسل والمفوضية الأوروبية، متناسين أنهم بعد ذلك لن يستطيعوا الدفاع عن الاتحاد لصالح تطويره، وهو الفخ الذي وقع به السيد دافيد كاميرون.
هل ستتضرر الوحدة الأوروبية في حال انسحاب بريطانيا، هذا ليس مؤكداً، لأنه كما نسمع ونقرأ بالاعلام الأوروبي، كثير من الساسة يرون بريطانيا، كدولة مُعيقة لتطور الاتحاد، نحو مزيد من التكامل، والتخلص منها كما يقولون، سيدفع من جديد بالمحرك الألماني الفرنسي، لتكوين نواة صلبة، وإعطاء دفعة وحدوية جديدة على أسس أكثر فدرالية مما هو الحال حالياً.
الإعلام البريطاني، وخصوصاً الصحافة المكتوبة، لعبت وتلعب دوراً كبيراً جداً، بالتحريض على الخروج، والذهاب إلى عرض المحيط الأطلسي باتجاه الولايات المتحدة، ولكن تصريحات ومواقف أوباما مؤخراً، ذهبت في الاتجاه المعاكس لذلك، فهذا الخروج غير مرحب به من الطرف الأمريكي، كما ظن البريطانيون.
بريطانيا التي كانت في يوم من الأيام الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، قبلت أن تصبح دولة أوروبية عادية، ولكنها كما يظهر لم تقبل بعد، أن لا تكون الدولة العظمى داخل الاتحاد الأوروبي، هذه المرتبة التي تحتلها اليوم ألمانيا وبشكل أقل فرنسا.
يبقى أن نؤكد أن المُنتصر الأخير في هذا الاستفتاء، هو مفهوم الديمقراطية، والتي تُعطي الشعب ليس فقط حق الدخول بالاتحاد، ولكن أيضاً حق الخروج، رغم تخويف النخبة السياسية والاقتصادية، فالشعب يبقى سيد نفسه، ولا يقبل وصاية أحد.