تموز 2016
إسرائيل تنجح في استعادة تحالفات الماضي
د. نزار بدران
فجّر انطلاق الثورات العربية السلمية، أو ما أطلق عليه “الربيع العربي”، من تونس قبل أكثر من خمس سنوات، تداعيات خطيرة وعديدة، بكافة الأقطار العربية بدون استثناء. عنف الرد على هذا الحراك السلمي، كما حدث بمصر أو ما نرى بسوريا واليمن، من تقتيل وتهجير وتدمير، بفعل الأنظمة، يدل على عمق هذا الحراك الديمقراطي السلمي، فالربيع العربي لم يرفع أبداً، شعارات التطرف الديني أو العنف السياسي، بل هي الأنظمة على اختلاف تحالفاتها، من دفع وأوجد كل هذا الإرهاب والعنف، من أجل منع أو تأخير؛ قدر الإمكان، انتصار ثورات الشعوب العربية المُنتظر.
رغم عنف وبشاعة المشهد العام، فإن عمق الأمة وحراكها التاريخي نحو الانعتاق، يبقى هو الأقوى، لأنه لا يعبر عن حدث أو رد فعل، وإنما عن تغيير تدريجي منذ عشرات السنين، على المستوى الاجتماعي والديموغرافي، مع تغيير عميق في تركيبة المجتمع العربي، خصوصاً فئة الشباب التي تريد الانضمام لموجة التحرر العام بالعالم، وما انطلاقة الربيع العربي، في لحظة معينة، إلا ترجمة ظاهرية لهذا التغيير الاجتماعي غير القابل للعودة إلى الوراء.
في هذا ألإطار نرى عودة التحالفات من كل حدب وصوب، للقضاء والالتفاف على هذا الحراك. حيث الحفاظ على إسرائيل وأمنها، هو السبب والمحرك الأساس للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، في حين أن بقاء أنظمة الاستبداد والتجزئة هو الكفيل ببقاء إسرائيل، أما انعتاق الشعوب وذهابها نحو الحرية والديمقراطية، فهو يشكل الخطر الوجودي على هذه الدولة، رغم قوتها، كما حدث لجنوب أفريقيا، بإنهاء نظام الفصل العنصري.
الناظر إلى التاريخ الحديث، يرى أن التحالفات الإقليمية وُجدت دائماً، لحصار الأمة العربية، المتطلعة إلى التقدم والانعتاق، كما حدث من التحالف الغربي العثماني ضد محمد علي باشا بمصر، في القرن التاسع عشر (1805-1848)، وكذلك التحالف الثلاثي ضد مصر بالخمسينات، بين فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، وكذلك وهو ما يهمنا في هذه الأيام (التحالف الإيراني التركي الإسرائيلي) بالخمسينات والستينات ضد الرئيس جمال عبد الناصر وفكره الوحدوي.
الشرق الأوسط الجديد الذي يُطل برأسه علينا، هو برأيي إعادة إحياء هذا التحالف الثلاثي من جديد، بمباركة القوى ألعظمى لحصار أي مستقبل ديمقراطي للأمة العربية كما حدث دائماً.
هذا التحالف استوجب تغيير السياسات والأوضاع داخل إيران ومن ثم تركيا، فإيران قبلت بالتنازل عن أي مشروع قد يهدد أمن إسرائيل، وشرط إخراجها من الحصار الاقتصادي نهائياً، سيكون عودة الود الإسرائيلي، وسنرى ذلك في قادم الأيام. أما تركيا فهي تتجه للأسف في طريق مشابه، وسياسة أردوغان تتجه للتراجع عن المكاسب الديمقراطية لشعبه، وقمع الصحافة الحرة والمعارضة، والتراجع عن الانفتاح على المكون الكردي، ما يؤهل هذا النظام، للارتماء بالحضن الأمريكي الإسرائيلي كما نرى الآن. أما عودة التقارب والتحالف مع إسرائيل، فهو نتاج هذا الاتجاه الانفرادي بالسلطة، وغياب الرقابة الشعبية، ويُفسر استقالة رئيس الوزراء السابق، داوود أوغلو، الذي لم يرد على ما يظهر، أن يذهب في هذا الاتجاه.
الذين لا يريدون أن يعترفوا بعمق رغبة الأمة بالحرية وسيرورتها التاريخية نحوها، عليهم أن يروا كثافة القمع لهذه الشعوب، وتكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب، وعودة التحالفات العالمية والجهوية، وكأننا عدنا إلى زمن عبد الناصر أو محمد علي باشا. كل هذا هو دليل، على أن الربيع على هشاشة وروده وأزهاره، أخاف هذه الفيلة الجبارة.
أملنا أن يعود الشعب التركي للمطالبة باستعادة الديمقراطية الكاملة، وأن يعود الشعب الإيراني للمطالبة بحقه بالانفتاح الديمقراطي، لأن هذه الشعوب هي بكل تأكيد، داعمة للشعب الفلسطيني والشعوب العربية، برغباتها وطموحاتها في الحرية والديمقراطية، وهي فقط التي ستتمكن من إفشال هذه التحالفات غير الطبيعية، وهي أملنا بنجاح التغيير القادم، في منطقتنا وفي العديد من الدول الإسلامية.
شروط أردوغان الثلاثة، لعودة العلاقة مع إسرائيل، لم يتحقق منها إلا شطرها المالي، أما رفع الحصار، فاستُبدل ببعض المساعدات الإنسانية. الاتفاق الإسرائيلي التركي، مع بقاء الحصار هو في الحقيقة انتصار للسياسة الإسرائيلية المبنية على حصار غزة ، لأنه يُشرعنها بشكل مباشر. وكان من الأفضل لنا ألا تضع تركيا أصلاً هذا الشرط، لأن التنازل عنه لا يعني العودة إلى الوضع السابق، وإنما القبول بالحصار كحقيقة مقبولة دولياً، ومن أقرب المقربين لحماس. فإسرائيل تُعلن على الملأ، أن الحصار البري والبحري سيستمر كما كان، وستراقب وتدقق كافة المساعدات التي ستقدمها الحكومة التركية.
العملية الإرهابية الأخيرة في مطار أتاتورك باسطنبول، ببشاعتها وعنفها، أدت إلى حجب الرؤية عن المواقف التركية الجديدة حيال الوضع الفلسطيني، والموافقة على الشروط الإسرائيلية، لعودة التنسيق الأمني والمخابراتي معها، وقد يكون الاعتذار لبوتين، عن إسقاط الطائرة الروسية، أحد هذه الشروط، بعدما رأينا خروج التحالف الإسرائيلي الروسي للعلن.
أما الداعمين للسياسة التركية من الكتاب والمثقفين والصحفيين، فهم كغيرهم، يهللون دوماً لنظام يدعمونه، مهما تقلب وتغير ومهما تغيرت وتطورت الأحداث, لا مكان عندهم للفكر والمراقبة المستقلة، فالعمى الإيديولوجي هو القاسم المشترك والأكبر في ما بينهم.