16/08/2016
حلب برعم الأمل
د. نزار بدران
تتحقق تحت أنظارنا معجزة حقيقية، عندما تنعكس موازين القوى لصالح الضعيف ضد القوي، قد لا يدوم ذلك، ولكن حدث كسر طوق الحصار عن حلب، من المقاتلين المُحاصرين، بوجه آلة حرب جبارة، بقيادة دولة عظمى كروسيا، لن يمر بدون نتائج سلبية على التحالف الروسي الإيراني السوري.
حلب حُوصرت لأول مرة من قِبل المغول، عام 1260م، وقُذفت بالجثث الموبوءة بالطاعون من قِبل هولاكو لنشر الوباء، ولكن هؤلاء، رغم تحالفهم مع الفرنجة وبعض ملوك الشرق، لم يتفادوا الهزيمة واندحروا بعين جالوت، وتاه جنودهم بالصحراء السورية، وماتوا جوعاً وعطشاً.
أبطال حلب المحاصرين؛ مقاتلون ومدنيون، لم يقبلوا بالعرض الروسي، بممرات آمنة لقنصهم، وفرض الاستسلام عليهم، بل ما حدث هو دفع الطرف الآخر المُحاصر، إلى الاعتراف بالهزيمة ولو مؤقتاً، هزيمة جالوت أمام داوود.
كيف حدث ذلك، وما هي الأسباب؟ كثيرون سيكتبون الآن ولاحقاً عن ذلك، ولكن ما يهمنا هو معنى هذا الصمود، ودور القوى المناضلة من أجل الحرية على ساحة الأرض العربية لنصرته. فصمود حلب هو نقطة البداية، لوقف موجة الثورة المضادة في العالم العربي، والتي وضعت حداً للربيع العربي، لم ينج منها مؤقتاً حتى الآن إلا تونس.
صمود النظام السوري، والدعم الهائل الذي يحصل عليه، مع تواطؤ واضح من أمريكا وإسرائيل والغرب، سمح بارتداد موجة الربيع العربي إلى الخلف، وهو ما بدا واضحاً في كل دول الربيع، من مصر إلى ليبيا واليمن والبحرين والعراق، هو إذن موجة ردة، متقدمة هادرة، أغرقت الأمة بالدماء والدمار، وفتحت الأبواب للقوى الظلامية لتجد لها موضع قدم.
التدخل الروسي لإنقاذ النظام السوري، الذي لم تستطع إيران وميليشياتها إنقاذه، كان من المفترض به أن يُؤتي أُكله، كما حدث بجمهورية الشيشان سابقاً، وهي الأقرب نظرياً، للمثل السوري، فسوريا لا تُشبه أفغانستان، التي في زمنها كان مجاهدوها الإسلاميين، وبكل أطيافهم معتدلين ومتطرفين، مدعومون من كل الدول الغربية والعربية والإسلامية وعلى رأسها أمريكا، ولم يكن يهمهم التطرف الديني لهؤلاء المجاهدين، ما داموا قادرين على استخدامهم واستثمارهم ضد السوفييت.
كان على بوتين أن يتعلم، من حصار ستالينغراد، فرغم قوة الجيش النازي السادس المُحاصر لهذه المدينة، إلا أنه وقع بدوره في فخ حصار آخر من الجيش الروسي الناشيء، وأجبره على الاستسلام ملحقا به الهزيمة.
الفشل الروسي لحد الآن، وهزيمة حلب الأخيرة، أمام حفنة من المقاتلين وصمود شعب حلب البطل، قد يكون نقطة البداية، لوقف موجة الارتداد الثوري العربي، وإعادة شيء من الحياة والأمل إلى تلك الجماهير المعذبة، بالرمادي والفلوجة والموصل وميدان التحرير وميادين الاعتصام بصنعاء وغيرها من العواصم. كل هذا بالتزامن مع ربيع تركي عارم، أظهر أن الشعب الموحد، بكل اتجاهاته، قادر على قلب كل المقاييس والمعايير رأساً على عقب.
نحن إذن في فترة الأمل بعد اليأس، أمل صغير وضعيف، ولكن البداية دائماً هكذا. نصر حلب هو أمل عودة الروح للأمة جمعاء، وهو ما يفرض عليها وعلى قواها المناضلة من أجل الحرية والديمقراطية، أن تنهض من جديد في كل أقطارها، وتسترجع الأمل في إمكانية التغيير من الأسفل، أي من الشعب، بدون انتظار القادة الملهمين، كما رأينا بحلب وتركيا، علينا إذن الدفع والعمل، لنشر ثقافة الصمود والأمل، بوجه آلة القتل والدمار، لأنظمة التجزئة، والتوقف عن الانكفاء للوراء واليأس.
حكم ملالي إيران، القادمون من غياهب التاريخ، وسلطة بوتين التواقة إلى الحكم الاستبدادي السوفيتي المنهار، يبذّرون أموال واقتصاد دولهم في محاولة لتحقيق أحلام العظمة، وتمكين أشخاصهم بالسلطة، على حساب تقدم وتطور بلادهم وديمقراطيتها. سيؤدي ذلك عاجلاً أم آجلاً، الى عودة الروح للحراك الديمقراطي الشعبي في هذه الدول، فالشعب الإيراني أو الروسي ليس له أدنى مصلحة بدخول حرب ضروس، طويلة ومكلفة في دولة مثل سوريا، ومحاربة شعبها وقهر إرادته ومطلبه العادل بالحرية، بل على العكس هذان الشعبان، هما بكل تأكيد، داعمان لهذه المبادىء، وتواقان هما أيضاً للوصول إليها.
دعم ثوار وأهل حلب وسوريا، يتم عن طريق نشر روح الصمود التي أظهروها، والإصرار على النصر، حتى ولو بدا ذلك متناقضاً مع بديهيات توازنات القوى والهيمنة المفروضة علينا.