10/08/2015
أمل واعد بعودة الربيع العراقي
نزار بدران
قبل ثلاث سنوات، قامت السلطات العراقية زمن المالكي، بمهاجمة المظاهرات السلمية والاعتصامات التي استمرت سنة كاملة، في مدن العراق، خصوصاً في المناطق السنية. وأنهتها بالعنف المفرط، موقعة عشرات القتلى، وفاتحة بذلك الطريق إلى جهنم الحمراء التي تعرفها هذه المحافظات، تحت مُسمى مكافحة الإرهاب، ونحن لم نر في هذه الاعتصامات إلا المطالبة بالحقوق الأساسية للمواطن العراقي، واحترام التعددية والتوازن، ورفض هيمنة طيف اجتماعي على آخر، الكل كان يهدف إلى بناء عراق المواطن وليس عراق المليشيات.
رد فعل السلطة على هذه الاعتصامات، هو الذي أدى إلى دخول الطائفية وحركات الإسلام المتطرف الفاشية، وتمددها حتى سوريا. مليشيات المالكي التي تحمل اسم “قوات الحشد الشعبي” هي في الحقيقة الرد الطائفي، حيث شكل دخول العراق إلى أتون حرب ضروس طائفية، كان نتاج سياسة مقصودة من الحكام الجُدد، الذين يحاولون عبرها أن يبعدوا شبح التغيير الديمقراطي الحقيقي، وفي نفس الوقت إبعاد شبح تحويلهم إلى محاكم الفساد والهدر وسرقة ثروات الوطن.
أربعون مليار دولار هي قيمة الخسائر الاقتصادية المترتبة سنوياً عن نقص انتاج الكهرباء، و 300 مليار دولار منذ العام 2003 (تقرير خبراء/ الجزيرة نت) رغم صرف المليارات على هذه الشبكة، وما زال المواطن المُدلل بالجنوب ذا “الأغلبية الشيعية”، لا تصله الكهرباء إلا لبضع ساعات باليوم، بالإضافة إلى شح الماء، وتزايد البطالة وضعف الاقتصاد، وانعدام الحد الأدنى للحياة الكريمة، بينما يعيش أولئك الذين يقطنون في ما يسمى “المناطق الخضراء” في نعيم وأمان.
استطاع المالكي مدعوماً من الإيرانيين، وبعده العبادي الاستمرار بسياسة حشد الشيعة ضد إخوتهم السنة، تحت حجة الإرهاب والخوف من عودة الماضي الديكتاتوري لصدام حسين. هي سياسة كل الدول الفاسدة والحكومات الطائفية التي تُبعد خطر توحد الجمهور ضدها، لتحويل تناقضاتها مع المجتمع إلى تناقض قوى المجتمع فيما بينها.
هل سيُفشل متظاهرو بغداد والبصرة والجنوب الذين خرجوا بالآلاف، للتنديد بالفساد منذ بضعة أيام وبطريقة سلمية هذه السياسة، هل تُصبح موجة الحر الشديد التي تعرفها هذه المناطق ونتائجها بسبب شُح الكهرباء في بلد النفط والطاقة، شرارة عودة الربيع العربي والاحتجاجات السلمية، هذه المرة من نافذة المناطق الشيعية التي ظنها فاسدوا السلطة ومفسدوها وداعميهم الإيرانيين، أنهم كالنعاج يتبعون ويصدقون ما يُقال لهم. علما أن أبناء العراق من الشيعة هزموا في العشرينيات الاستعمار البريطاني، وجيش أقوى دولة في العالم في ذاك الزمن. هؤلاء لن يستمروا طويلاً بالسير وراء بائعي الأوهام وسارقي أحلام الأطفال بحياة جديدة وسعيدة، بعيدة عن العنف والقتل والموت من الفقر والحر، وهم الذين دفعوا من دمهم الثمن الأكبر والأغلى دفاعا عن وحدة العراق زمن صدام حسين الذي قتل منهم مئات الآلاف.
هذه الأغلبية الشيعية الصامتة، قد تكون مخرجنا للعودة لمبادئ الربيع العربي الذي انطلق من تونس (حرية كرامة عدالة ومساواة وديمقراطية)، والذي أغرقته الأنظمة في بحر من الدماء.
الربيع العربي العراقي إن استمر، قد يواجه بدوره أيضاً بالعنف من قبل السلطة، على شكل تفجيرات وعمليات لداعش والفلول البعثية للنظام السابق وما شابههما، لتبرير قمع السلطات ومنعها لأي مظاهرات وتجمعات سلمية. الطائفية والعنف هو رد السلطات العربية على الربيع العربي، ولكن العودة لجُمعات الغضب والتجمعات السلمية هو رد هذا الربيع المُنتظر والمأمول، لكل ساحات وشوارع مدننا المقهورة.
الطائفية والتقاتل الداخلي بين مكونات مجتمعاتنا، هي ظاهرة دخيلة عليها، وقد تعايشت هذه الطوائف مئات السنين بكل وئام وأخوة. أهلنا في الجنوب والذين كانوا لعشرات السنين الأكثر مظلومية، هم من يُعول عليهم للنهوض من جديد ورفع الظلم عن الجميع.
إن رفع شعارات المواطنة والمساواة بين كل الناس، والمُطالبة بالحقوق الأساسية للمواطن وحقوق الإنسان، كما يفعل أبناء البصرة وجنوب العراق هذه الأيام، كما تضامن السنة مع الشيعة في محنتهم، وتضامن الشيعة مع السنة في مآسيهم، هو الكفيل بتوحيد الشعب العراقي من جديد، ليُبعد شبح التقسيم المُخطط له إسرائيلياً، ويُفشل سياسات الهيمنة والتبعية التي نراها حالياً على قدم وساق في العراق وسوريا ولبنان وغيرها من الدول العربية، في إطار الشرق الأوسط الجديد.
إن تضافر كل القوى الديمقراطية العربية مع أبناء جنوب العراق، كما يجب أن يتضامنوا مع أبناء وسطه وشماله، يبقى هو المطلب الملح للمساعدة لإنجاح هذا الحراك وتوسعه وانتشاره.