13/02/2016
فلسطينيو 1948 عنوان المرحلة المُقبلة
نزار بدران
في أجواء مناسبة اليوم العالمي للتضامن مع حقوق الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 1948 الذي أطلقته القيادات الفلسطينية في الداخل الفلسطيني في يناير/كانون الثاني من كل عام، عبر سلسلة اجتماعات لها في الناصرة وفي أم الفحم، انعقد تحت قبة مجلس الشيوخ الفرنسي، يوم الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني بباريس، ندوة مخصصة لبحث وضع فلسطينيي الداخل، أي عرب 48، تحت عنوان “فلسطينيو إسرائيل”. شارك في الندوة أكاديميون فرنسيون، وشخصيات عربية فلسطينية من الداخل، نذكر منهم النائب العربي بالكنيست، المُنتخب حديثاً على اللائحة الموحدة، السيد باسل غطاس، وكذلك الأب فوزي خوري من الناصرة، والباحث الفرنسي دومنيك فيدال، والمؤرخ الإسرائيلي الناشط غادي الغازي وبحضور السيد سلمان الهرفي، سفير فلسطين بباريس وغيرهم.
أظهرت هذه المُداخلات، والتي استمرت يوماً كاملاً، مدى الظلم الواقعُ على أهلنا في أراضي فلسطين 48. بدءا بعمليات التهجير القسري، منذ عام 1948 وآلياته، من استيلاء على الأرض، وتدمير للقرى، وفرض نظام عسكري، حتى عام 1966. كل ذلك يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة بالشأن الفلسطيني. النكبة بهذا الإطار، ليست حدثاً، وإنما مساراً مستمراً لم ينته لحد الآن، كما قال المؤرخ الإسرائيلي الناشط غادي الغازي، مُظهراً العمل الدؤوب من السلطات الإسرائيلية، لدفع الفلسطينيين إلى الهجرة، عن طريق التضييق على قراهم، وعلى وسائل حياتهم.
وبحسب هذا المؤرخ، فإن إسرائيل تتبع سياسة الكيل بمكيالين، عندما يتعلق الأمر بالقرى والتجمعات العربية، فالجنسية الإسرائيلية لا تعني لهم حق المواطنة المُرتبط باليهودية، وهذا فهم خاص بإسرائيل، فهي تحرم هؤلاء من الدعم المالي لتطوير مشاريعهم، والنهوض بقراهم وتحسين أوضاعهم الصحية، فالدعم المُقدم للتعليم، هو خُمس ما يُقدم للمواطنين اليهود. الاعتمادات البلدية هي تقريباً النصف. الأحصائيات الإسرائيلية منذ العام 2003 إلى العام 2013، تُظهر تراجع متوسط الدخل عند العرب. فمثلاً مُعدل دخل العامل العربي، أقل من أربعين بالمئة من دخل نفس العامل الإسرائيلي اليهودي (حوالي الثُلث).
التضييق على القرى والتجمعات الفلسطينية، ظاهرٌ بوضوح، ويُخططُ له بحيث يدفع الفلسطينيين للخروج، ويُحضر بنفس الوقت، تطور التواجد اليهودي، مثال ذلك قريتا ميتار اليهودية وحورا العربية، المتواجدتان بشمال النقب المتجاورتان، قرية ميتار اُنشئت عام 1984 بجانب حورا. تُظهر الإحصائيات أن عدد سكان حورا العرب، هم 17 ألف نسمة، وسكان ميتار اليهود 6600 نسمة، أي أقل من النصف، بينما معدل الدخل للتجمع اليهودي هو 13524 شيكل شهرياً، مُقابل 5245 شيكل للعرب، أي أقل من النصف. من ناحية أخرى، مساحة الأرض التابعة للبلدية اليهودية، تُعطي كل ساكن 0.25 هكتار، بالمُقابل يُعطى 0.04 هكتار للمواطن العربي، أي أقل من الخُمس، هذا ما يعني، أن إمكانيات القرية العربية للتمدد واستيعاب التطور الطبيعي للسكان شبه مستحيلة (أُنظر الخارطة)، مقابل الإمكانيات المهولة للتمدد بالمستوطنة الإسرائيلية، هذه الحالة تبين مفهوم النكبة المُستمرة، وليس النكبة الحدث، أي التضييق المُستمر على العرب والتحضير المُستمر للتوسع الاستيطاني داخل إسرائيل نفسها.
التاريخ يؤكد ذلك، فبين عام 1948 و1950، تم طرد ما بين 80-85%، من البدو الفلسطينيين من ديارهم، والذين أُجبروا على البقاء بمنطقة تُسمى “السياج”، لا يستطيعون تعديها، واستمرت عملية التهجير لهم حتى عام 1960. التضييق على البدو لم يتوقف، فمع خطة برافر Prawer، لعام 2013، تم ترحيل 40 ألف مواطن ومصادرة أراضيهم، والذي حُددت لهم أماكن تواجد جديدة بشمال النقب، وذلك بهدف تدمير أماكن تواجدهم، كقرية أم الحيران وقرية عتير، تلك القرى الفلسطينية البدوية، والتي يُخطط الإسرائيليون، لبناء مستوطنة باسم حيران مكانها، هم يحضرون لذلك منذ خمس سنوات، بإقامة بؤر استيطانية عشوائية بجوارها، ولم تُفلح المساعي لمنع ذلك، وخصوصاً بعد رفض المحكمة العليا الإسرائيلية هذه الدعاوي.
من الجدير ذكره أن المحكمة اعترفت بأن أهالي أم الحيران لم يدخلوا أراضيهم بشكل غير قانوني، وإنهم يسكنون في وادي عتير، بأمر من الحاكم العسكري الإسرائيلي، في عام 1956، حيث أمرهم بالانتقال للمرة الثانية إلى “وادي عتير”، بعد أن كان نقلهم أول مرة إلى قرية “اللقية” في النقب.
الناظر إلى خريطة فلسطين، يرى بوضوح، أن السياسة الإسرائيلية الاستيطانية المُستمرة، منذ النكبة داخل فلسطين 48، هي نفسها تلك المُمارسة بالضفة الغربية، أو ما يُسمى بالأراضي المُحتلة، فقرية “سوسة” الفلسطينية بالضفة لا تفصلها عن القريتين المذكورتين، داخل أراضي 48 إلا الخط الأخضر، وهي نفسها مُهددة بالزوال، لإقامة مستوطنة مكانها، هي إذن نفس السياسة الصهيونية المستمرة منذ نشأة إسرائيل، ووجه الاختلاف الوحيد، كما يقول المؤرخ الغازي، هو استعمال الجيش الإسرائيلي، في أراضي الضفة الغربية، مُقابل “البوليس الإسرائيلي” داخل أراضي 48. هذه المقاربة بين الوضعين تبين أن الشعب الفلسطيني بكل أماكن تواجده داخل فلسطين هو هدف إسرائيليٌ للترحيل، وأن السياسة الصهيونية الاستيطانية، هي ذاتها منذ بدء النكبة.
المُتابع للسياسة الإسرائيلية، في مجال الاستيطان، يرى بوضوح، اتجاه إسرائيل الدائم نحو سياسة ثابتة منذ البدء وتتجذر يوماً بعد يوم، يلعب بها دعاة الاستيطان والمستوطنين، دوراً يزدادُ كبراً، يمكن القول، أن المستوطنين كانوا يُستعملون بالماضي، لدعم سياسة الحكومة وتبريرها، أما اليوم فهم يُشكلون الحكومة أصلاً، ويُحددون مساراتها. بموازاة ذلك، يزداد الرأي العام الإسرائيلي تطرفاً، في مجال الاستيطان، فزيادته هو الرد الدائم على أي تهديد مزعوم، من الداخل أو الخارج.
دولة عميقة وسلطة منتخبة
المؤرخ والناشط الإسرائيلي، غادي الغازي، يرى أن هناك دولة إسرائيلية عميقة، بغض النظر عن السلطة المُنتخبة، تسير دوماً نحو المزيد من الاستيطان، وطرد السكان العرب. قوى هذه الدولة، مُشكلة من الجيش والوزارات جميعها، والجهات المانحة الصهيونية، والوكالة اليهودية، والمؤتمر الصهيوني العالمي، هذه الأطراف الخمسة، تتحالف مع الحكومة، ومع الحركات الاستيطانية، لتقوية الاستيطان واستمرار المشروع الصهيوني.
مهمة الجيش واضحة، في حصار القرى العربية وتنفيذ الاستيطان، كل وزارة لها مُساهمة إدارية في هذه الوضعية، بغض النظر عن سياسات الدولة، المؤسسات المانحة العالمية الصهيونية، تقوم بجمع المال الضروري للمستوطنات داخل إسرائيل، كذلك الوكالة اليهودية، تفعل ذلك للمستوطنات في الأراضي المحتلة عام 67. المؤتمر الصهيوني العالمي يُعطي كل ذلك الإطار الإيديولوجي، بادعاء الهاجس الديمغرافي، وتزايد عدد السكان العرب، بوتيرة أكثر من السكان اليهود.
هذه التركيبة للدولة العميقة، تعمل بشكل شبه مستقل، عن الحكومة الإسرائيلية المُنتخبة، ومن هنا هي تُشكل تناقضاً مع مفهوم الديمقراطية بالحكم، لعدم خضوعها لأي سياسة رسمية أو رقابة. فهي تتصرف كالجمعيات غير الحكومية ذات الاهداف والتمويل والتنفيذ المُستقل، وأكبر مثل على ذلك، ما يحدث حالياً بالنقب، حيث يُباع حُلم الاستيطان هناك، كمادة تجارية ترفيهية، خارج أي اعتبار سياسي أو عقائدي، إنساني أو رسمي.
انتصار الصهيونية هو عندما استطاعت اختطاف الدين اليهودي، وربطه بمآرب سياسية، وهو أيضاً نقطة ضعفها، لأن الحركة الصهيونية، قدمت نفسها كحركة سياسية قومية علمانية، لرفع الظلم عن اليهود، ولكنها بررت إقامة دولة إسرائيل، على مبدأ ديني توراتي، لا يتوافق مع مبدأ العلمانية المُدعى، ولا مع مبدأ الدفاع عن المضطهدين.
التنوع يزعج الإسرائيليين
الأب فوزي الخوري من الجليل، بيّن محاولات الساسة الإسرائيليين، لتقسيم عرب 48، إلى طوائف مختلفة، بهدف محو هويتهم الفلسطينية الموحدة، مؤكداً أن المسيحيين يستقبلون بمدارسهم، ما بين 40 إلى 60% من الطلبة المسلمين، وأن النتائج الدراسية للطلاب لهذه المدارس، على مستوى إسرائيل، أفضل من المدارس الإسرائيلية نفسها. هذا التنوع يزعج المسؤولين الإسرائيليين، وهم يحاولون لذلك الضغط على هذه المدارس الخاصة، أو إعطاءها صبغة مسيحية فقط، وتسميتها بالآرامية، وهو ما رفضه الأب الخوري، وكافة القوى الفلسطينية المسيحية، وتضامن معها كل المدارس العربية الأخرى. دعم هذه المدارس، ضروري حالياً، لمواجهة الضغط الإسرائيلي لإبعادها عن بُعدها الوطني الفلسطيني.
تدخل السيد دومنيك فيدال، المؤرخ والصحفي الفرنسي، وعرض بإسهاب آليات العمل الصهيوني، والتي أدت إلى قيام إسرائيل، وهي تتناقض تماماً مع القرارات الدولية، بما فيه قرار تقسيم فلسطين عام 47، حيث أن نسبة السكان العرب للدولة الإسرائيلية الناتجة عن هذا التقسيم، كانت تُعادل عدد سكان اليهود تقريباً.
إسرائيل استعملت وبشكل مُمنهج، سياسة طرد الفلسطينيين، وقد ثبت تاريخياً زيف مفهوم خروج الفلسطينيين التلقائي بناءً على نداءات وُجهت لهم من قياداتهم ومن الدول العربية، فقد قام مؤخراً ما يسمى “المؤرخون الإسرائيليون الجدد” الذين يرفضون الانصياع للرواية الرسمية امثال “بني موريس” و “ايلان بابي” و”افي شلايم” ، بدراسة الأرشيفات علميا بعد فتحها للعموم، وبينوا أنه لم يوجد أي تسجيل صوتي للاذاعات العربية المسجلة عند ال “ب ب سي BBC”، أو أي وثيقة مكتوبة، تُثبت هذه الادعاءات.
يُقدر عدد المهجريين الذين خرجوا برضاهم حوالي 15% من السكان المليون ونصف في زمنه، يمثلون بشكل أساسي، البرجوازية المحلية أو المقيمين بفلسطين من الدول المجاورة، وتظهر الأرشيفات الإسرائيلية أن حوالي 85% من المُهجرين قد هُجروا بفعل عنف المجموعات المسلحة الإرهابية كالهاغاناة أو الأرجون، والذين لم يتوانوا عن طرد 400.000 فلسطيني بالدفعة الأولى من التهجير ما بين تشرين ثاني 1947 (قرار التقسيم) وحزيران 1948 (بضعة اسابيع بعد اعلان اسرائيل). واستمر ذلك فيما بعد بطرد وبتهجير 70.000 فلسطيني من اللد والرملة , وبحسب هؤلاء المؤرخين الجدد، كان ذلك بأمر من دافيد بن جوريون وايجال الون والضابط الشاب….اسحاق رابين.
تُبرر إسرائيل سياستها تجاه المواطنين العرب، بالقوانين العثمانية والبريطانية زمن الانتداب، فهي تُطبق قانوناً عثمانياً يُحول أي أرض لم تُزرع أو تُستغل، لمُلكية السلطان، تحت هذا البند، تُصادر إسرائيل كل أرض تعتبرها غير مُستغلة بما فيه الكفاية، وعلى صاحبها أن يُثبت دائماً عكس ذلك، وهو ما يصعب في كثير من الأحيان.
القانون زمن الوجود البريطاني، أعطى حكومة الانتداب الحق بمصادرة أي أرض لأسباب أمنية، بدون إعطاء أي تبرير، وهو ما تستعمله إسرائيل بشكل متزايد حالياً، لمصادرة أراضٍ كثيرة.
بن غوريون وحلم التهجير الكامل
لم يكن التهجير فقط زمن الحرب العربية الإسرائيلية، وإنما أيضاً بعد انتهائها، وذلك عن طريق طرد سكان شمال فلسطين، والتهجير الداخلي لبدو النقب. ولأسباب استراتيجية ذات علاقة ببريطانيا ودعمها لإسرائيل، لم يجر تهجير الفلسطينيين المسيحيين بنفس الكثافة، وهو ما يٌفسر بقاء مدن ذات أغلبية عربية مسيحية بشمال فلسطين كالناصرة. وفي زمنه، عبر بن غوريون عن غضبه، عندما زار شمال فلسطين، ورأى العرب وهو الذي كان يأمل أن يُهجروا جميعا، رغم خوفه من إزعاج حلفائه البريطانيين.
كذلك الأمر بالنسبة للدروز، والذين لم يُهجروا، وحُولوا إلى مجموعة سكانية تقبل التعامل مع السلطة الجديدة، هذا الوضع لم يؤمِن لهذه المجموعة السكانية، المساواة مع السكان اليهود، وما تزال الخدمات للقرى الدرزية، أقل منها من التجمعات اليهودية. نسبة الدروز داخل إسرائيل، قد لا تُشكل 2% (118000)، ولكن قتلاهم بحرب غزة الأخيرة، تجاوز العشرين بالمئة، وهو ما يبين أنهم يُستغلون فقط بالمهام القتالية الصعبة، بدون أن تستفيد من ذلك طائفتهم، وهو ما يُفسر مؤخراً، بوجود حراك درزي، مطالبٌ بحقوق مدنية وبالمساواة، وقد لا يدوم طويلاً منع هذه الطائفة من الانتماء لقوميتها الأصلية.
محاولات الحكومة الإسرائيلية، لتقسيم العرب لطوائف دينية أو عرقية، باءت بالفشل، وخصوصاً مع المسيحيين، كما ذكر الأب الخوري، والذين رغم بعض الأصوات الشاذة، لم يقبلوا الانسلاخ عن النسيج العربي. حتى إن ظهور وتنامي التيار الإسلامي الوطني، لم يُغير هذه المعادلة، فالانتخابات الأخيرة، أثبتت أن الصف العربي الموحد، يستطيع بتجميع كافة اتجاهاته وقواه، أن يُفشل السياسات الإسرائيلية، فقد حصلت اللائحة الموحدة على 13 مقعداً بالكنيست الإسرائيلي، وأصبحت بذلك المجموعة الثالثة. توحد هذه اللائحة العربية، كان أصلاً، رداً على رفع نسبة الحسم بدخول الكنيست إلى 3.4%، والذي كان سيؤدي، لو لم تتوحد كل القوى، إلى انعدام وجود أي تمثيل عربي تحت قبة الكنيست، وذلك رغم التدخل المباشر لنتنياهو بالحملة الانتخابية.
صراع الغريزة والبراغماتية
في مداخلته المهمة، بين النائب باسل غطاس، أن إسرائيل تُكرس حقوق اليهود القومية، حتى ولو لم يكونوا مقيمين (قانون حق العودة)، هذا ينعكس على كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية للتجمعات العربية، واضعة إياها بالمراتب الخمس الأخيرة لمستوى التطور، بحسب معيار مركز الإحصاء الإسرائيلي المُكون من عشرة مراتب، و 90% من هذه القرى توجد بالمرتبتين الأخيرتين، هذا في تناقض واضح، مع التزامات إسرائيل أمام منظمة التعاون والتطور الاقتصادي “ocde”، حيث أقرت قبول إسرائيل كعضو بها في مطلع عام 2010.
لم تُحقق إسرائيل ما التزمت به من تطوير هذه القرى، ورفع مستواها الاجتماعي والاقتصادي. هذه السياسة قد تتناقض مع مصلحة إسرائيل نفسها، لأن إفقار النسيج العربي، والذي يُشكل حوالي 20% من السكان، سيُفقر إسرائيل نفسها، ولكن القوى اليمينية العقائدية، لا تريد للعرب أي خير، فهي لا تبحث عن إدماجهم بالمجتمع والاستفادة من عملهم، وإنما تسعى لترحيلهم للخارج، وتحقيق نقاء الدولة اليهودية.
وأضاف السيد غطاس، أن هناك في إسرائيل صراع بين الغريزة الدافعة لإضعاف العرب، والبرغماتية التي تذهب في الاتجاه المُعاكس، لذلك لم تستطع الحكومة الإسرائيلية، إقرار مشروع الخطة الخماسية لتطوير القرى العربية، بعد ثلاث جلسات عاصفة للحكومة.
الخطاب العنصري يزداد، وبمشاركة نتنياهو نفسه، والذي حذر الإسرائيليين، من إقامة دولة داخل الدولة (يعني الأقلية العربية)، ودعا في الانتخابات الأخيرة، بنفسه المنتخبين اليهود، إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع بكثافة، ليواجهوا بحسب تعبيره، جحافل المصوتين العرب، في تدخل غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الإسرائيلية.
الأحزاب السياسية، المُمثلة للأقلية العربية، أصبحت أكثر نضجاً وفعالية بتعاملها في الداخل، وأيضاً في الأوساط الدولية، واستطاعت أن تنقل حقوق المواطن الفلسطيني داخل إسرائيل من خانة المشاكل الداخلية، كما تريد إسرائيل، إلى خانة القوانين الدولية، خصوصاً حقوق الإنسان، تلك المعاهدة التي وقعت عليها إسرائيل. تدويل قضايا عرب الداخل، أصبح أمراً مفروغاً منه، خصوصاً بعد طرح مشروع الدولتين، أو مشروع الدولة الواحدة.
حملات المقاطعة الاقتصادية والعلمية والأكاديمية لإسرائيل، لها تأثير كبير، وليس فقط على المستوى المادي الاقتصادي، ولكن للفزع الذي تبثه هذه المقاطعة، بين الأوساط العلمية والأكاديمية، والمجتمع المدني خشية عزلهم عن العالم، وهذا ما يبدو واضحاً في اجتماعات الهيئات ذات العلاقة، داخل المؤسسات الرسمية الإسرائيلية. وبحسب النائب غطاس، يبتعد حل الدولتين أكثر فأكثر، منذ اتفاقيات أوسلو، فقد نسفته إسرائيل عن طريق فرض أمر واقع جديد، وهو الاستيطان.
فلسطين عنوان المستقبل
المستقبل لا ينبئ بخير أو تغيير بهذه السياسة، فمنذ عام 2002، يحكم إسرائيل أحزاب يمينية متطرفة، ويحكم نتنياهو بشكل مستمر منذ سبع سنوات، وهو لا يواجه أي منافسة جدية، داخل حزبه أو الأحزاب المنافسة، ولا يُتوقع حدوث انتخابات سريعة قبل العام 2018، ولا يُتوقعُ حتى لو حدثت انتخابات جديدة، مع بديل حقيقي، أن يحدث تغيير ما بالسياسة الإسرائيلية، دليل ذلك ما قاله هيرتزوج، زعيم المعارضة العمالية الإسرائيلية بباريس، قبل أيام قليلة للرئيس فرنسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس، بعدم إمكانية حل الدولتين، طالباً التراجع عن هذا المطلب، وكأنه مبعوث شخصي لرئيس الحكومة. وفي الحقيقةً الاحتلال لا يُكلفُ إسرائيل شيئاً، بل على العكس، يفيدها اقتصادياً.
على المستوى الفلسطيني، أضاف غطاس، بأن فشل محاولات التقريب والوحدة الداخلية بين فتح وحماس، مضاف ٌ إليه فقدان الشرعية الشعبية الملموس بالشارع الفلسطيني، تجاه هذه الأحزاب والسلطة، وفشل مشروع إقامة دولة فلسطينية، أو إيقاف الاستيطان، أو حتى إيقاف الاعتداءات على الأقصى الشريف، كل هذا يدفع الشباب الفلسطيني، للبحث عن حلول جديدة، قد تُسمى انتفاضة ثالثة أو هبة سلمية، وهذا كفيل بخلق أوضاع وحقائق جديدة، قد تسمح بتغيير الوضع الراهن.
الأوضاع الداخلية الفلسطينية المتدهورة، مضافٌ إليها استمرار المشروع الاستيطاني الصهيوني، مدعومٌ بالدولة العميقة، بما فيهم اللوبي الصهيوني واللوبي المسيحي الأصولي بأمريكا، لا يمكن أن يتغير إلا إذا أقر المجتمع الدولي، بضرورة التعامل مع الإستيطان الإسرائيلي، كما تعامل مع الخطر النووي الإيراني، والذي تم احتواءه وتحجيمه، عن طريق المقاطعة والمؤتمر الدولي، بمشاركة دول 5+1.
الدور الأوروبي مهم جداً، ليس لأنه فعال، ولكن لأسباب أخلاقية، فإسرائيل هي نتاج السياسات الأوروبية البريطانية والفرنسية خصوصاً، هي إذن مسؤولية الأب تجاه ابنه، وضرورة التدخل لردع هذا الابن، وهذا ما لا تفعله أوروبا حالياً.
كما رأينا فإنني أظن، أن السرد التاريخي يُظهر الآليات التي قامت بواسطتها إسرائيل، وإن مفهوم الاستيطان والتضييق على الفلسطينيين، هو القاسم المُشترك منذ البدء، وأن ذلك مُستمر بالأراضي التي اُحتِلت عام 1967، ولكن أيضاً مستمر بنفس الوتيرة في أراضي الداخل. لذلك فإنه لا يجوز تجزئة النضال الفلسطيني، بين أراضي 48 وأراضي 67.
إن فشل العمل الفلسطيني التقليدي الرسمي بألتمكن من استعادة كرامة الشعب الفلسطيني وحقوقة المعترف بها دوليا, يفسر الاتجاه نحو طرح فكر جديد يجمع طاقات الشعب الفلسطيني بكل اماكن تواجده، مبني على مفهوم حقوق الانسان ورفض التمييز الديني او القومي وقيم الانسانية الحديثة، مستفيدا من تجربة نلسون مانديلا وشعب جنوب افريقيا. على أن نزع الطبيعة الاستيطانية لإسرائيل، لا ينتهي إلا بالنضال الفلسطيني على الأرض، وتغيير المواقف الدولية، وهذا سيكون عنوان المرحلة المُقبلة.
طبيب وكاتب عربي مقيم في باريس