من مضيق هرمز إلى باب المندب

07/04/2015

من مضيق هرمز إلى باب المندب

 نزار بدران

قد يظن المُراقب لأحداث اليمن في هذين اليومين الأخيرين، أنّ العالم وخاصة الدول العربية المجاورة لليمن مُضافاً إليها مصر والأردن، وبدعم واضح من أمريكا، قد بدأت تستشعر فظاعة ما يحل بالشعب اليمني من نكبات على يد الحوثيين وأتباع النظام السابق، هذه صحوة ضمير طال انتظارها، وكنا نأمل أن تحصل سابقاً لإنقاذ الشعب السوري من براثن النظام البعثي، والذي لم ولن يحدث.

دوافع التدخلات الأمريكية والعربية في اليمن، وقبل ذلك في العراق؛ لم تكن أبداً لرفع معاناة آلاف المشردين ولَأْم جروح الثكالى، وإرجاع الأطفال إلى مدارسهم بدل أن يهيموا على وجوههم، وإلا لرأيناه في سوريا وهي الأكثر دماراً ومعاناة. بدل الاحتماء والتحجّج بالفيتوات الرّوسية التي لم تمنعهم من دخول العراق أو ليبيا أو التهديد بضرب سوريا لتجريدها من السلاح الكيميائي.

المُعطيات الجيوسياسية تُظهر بوضوح أن السكوت عن تدخل إيران في سوريا، ومن قبله في اليمن عبر دعم الحوثيين، لم تكن حباً بهم، وإنما لاستعمالهم كوسيلة لقمع المُطالبين بالحرية بشوارع صنعاء وعدن، الرافعين لشعارات الديمقراطية وحق الناس في حكم أنفسهم. بالنسبة لأمريكا ودول الخليج وغيرهم هذه المطالب ليست ذات أهمية حتى يعملوا على دعمها، بل على العكس إنما هي تهدف إلى ترسيخ مبدأ استقلالية الدول العربية عن السياسات الغربية التي لا تروق لهم.

ماذا حدث إذن ليتدخل الغرب ومعه العرب، في المجال اليمني فجأة؛ الحقيقة أن السكوت عن إيران وحلفائها، قد بلغ مداه عندما اقترب النفوذ الإيراني الصاعد من الوصول إلى مضيق باب المندب، وهو مدخل البحر الأحمر وميناء عدن، والذي يُعتبر كمضيق هرمز بالخليج ذا أهمية استراتيجية بالغة، لارتباطه بالملاحة العالمية المدنية والعسكرية عبر قناة السويس، ومن وإلى ميناء إيلات الإسرائيلي.

لقد تجاوز الإيرانيون والحوثيون، كما أظن، ما قد سُمح لهم، لذلك وجب صدّهم، ولكن فقط ليعودوا إلى مربع قمع الحراك الديمقراطي.

في العراق اُتُبعت نفس السياسة، ولم يتدخل أحد؛ إلا عندما هددت “داعش” مناطق الأكراد، حتى تعود فقط إلى دورها المسموح به، وهو إنهاء أي حراك ديمقراطي عربي، والذي كان قد بدأ في ساحات الاعتصام، وبقي لأكثر من عام في المناطق المُتعارف عليها بأنها ذات أغلبية سنية. في هذه المناطق مسموح لـ “داعش” أن تصول وتجول وتفعل ما تشاء من تدمير وتقتيل للناس والممتلكات والإرث التاريخي للأمة.

جعجعات الغرب وأصدقاء سوريا – من له هكذا أصدقاء ليس بحاجة إلى أعداء- منذ أكثر من أربع سنوات، ورفض أي دعم حقيقي، بل ومنعه عن الثورة السورية، وما استعداد أمريكا واتجاهها الجدي فقط لنزع السلاح الكيميائي السوري الذي كان مُهدداً للسقوط بأيدي مجموعات خارجة عن سيطرة النظام حماية لإسرائيل، إلا الدليل الأبرز على أن سياسات الغرب وتوابعهم من العرب، لم ولن تكون أبداً لنصرة الحق في أوطاننا، بل للدفاع فقط عن مصالح الآخرين. ولا تُستعمل جيوشنا التي كلفتنا المليارات إلا لقمع أحرار الأمة في مصر وسوريا وغيرها أو للاصطفاف وراء القيادة الأمريكية في سياساتها ولمصالحها فقط.

لهذا لن يُسمح لإيران أن تسيطر في آن واحد على مدخل الخليج العربي، وعلى مدخل البحر الأحمر، ولكن لها ما تشاء هي وحُلفاؤها لعقاب كل حاضنة إجتماعية عربية دفعت أبناءها للدفاع عن الحرية، مطالبين بحقهم كمواطنين في اختيار من يحكمهم.

هذا ما نراه في سوريا، وما رأيناه في اليمن، بل تحالفت أمريكا والدول العربية التابعة لها مع إيران لحصر دور “داعش” في العراق في نفس مناطق الحاضنة الاجتماعية للتغيير الديمقراطي (أبناء ساحات الاعتصام في الرمادي والفلوجة وغيرها).

الحوثيون أيضاً لهم الحق بأن يصولوا ويجولوا ويقتلوا أبناء اليمن المطالبين بالحرية، ولكن ليس لإيران ولأتباعها المحليين الإذن بالخروج عن المهمة التي أُوكلت لهم.

 

طبيب عربي مقيم بفرنسا

26/03/2015

 

 

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s