16/06/2015
هزيمة لأُردوغان أم انتصار للشعب التركي؟
د. نزار بدران
لم يتمكن الرئيس التركي طيب رجب أُردوغان، من ربح رهانه، بالحصول على أغلبية برلمانية مطلقة، وذلك للمرة الرابعة على التوالي، لتمرير مشاريعه للسيطرة على كافة مقاليد الحكم، مُعطياً للمنصب الرئاسي صلاحيات لم تكن موجودة، عندما كان أُردوغان نفسه رئيساً للوزراء.
يجب علينا أن نستخلص العبر من هذه التجربة الديمقراطية الرائدة، فالشعب التركي بحكمته استطاع أن يميز بين الغث والثمين، فهذا الشعبُ الذي أوصل الرجل وحزبه منذ ثلاثة عشر عاماً إلى السلطة، وإعطاه كافة مفاتيحها، فعل ذلك لأنه رأى في أُردوغان الإبن الذي يمكن الرهان عليه ديمقراطيا، وهو الذي وضع نفسه وحزبه في خدمة الشعب التركي بكل مكوناته، واستطاع بجهد حثيث أن يُحقق للمواطن التركي، أُسس العيش الكريم مُضاعفاً ثلاث مرات دخله القومي، مبادراً نحو حل عادل للمشكلة الكردية، مبني على حق الأكراد بحكم مناطقهم وتطوير ثقافتهم واستعمال لغتهم.
ولكن الانفراد بالسلطة لحزب واحد، وأخيراً لشخص واحد؛ دفع أُردوغان لأن يتصور أنه أصبح بإمكانه تغيير قوانين اللعبة التي أوصلته إلى السلطة، ليبقى فيها ومن موقع رئيس الجمهورية، سالباً بذلك سلطات رئيس الوزراء.
تصور أُردغان أنه يستطيع أن يعكس كونه خادماً للشعب مؤتمراً بأمره، الى كونه متلاعباً بأصوات هذا الشعب، لتحقيق مآربه الشخصية، وهو الذي لم يتوان عن قمع الحراك الديمقراطي، المُتمثل باستعمال العنف المفرط، في ساحة تقسيم أو جيزي، لم يعد يحتمل الرأي الآخر، ووقوعه تحت مؤثرات وهم العظمة والعصمة، وبدأ يتخيل المؤامرات التي تُحاك ضده من كل حدب وصوب. حتى تحولت الشعارات التي رفعها حزبه في العام 2002؛ (تعددية؛ حرية؛ إصلاح) في العام 2015 إلى (مؤامرات، إرهاب، ومنظمات موازية).
أراد أردوغان الاستحواذ على السلطة، وذلك باتباع طريقة بوتين بروسيا، أو الرئيس واد بالسنغال، أي سحب السلم بعد الصعود إلى شجرة الحكم، حتى لا يتاح الصعود لأحد بعده، هذه السياسة نجحت في روسيا، لكون السلطة أقرب للنظام الديكتاتوري منه للديمقراطية، فمنعت المعارضين من أي نشاط، وأغلقت الصحافة المستقلة، وقتلت الصحفيين والمعارضين المُنتقدين لسياسات بوتين، وبالنهاية يُذكر أنها أيضاً زورت الانتخابات. في الحالة الثانية بالسنغال لم يستطع واد توريث السلطة لابنه بعده، وهو الذي حصل عليها بالانتخابات الديمقراطية لوعي الشعب السنغالي وتمكنه من الديمقراطية.
أردوغان لحسن الحظ، لم يعمل على إلغاء الديمقراطية كبوتين، وإنما قام بالتلاعب بها، في مُحاولة لتشويه صورة المعارضين والعلمانيين والأكراد، واللعب على الحساسيات العرقية والدينية.
قيادة حزب الشعوب الديموقراطي المُنحدرة من أصل كردي، والتي زعزعت بحصولها على ثمانين مقعداً، مشاريع أردوغان، قامت على عكس ذلك بالغاء صفتها الكردية، وانتمت في حزبها الجديد إلى الأمة التركية، ورفعت بمظاهراتها وتجمعاتها أعلام تركيا وصور أتاتورك؛ مع أن هذين الرمزين؛ لم يكونا في قلب شعارات الشعب الكردي لفترة طويلة، بسبب ما مورس ضدهم من قمع. إلى أن استطاع هذا الحزب الصغير أن يبتعد عن مكونات الأكراد العنيفة (حزب العمال الكردستاني بقيادة أوجلان).
وقد فشلت محاولات زعزعته قبل الانتخابات، بسبب ذكاء قيادته الشابة، والتي لم ترد على تفجير إرهابي في إحدى تظاهراتها، والذي أودى بحياة اثنين من مؤيديها، ولم يستطع الفاعلون الوصول إلى هدفهم، وهو دفع هذا الحزب التركي (وليس الكردي) الجديد للعودة إلى صورة طائفية وعرقية (كحزب أوجلان).
لقد استطاع هذا الحزب الحصول على أكثر مما كان متوقعاً من المقاعد، رغم أن الحملة الانتخابية الرسمية لم تعطه إلا ثلاث ساعات بالأسبوع، مقابل أكثر من مئة ساعة لحزب العدالة والتنمية.
لقد أظهر الشعب التركي حكمته، وأسقط مشروع أردوغان، الرئيس الذي أحبوه حقاً وحملوه على أكتافهم، عندما كان يمثل روحهم الحقيقية، ببناء وطن تركي موحد، يخدم حقوق كل مكوناته، وأسقطوا مشروعه الرئاسي الذي يتنافى مع مفاهيمهم القائمة على أهمية حمل الأمانة في مجال العمل العام، والانحياز للمعطيات السياسية التي ترفض التلاعب بأصواتهم.
يضاف الى ذلك مواقف أردوغان الخارجية المتذبذبة، من عذابات الشعب السوري كضحية لنظام همجي. وقد أعلن مراراً وتكراراً خطوطاً حمراء وزرقاء تعداها النظام السوري بدون أي رادع، وضعف رده على إسرائيل بعد مهاجمتها لسفينة الحرية مرمرة، مكتفياً بالاعتذار الباهت والتعويضات الرمزية، كما أظهر أيضاً ارتهان أردوغان رغم عنفوانه وتصريحاته النارية للسياسة الأمريكية بالمنطقة وعدم مقدرته على تخطيها، مضعفاً بذلك دور تركيا الرائد لدعم الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي.
حقاً لقد دخلت تركيا مرحلة النضج الديمقراطي، ولا أظن أنه بعد اليوم سيظهر سياسي آخر يُحاول سحب السلم الذي يوفره له الناخبون. فالرقابة الديمقراطية للمجتمع المدني على الحكم ومكوناته هي حقاً أنجع وسيلة للابتعاد عن شبح عودة الديكتاتوريات؛ علمانية كانت أم إسلامية.