15/09/2016
معالم باريس العربية
نزار بدران
باريس مدينة المعرفة والفن والأدب، تحتوي على معالم وأثار من حضارات عديدة، وليس فقط الحضارة الفرنسية أو الأوروبية. هكذا نجد في مدينة الأنوار العديد من المعالم العربية والإسلامية، أو ما سبقها قديمها وحديثها.
وفي هذه الفترة الصيفية قد يكون من المفيد تذكير العرب المقيمين هنا بباريس أو القادمين إليها بأشهر هذه المعالم.
نبدأ بجامع باريس الكبير الذي يجمع المسلمين، ويحمل قيم الإسلام الوسطي, تم بناءه بعد الحرب العالمية الأولى، وذلك اعترافا وعرفانا بتضحيات الجنود المسلمين ضمن عداد الجيش الفرنسي، والذين قتل منهم عشرات الآلاف في هذه الحرب المدمرة، والتي لم يكن لهم فيها لا ناقة ولا بعير.
انتهى بناء الجامع عام 1926، وأفتتحه رئيس الدولة وسلطان المغرب في حينه. وكان قد أقيم على مساحة 7500 متر مربع وسط باريس، منها حديقة داخلية خلابة بمساحة 3500 متر مربع. وقد استوحيت الهندسة المعمارية من مسجد القيروان بفاس وله مئذنة بارتفاع 33 مترا، مستوحاة بدورها من مئذنة مسجد الزيتونة بتونس. يؤمه يوميا مئات المصلين، وفيه مدرسة ومكتبة ومطعم. وهو من اجمل واشهر المعالم الاسلامية بالمدينة.
العالم العربي له معهده الذي بناه الرئيس الأسبق فرنسوا ميتيران، للتذكير وعرض الحضارة العربية والإسلامية القديمة والحديثة على الجمهور الفرنسي, الذي يزوره بكثافة، وذلك دليلا على مدى اهتمام الشعب الفرنسي بحضارتنا.
بني المعهد في ساحة محمد الخامس على شاطئ نهر السين بوسط باريس، وهو مكون من سبعة طوابق مع تكنولوجيا حديثة لإدخال الإضاءة الخارجية، ويحتوي على مكتبات عدة، ومتحف وصالات عرض للآثار والمعارض، ومسرح وسينما، وباحة كبيرة للمعارض المؤقتة بالإضافة للمطاعم.
يرأس المعهد منذ تأسيسه عام 1987 شخصيات فرنسية ذات معرفة ودراية بالعالم العربي، ورئيسه الحالي، جاك لانغ، وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، والمعروف بحبه للموسيقى، حتى إنه أسس لها عيداً، وعرف عنه إعجابه بالحضارة العربية والإسلامية، ومعرفته الواسعة لها.
متحف اللوفر، من أشهر المتاحف بالعالم، لما يحتويه من روائع الآثار العالمية، وهنا نخص بالذكر، الآثار الآشورية والفرعونية، والتي تحتل صالات عدة، وتجذب مئات آلاف الزوار، هذه الآثار التي وصلت، بعد حملة نابليون المصرية بين عامي (1798-1801م)، ونجد فيه لوائح حمورابي (1790 قبل الميلاد). لا يمكن أن تعتبر نفسك قد زرت باريس، إن لم تقضِ يوما أو يومين بزيارة هذا المعلم، والذي حدثه الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران ببناء هرم زجاجي على مدخله، زاد من جماله.
المتحف مكون من أبنية قصر قديم (قصر اللوفر) ويقع على مجرى نهر السين. ويتميز المتحف بالإضافة لكنوزه العديدة، بجمال بنيانه خارجياً، وعظمتها داخلياً، وهي في حد ذاتها تستوجب الزيارة للمتعة التي تعطيها للناظرين.
أمام متحف اللوفر، وفي ساحة الكونكورد، توجد مسلة الأقصر المصرية، والتي بناها رمسيس الثاني، فرعون مصر، ويُقال أن محمد علي، كان قد أهداها للملك شارل العاشر عام 1830، مقابل ساعة ذهبية موجودة حالياً فوق قلعة القاهرة، هذه الساعة التي لم تعمل أبداً. المسلة مغطاة بالحروف الهيروغليفية، ويصل ارتفاعها إلى 23 متراً، وتزن 230 طنا، وهي مغطاة في قمتها بأوراق الذهب، ونُصبت في وسط أجمل ساحات باريس، المُطلة على شارع الشانزيليزيه الشهير، محطة الزوار العرب الأثرياء.
أعطت بلدية باريس، أسماء كثيرة عربية لساحاتها وطرقاتها، مثل ساحة محمود درويش، أو شارع محمد البوعزيزي، مفجر الثورات العربية الجديدة، كذلك هناك شارع فلسطين، وأماكن عديدة تحمل أسماء مشاهير عرب، كالمستشفى الجامعي، ابن سيناء.
يعيش بباريس بعض المشاهير العرب، أمثال أمين معلوف، عضو الأكاديمية الفرنسية الشهيرة، والطاهر بن جلون الحاصل على جائزة جونكور للآداب، وهي أعلى جائزة أدبية فرنسية. ولا ننسى بعض الفنانين أمثال المغني خالد، أو الفكاهي السينمائي جمال. ونجد أيضاً بباريس، العديد من المطاعم العربية، والمكتبات التي تبيع الكتب العربية قديمها وجديدها.
باريس هي حقا مدينة الأنوار، ولنا نحن العرب اسهاماتنا المشهودة، وقد شاركنا ونشارك بمناراتها، ويكفينا لمعرفة ذلك أن نتذكر أن الشيخ جمال الدين الأفغاني، اختارها لإصدار صحيفته الاصلاحية “العروة الوثقى” عام 1884.