الخوف وحده لا يكفي
القدس العربي
نزار بدران
منذ قديم الزمان، اعتمدت السلطة لتثبت وجودها، على مبدأ السيطرة بالقوة على مجموع الناس، وذلك أساساً بالتخويف والإرهاب، فالقتل والإخفاء والتجويع وغيره، كانت من الوسائل المُستعملة، حتى في أكبر الحضارات السابقة، وما زالت طبعاً، بدون تغيير في أيامنا هذه، في كثير من دول العالم، التي تتسلط عليها حكومات شمولية، ومنها جزء كبير من العالم العربي والإسلامي.
لكن هل التخويف والإرهاب، يكفي لبقاء هذه الدول، وتلك السلطات، هذا ما ينفيه المؤرخون والفلاسفة فابن خلدون مثلاً، انتقد العرب بقوة، واتهمهم باستعمال العنف والدمار لتثبيت حكمهم بعد الفترة الذهبية الأولى ، ولكنه أكد بشكل واضح، أن الشيء الوحيد الذي سيُوحد هؤلاء، ويجمع الرعية المسلمة تحت رايتهم، وتجعلها تتقبل قرارات السلطة، هي الدعوة. وهكذا أمن الأمويون والعباسيون وغيرهم، حكمهم على شعوب المنطقة، بالخلط الدائم بين التخويف والإيديولوجية، مستعملة دائماً غطاء الفكر الديني، لإبعاد خطر الثورات ضدها.
الأسلوب نفسه اُستعمل زمن الدولة العثمانية، فرغم استبداد الباب العالي، إلا أن من جمع الناس، هو الأدلجة الدينية ورفع راية الدعوة.
حدث ذلك أيضاً بالاتحاد السوفييتي، فإرهاب ستالين والنظام الشيوعي ، احتاج لاستمراريته سبعين عاماً، إلى إيديولوجية لينين وماركس، لتغطية الإجرام ضد الناس، كذلك الأمر بالصين وغيرها. ويظهر القائد رغم إجرامه، كمحبوب للجماهير والتي تستعد للتضحية من أجله.
هذا ظهر جلياً في بلاد العرب، زمن جمال عبد الناصر، ذي الشعبية الساحقة، والذي بالوقت نفسه، أسس لما نرى حالياً، من أنظمة عسكرية مُستبدة، ولم يفسح المجال يوماً، لانتشار الديمقراطية في مصر، ويُحاول السيسي حالياً، استغلال هذه الشعبية، ولو بعد سنوات طويلة لتثبيت حكم العسكر.
الدين والسلطة، أو الإيديولوجية والسلطة، هما رديفان لكل نظام استبدادي، هذا أيضاً ما نرى في إيران الإسلامية، أو فنزويلا الثورة الشافيزية .
وقد فهم النظام السوري ذلك، لقمع شعبه على مدار ستين عاماً، فأسس لما يدعي أنها نظرية الممانعة والمقاومة، ليحمي بها ظُلمَه، وهو يستمر بذلك رغم دمار سوريا على يديه، بينما لم يُمانع أو يُقاوم يوماً احتلال إسرائيل للجولان أو تحرير متراً من فلسطين.
عندما تسقط ورقة التوت الإيديولوجية، يتعرى النظام، وفي تلك اللحظة، الخوف وحده لا يكفي لحمايته من ثورة الجوعى والفقراء.
هذه الورقة لا تسقط، إلا بتطور فهم الناس ووعيهم، هذا ما حدث في الثورة الفرنسية، التي استنارت بفكر عظماء الفكر والفلسفة، لإزاحة الحكم الملكي الفاسد، بعد رفض الناس للسيطرة الفكرية للكنيسة الكاثوليكية، التي كانت تُبَرر كل ممارسات الإقطاع.
وهذا ما بدأ في فنزويلا، عندما زال رمز الفكر، تشافيز، والذي استطاع بقوة شخصيته وثورته البوليفارية، أن يجمع أبناء فنزويلا، رغم سياسات عوجاء، أدت لخراب أكبر البلاد ثراءً بالنفط.
وهذا ما حدث في دول أوروبا الشرقية، والتي لم تعد تتقبل الفكر الماركسي، كمنارة للهداية، بعد زوال الاتحاد السوفييتي للسبب نفسه. وهذا ما حرك جماهير الأمة في تونس ومصر واليمن والبحرين وغيرها، عندما لم تعُد الأنظمة قادرة على طرح غطاء فكري، يجمد التناقض بينها وبين شعوبها، وعندما وصلت طبقة الشباب العربي، إلى وعي كافٍ لذلك.
العلم والتعلم، ونشر المعرفة والثقافة ومُقارعة التيارات الدينية العقيمة أو الفكرية الشمولية، هو من سيُعري هذه الأنظمة، ولا يترك بيدها إلا القوة لفرض سيطرتها، ذلك الحين ستعمل جاهدة، ، لتأجيج النزاعات الداخلية أو خلق الأعداء الوهميين بالخارج، ولكن بدون جدوى، فهي تعلم تماما، أن الخوف وحده لا يكفي لبقاء أنظمة الاستبداد.
كاتب فلسطيني