الانتخابات الفرنسية… ميلاد جديد للاتحاد الأوروبي
د. نزار بدران
وصول الرئيس الجديد للسلطة في فرنسا، إيمانويل ماكرون، وهو المرشح الوحيد الذي كان يدافع عن الاتحاد الأوروبي، وضرورة تطويره نحو مزيد من الوحدة. هذا في زمن عز فيه وجود من يدافع أو يحض على العمل المُشترك الأوروبي، لصالح الاتجاهات الانعزالية، بيمينها المتطرف وبيسارها القادم من غُبار الماضي.
هذا الوصول أظهر أن توقعات المُحللين السياسيين وعلماء المجتمع، باستمرار ظاهرة تراجع الاتحاد، والذي بدأ منذ سنوات، وتُوج بانسحاب بريطانيا العام الماضي، أو تطور اليمين الشعبوي، والذي كان رمزه، انتخاب ترامب للسلطة، لم يكن بكل هذا الصواب المتوقع.
أظهر الشعب الفرنسي، وفرنسا دولة مؤسسة للاتحاد، أن التوجه الوحدوي، أقوى من الشعبوية اليمينية واليسارية، وأن نسيان، أو تناسي الاتحاد الأوروبي، من خلال المشاريع الانتخابية المُقدمة من باقي المُرشحين للرئاسة، قد انعكس ضدهم.
الشعب الفرنسي، رغم وقوعه ضحية لحملة شعبوية، من اليمين المتطرف، قادتها مارين لوبين، رئيسة الجبهة الوطنية واضعة مصير المهاجرين في قلب تلك الحملة الشعبوية، أو أكثر شعبوية من اليسار المتطرف قاده جان لوك ميلنشون رئيس فرنسا المتمردة، واضعاً هموم فرنسا على ظهر ليبرالية الاتحاد الأوروبي، ورغم تنامي ظاهرة الإرهاب، ومقتل عشرات الفرنسيين، في باريس ونيس وغيرهما، لم ينجر هذا الشعب كالخراف، وراء أوهام الخروج من الاتحاد، والتقوقع على الذات، بل قالها بصوت عالٍ؛ الحل هو العودة للاتحاد الأوروبي، وتطوير مؤسساته عبر مزيد من التكامل.
أزاح الشعب الفرنسي أحزابه التقليدية، اليمينية الديغولية، واليسارية ألاشتراكية وهما اللذان تقاسما الحكم منذ تأسيس الجمهورية الخامسة قبل أكثر من ستين عاماً، وذلك لصالح حزب جديد، ترأسه ماكرون الشاب، منذ حوالي السنة، ورفع كشعار عالٍ له، الانفتاح على العالم، والمزيد من التكامل الأوروبي، أي بشكل واضح التغريد خارج السرب الإعلامي والسياسي. وفي البداية، لم يكن أحد يُراهن عليه ولو بفرنكً واحد، أو (يورو واحد) كي ينجح بالوصول إلى السلطة.
أركز على هذه النقطة بالتحديد، أي البُعد الأوروبي للانتخابات الفرنسية، لما لها من أهمية لدى شعوب العالم الأخرى، وخصوصاً الشعوب العربية، والتي أراد الكثير من المستولين على سدة الحكم في بلاد العرب، والأحزاب الدائرة بفلكهم، أن يُكرسوا التجزئة العربية، من مُنطلق فشل الاتحاد الأوروبي.
يحق للوحدويين العرب إذن، أن يشكروا السيد ماكرون والشعب الفرنسي، على عملهم هذا، والذي بكل تأكيد، أحرج الكثير من الأنظمة، الداعية للانعزالية، واستعداء شعوب الأرض كاملة، كما نرى ذلك في السلوك الإيراني أو في التوجهات الروسية، أو فيما قادت أو ستقود إليه الثورات العربية المضـادة.
نأمل بأن تكون الانتخابات الفرنسية، بعد تلك التي جرت في النمسا وهولندا، أن تكون مؤشرا على ظاهرة جديدة لسياسات الانفتاح على الآخر، والعمل المُشترك بين الدول والشعوب، ووقف مد الحراك الشعبوي، مهما كان مصدره: بريطانيا، أمريكا أو أي دول أخرى بالعالم، ونظن أن الانتخابات الأوروبية المقبلة في إيطاليا، ستؤكد هذا الاتجاه.
كاتب فلسطيني