القدس وعودة المسيح المُنتظر
القدس العربي
د. نزار بدران
Dec 15, 2017
لم يتوقف الرئيس ترامب لحظة، عند ردود الفعل العربية أو الإسلامية، على قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ولم يأخذ رأيهم أصلاً بهذه الخطوة، وهم أهل القضية والقدس عاصمتهم الروحية الأبدية، منذ أن أسرى الله بعبده إليها.
لماذا يتخذ الرئيس ترامب هكذا قرار أصلاً، وهل يخدم ذلك المصالح الأمريكية نفسها؟. الحقيقة أن الخوف الذي يعيشه الرئيس الأمريكي، من إمكانية تنحيته، كما حدث مع الرئيس نيكسون، قد يكون السبب الحقيقي لنقل السفارة، فبعد اعترافات ميكايل فلاين، مستشار الرئيس السابق، واتصالاته مع الروس، وتأثيرهم بمجرى الانتخابات الأمريكية، أصبح الخناق يضيق شيئاً فشيئاً حول عنق الرئيس، وأصبحت إمكانية أن يُغادر منصبه، محتملة جداً.
كشخص شبه عاقل، يتوجه الرئيس إلى اللوبي الداعم له، والذي أوصله إلى سدة الرئاسة، وهم الأصوليون المسيحيون البروتستنت، أو من يُسمون أنفسهم المسيحيون الصهاينة، والذين يؤمنون بعودة المسيح إلى إسرائيل الكبرى وعاصمتها القدس، فهو إذن، يُحقق لهم جزء من النبوءة التي يؤمنون بها.
بالإضافة لذلك، فهو يسترضي اللوبي الصهيوني التقليدي، والذي كان قد صوت لهيلاري كلنتون، قبل عام بالانتخابات الرئاسية، وخصوصاً الصحافة المرتبطة به، التي كان ترامب يتهمها دوماً، بنشر المعلومات الكاذبة عنه.
هل المصلحة الأمريكية، أو دور الوسيط الأمريكي في الشرق الأوسط، سيستفيد من هذا الموقف الأمريكي، الداعم لإسرائيل بأحد مطالبها الاستراتيجية، بتناقض تام مع الشرعية الدولية عامة؟ لا نظن ذلك، ولكن اعتبار الربح والخسارة بالنسبة لأمريكا، لا يأخذ بالحسبان، ردود الحكومات العربية أو حكومات الدول الإسلامية، لانعدام أي وزن سياسي لها، فهي كلها مدينة ببقاء أنظمتها، بشكل أو بآخر لأمريكا، وتدفع مقابل ذلك الأموال الطائلة، كما نرى بدول الخليج مقابل الحماية، والتي من أجلها ومن أجل بقاء أنظمتهم، على قلوب شعوبهم، ينسون القدس وفلسطين وما حولهما. الدول الأخرى ليست أفضل حالاً من دول الخليج، فإما هي تعيش من المساعدات الأمريكية، أو تزودها بالأسلحة والعتاد، لتُحارب بعضها بعضاً.
أما الفلسطينيون، فقد جردوا أنفسهم من كل وسيلة ضغط، أو مقاومة فعالة، عندما رفعوا شعار المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات كهدف استراتيجي وحيد. ونحن ندور بفلكه، منذ أكثر من 25 عاماً، بدون اية فائدة، ولم نحصل إلا على مزيد من المستوطنات والحصار.
لا نستطيع حقاً الوقوف لنصرة القدس، إلا إذا استطعنا الانتقال ببلادنا، من حكومات الأنظمة المُستبدة، والقيادات المُلهمة، والتي تُصادر إرادة الناس، وتُغيب آراءهم، إلى تحرير أياديهم، لكي يعملوا معاً على امتداد الأرض العربية، لبناء وطن يعملون من أجل عزته وتطوره وأنظمة تُمثلهم وتعمل ليل نهار، للدفاع عن مصالحهم وحريتهم وحقوقهم، بدل العمل ليلاً ونهاراً، للحفاظ على مصالح الطبقة الحاكمة ضد مصلحة الجميع.
العلة إذن هي فينا، كشعوب وأنظمة، وما لم يُحل التناقض بين هذين الطرفين لصالح الشعوب، فلن تقوم لنا قائمة، وستبقى القدس وفلسطين بأيدي الغزاة.
كاتب فلسطيني يقيم في باريس