القدس نهاية الحل وبداية التصدي

القدس نهاية الحل وبداية التصدي

د. نزار بدران


Jan 24, 2018

القدس العربي 24 كانون الثاني 2018

اُختصر اقتطاع فلسطين، من الأرض العربية، بداية القرن الماضي، في إطار تقاسم الإرث العثماني، بين القوى المُنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وخلق دولة أجنبية، بمواطنين لا يتكلمون لغة البلاد، ولا ينتمون لتاريخها، وإبعاد العرب سكان فلسطين، منذ آلاف السنين، إلى مخيمات اللاجئين، أو حصارهم في بقع صغيرة على الأرض الفلسطينية المتبقية؛ اُختصر كل ذلك تحت عنوان المسألة الفلسطينية، أو النزاع العربي، أو الفلسطيني الإسرائيلي، وكأن هناك مشكلة بين كيانين، أحدهما فلسطيني أو عربي، والآخر إسرائيلي، يجب طرح حلول مبدعة لحلها، بما يتلاءم مع مصلحة الطرفين.
هذا حقيقة هو الطرح الساذج، الذي عشنا عليه سنوات عديدة، والذي لا يعكس مطلقاً بديهيات القضية الفلسطينية. هذا الطرح هو أساس كل التراجعات العربية الفلسطينية، لأنها لا تزال تبحث عن حلول لمشكلة، آخرها كان المبادرة العربية بالاعتراف بإسرائيل، من كل الدول العربية والإسلامية، مقابل الإنسحاب من ألأراضي المحتلة عام 1967، وكذلك قبلها اتفاقيات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية.
لماذا فشلت هذه الحلول العربية والعالمية المُبدعة في حل المشكلة، إلى أن تجرأ ترامب إلى الاعتراف بالقدس، عاصمة لإسرائيل، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، والمزايدة بطلب الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية. تمهيدا لطرد فلسطينيي الـ 48، والذين هم اصلا خارج المشكلة التي يريد العرب حلها بما أنهم داخل «إسرائيل» التي يعترفون بها.
الحقيقة أننا نحن العرب والفلسطينيين، نبحث عن حلول لمشكلة وهمية، وهو ما نتصوره الخلاف العربي، أو الفلسطيني الإسرائيلي، بينما الإسرائيليون، ليس لهم معنا أي خلاف، بل لهم سياسة ينفذونها منذ اليوم الأول، وهو إقامة إسرائيل وطرد الشعب الفلسطيني، والسيطرة بعد ذلك، على مقدرات الأمة العربية.
هم كالمهاجرين الأمريكيين الأوائل، يقيمون المعاهدات مع السكان الأصليين، ثم يطردونهم بلا هوادة، ولا يحترمون من أي إتفاقية، إلا الجزء الذي يوفر لهم تحقيق السياسة المرسومة والمُخطط لها. نحن إذاً لسنا أمام مشكلة تبحث عن حل، ولكن إعتداء وتهجيرا قسريا، سرقة الأرض وإقامة شعب غريب على أرض عربية.
إن رأينا القضية الفلسطينية على حقيقتها، فالجواب ليس البحث عن حلول، ولكن بإقامة سياسات لمواجهة المُخطط الإسرائيلي الصهيوني، أي البدء بسياسة للصمود والتحدي، والعمل على استرداد المسلوب.
هذا ما فعله الجزائريون، الذين لم يقبلوا بدولة مسخ في صحراء الجزائر، وما فعله مانديلا جنوب أفريقيا، والذي لم يقبل إقامة كانتونات للسود، بل دولة واحدة، بقيادة السود السكان الأصليون للبلاد، هذا ما فعله الفييتناميون مع أمريكا، حينما رفضوا بقاء جنوب فييتنام دولة مستقلة وعاصمتها سايغون تحت الرقابة الأمريكية، وأصروا على طرد ودحر المُحتل، حتى آخر متر مربع من فييتنام شماله وجنوبه، وهذا ما فعله وفعله غيرنا كثيرون.
وحدنا في العالم، نبحث عن حلول لمشاكل وهمية أوقعنا بها أعداؤنا، وكذبة كبيرة بإقامة دول وإنشاء عواصم، بدون سيادة ولا حدود ولا قدرة.
وحدها هذه الأمة العربية، التي تقبل أن يُنتقص أهم جزء منها، وأكثره قداسة، لصالح رعاع جلبوا من أطراف العالم، ولا يرون بذلك إلا مشكلة هامشية، تبحث عن حلول خلاقة، بأروقة الأمم المتحدة، ووزارات خارجية الدول العُظمى.
والحالة هذه، فلا نستغرب أن يكون مصيرنا مخالفاً لمصير جنوب أفريقيا السوداء، أو فييتنام المستقلة، بل مصير الهنود الحمر الذين يعيشون الآن داخل كانتونات، لا تتعدى مساحتها 2,3 %من أرض أجدادهم.
نأمل أن تكون الخطوة الأمريكية الأخيرة، بدعم انتزاع القدس، من أيدي العرب والمسلمين والمسيحيين، والتي هي بكل تأكيد خطوة أخرى لدعم السياسة الإسرائيلية، القاضمة والهاضمة لحقوقنا، أن تكون القدس هي الجرس الذي دُق ليخرجنا من الجري وراء الحلول التي لا تُهم أحداً غيرنا، والبدء في وضع أُسس الصمود والتحدي. وما فعله المقدسيون، بشهر تموز 2017، حينما أجبروا نتنياهو على التراجع، إلا الخطوة الاستباقية لذلك التغيير المُنتظر.

.

كاتب عربي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s