جمال خاشقجي وتحدي الإرادة الحرة
19 – أكتوبر – 2018

يشكل مقتل جمال خاشقجي، الصحافي السعودي في قنصلية بلاده في إسطنبول، صفحة جديدة في الحرب التي تشُنها السعودية على حرية الكلمة مهما كانت مؤدبة. هذا ما حدث أيضاً ضد المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وهو التعبير الأسمى حالياً للمجتمع المدني، الذي يحاول أن يثبت وجوده بالوطن العربي على إثر بدء الربيع العربي قبل بضع سنوات.
هذه الجريمة إذاً، ليست استثناء في السياسة السعودية، هذا هو الحال أيضا بالعديد من الدول العربية الأخرى: إخراس الكلمة الحرة، هو انعكاس هاجس الخوف الذي يسود الأوساط الاستبدادية، والتي تُدرك تماماً أن زمنها قد ولى، كما حدث بأماكن عديدة أخرى في العالم.
الإرادة الحرة كما عرّفها الفلاسفة أمثال (إيمانويل كانت) في القرن الثامن عشر، هي ما يمكن اعتبارها الصبغة الإنسانية، وما يُميزها عن باقي عالم الكائنات الحية؛ امتلاك القدرة على التفكير والحكم المستقل، يجعل من الإنسان هدفاً لكل عمل، ومنعه من ذلك واستبدال إمكانياته بالحكم المستقل والتفكير، بأفكار أخرى مفروضة عليه، هو في الحقيقة مسخ للإنسان وإرادته، وتحويله من موضع السمو والنهاية، إلى موقع الشيء والوسيلة، بمعنى آخر، منع الكلمة الحرة والتفكير المستقل، هو حيونة للإنسان، وإنهاء كامل لكل ما يمكن أن يُقدم للسمو بالإنسانية من تقدم علمي واجتماعي.
لو تذكرنا التاريخ الإسلامي، لرأينا أن فترة الانفتاح والتقدم الحضاري، تزامنت مع فترة حرية العقل في التفكير والإنتاج (زمن ابن سينا والفارابي وغيرهم)، حيث لم توضع قيود على الفكر، وانتقلت المعرفة عن طريق الترجمة من شعوب لشعوب أخرى، بينما تقوقع العرب والمسلمون عندما أغلقوا باب العقل الحر، وألغوا الاجتهاد، وفرضوا فكراً أحاديا، وهو ما أوصلنا لما نحن عليه الآن منذ عشرة قرون.
حرية الكلمة والفكر، ليست بالنسبة لنا، ترفاً فكرياً أو مجرد تقليد للغرب، وإنما حاجة ماسة حتى نتمكن من استرجاع هويتنا الإنسانية، وحتى نتمكن من اللحاق بركب الشعوب، التي سبقتنا وتجاوزتنا، بينما نحن نصدح بالتمجيد لأوهام فكرية لا تمت للعقل الإنساني بصلة.
الأنظمة العربية، وكما أظهرت مأساة الصحافي الشهيد جمال خاشقجي، لا تريد لأحد أن يشُق عصا الطاعة العمياء، مُتلحفة بغطاء الدين أو الأفكار الآتية من الغيب، مُستهدفة تحويل أبناء الوطن، من أُناس لهم الحق أن يكونوا هدف كل سياساتها، إلى وسيلة لتحقيق بقائهم بالحكم واستيلائهم الدائم على السلطة والثروة. هكذا أنظمة، لا يمكنها بالقرن الواحد والعشرين، البقاء طويلاً بعد أن أزاحت الشعوب الغشاء الذي غطى لمئات السنين أعين الناس بمعظم بقاع الأرض.
جمال خاشقجي، رمز لهذا التناقض، بين الحرية والظلم، بين الإرادة الحرة والاستعباد، وبين الإنسانية والهمجية. إن استطاع بموته، أن ينشر ولو قليلاً هذا الوعي بحاجة البشرالطبيعية، لحرية الإرادة، فإن مقتله لن يذهب هدراً.
كاتب عربي