عرف التاريخ استعمالاً للطب لأهداف إجرامية تخرج تماماً عن أعراف وأخلاقيات العمل الطبي، وأضافت السعودية بجريمة قتل جمال خاشقجي، صفحة جديدة لهذا الملف الأسود، عندما أرسلت طبيب تشريح وطب شرعي، لقتل وتقطيع الضحية، كما أكد المُدعي العام التركي، وذلك في محاولة لإخفاء الجريمة، بدل الدور الطبيعي لهكذا طبيب، بكشف الجريمة وتعرية فاعلها أو فاعليها.
استعمل النازيون أطباء مجرمين، وأشهرهم جوزيف منغيليه، بتجاربهم الطبية المُفزعة، في إطار نظرية النقاء العرقي، وجهودهم لإعطاء بُعد علمي، لنظرية العنصرية البيولوجية، وتفوق العنصر الآري الألماني، على باقي الأجناس، بالإضافة لتخليصه من آفات المرضى العقليين والمعاقين.
من ناحية أخرى، نجد أطباء مرضى نفسيين، هم أصلاً مجرمون قبل كونهم أطباء، أمثال الطبيب الشهير، بتيو في فرنسا، والذي حُكم بقطع رأسه عام 1946 بالمقصلة، بجريمة قتل 26 سيدة، استدرجهن لبيته لسرقتهن وقتلهن ثم حرق جثثهن.
وخلال حرب البوسنة، قام الطبيب رادوفان كاراديتش، رئيس عصابات الصرب، بقتل آلاف المسلمين، وتدمير عشرات المستشفيات والمراكز الطبية، والذي حوكم بمحكمة الجنايات الدولية.
ولا ننسى الدكتور بشار الأسد، وتسببه ومسؤوليته عن موت عشرات آلاف الضحايا الأبرياء في سوريا، والذي لم يتوان حتى عن استخدام السلاح الكيميائي لقتل الأطفال والنساء.
إن استدراج جمال خاشقجي، لمبنى قنصلية بلاده في إسطنبول، لقتله وتقطيع أوصاله، بيد طبيب متخصص، متخرج من الجامعات السعودية والغربية، يسيء بشكل مؤكد للسعودية ونظامها، ولكن أيضاً بشكل غير مباشر وثانوي، للطب والأطباء العرب. لا أظن أن أساتذة هذا الطبيب، كانوا يدركون الكيفية التي سيستعمل بها محاضراتهم وعلمهم، ومآلات القسم الذي تلفظ به عند استلام شهادته بالطب.
هؤلاء هم مجرمون أولاً وأخيراً، وليسوا أطباء ، لأن اسم الطبيب لا يمكن أن يُعطى إلا لمن أحيا الإنسانية، وليس لمن قتلها.
التاريخ العربي مليء بالأسماء العظيمة، في عالم الطب، أمثال ابن سينا وابن النفيس، ولن يُؤذي هذا التاريخ أسماء مجرمين، امتهنوا الطب فقط، لخدمة السلطان، مهما كانت أوامره.
قدم مئات الأطباء السوريين، حياتهم لإنقاذ حياة أبناء وطنهم، وكذلك فعل أطباء كثيرون بدول عديدة، وساهم غيرهم بالدفاع عن القيم العُليا التي يؤمنون بها، أمثال تشي جيفارا، والذي قُتل في بوليفيا عن عمر 39 عاماً، أو سلفادور أليندي، الرئيس المنتخب لتشيلي، والذي قدم حياته دفاعاً عن الديمقراطية عند انقلاب الجنرال بينوشيه عليه عام 1973.
هؤلاء المجرمون سيدخلون مزبلة التاريخ، ليبقى الطب والأطباء رمزاً للإنسانية بكل زمان ومكان.
طبيب عربي مقيم في فرنسا