اقتراحات لتنظيم عمل الجالية الفلسطينية بفرنسا
ورقة عمل للنقاش
د. نزار بدران
مقدمة
تتميز الجاليات الفلسطينية بالعالم الغربي، على قلة عددها النسبي، بمستواها الثقافي والعلمي والمهني المميز، وكذلك مقدرتها على الاندماج بالمجتمعات المحلية والمشاركة بالفعاليات الاجتماعية والسياسية لهذه المجتمعات. انفتاح هذه المجتمعات وديمقراطيتها العريقة، يسمح لأبناء الجالية بالتعبير الحر والعمل بدون عوائق كبيرة، رغم وجود مجموعات ضاغطة معادية بالصحافة والأحزاب السياسية.
هناك بُعدان لأعضاء الجالية الفلسطينية بفرنسا :
الُبُعد الأول، هو الانتماء إلى العمل الفلسطيني من منظار حراك سياسي مُعين، بانتماء رسمي أو غير رسمي، فقد ننطوي تحت فكر جبهة فلسطينية مُعينه، كحركة فتح أو حماس أو الجبهة الشعبية وغيرها، ونُدافع عن أهدافها وتصوراتها، وقد لا نكون منطويين تحت فكر معين لحركة معينة، وإنما نحمل فكراً مستقلاً، بمعنى الانتماء إلى تيار فكري كالليبراليين، أو الاشتراكيين، أو القوميين بدون انتماء لحركة سياسية، وهذا ما نسميه المستقلين.
هذا البُعد الأول، يعني وجود خلافات بالرؤى والتصورات ووسائل العمل، للوصول إلى الهدف الوطني، وهو مرتبط بتاريخ الشخص وانتماءه الطبقي، والتأثيرات التي عاشها بحياته بالوطن أو بالمهجر.
هذه الاختلافات بالرؤى، هي التعبير الصحي عن حيوية المجتمعات، وليس نقطة ضعف فيها، توحيد الرؤية السياسية لكل أطياف الشعب هو ما يُسمى الشمولية، أي عدم وجود الرأي المعارض، حيوية الديمقراطيات الغربية، مرتبطة بالتعددية السياسية والفكرية، وليس بتوحيد الرؤى وتشابهها.
لا يتفق الناس أجمعين إلا على القيم والمباديء العامة، وليس على الفكر الفلسفي والوسائل السياسية، عند الفلسطينيين، القيم والمباديء العامة، تُدعى الثوابت الوطنية، وهي بشكل عام مرتبطة ببعض النقاط القليلة والواضحة والمتوافقة مع مباديء حقوق الإنسان، المُعلن عنها منذ عام 1948 من قِبل الأمم المتحدة، وليس الشرعية الدولية، والتي هي نتاج توازنات سياسية لقوى مختلفة، والتي قراراتها ، تُعبر حين تبنيها عن موازين قوى ومصالح الأقوياء، ولا تعكس أبداً قيم الإنسانية (مثل قرار تقسيم فلسطين أو الاعتراف بإسرائيل).
فقرة واحد /ما نتفق عليه ) ما يجب أن نتبناة كمبادىء داخل جمعية الجالية للتعريف بنا أي من نحن )
نحن الفلسطينيون نتوافق إذاً على الثوابت الدائمة المرتبطة بالحقوق الإنسانية وهي أولاً حق تقرير المصير للشعوب، حق العودة لأرض فلسطين، وهو ما يتناقض مع قرار تقسيم فلسطين الشرعي حسب المعيار الاممي ،اعتبار القدس عاصمة لفلسطين ، حق اللاجئين بالعمل والعيش بكرامة، وهو ما يتناقض مع القوانين التميزية في كثير من الدول خصوصاً لبنان. حق المواطن بالتعبير عن رأية بحرية، وهو ما يتناقض مع مراقبة الفكر ووسائل التواصل الاجتماعي. حق الفلسطينيين بالتنقل والحركة وهو ما يتناقض مع حصار قطاع غزة وإغلاق المعابر. حق الفلسطينيين بانتخابات حرة نزيهة مُراقبة. حق الفلسطينيين بإطار شامل يجمعهم وهو منظمة التحرير الفلسطينية، وهو ما يتناقض مع الاختلاف الحالي بين الحركات الفلسطينية. الانتماء للأمة العربية، وهو ما يتناقض مع الانكفاء على النفس.
(فقرة اثنان /ما نختلف عليه( ما لا يجب أن نتبناه داخل جمعية الجالية
كلنا إذن نتوافق على ذلك، ولكننا ننتمي لمدارس فكرية مختلفة، أي سنختلف مثلاً على أهمية ودائمية العمل المسلح لتحرير فلسطين، على إقامة دولة فلسطينية بالضفة وغزة، على اعتماد الدين بالعمل السياسي في مجتمع متنوع بأديانه ومعتقداته، على طبيعة العلاقات مع الأنظمة العربية المحيطة، على علاقتنا مع اليسار الإسرائيلي وعلى الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، على أهمية المصالحة بين فتح وحماس، على كيفية إعادة اللحمة بين الأطياف السياسية الفلسطينية، على سياسة السلطة الفلسطينية، على اعتماد الكفاح السلمي والمظاهرات كوسيلة وحيدة للنضال، على تبعية الاقتصاد الفلسطيني للدعم الخارجي العربي أو الغربي، على مُعطيات الربيع العربي، وكُثر أخريات.
تنافر واختلاف الرؤى، مُقابل توحيد الثوابت والقيم، هو شيء يجب الحفاظ عليه، لإغناء الفكر وتقوية العمل، كما نرى بالدول الغربية. وحدها القاعدة الشعبية، عن طريق الانتخابات العامة، أو داخل الأطر الرسمية ( برلمانات، مؤسسات، جمعيات)، من يُحدد أي توجه يُعتمد للعمل، بعد التأكد من تطابقة مع القيم والثوابت ( أو الدستور بالدول الغربية).
لذلك فنحن لسنا دعاة تفرقة عندما نختلف، ولكننا دعاة إغناء فكري، ونُذكر بجملة تشرتشل، رئيس وزراء بريطانيا زمن الحرب العالمية الثانية بما معناه، سأحارب فكرك بما أستطيع من قوة ولكنني مستعد أن أموت من أجل أن تقول وتفكر كما تشاء، أو كما قال ميشيل روكار، رئيس وزراء فرنسا الأسبق أمام البرلمان الفرنسي عام 1988، (الحرية هي أن تكون حراً لتفكر بطريقة أخرى la liberté c’est le droit de penser autrement).
فقرة ثلاثة/ خصوصيات الجالية ومهامها (ما يجب أن نعمل داخل جمعية الجالية أي ما نريد) البُعد الثاني لأعضاء الجالية، هو كونهم بالتحديد، أبناء جالية بمعنى، مجموعة من الناس خرجوا طوعاً أو قصراً من أوطانهم، ويعيشون بأرض أخرى مع شعب آخر، هذه الوضعية الحالية للجالية بفرنسا، تفرض عليها واجبات جُدد ومختلفة عمن يعيش بأرض الوطن.
أولاً الدفاع عن هوية الجالية الفلسطينية، ونقل هذه الهوية إلى الأبناء كالغة العربية، والعادات، وقيم الانتماء لفلسطين، وتاريخ الوطن، حتى لا تتحقق نبوءة بن غوريون بأن الكبار يموتون والصغار ينسون.
ثانياً تقوية العلاقات الداخلية بين العائلات الفلسطينية وهم أصلاً قليلي العدد، مقارنة بالجاليات الأخرى ( الأرمن، البرتغاليون وغيرهم).
ثالثاً تطوير وسائل الاندماج بالمجتمع الفرنسي المستقبل، خصوصاً على مستوى التعلم والعمل والمشاركة السياسية والاجتماعية (مؤسسات، أحزاب، جمعيات)، ودعم الشباب الفلسطيني لذلك ( أبناء الجالية المولودين بالمهجر).
رابعاً تطوير وسائل التواصل مع الجاليات الفلسطينية الأخرى بأوروبا والعربية بفرنسا وغيرها كالمشاركة بمؤتمرات العودة والنشاطات العامة الأخرى.
خامساً توصيل رسالة فلسطين والحق الفلسطيني للمواطن الفرنسي، مُدركين تماماً أن السياسات الرسمية للحكومة والأحزاب، يُحددها الراي العام، وليس العكس، فالعمل مع المجتمع المدني الفرنسي هو من قد يغير المواقف السياسية الرسمية (مثال حملة المقاطعة,BDS).
سادساً دعم حقوق وكفاح المواطن الفلسطيني بكل أماكن تواجده.
سابعاً الدفاع عن مصالح الجالية ككل، بالانتماء لفلسطين والمشاركة بالقرارات المُتخذة خصوصاً ما تتعلق بحقوق اللاجئين والمغتربين، فالجاليات الفلسطينية يجب أن تكون إثراء للعمل والفكر الفلسطيني، وليس تمزيقاً للمجتمع وتشتيتاً لقواه، هي قوة إضافية مهمة لدعم الحق الفلسطيني، خصوصاً أنها متمكنة في كثير من الأحيان في الأطر المحلية الاجتماعية والسياسية.
فقرة اربعة/ خلاصة
خلاصة القول، أن على الجالية أن تقوم بمهامها المنوطة بها لكونها جالية، وبشكل خاص إعادة اللُحمة والوحدة للصف الفلسطيني بفرنسا، وثانياً السماح لكل الأعضاء بالتعبير الحر عن الرأي لإغناء النقاش والفكر الفلسطيني، كوسيلة وحيدة لحل الأزمات. تتبنى الجالية وتعمل للدفاع عن القيم المشتركة لأعضائها وهو ما نسميه الثوابت الفلسطينية، وبنفس الوقت تفتح صدرها لكل الآراء والآفكار الخارجة عن الثوابت ، بتناقضاتها وتضاربها، دون تبنيها.والتي يجب أن تطرح فقط من خارج أطر الجالية الرسمية أي خارج اجتماعات الهيئة الإدارية أو الجمعية العمومية، أو المنبر الإعلامي الرسمي للجالية بهذه الطريقة لا يتناقض الانتماء الحزبي مع الانتماء للجالية , وثالثا تعميق الإنتماء لفلسطين لابناء الجالية المولودين بفرنسا. رابعا تسهيل الاندماج بالوسط المحلي الفرنسي، والتعامل معه من خلال مؤسساته المدنية، هي أنجع الوسائل للتأثير بالقرار السياسي على مختلف مستوياته.
قد يكون فتح منبر إعلامي مستقل للجالية وسيلة مناسبة لتحقيق الوحدة وإثراء الفكر
ملحق
دور مؤسسات المجتمع المدني بالمشروع الوطني الفلسطيني
ما هي الاسس التي نستطيع ان نبني عليها لتفعيل دور المجتمع المدني للنهوض بمشروعنا الوطني المشترك. البعد الحقوقي وارتباطه بلائحة حقوق ألإنسان ,هو أول نقطة ارتكاز للدور المُناط بمؤسسات المجتمع ألمدني في إطار المشروع الوطني ألفلسطينيي والذي هو من منظار القانون الدولي مشروع حقوقي بامتياز، ويذكرنا ذلك بمشروع نيلسون مانديلا بجنوب أفريقيا، ونجاحه الباهر بالتحرر.
الُبعد السياسي هو الوجه الثاني لدور هده ألمؤسسات ويعني الدفع باتجاه احترام الثوابت ألفلسطينية من كافة القوى والأحزاب ألسياسية ,وخصوصاً حق العودة كاملاً غير منقوص.
البُعد التاريخي هو البعد الثالث لهذا ألدور, وهو التأكيد أيضاً أن فلسطين ليست فقط ملك الجيل ألحالي, لكنها أيضاً ملك الأجيال السابقة وخصوصاً الأجيال ألقادمة, لا يملك أحد حق التنازل عن أي جزء منها لصالح أي كان. فأبناءنا الذين وُلدوا بالمهجر, لهم نفس الحق التاريخي بأرض فلسطين ,ولا يستطيع أحد حرمانهم منه. حق السيادة على فلسطين, هو ملك الشعب ألفلسطيني, ماضياً وحاضراً ومستقبلا وليس مرتبطاً بمفهوم المُلكية الخاصة للأفراد.
البعد الرابع لدور المجتمع المدني بالمشروع ألوطني هو البُعد الاجتماعي، فمؤسسات هذا المجتمع بتنوع أعضائها وحيويتهم وتجددهم الدائم، الفكري والجيلي، هو منبع لا ينبض لكفاءات سياسية واجتماعيه أنبتتهم أرض ألواقع المبنية على القيم, وتستطيع المشاركة بجدارة بالعمل السياسي وتطوير المشروع الوطني. هي إذا الوسيلة لتجديد العمل السياسي عن طريق فتح المجال للأجيال الجديدة للمشاركة خارج أُطر الولاءات التقليدية أو الانغلاق الفكري .ونموذج مؤسسات المجتمع المدني بتونس بالتوافق الاجتماعي الناجح او نموذج نقابة العمال سوليدارنوش برئاسة ليش فاليزا ببولونيا بفتح باب الديمقراطيات بأوروبا الشرقية لهما التعبير الاكبر والأوضح عن اهمية العمل المدني.
لكل هذه الأسباب علينا أن نُركز بعملنا لفلسطين على مؤسسات المجتمع ألمدني, قبل الارتهان للتيارات ألسياسية, والتي بدون استثناء لم تستطع أن تُحقق المشروع الوطني الكبير
باريس أكتوبر 2018.
——–