الجريمة ألتي قصمت ظهر البعير، القدس العربي 24 أكتوبر 2020. نزار بدران

الجريمة ألتي قصمت ظهر البعير

د. نزار بدران

مع مقتل المعلم الفرنسي صاموئيل باتي على يد إرهابي شيشاني وبطريقة بشعة تذكرنا بداعش ومن شابهها،. نجد من جديد من يبرر او يتفهم او يقسم المسؤولية بين الجاني والضحية. يذكرني ذلك بجرائم التحرش الجنسي  والذي تتحمل دائما الضحية مسؤولية ما حدث لها، لعدم احتشامها او إثارة شهوات القاتل.

عندما حرقت داعش الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة عام 2015 لم يحمل أحدا المسؤولية للطيار بل داعش لخروجها عن كل قوانين الأسر والانسانية.  عندما يقتل المستوطنون الاسرائيليون  بالقدس حرقا الطفل الشهيد محمد أبو خضير عام 2014 لن نقبل ان تجد الصحافة والقضاء الاسرائيلي اعذار مخففة للحكم.

جريمة القتل لا يجب ان تجد من يبحث عن مساواة الجاني بضحيته وإلا فنحن لسنا بحاجة لاي قانون ينظم المجتمع، بل قانون الغاب يكفي. هذا ما نراه ببلادنا بجرائم الشرف والتي تعفي وتطلق سراح القاتل، بعكس قوانين الدول الغربية والتي تحكم على جريمة الشرف بشكل أقوى بسبب وجود سلطة للقاتل على ضحيته.

ما أقول لا يعني أن لا نفهم أسباب وظروف الجريمة لنتمكن من أخذ الاجرائات اللازمة لمنع تكرارها، التمييز بين السبب والنتيجة مهم جدا لأن ما توجب عمله مرتبط بالاسباب، فالتحرش الجنسي سببه الكبت الجنسي وليس ما تلبسه الضحية، هذا يعني ان الاجراءات المتخذة يجب ان تكون موجه نحو حل أزمة الكبت والتعامل بين الجنسين, وهو ما يدفعنا إلى مساعدة الشباب كتخفيض نفقات الزواج ماديا، او مساعدة العائلة المكونة الجديدة، وليس اجرائات لفرض النقاب على النساء، او تخفيف الأحكام على الجناة وقبول جرائمهم.

بالعودة لمقتل الاستاذ الفرنسي ذبحا، فاتهامه بأنه السبب بذلك هو تجني عليه ، ما قام به هو جزء من أساليب التعليم الغربية والتي تفضل النقاش في الأشكاليات المطروحة داخل المدارس لإثارة النقاش بدل خلق الكره المتبادل ورفض الآخر، وليس الاستسلام والتراجع ، حرية التعبير هي أحد أسس المجتمع الغربي، وهي بفرنسا محدودة نسبيا عن طريق ربطها باحترام قيم العلمانية واسس الثورة الفرنسية، على خلاف أمريكا أو بريطانيا حيث لا توجد حدود تقريباً.

الإعلام الساخر هو تقليد ثوري قديم حين كانت الصحافة منذ قرون، ما بعد الثورة الفرنسية تتهكم دائما على رجال الدين المسيحيين وعلى الكنيسة وعلى الساسة، وهو ما أسس لثقافة النقد الساخر ذا الانتشار الواسع وبقبول كل الأطراف.

 الوجود الإسلامي بالمجتمع الغربي حديث النشأة نسبيا، بدأ مع النصف الثاني من القرن الماضي ، وأخذ منذ التسعينات بعدا جديدا قريباً لما حدث بدول المشرق والمغرب العربي من حيث الارتداد نحو التعصب الديني وظهور الاسلام السياسي،  المجتمع المسلم بفرنسا تأثر إذا بالتغيرات السياسية والاجتماعية بالدول  المصدرة للهجرة.

من ناحية أخرى ما نراه حالياً بالغرب ومنذ ظهور الحركات الاسلاميه المتطرفة مثل القاعدة أو داعش هو بالحقيقة امتداد لهذه الحركات وليس التطور الطبيعي للمكون المسلم، ولا رد فعل على ما يسمى تهميش جزء من المجتمع ذا الاصول المسلمة. دليل ذلك أن هذا التهميش كان أكثر وضوحا بالستينات والسبعينات حين كان هولاء العمال المهاجرون يسكنون مدن الصفيح. من ناحية أخرى فإن الأفراد المتورطين بالهجمات الإرهابية ينتمون بشكل عام لطبقة وسطى تعيش بظروف مادية حسنة ولا ينتمون حقيقة لطبقة الفقراء. ولكن يمكننا ملاحظة ان الذهاب إلى صيغة متشددة للاسلام بفرنسا والغرب بشكل عام هو إمتداد لما يحدث بدول المهاجرين الأصلية دافعا باتجاه الانعزالية والخصوصية والتي لا تتوافق مع ما يعتبره الناس هنا أسس مجتمعاتهم .مثال ذلك محاولة الفصل بين الذكور والاناث بالمدارس خصوصا بدروس الرياضة، رفض مشاركة البنات او حتى الأولاد بدروس تخص البيولوجية او التوعية الجنسية، التميز بالمظهر لاظهار الانتماء الديني، كل هذه الأشياء تطرح على الدولة إشكالية التعليم العلماني ومساواة الرجل بالمرأة وتوحيد المناهج التعليميه.

للأسف فإن تضخم التيار المحافظ الإسلامي أعطى للمتشددين والمتزمتين فرصة الوجود والتأثير بالشباب عن طريق ايجاد حاضنة إجتماعية تتقبل طروحاتهم وعائلات تربي ابنائها على رفض النموذج الذين يعيشون بداخله، مما يخلق نوع من إنفصام الذات وبلبلة فكرية تسيئ الى التطور الحر واكتساب وسائل الفكر المستقل.

  هذه الأعمال الإرهابية حتى ولو كانت فردية ستنعكس على المجتمع المسلم الغربي والمسلم الفرنسي بشكل خاص مهمشة المسلمين أكثر وأكثر، فهو الآن متهم بكونه أعطى الغطاء الذي منح المجرمين شرعية جرائمهم، هذا ما نسمعه الأن بوسائل الإعلام الغربية وما عبر عنه مئات آلاف المتظاهرين بعد الجريمة.

الخطاب الذي القاه الرئيس ماكرون قبل أسابيع قليلة حول الانفصالية التي يتهم بها المسلمين أخذت مع هذآ الحدث بعدها الحقيقي، هو بخطابه الداعي إلى إسلام تنويري يفتح المدارس للغة العربية والجامعات للدراسات الإسلامية تاريخا وحضارة، ودامجا الطلبة من أصول إسلامية مع الاخرين بدون تمييز وواعدا بفتح مجالات التكوين المهني والعمل لهم، مبعدا بذلك الاصوليين والمتشددين القابضين على أدمغة الشباب المسلم ، هذا الخطاب يعطينا طوق نجاة حتى لا نصبح الضحية النموذجيه لليمين المتطرف الذي ينتظر على الأبواب، وقد يصل السلطة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، برنامجه السياسي لا يحتوي على أي بعد تنويري وانما فقط عنصري واقصائي، هذا الخطاب الذي يجد بما حدث وسيلة للتطور والسيطرة مستغلا غضب الناس وتزايد العداوة تجاه المسلمين.

التفاعل الإيجابي مع خطاب الرئيس ماكرون من المؤسسات الإسلامية وخصوصا أنها لم تندد بالخطاب بل دعمته في معظم ما جاء به، العمل الدؤوب لابعاد الاصوليين والقبول بدون تردد بالدفاع عن القيم المؤسسة للدولة الفرنسية، التضامن الواضح مع بقية الشعب الفرنسي المصدوم وإظهار ذلك بكافة الوسائل المتاحة واستنكار ما حدث بأعلى صوت وهذا ما بدأ،  المشاركة بالحملة الانتخابية القادمة تحضيرا وتصويتا قد يعيد المكون المسلم بفرنسا لمربع المواطنة المسالمة الفاعلة بنفسها وبمجتمعها وتراجع خطاب الكراهية بين الجانبين.  نرى العدد الكبير من الكفاءات بكل المجالات بين ابناء الجالية وهم يساهمون كاطباء ومهندسين وتقنيين وعمال وفي كل المجالات المنتجة. يستطيعون حقا لو استرجعوا حقهم بالفكر المستقل وممارسة دينهم إن أرادوا مثل الآخرين ( الهنود او الصينيين مثلا) بدون خلط الدين بالسياسة او القانون ان يصبحوا مصدر إلهام للمجتمع الفرنسي والغربي وحلقة وصل لبناء الجسور بين الشعوب بدل العيش بمتاهات إلاوهام.

كاتب ومحلل سياسي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s