المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني ، عودة الايديولوجيا… القدس العربي 21/10/2022

المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني

عودة الايديولوجيا 

نزار بدران

انعقد الأحد السادس عشر من تشرين الأول المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني في بكين لانتخاب رئيساً له, وكذلك أعضاء مؤسسات الحزب لمدة خمس سنوات جديدة. نظريا لم يكن للرئيس الحالي شي جين بينغ إمكانية التقدم، فهو قد أنهى فترتين متتاليتين. تغيير الدستور حديثا مكنه من ذلك، ونظريا يستطيع أن يبقى رئيسا مدى الحياة، وهو ما يذكرنا بالرؤساء الملهمين العرب.

للأسف هذا الانحراف عن النظام السياسي الصيني والذي احترمه الرؤساء الثلاثة السابقين، يعني بوضوح تقوية القبضة الحديدية على الشعب الصيني. أحداث هونج كونج في السنوات الأخيرة، وانهاء نظامها الديمقراطي لصالح هيمنة بكين دليل على ذلك، فالرئيس بينغ قال في كلمته امام المؤتمر أنه تمكن من إنهاء الفوضى في هونغ كونغ لصالح النظام. أي أنه يعتبر ببساطه أن نظامها الديمقراطي كان نوعا من الفوضى، متراجعا تماما عن سياسة دولة بنظامين كما كان اتفق عليه عند استعادة الصين سيادتها عليها. هذا ما يدفع تايوان حاليا إلى رفض عرض الرئيس الصيني لاعتماد نفس النهج.

كان من المنتظر أن يتكلم الرئيس عن الوضع الاقتصادي والصحي الداخلي وسياسة كوڤيد صفر والعلاقات الدولية والحرب الروسية، ومشاكل أخرى كثيرة، لكنه في الحقيقة وعلى مدار ساعة ونصف اكتفى بالتركيز على مركزية الحزب الشيوعي الصيني واستعادة تايوان وتقوية الجيش وقوة الردع. أوضح دوره المهم بانهاء الفساد داخل اطر وأعضاء الحزب واستغلاله من طرف اعضاء نافذين للاثراء الغير مشروع، أي أنه في سنوات حكمه العشرة اعاد الحزب إلى الطريق الصحيح وعليه الآن العمل لتطوير القطاع العام.

الحزب الشيوعي، كما قال الرئيس، يجب أن يكون في كل مكان، فالصين هي الحزب والحزب هو الصين، لذلك، أضاف، هو في الشمال والجنوب والشرق والغرب جاعلا الصين نموذجا للآخرين. هذه النقلة النوعية إلى الخلف أي على المستوى الايديولوجي، يعيد ذكريات ماو تسي تونغ الرئيس المؤسس، والذي يعتبره بينغ قدوة له. وتبنى مقولة ماو أن الأهمية هي فقط للشعب وليس للافراد، وكل ما يعني هذا الشعار عن اغلاق أي باب على الحريات العامة والفردية، وفرض رقابة صارمة خصوصاً مع تطور التكنولوجيا الكبير في هذا المجال.

يمكن تفسير هذه القبضة الحديدية بالنجاحات الاقتصادية الكبرى للصين، وهو ما سمح لبينغ بأن يضيف البعد الايديولوجي ويفرض من جديد هذا الغطاء الثقيل على البلاد والذي إسمه الحزب الشيوعي بدون معارضة تذكر. الرؤساء الثلاثة السابقون لم يفعلوا ذلك ،بل اكتفوا بالتبادل التجاري مع الغرب والعالم دون اهتمام بالايدولوجيا، كان إلرئيس الأسبق دنغ جزاو بنغ  يرفع شعار«لا يهم لون القط إن كان قادرا على صيد الفئران». صين بينغ الجديدة لا تطالب فقط بزيادة قوتها الاقتصادية وإنما تصدير نموذجها الايديولوجي إلى العالم وفرض قيم الوتقراطية مقابل حكم الديموقراطية، وادخال تلك القيم إلى المنظمات الدولية مقابل القيم الغربية.

نحن إذا مع شي جين بينغ نسير بالاتجاه المعاكس لما كان يتصوره الغرب وخصوصا امريكا ، زمن الرئيس كلينتون، والذي دافع عن اقتصاد صيني ذو بنية ليبرالية سينتهي بفرض سلطة ليبرالية أيضا. إلرئيس بوش الأب ارسل مبعوثا سريا له لبكين ليطمأنهم على استمرار التبادل التجاري بين البلدين رغم مذابح ساحة تيتان من عام 1989، رغم التنديد الأمريكي الرسمي بذلك. نفس الخطأ ارتكبته أوروبا مع روسيا حيث لم يدفع ربط الاقتصادين خصوصاً المانيا وروسيا بتفادي الانحراف نحو نظام اوتوقراطي عنيف ومعتدي.

مبدأ أن التجارة تستطيع إنهاء النزاعات والصراعات نجحت في غرب أوروبا وبعض المناطق الأخرى ، ولكنها ليست صالحة دائما. كان الفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير قبل قرون يصف بورصة لندن الشهيرة قائلا «بأنها توحد الجميع ، يدخلها اليهودي والمسلم والمسيحي ويتعاملون معا وكأنهم من دين واحد. الكافر هو فقط من أعلن افلاسه ».

هذا النموذج الجديد الصيني قد يجد له في دول العالم الغير ديمقراطية من يهتم باستيراده لكن نجاحه مرتبط بشكل عضوي بالنجاح الاقتصادي كما في الصين ، لذلك فهو لن يتوسع برايي كثيرا ، فدولة مثل روسيا لا يمكن أن تكون نموذجا يحتدى به، الصين في وسط هذه الأنظمة في وضع استثنائي وليست القاعدة.

لم يذكر الرئيس الصيني روسيا أو حرب اوكرانيا، من الواضح أن روسيا لا تمثل له شريكا أو حليفا بل فقط منطقة نفوذ. هو يشكل لها خطرا أكبر بكثير من الغرب ، خصوصاً أن الشعب الروسي يعتبر نفسه منتميا إلى الجنس الغربي ويرفض فكرة أن ينتمي إلى شعوب وسط واقصى آسيا. قد تكون الصين من هذا المنظار قادرة على فرض وقف الحرب الروسية حفاظا على طريق الحرير الشمالي.

مركزية الحزب الشيوعي ، تطوير القدرات العسكريه واستعادة تايوان ، هذه هي النقاط التي أثارها الرئيس الصيني. يبقى موقف ورأي الشعب الصيني نفسه بملاينه العديدة. لحد الآن لم نرى إلا بعض الاحتجاجات الخجولة. باستطاعتنا افتراض دعم الشعب لرئيسه، فهو -على طريقة نظرية توماس هوبز في العقد الاجتماعي-  أمن للشعب الأمان والسلام الداخلي والازدهار الاقتصادي، مقابل أن يتنازل هذا الشعب عن حريته. فهل سيقبل الصينيون هذه المعادلة لسنوات طويلة ؟

محلل ومراقب سياسي 

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s