
تلعب النساء الإيرانيات دورا محوريا في تاريخ إيران، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر ،وشاركن دائما في تشكيل المجتمع الإيراني، بتمسكهن بحقوقهن ورفض الأطر التقليدية وما تمثله من تمييز. لذلك نرى الآن، على إثر مقتل الشابة اليانعة مهسا أميني بسبب حجاب، حراكا نسائيا قويا تمكن من ايقاظ كافة مكونات الشعب. قد يكون هذا مستهجنا في اوساط المجتمع العربي خصوصاً المحافظ ، فنحن في كافة اشكال النضال ضد الاستبداد، ومنذ عشرات السنين، لا نرى في مشاركة المرأة العربية إلا رافدا أو داعما للرجل في أحسن الأحوال، وليس المبادر بها وقيادتها كما نرى حاليا في إيران.
عكس الوضع في جميع الدول العربية، فإن التغيير في القوانين لصالح حقوق النساء في إيران كان دائما نتيجة نضالهن، وليس مِنَّة من الرجال أو من السلطة السياسية. في القرن التاسع عشر شاركت فاطمة النقية (1817-1852) في تأسيس حركة البهائين رافعة شعار تحرير المرأة والمساواة مع الرجل من منطلق ديني شيعي، وكرست حياتها لهذا الهدف، حتى يحكى أنها رفضت الزواج من ملك اذيربيجان لتؤدي رسالتها.
زمن حكم الشاه، تمكنت النساء عام 1963 من فرض قانون حق المرأة بالتصويت والمشاركة في الحياة السياسية، ثم قانون الأحوال الشخصية وحماية العائلة عام 1967 والذي يساوي بين المرأة والرجل ويضع حدا أدنى لسن الزواج ( ثمانية عشر سنة), ويحد من تعدد الزوجات، ومن الحق المطلق للرجل بالطلاق وارجاعه إلى القضاء، وحضانة النساء المطلقات لاطفالهن. كذلك لم تسن قوانين إجبارية بالنسبة للملبس أو منع الاختلاط في المجال العام وتم التراجع عن قانون سُنّ عام 1936 يمنع الحجاب واللباس الديني للرجال والنساء.
كل شي يجب أن يكون إسلاميا
شاركت النساء في الثورة الإيرانية عام 1979, وتعاضد الرجال والنساء تحت شعار « خبز، بيت، حرية »، كذلك شاركن بقوة في الحرب العراقيه الايرانيه دفاعا عن الثورة الإسلامية بدعمهن الدائم للجهد العسكري والاقتصادي. لكن ذلك لم يشفع لهن للحفاظ على الحقوق المكتسبة زمن الشاه.
تحت زعامة الإمام الخميني تم التراجع عن قانون حمايه العائلة أي الاحوال الشخصية، مؤديا لنتائج مروعة أهمها تخفيض سن الزواج من ثمانية عشر إلى تسعة أعوام، منتهكا حقوق الطفولة، كذلك إعادة السيطرة الكاملة للرجل على عائلته وكأن الزوجة والاطفال ملكه الشخصي، بما في ذلك الطلاق وحضانة الأطفال، بالإضافة للفصل التام بين الرجال والنساء في الفضاء العام. هذا ما دفع النساء إلى القيام بأول احتجاجات تحتاج ايران بعد الثورة، حيث تجمهرن بكثافة في الشوارع في الثامن من آذار 1979 وهو اليوم العالمي لحقوق المرأة، احتجاجا على القانون الجديد الملزم بارتداء الحجاب بالإضافة لالغاء القوانين السابقة، ووضع قوانين جديدة مجحفة للأحوال الشخصية وحماية العائلة. تم بعد ذلك حظر الاحتجاجات وفرض المزيد من القوانين المقيدة للحرية وحقوق النساء، مثل الفصل من الوظائف التي تعتبر حكرا على الرجال، الطرد من العمل، والفصل بين الجنسين في نظام التعليم ، والغيت الحقوق المكتسبة في الستينات، ما عدا حق الانتخاب والذي وقف الخميني ضده عند اقراره زمن النظام الملكي. وما الحفاظ عليه إلا بهدف اعطاء شرعية واسعة للنظام الجديد. في المقابل لم يرافق هذا الحق الحقوق الأخرى المرتبطة به، مثل شغل الوظائف السياسة والقضائية، وتوج ذلك الارتداد باعدام أول وزيرة للتعليم في إيران ما بين 1968 و 1971 السيدة الطبيبة بارسا فرخرو، بحجة نشر الرذيلة والفساد في الأرض مما يغضب الله.
رغم كل ذلك لم تتراجع النساء عن المطالبة بحقوقهن، لكن بطرق خفية تحت غطاء الاجتماعات البيتية وجلسات القراءة والعمل الأدبي والفني. كما انهن استمرين بالاحتفال باليوم العالمي لحقوق المرأة كل عام في الثامن من آذار، رغم أن النظام حدد يوما آخر. حتى انهن شكلن تجمعا لامهات السجناء السياسيين المفقودين بعد إعدام ثلاثين ألفا منهم مع بداية الحرب مع العراق بأمر من الخميني.
تغيرت الأوضاع قليلا لصالح النساء بعد وفاته، حيث حصل انفتاح سياسي نسبي، سمح بدخول النساء بكثافة في مجال التعليم ودخول الجامعات مع وضع عوائق لبعض التخصصات وتحديد كوتا مثل طب النساء والأطفال.
كان من اسباب عدم تمكن السلطة من اخراس النساء، ذلك التوافق في الرؤى بين التيارات النسائيه الاسلامية وتلك العلمانية، المجموعة الأولى دفعت باتجاه إعادة قراءة النصوص الدينية وتفسيرها بما يتوافق مع العصر، ورفض الرضوخ للتفسير التقليدي الرجعي، وهو ما يتناسب مع الطرح العلماني الحداثي الناظر إلى الغرب. جزء بسيط من النساء ذوات الانتماء الديني التقليدي وقفن بصف السلطة وقوانينها القادمة من أعماق التاريخ وقبلن بلعب دور تجميلي للمجلس، دون أي فائدة لكفاح الحركات النسوية بجناحيها. من الملاحظ أن الحكومات الإصلاحية كانت أكثر قبولا بمطالب النساء مثل القبول بالمعاهدة الدولية للأمم المتحدة «سيدو» والهادفة إلى منع التمييز القضائي والقانوني تجاه النساء، أما تلك المتشددة مثل الحالية بقيادة الرئيس رئيسي فكانت تزيد الخناق وتتراجع عن الإصلاحات السابقة، أو الاعتداء على النماذج الحقوقية مثل ما حدث مع الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2003 السيدة شيرين عبادي ومصادرة جائزتها.
كما يظهر من هذا السرد فالمراة الإيرانية منذ البدأ عملت على صيانة حقوقها في كل الظروف، وما احداث هذه الايام في زمن سلطة متشددة محافظة، إلا جزء من هذه الظاهرة المتأرجحة بين المد والجزر.
المرأة العربية
بالمقابل في بلداننا للأسف لم تتمكن المرأة العربية من أخذ أي دور مهم فعال في كافة أشكال الاحتجاجات والثورات، وبقيت ضحية الظلم السياسي مثل الرجل ، ولكن أيضا ضحية ذلك الرجل بعاداته وتقاليده القبلية.
إن كان لنا أن نستنتج درسا من نضال المرأة الإيرانية، فهو أهمية دور النساء في العمل الثوري وقيادته، فالرجال لم ولن يتمكنوا من الوصول إلى نجاحات سياسية واجتماعية بحكم ارتباطهم الذهني والعاطفي مع مجموعة من التقاليد البالية، حتى أن السلطة السياسية الغير ديمقراطية، لا تستطيع فرض اصلاحات لصالح النساء على قلتها بسبب ذلك (باستثناء تونس زمن الرئيس بورقيبه), فمثلا في الأراضي الفلسطينية لم تتمكن السلطة من اقناع الناس وخصوصا الجمهور الرجالي المحافظ بقبول اتفاقية سيدو للأمم المتحدة.
الدرس الإيراني للنساء العربيات هو ألا ينتظرن أي خير وتقدم لحقوقهن من السلطات السياسية والتي تقمع الجميع، ولا كذلك من المجتمع الذكوري التقليدي. إن لم تاخذ المرأة العربية حقوقها بنفسها أي من الأسفل فلن تاتيها من فوق. هذا سيتم فقط عن طريق تنظيم النساء لانفسهن كما فعلت المرأة الإيرانية، وانتزاع حقوقهن بانفسهن من النصف الذكوري في المجتمع قبل السلطة السياسية.
على المرأة العربية كمثيلتها الإيرانية أن تأخذ دورها في قيادة الحراك الثوري وليس فقط المشاركة. الرجل العربي هو أقل استعدادا لتبني او المطالبة باصلاحات إجتماعية جذرية بسبب إصابته باعاقة مزمنة مرتبطة باوهام وعادات عفا عنها الزمن وكأنها سلاسل في قدميه تعَوَّد عليها وكأنها طبيعة، لا يستطيع التخلص منها دون اجبار. على عكس دول وشعوب عديدة في العالم خاضت ثورات سياسية واجتماعية كبرى مثل دول شرق اوروبا أو امريكا اللاتينيه حيث لا توجد هذه الإعاقة. وحدها المرأة هي المؤهلة لهذه المهمة التاريخية الصعبة؛ إعادة صياغة المجتمع العربي ووضعه على طريق الانفتاح.
هذا هو درس نساء إيران لنا جميعاً، والذي علينا التمحص به وتقليده.