الغرب والكيل بمكيالين

نزار بدران القدس العربي ٢٣ أيار ٢٠٢٣

هناك العديد من المراقبين والمحللين وهم على حق، من يلاحظ أن الدول الغربية تكيل بمكيالين، عندما يتعلق الأمر بالقضايا العربية، وخصوصاً القضية الفلسطينية. النموذج الأوكراني واضح جداً، فقد وضعت أمريكا وكافة الدول الغربية، بمفهومها الحضاري (الغرب الشامل)، كل إمكانياتها وعلى مدار أكثر من عام، للوقوف إلى جانب الشعب الأوكراني في محنته، وإعطائه وسائل النصر على المُحتَل الروسي.

الحق الفلسطيني

هذا ما لم تفعله تلك الدول، مع الحق الفلسطيني، بل على العكس، ذهبت في معظمها إلى منحنى دعم المحتل الإسرائيلي. لذلك حق لنا أن نحتج ونعلن على الملأ، أننا مظلومون.
هذه الفكرة، إن أخِذت مجردة عن الوقائع التاريخية، وكذلك ما يُسمى الجيوسياسية، هي فكرة صحيحة. لكنها مجرد وهم وكلام لا فائدة منه، عندما نأخذ بالحسبان وجود مجموعات بشرية على وجه الأرض ذات أنظمة اجتماعية وتواريخ مُتباينة، إن لم نقل مُتَضاربة.
ما يجمعنا جميعاً، هو معيار الحضارة الإنسانية، أي حقوق الإنسان، والذي يبقى إعلانها الرسمي من الأمم المتحدة، هدفاً بعيد المنال، في أماكن كثيرة من العالم، وبشكل خاص تلك البلدان البعيدة عن مفهوم حقوق الفرد. تصبو لها الشعوب قاطبة، دون أن تصل إليها، هي الأفق الذي نود جميعاً التوجه إليه والاقتراب منه.
المُقارنة الحقيقية التي يجب أن ننظر إليها، عندما نتحدث عن الكيل بمكيالين، هي كيفية تعامل دول الغرب الشامل لحل أزماتها الداخلية، وكيفية تعامل دول الشرق لحل المشاكل نفسها ، وليس أن ننظر فقط للمجموعة الغربية كمالكة وحيدة للمكاييل، إن لم تكن أصلاً طرفا في النزاع.

أوكرانيا جزء من الغرب

أوكرانيا إن أردنا أو لم نُرد، هي جزء من الغرب، وكل الشعب الأوكراني يُعلن ذلك، ويعمل جاهداً للانضمام الرسمي للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. هل الشعب الفلسطيني، جزء من الغرب، ويبحث عن الانضمام بدوره للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو؟
بالطبع لا، هو جزء من المكون الشرقي، وعلى دول هذه المجموعة، أي الدول العربية أولاً، والمسلمة ثانياً، العمل كما يفعل الغرب مع أوكرانيا؛ أي الوقوف كرجل واحد مع الشعب الفلسطيني، ودعمه بكل وسائل تحرره، وفي كل الميادين.
الواقع هو العكس، فهذه الدول في معظمها، إن لم نقل جميعها، تقف على الحياد، أو مع الطرف المُحتل، أي إسرائيل، وتطبيع بعض دول الخليج وشمال إفريقيا وجنرالات السودان مع إسرائيل، هو واضح بشكل كاف.
قبل أن نطلب من الغرب والعالم أجمع، الوقوف معنا، علينا أن نقف مع أنفسنا، وبفعالية، كما تفعل دول الغرب مع أوكرانيا.
وصول اللاجئين الأوكرانيين إلى الدول الأوروبية، لم يُثر أي زوبعة داخلية لشعوب تلك الدول، بل على العكس، قُدمت لهم كافة التسهيلات.
المطلوب منا هو ليس الاحتجاج على الغرب، لعدم فعل الشيء نفسه مع اللاجئين العرب أو الأفارقة (حتى ولو كان ذلك صحيحا)، بل هو ماذا نفعل نحن في دولنا لحل مشاكل اللاجئين؛ اللاجئ الفلسطيني أو السوري في لبنان، عبء لا يُطاق، والحملة الانتخابية في تركيا بجناحيها، تُدغدغ مشاعر المواطن التركي، بحلم إعادة الملايين الثلاثة من السوريين إلى وطنهم، عند نظام بشار الأسد، أو في بعض الأحيان استعمالهم في سياسة تركيا الخارجية مع الاتحاد الأوروبي، وكأنهم ورقة تجارية رابحة.
يجب النظر إلى كيفية تعامل الدول الغربية مع مشكلة لاجئيها، ومقارنتها مع كيفية تعامل دولنا وحتى شعوبنا مع المشكلة نفسها (نموذج تونس الحديث)، وليس البكاء الدائم على الكيل بمكيالين.
نحن لا نتوقف عن نقد التاريخ الاستعماري الغربي، وما أدى إليه من كوارث وبشكل خاص في فلسطين وأماكن أخرى، وأهمها التجزئة العربية، ولنا الحق في ذلك، وفي الوقت نفسه نطلب منهم استقبال لاجئينا الذين يموتون في البحر لوصول أوروبا، هرباً من الفقر والحرب، بدل أن ننظر إلى أنفسنا ونعمل على تغيير أوضاعنا الكارثية، وإزالة الضيم والظلم، الذي نمارسه بأنفسنا على أنفسنا، قبل أن يُمارسه الآخرون علينا.
الحقيقة التي لا تقبل النقاش، هو أن معيار الغرب في وجه أي مشكلة تخصه، ليس هو معيار الشرق، في مواجهة نفس المشاكل. هنا يمكننا القول أننا حقاً نكيل الأمور بمكيالين.

كاتب فلسطيني

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s