منذ 11 ساعة

تتوجه الأنظار منذ بضعة أسابيع إلى السودان، وما يدور فيها من معارك بين جيش البرهان (الشرعي!) وميليشيات حمديتي، حليفته سابقاً في السلطة، ورفيقته لإسقاط الحكم المدني والانقلاب عليه.
الانقلاب الجديد
المراقب لهذا الحدث قد يتعجب من هذا الانقلاب الجديد، ولو بقيت الأمور داخلية بين الطرفين، لكان في الإمكان التكلم عن نزاع على السلطة، لكن الأمر يتعدى ذلك إلى حرب شوارع وغارات جوية وقصف مدفعي في الخرطوم ومدن عديدة أخرى، ضحيتها الوحيدة حتى الآن هو المواطن السوداني البسيط، والذي ثار يوماً ليس بالبعيد، للإطاحة بالبشير وعصابته، التي تمسك السلطة حالياً، وإقامة سلطة حكم مُتحضر.
هل حقاً هذا النزاع بين أطراف سلطة الانقلابيين، هو نزاع على السلطة، هل قتل المدنيين، وترويعهم، وتدمير محاصيلهم، وبيوتهم، وإغلاق مدارسهم، وقصف مستشفياتهم هو من أجل تملك السلطة.
نقاط التقاطع
هل هذه الحرب ستكون لها نهاية، وهي نجاح أحد الأطراف، في التمكن من السلطة لوحده، وبعدها يحل السلام.
لو قارنا وضع السودان مع سوريا واليمن والعراق وليبيا، فإن نقاط التقاطع بينها جميعاً، أنها تقع في دول انتفض فيها شعبها، وطالب بزوال حكم العسكر وإقامة الديمقراطية، أي إنهاء زمن مضى والبدء بدخول عالم الحضارة الحديثة.
ما تُعلنه السلطات المُستبدة كأسباب للحروب، تختلف من مكان إلى آخر:
في سوريا هي حرب ضد الإرهاب الإسلامي والمؤامرة الإسرائيلية الأمريكية على محور المقاومة الباسل.
في ليبيا هو خلاف بسبب وجود الإسلاميين في طرابلس، وتبعيتهم لتركيا.
في العراق حروب ضد داعش والإرهاب السني.
ولو نظرنا إلى مصر فهي حرب لا تنتهي ضد الإرهاب بأشكاله المختلفة.
الضحية هو الشعب
الضحية دائماً هو هذا الشعب، الذي حاول يوماً المطالبة بحقوقه، وليس الطرف المُعلن للحرب، ولو لمرة واحدة.
فلا إرهاب إسرائيل وأمريكا توقف على سوريا، وهي ضحية غارات شبه يومية دون رد. ولا إسلاميو طرابلس في ليبيا، دخلوا باب الطاعة المحروس من حفتر (عميل أمريكا سابقاً).
ولا شيعة العراق أمنوا أنفسهم من أذى متطرفي السنة، أمثال داعش.
الطرف الوحيد الحقيقي الذي تطلب كل هذه الحروب هزيمته، هو الشعب الثائر. يجب إسكات صوت الشعب السوري إلى الأبد، وعليه إذاً أن يدفع ثمن ثورته قتلاً وتهجيراً بالملايين. يجب إنهاء أي بصيص للحرية في ليبيا، حتى تصبح عودة القذافي وزمنه، ما يتمناه الليبيون.
في السودان نحن أمام المشهد نفسه، هدف الحرب هو إبعاد الشعب السوداني، شباباً وشيوخاً، عن ساحات الاعتصام، ومعاقبتهم جماعياً على ما اقترفت أقدامهم من مظاهرات أدت لزعزعة نظام البشير، وأتباعه الحاليين في السلطة، ورفضهم قبول شروط العسكر للبقاء في السلطة تحت غطاء التقاسُم.
دول الربيع العربي
الحرب في السودان وفي باقي دول الربيع العربي، هي هدف بحد ذاته، نعرف أسباب نشأتها، وهي تأتي دائماً من ظروف وتاريخ كل بلد؛ سنة شيعة في العراق، محور ممانعة أو عملاء في سوريا؛ جنوب شمال، أبناء قبائل طُبرق أو قبائل طرابلس في ليبيا.
تُستعمل كل هذه الأشياء لبدء الحرب، والتي لا تنتهي أبداً. فما دامت هناك حرب، سيبقى الناس مختبئين في بيوتهم.
ما دام المواطن مُعاقباً لثورته بالتجويع وتدمير مؤسساته الطبية والتعليمية، يبقى فاقداً للأمل وقابلاً بالظلم.
هذا ما نسمعه من بعض المثقفين حين يترحمون على زمن القذافي وعلي عبد الله صالح أو صدام حسين.
لا يجب علينا أن ننخدع بما يعلنه العسكر المُستولون على السلطة بالقوة، عن أهداف حروبهم.
هي بالنهاية ليست إلا وسيلتهم الوحيدة في البقاء.
كاتب فلسطيني