الطب والاطباء في زمن الوباء. القدس العربي 01 أيار 2020

الطب والأطباء في زمن الوباء

د. نزار بدران

انتشر بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، أخبار العمل الرائع الذي تقوم به الأجهزة الطبية، بدول العالم قاطبة، بمواجهة جائحة كورونا، ويتحمل الأطباء والممرضون، عناءاً كبيراً، ومخاطرة بحياتهم وحياة أسرهم، ولكن لم نرى أي فرد من الأجهزة الطبية، مهما كان موقعه، يرفض الانضمام لهذا العمل الجبار. بالإضافة لذلك، فإن الأبحاث العلمية، على قدم وساق، لإيجاد دواء أو لقاح، لهذا الداء، بأسرع ما يمكن.

الاعتبار الكبير الذي أظهره الجمهور، بكل مكان، للأطباء والممرضين والكوادر الطبية، بكافة دول العالم، والتصفيق اليومي لهم، بكل العواصم والمدن، شيء يُثلج صدر هؤلاء، ويدفعهم طبعاً لبذل المزيد، وأنا كاتب هذه السطور كطبيب، أشعر بنوع من إعادة الاعتبار لمهنة الطب، وكل ما ارتبط بها من مهن وأعمال.

هل هذا التضامن العالمي، مع الأجهزة الطبية، هو فقط من منظار الدعم والتقدير والشكر، أم أن له دوافع أخرى. لو نظرنا إلى أي مشكلة كبيرة بالعالم، فإن الأنظار تتجه دائماً لحلها، إلى صُناع السياسة، وبعض الأحيان رجال الاقتصاد، لأنهم وبشكل طبيعي، بموقع القيادة. هذا صحيح بالدول الديمقراطية، وكذلك بالدول الغير ديمقراطية، والتي لا يستطيع الزعيم أن يقبل أي منافسة له بأي مجال، واضعاً نفسه كحامي الحمى، والمفكر الفذ بكل الميادين.

جائحة كورونا، أظهرت وبشكل واضح، عُقم العمل السياسي وحده، لمواجهة وقيادة العمل في هذه الحرب، ضد المجهول اللامرئي. وأظهرت أيضاً، عُقم الاقتصاد ورجاله، وفي معظم الأحيان دفعهم بالاتجاه المعاكس، أي الاستمرار بالبيع والشراء للربح، وكأن شيء لم يكن، وتصريحات الرئيس ترمب، أو بولسونارو بالبرازيل، لدليل على ذلك.

وحدهم الأطباء والأجهزة الطبية بكل أشكالها، من حمل راية الرد والقيادة. لم يعد الجمهور يرى رجال السياسة والاقتصاد، على مستوى الحدث، وخصوصاً أن وسائلهم الاعتيادية، لم تعد فعالة، مثل تكديس الأسلحة والترسانات النووية ومليارات الدولارات بالبنوك وعدد لا يُحصى من البرامج والاتفاقيات السياسية والاقتصادية. كل هذا برأي الناس لم يعد فعالاً، ولم يؤمن لهم أبسط الأشياء، مثل الكمامات وأماكن بالمستشفيات. هم إذاً أصبحوا وجهاً لوجه أمام هذه الجائحة، ولم يجدو سوى الأجهزة الطبية، للإبقاء على الأمل بالنصر بالنهاية. نحن عندما نسمع التصفيق من المواطنين بشوارع ميلانو أو مدريد أو باريس أو اسطنبول، نفهم أن هذا هو أيضاً، تعبير عن القلق والخوف، وما الالتفاف حول الأطباء والتصفيق لهم، إلا تلك الوسيلة، لإبعاد هذا القلق الوجودي.

لا ينسى الأطباء، بكل دول العالم، بما فيه أوروبا، الصعوبات التي يواجهونها منذ عشرات السنين، لتأمين حاجات المستشفيات، بالأدوات والأدوية والكفاءات العلمية، ولا يجدون إلا إداريون، لِيُنَظِّرُوا عليهم، طرق حُسن الإدارة وتوفير المال، بدل حُسن العلاج وتوفير العناء على المرضى. 

لا ينسى الأطباء، بما فيه الغرب، الكم الهائل من الدعاوى القضائية بحقهم، بسبب وبغير سبب، بهدف كسب المال، وإغناء المحامين، دون أي اعتبار لعملهم.

وباء الكورونا، أعاد للطب خصوصيته، كعمل إنساني، وليس عمل تجاري، كما تعودنا عليه بالسنوات الأخيرة، حيث يمكن رفض مريض بمستشفى، لعدم قدرته على الدفع للإدارة. في معظم الأحيان، لم تعد هذه المستشفيات مُلكاً، أو مُدارة من الأطباء، وإنما من قِبل شركات تجارية، ذات هدف ربحي فقط.

جائحة كورونا، ستُعيد الاعتبار، للبُعد الإنساني، وأمل بدور قيادي للأطباء، لتحديد أهداف ووسائل عملهم، وتُعيد مفهوم، أن الطب هو فن وليس تجارة، جائحة كورونا، أظهرت أن الجندي المجهول، أو المعروف، هو الطبيب أو الممرض، أو العامل بالمختبرات.

أن يرفض بعض الناس، قليلي الفهم ذلك، كما فعل أبناء، إحدى القرى المصرية، برفض دفن طبيبة، توفيت بمرض الكورونا بسبب عملها، أو حتى بفرنسا، أن يطلب سكان إحدى العمارات، لممرضة تعمل ضد كورونا، بمغادرة سكنها، حفاظاً على سلامة السكان، تبقى أعمال على الهامش قليلة، رغم أنها تُتداول بكثافة عبر وسائل الإعلام. أن يتهم البعض، الأطباء، بالمشاركة بمؤامرة دولية، باختراع هذا المرض، يبقى أيضاً، تعبيراً عن أفكار بعض المجانين بهذا العالم، وليس مجموع الناس.

في سابق الزمان، زمن وباء الكوليرا عام 1830 بأوروبا، أو ما سبقه من أوبئة، كان الناس يتهمون الأطباء بأنهم مسممين متآمرين مع الأغنياء، للتخلص من الفقراء، وكثير من الأطباء تم قتلهم بهذا السبب. في عام 1885، رفض سكان مونريال بكندا، التطعيم ضد الجدري، ومنعوا الأطباء من ممارسة ذلك بالقوة، وهو ما أدى بالنهاية إلى موت عشرات الآلاف.

هذا الزمن قد ولى، ونأمل أن جائحة كورونا، ستبني زمناً جديداً، حتى تعود العلاقة، بين المريض والمجتمع من جهة، والطبيب من جهة أخرى، إلى مسارها الإنساني الطبيعي، أي علاقة ثقة واحترام، وليس علاقة تجارية، تخضع لقوانين البورصة.

كاتب وطبيب بباريس

عقلية المؤامرة بين ألعجز ألفكري والمرض ألنفسي. القدس العربي 25 نيسان 2020.

عقلية المؤامرة

د. نزار بدران

تكثر هذه الأيام ظهور العقلية التآمرية، خصوصاً بساحة التواصل الاجتماعي، وهو ما يُطلق عليه الناس نظرية المؤامرة، وكما يقول بيير أندريه تاغييف، فهذه التسمية  خطأ جزئي، لأن المؤامرة قد توجد حقاً. أول كتاب بهذا الصدد، هو لرجل الدين أوغستين بارويل، عام 1798 حين اعتبر الثورة الفرنسية 1789 مؤامرة ضد الدين الكاثوليكي.

تظهر عقلية المؤامرة أمام الأحداث المهمة الدراماتيكية، طبيعية أو اجتماعية، وتنقسم بشكل عام لجزئين حسب علماء الاجتماع، كلاهما يتجاهل الأسباب الحقيقية، المبنية على العلم والمعرفة المؤكدة، إلى أسباب مُختلقة. هؤلاء الذين ينتمون إلى القطاع المُحافظ من المجتمع (اليمين المتطرف)، يرون أن المؤامرة تأتي دائماً من الأسفل، أي الأقليات أو الجزء المهمش من المجتمع، كما حدث عند اتهام مجموعات معينة، بقيامها بنشر الطاعون أو الجُذاب بالقرون الماضية، وهو ما أدى إلى اضطهاد هذه الأقليات (الماسونيون واليهود). النوع الآخر من أصحاب العقلية التآمرية، هم الذين ينتمون إلى الأعلى، أي الجزء المثقف والمُعادي بشكل عام لكل أنواع السلطات، فهؤلاء يرون دائما الحدث، كمؤامرة مُحاكة من السلطة القائمة. فعندما ظهر مرض الايدز مثلاً، اُتهمت الحكومة الأمريكية بنشر المرض، لتقليل عدد سكان العالم بالدول الفقيرة، خصوصاً أفريقيا، أو كما قال حديثاً، آيات الله الخميني، تنشر أمريكا مرض الكورونا، لتغيير جينات الشعب الإيراني.

 وكمثل آخر، يعتبر البعض التطعيم ضد الأمراض، مؤامرة، تفسيرها مرتبط بالمستوى الاجتماعي لدعاة النظرية، بفرنسا أو الدول الغربية الأخرى، يُعتبر اللقاح ضد الأمراض من طرف هؤلاء، تآمر السلطات الحاكمة مع المختبرات الطبية لتحقيق أكبر قدر من الأرباح بالأضافة لمخاطره الكبيرة، وهو ما دفع جزء من الناس، إلى رفض تطعيم أبنائهم، مما أعاد لفرنسا مؤخراً، مرض الحصبة وبعض أمراض الطفولة المُعدية. نفس اللقاح بالدول الفقيرة، يُعتبر من قِبل حاملي هذه العقلية، كمؤامرة غربية، لتعقيم النساء المسلمات، بهدف تقليل عدد السكان، وهو ما زاد من انتشار أمراض وأوبئة خطيرة بدول مثل نيجيريا وباكستان، والتي إختفت ببقاع كثيرة من العالم.

نحن إذاً، أمام ظواهر عالمية غير عقلانية، تواكب دائماً، أي حدث مهم طبيعي أو إنساني الصنع. لا يختلف وباء الكورونا، عن غيره من الأحداث المهمة التراجيدية، التي تفتح مخيلات أصحاب الفكر التآمري.

علم ألإجتماع

تُبنى النظرية التآمرية حسب علماء الاجتماع على أربعة أعمدة،

أولاً: لا شيء يحدث بالصدفة، فموت الأميرة ديانا عام 1997، هو مؤامرة من ملكة بريطانيا، وليس حادث سير عرضي.

ثانياً: كل ما يحدث هو نتيجة إرادة مُسبقة مخفية، كمرض الإيدز مثلاً.

ثالثاً: لا شيء يبدو كما هو حقيقة، بل هو وهم أو خيال للتضليل، والحقيقة بمكان آخر.

وأخيراً: كل الأمور مترابطة، كما حدث بالفترة المكارثية بأمريكا، حيث اُتهم الشيوعيين بتدبير كل المؤامرات ضد الشعب الأمريكي، حتى استعمال الكلور لتنقية المياه، كان عند البعض مؤامرة شيوعية. يُضيف أصحاب الفكر التآمري المُعاصرون، نقطة خامسة: وهي جمع الأدلة الدامغة، ولكن هذه الأدلة لا تجمع، إلا بهدف إثبات النظرية، وتبتعد عن أي دليل عكس ذلك، أو يوضع كجزء من المؤامرة نفسها.

نجاح هذه النظريات مرتبط أيضاً، كما يقول بعض علماء الاجتماع والفلاسفة (آنا آرنت)، بحُب الناس للحصول على تفسير كامل للعالم وما يحدث به، وهو ما يتطابق طبعاً، مع أوهام نظرية المؤامرة التي تفسر كل شيء. لذلك فالكتب التي تُدافع عن النظريات التآمرية، تنتشر واسعاً بين الناس، بينما الكتب المبنية على الحقائق العلمية، لا يقرأها إلا القلة، لأنها لا تعطي جواباً كاملاً شافياً، بسبب طبيعة العلم المُتغير والمتطور.

علم النفس

علم النفس بدوره، يُعطينا تفسيراً للأسباب الموجودة خلف عقلية المؤامرة، لو قرأنا ما كتب سيغموند فرويد مؤسس علم النفس، حول الوهم الديني، بكتابه مستقبل وهم أو كتاب مأساة الثقافة، فإننا قد نجد تفسيراً لهذه النظرية، من نفس مُنطلق النقد الديني. يقول فرويد تُفسر الظواهر الطبيعية العنيفة، مثل الزلازل والفياضانات والأوبئة، بكونها إرداة إلهية، كعقاب للناس، وهو ما يُعطي هذه الظواهر، جزئياً، بُعداً إنسانياً، فيكفي أن نتضرع لله حتى يُبعد عنا ذلك. نستطيع بذلك الاعتقاد الديني بحسب فرويد، أن نضع الظواهر التراجيدية الطبيعية بدائرة الرقابة الإنسانية. نفس الشيء بالنسبة للأوبئة أو للجفاف أو غيره. تفسير فرويد للوهم الديني، مرتبط إذاً بالقلق الإنساني الناتج عن الأخطار التي تحيطه من كل الجهات، الطبيعة، الأمراض والمجتمع، ويضيف أيضاً أنه كلما تقدم العلم تراجعت الخرافات والأوهام وهو ما يدفع أصحابها إلى الألتجاء إلى مزيد من المعجزات لتغطية فشلهم.

قياسا على هذه النظرية، المبنية على علم النفس، يمكننا أن نقول، أن أصحاب نظرية المؤامرة هم بشكل عام، أناس قلقون بطبيعتهم (عقدة الاضطهاد)، وهم بذلك، بحاجة دائماً لتفسيرات كاملة مُشفية للغليل لما يحدث، حتى يتمكنوا من السيطرة على قلقهم هذا.

نظرية المؤامرة إذاً، تُعطي هؤلاء هذه الطمأنينة، لأنها تُفسر لهم كل شيء وبالتفاصيل. الوهم الديني بنظرية فرويد، اُستبدل هنا، بنظرية المؤامرة، ولنفس الهدف، أي إبعاد القلق والخوف. 

الفلسفة

من ناحية أخرى من منظار الفلسفه فإن النظرية السببية، هي أساس العلم والفلسفة معاً، أي لا شيء يحدث، أو يصبح قابلاً للفهم بدون أسباب، مهما كانت صعوبة تحديدها. تفسير ظاهرة ما، يعني أولاً، إظهار سبب أو أسباب ظهورها وهو ما يفسر النتيجة. من هذا المُنطلق، فإن أصحاب العقلية التآمرية، يعكسون هذه النظرية، فالأسباب عندهم تصبح النتائج، والنتائج هي الأسباب. 

فحين نتهم الصين بالتآمر لنشر هذا الوباء، لضرب أمريكا اقتصادياً، فنحن نضع الوباء بمرحلة ثانية تتبع المحرك الأول وهو ضرب الاقتصاد الأمريكي المرجو. طبعاً هناك اليوم من يعتبر أمريكا أساس انتشار المرض لضرب الاقتصاد الصيني، وأخيراً من يتهم فرنسا والصين معاً بهذه الفعلة الشائنة. عقلية المؤامرة إذاً تعكس الأشياء، وهو ما يُسهل عملية الفهم ويُبسطها، وبالتالي يُبعد عنا قلق البحث عن الأسباب أو فهم النتائج. 

تعليم أطفالنا ومنذ الصغر، مباديء النقد الفكري العقلاني، بدل تلقين الأوهام الدينية، والخزعبلات التقليدية، هي ضمان ألا نقع جميعاً، بفخ دُعاة المؤامرات الوهمية، هذه الدعوات التي قد لا تُفيد ولا تُضر ببعض الأحيان، ولكنها بأحيان أخرى قد تكون خطيرة جداً، فانتشار مرض شلل الأطفال، بدول عدة بأفريقيا وأسيا، رغم وجود لقاح فعال وأكيد وآمن ومتوفر ورخيص، هو أكبر دليل على خطورة هذه الأطروحات وضرورة التصدي لها.

ببلادنا العربية، هناك من يتهم إيران بنشر الوباء بالبحرين ودول الخليج، وطبعاً إيران تتهم أمريكا بنفس الشيء. 

الإنسانية أمام حرب عالمية ثالثة، عليها كلها، فلا يوجد متآمر، ولا ضحية تآمر، وإنما فيروس صغير هو السبب، انتقل من حيوان بري بالصين، إلى العالم كله وهو النتيجة، ما يُظهر هشاشة هذا العالم، وضرورة التضامن الشامل لمواجهة الأخطار.

كاتب ومحلل سياسي مستقل

L’Occident raconté par les romanciers arabes

20AVRIL 2020 (VOLUME 21, NUMÉRO 4) Acta Fabula

titre article

NIZAR BADRAN

L’Occident raconté par les romanciers arabes

Mojeb Alzahrani, L’Image de l’Occident dans le roman arabe, Paris, Erick Bonnier Éditions, coll. « Encre d’Orient », 2019, 382 p., EAN 9782367601762.

1La vision de l’Occident telle qu’elle est dressée par les romanciers orientaux demeure un sujet délaissé qui demande à être approfondi. L’Image de l’Occident dans le roman arabe contemporain, version corrigée et augmentée d’une thèse présentée par Mojeb Alzahrani en 1989 à l’Université de Sorbonne, explore cette thématique. L’ouvrage, publié en 2019 aux Éditions Erick Bonnier, permet de mieux saisir en quoi la vision de l’Occident qui imprégnait les romanciers arabes pose un problème, celui de l’altérité, source de grandes incompréhensions.

2Auteur saoudien spécialiste de la littérature comparée, M. Alzahrani a enseigné pendant plusieurs années à la Sorbonne avant de retourner en Arabie saoudite en tant que doyen et professeur d’université. Il est revenu en France après sa nomination, en 2016, à la fonction de directeur général de l’Institut du monde arabe. L’auteur compte à son actif plusieurs œuvres littéraires, notamment Lectures dialogiques1, ainsi que son livre autobiographique Ma vie : histoire d’une génération2, ou encore son roman intituléDanse3.

3L’ouvrage porte un éclairage sur certains écrits rédigés entre les années 1930 et les années 1980 par une vingtaine d’écrivains issus principalement du Moyen‑Orient. M. Alzahrani divise son exposé en trois parties : la première concerne l’évolution historique dessinée par l’étude de ces écrits, la deuxième s’intéresse aux particularités de la représentation de la femme occidentale chez ces auteurs, et la troisième met en lumière les expériences propres aux vécus des auteurs saoudiens. La première partie constitue l’essentiel de l’ouvrage et se divise à son tour en trois sous‑parties, portant chacune sur une période historique : la première période est caractérisée par l’éblouissement ressenti par les auteurs orientaux face à la lumière de la culture occidentale ; la deuxième est celle de l’affirmation de soi lors de la lutte contre la colonisation ; et, enfin, la troisième met l’accent sur le désenchantement ressenti par ces écrivains lors de leurs exils en Occident. Les pays occidentaux évoqués répondent à une définition large de l’Occident, dont le contenu ne cesse d’être redéfini au fil de la chronologie. Il s’agit principalement de la France et de l’Angleterre au début du xxe siècle, puis de l’Italie et de l’Espagne, et plus tard des pays de l’Europe de l’est, de l’Union soviétique et des États‑Unis.

4Son analyse concerne d’abord les années 1930, au cours desquelles des auteurs tels que l’Égyptien Taha Hussein, considéré comme le doyen de la littérature arabe contemporaine, arrivé en France en tant qu’étudiant‑voyageur, s’attachent à définir l’universel selon les termes de l’universel européen. Afin d’être reconnu comme un auteur universel, Taha Hussein défend l’idée de l’appartenance de la littérature égyptienne à la littérature occidentale en niant l’évidente arabité de son pays. L’exemple européen, notamment français, est à ses yeux le seul qui doit être adopté si l’on veut accéder à la modernité.

5Dans son livre Oiseau d’Orient4son contemporain Tawfiq Alhakim, qui n’avait entrepris qu’un projet culturel sans prétentions politiques revendiquées, ne comprend quant à lui l’universel européen qu’au sein de la culture et de l’art, opposant ainsi le matérialisme européen au spiritualisme oriental :

Cette idée‑force, émanant sûrement de l’imaginaire de l’auteur [Tawfiq Alhakim], est qu’il y avait une opposition conflictuelle et dualiste entre « l’Orient » et « l’Occident ». Le premier monde – homme, culture et histoire – était « spirituel », « noble », prodigieux », « terre de prophètes et de sages » et source de « vraie civilisation », etc. … Mais il n’en reste que des traces […].

Le second est « matérialiste », « cynique », « égoïste », producteur des « faux prophètes » que sont les scientistes, les idéologues et les politiciens. Dans ce monde occidental, source de civilisation moderne « technique », « satanique », « dégradée » et « dégradante », seuls l’Art et la Création artistique comptent, aux yeux d’un « artiste » « spirituel » et « oriental » […]. (p. 88)

6Pour ce qui est de la période coloniale, M. Alzahrani propose d’étudier les récits d’écrivains‑voyageurs. En dehors des avancées scientifiques et technologiques, ces récits n’évoquent guère l’Europe en des termes mélioratifs. Les auteurs choisis insistent sur l’identité arabo‑musulmane qu’il s’agit alors d’affirmer face au colonisateur. Quant à la pensée de l’auteur syrien Suhayl Idris, le nationalisme arabe et l’opposition à la culture européenne – tels qu’ils apparaissent dans son roman Quartier latin5 – semblent, selon M. Alzahrani, en être les éléments fondateurs : « Nationaliste convaincu et fasciné par A. Camus, [Idris] essaie de réinterpréter l’idée camusienne de l’“homme révolté” en fonction de son idée de l’“homme arabe, nationaliste et révolutionnaire” » (p. 150). En outre, « [f]asciné par la France (espace et culture) et par l’existentialisme, passionné de l’image de ce “pays du futur” que serait “l’État Arabe uni” moderne et progressiste (peut-être comme la France), l’auteur s’est idéologisé œuvre et représentation » (p. 156).

7La troisième phase historique étudiée est celle du désenchantement lors de laquelle l’indépendance tant souhaitée est désormais acquise. L’Orient entre alors dans l’ère postcoloniale. Les auteurs‑voyageurs mis en avant prennent plutôt l’apparence d’exilés politiques fuyant les régimes autoritaires dont l’établissement a suivi le départ du colonisateur. L’image de l’Occident telle qu’elle est dressée au cours de cette période est paradoxale : l’on reproche souvent aux politiciens des pays occidentaux de soutenir les régimes dictatoriaux.

8Le Syrien Hana Mina et le Saoudien Abdarrahman Mounif en sont de bons exemples, comme en témoignent leurs ouvrages respectifs, Voyage de printemps et d’automne6et À l’Est de la Méditerranée7. Le premier est cerné par M. Alzahrani comme une œuvre écrite à la gloire du socialisme existant en Hongrie, peu de temps avant l’effondrement de ce dernier :

Voyage de printemps et d’automne se passe entièrement en Hongrie, le narrateur‑auteur est un écrivain communiste syrien qui s’était réfugié à Budapest d’où il n’est revenu à Damas qu’au lendemain de la guerre israélo‑arabe de 1967. H. Mina découvre, pour la première fois, l’Occident socialiste. Enchanté et fasciné par celui‑ci, il transforme son roman en éloge fait, sans réserve aucune, aux systèmes socialistes qui y règnent. (p. 189)

9Pour ce qui est de l’œuvre d’Aberrahman Mounif, « elle se veut une dénonciation des régimes politiques à l’est de la Méditerranée, d’où viennent le titre du roman et une revendication des droits de l’homme les plus élémentaires, bafoués dans cet espace » (p. 190).

10M. Alzahrani accorde une attention particulière à la place de la femme occidentale dans l’imaginaire de ces auteurs‑voyageurs. Cette femme représente consciemment ou inconsciemment la civilisation européenne, libre et éblouissante pour les uns, décadente et opposée aux valeurs orientales pour les autres, mais demeurant toujours une énigme et un sujet de fascination. Évoquons Taha Hussein, qui voyait dans la France le « paradis des femmes », et dont le héros du roman Homme de lettre8 tombe amoureux de la première femme qu’il rencontre à Marseille. Pour Tawfiq Alhakim par contre, la femme occidentale est, comme le relève M. Alzahrani, indigne d’amour et encore plus indigne de « spiritualisme » :

Vue de loin, la jeune fille est « belle », et « fascinante » mais c’est uniquement au niveau de l’apparence, tout comme la « jeune » civilisation européenne ou occidentale qui séduit et fascine les autres, les non‑Occidentaux, par ses aspects de modernité « technique » et/ou « idéologique ». Vu de près, il la trouve « vide de sens », « superficielle », « cynique », « dominatrice », « agressive et aussi inhumaine que déshumanisante. (p. 93‑94)

11Remarquons que les relations instaurées par ces auteurs entre leurs personnages principaux et la femme occidentale se soldent toujours par une rupture.

12M. Alzahrani consacre son dernier chapitre aux auteurs saoudiens, tiraillés entre sciences occidentales et traditions locales. On trouve à travers les quatre auteurs étudiés ici, plus ou moins connus, la spécificité de leur attachement aux valeurs de l’islam dont la société saoudienne est imprégnée. Mais cet attachement prend souvent la forme d’une adhésion de façade servant à plaire aux autorités politiques et religieuses afin de permettre à ces auteurs de trouver une place au sein de leur propre pays. M. Alzahrani relève que, parmi ces auteurs, Fouad Sadiq Moufti fait preuve d’un sens critique dans son roman Moment de faiblesse9:

Fouad S. Moufti s’oppose à eux, ou du moins s’en écarte. Son œuvre consiste à dire, à haute voix parfois, que les ressortissants des Lieux Saints de l’Islam ne sont pas des saints et s’ils ont des défauts, il faut en chercher les causes dans le soi (l’individu, la société et le système culturel) et non pas les projeter sur l’autre, femme ou homme, occidental ou pas. (p. 294)

13Son compatriote Mohamed Abdu Yamani se situe à l’opposé lorsqu’il décrit le destin de Hishâm, personnage de son roman Jeune fille de Hayl10: « L’Occident est “libertin”, “décadent” et “immoral”, mais Hishâm est bien protégé à tous les niveaux : “bon musulman”, “bon militaire” et “bon mari”, il est fidèle dans tous les cas » (p. 270‑271).

14M. Alzahrani, saoudien lui‑même, parvient à décrire, à travers l’exemple de ces différents écrivains, les modalités de l’évolution sociologique en Arabie saoudite, et parvient à mettre en lumière la chape de plomb qui s’est abattue sur son pays.

15En guise de conclusion, M. Alzahrani analyse le style propre à chacun de ces écrivains‑voyageurs et met le doigt sur l’insuffisance de la dialogique dans leurs esprits, exception faite de l’écrivain soudanais Tayeb Salih dans son roman Saison de la Migration vers le Nord11 :

La problématique des rapports avec la civilisation occidentale est certes au centre de ce chef‑d’œuvre [Saison de la Migration vers le Nord], mais l’auteur [Tayeb Salih] ne la reproduit dans son roman que pour en explorer la richesse, la complexité et les profondeurs abyssales. (p. 158)

16Et partiellement faite de l’écrivain égyptien Sun allah Ibrahim et de son roman Étoiled’Août12:

 […] à l’instar de T. Salih, S. Ibrahim opte pour un langage et pour un point de vue qui démystifient, dévoilent et déconstruisent les mythes littéraires et idéologiques courants et dominants en Orient ou en Occident, à commencer par le nationalisme en Orient arabe et le communisme en Europe de l’Est. (p. 209)

17Selon M. Alzahrani, la plupart des auteurs étudiés n’ont réussi qu’à affirmer, à travers leurs voyages et écrits, les préjugés déjà ancrés en eux et n’ont pas su ouvrir un dialogue réel entre Occident et Orient. Les personnages, qu’ils soient occidentaux ou orientaux, expriment davantage le point de vue de leurs auteurs. Lorsqu’il s’agit de se mettre en rapport avec l’Européen, ces écrivains se mettent involontairement en position d’infériorité ou de supériorité, mais jamais en position d’égalité.

*

18À nous de conclure en disant d’emblée que M. Alzahrani offre une fine analyse de tous ces écrits dont l’étude permet de mieux comprendre la nature de l’image de l’Occident présentée par les romans arabes. Nous remarquons cependant l’étendue de sa notion d’« Occident », celle‑ci incluant Moscou et New York en passant par l’Europe, et portant plus sur les données géographiques que sur les similitudes culturelles, ce qui contraste avec l’étroitesse de sa notion de « roman arabe », qui n’inclut que des écrivains du Moyen‑Orient, considérant davantage la langue utilisée que l’appartenance culturelle et émotive de l’écrivain.

19La pensée de M. Alzahrani lui‑même, inclinée vers l’universalité et l’humanisme, et qui est le résultat des expériences que l’auteur a vécues dans son propre pays mais aussi et surtout en France, se résume dans cet extrait de son ouvrage, où il définit sa conception de l’écrivain idéal :

Nous pensons que le rôle de tout écrivain qui s’assigne la tâche de traiter le thème des relations avec autrui, est d’élaborer, un langage dialogique, humaniste, novateur et par‑là même rebelle aux clichés et stéréotypes dominants. Il est de son rôle aussi de se transformer, être et œuvres, en médiateur entre les peuples et les cultures pour relativiser toute différence et favoriser la connaissance et la reconnaissance mutuelle ; de voir en l’autre, homme ou femme, le prolongement de soi, un être humain dont la langue, la religion, la culture…, ne sont ni supérieures ni inférieures ; de créer pour libérer son lecteur et se libérer soi‑même des visions étroites conjoncturelles, simplistes et dangereuses. (p. 358)

20L’auteur a réussi, dans ses propres écrits, à respecter effectivement cette maxime. On peut se demander si les écrivains‑voyageurs arabes de notre temps seraient prêts à la suivre à leur tour, afin d’aborder l’Occident avec une véritable ouverture d’esprit.

NOTES

1 Mojeb Alzahrani, Lectures dialogiques [trad. de l’arabe par Luc Barbulesco], Casablanca/Beyrouth, Éditions Centre culturel du livre, 2019.

2Mojeb Alzahrani, Sirat alwakt, Hyat fard hikayat jil [Ma vie : histoire d’une génération, trad. du titre par M. Alzahrani], Casablanca/Beyrouth, Éditions Centre culturel du livre, 2019.

3 Mojeb Alzahrani, Raqs [Danse, trad. du titre par M. Alzahrani], Casablanca/Beyrouth, Éditions Centre culturel du livre, 2019.

4 Tawfiq Alhakim, Uçfur min ash-sharg [Oiseau d’Orient, trad. du titre par M. Alzahrani], Le Caire, Masr Publishing House, 1938.

5 Suhayl Idris, Al‑hayy al‑Latini [Quartier latin, trad. du titre par M. Alzahrani], Beyrouth, Dar Al Adab, 1954.

6 Hana Mina, Rihlat ar‑rabi wal‑Kharif [Voyage de printemps et d’automne, trad.du titre par M. Alzahrani], Beyrouth, Dar Taliaa, 1983.

7 Abdarrahman Mounif, Sharg al‑mutawaççit [À l’Est de la Méditerranée, trad.en français par Karim Jihad, Sindbad, 1985], Beyrouth, Arab Institute for Research and Publishing, 1972.

8 Taha Hussein, Adib [Homme de lettre, trad.du titre par M. Alzahrani], Le Caire, Dar Masr, 1935.

9 Fouad Sadiq Moufti, Lahzhat daaf [Moment de faiblesse, trad.du titre par M. Alzahrani], Djedda, Tihama, 1981.

10 Mohamed Abdu Yamani, Fatat min hayl [Jeune Fille de Hayl, trad.du titre par M. Alzahrani], Djedda, Tihama, 1980.

11 Tayeb Salih, Mawsim al‑hijra ila ash‑shamal [Saison de la migration vers le Nord, trad. du titre par M. Alzahrani], Beyrouth, Dar Al Adab, 1966.

12 Sun allah IBRAHIM, Najmat aghustus [Etoile d’août, trad.en français par F. Fourcade, Sindbad, 1985], Le Caire, Dar ath‑thaqafa al‑jadida, 1973.

ألنزاع الصيني ألامريكي ألرهان ألخاسر

النزاع الصيني الأمريكي 

الرهان الخاسر

د. نزار بدران .القدس العربي 13 نيسان 2020

منذ إنتشار وباء أو جائحة كورونا، ومضاعفاته على الوضع الاقتصادي العالمي، بكل الدول بدون استثناء، ظهرت تحليلات كثيرة، من أناس مختصين بالشأن الاقتصادي، والذين يحذرون أو يُبشرون، كل حسب موقعه، من انعكاس محتمل على العالم، كنتيجة التضارب الأمريكي الصيني. فهناك من يرى أن الصين ستتجاوز أمريكا، وتنتصر بمعركة وجودية بالنسبة لها، ألا وهي أن تصبح القوة الاقتصادية ألاولى بالعالم، وهناك من يرى أن الحرب التجارية ستزيد بينهما، إلى درجة خطر العودة، لنوع من الحرب الباردة من جديد.

حرب باردة جديدة

المراقب لتطور العلاقات، بين القطبين الكبيرين، وبعد مراجعة العلاقات السابقة مع الاتحاد السوفيتي، قبل انهياره، يلاحظ أن هناك أوجه خلاف كثيرة، بين وضعية الاتحاد السوفيتي، ووضعية الصين، من منظار العلاقة مع أمريكا. الخلاف مع الاتحاد السوفيتي، كان عقائدياً بشكل أساسي، يهدف إلى احتواء الخطر الشيوعي، ومنعه من الانتشار، وهو ما أدى إلى حروب بالوكالة كثيرة، نتج عنها ملايين القتلى (حرب فيتنام، حروب أفريقيا، أفغانستان….الخ)، ولكن لم يكن هناك تقريباً أي تنافس تجاري، بين القوتين العظمتين، فالاقتصاد الغربي كان متكاملاً، كذلك اقتصاد الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية التابعة له، هناك فاصل جغرافي بينهما والتبادل التجاري كان شبه معدوم.

العلاقة مع الصين هي عكس ذلك تماماً، فقد أُزيلت كل الحواجز بين الدولتين وأصبحت العلاقة الاقتصادية بينهما، الأهم على الإطلاق. لم تتوقف الصين، ومنذ أول اتفاقية، مع الولايات المتحدة، لعام 1979، عن زيادة التبادل، والاستفادة الهائلة من الاستثمارات الأمريكية، لبناء اقتصاد قوي، أولاً عن طريق تصنيع البضائع الأمريكية بالأراضي الصينية، واضعاً أسس مفهوم “الصين مصنع العالم”، ومنذ بداية القرن صناعات صينية بحتة، وبتقنية فائقة الجودة، بمفهوم الصين “تُصَنِّعْ للعالم”، وهو نفس النموذج الياباني، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذا النظام التكاملي مع الولايات المتحدة، وصل لدرجة ربط الصين لعملتها المحلية بالدولار، ولم تتخلى عن ذلك إلا تحت الضغوط الأمريكية.

إنتقل التبادل التجاري، من 2 مليار دولار عام 1979، إلى 5 مليارات عام 1985، ثم 231 مليار عام 2006، وحديثاً إلى 736 مليار لعام 2019، مع فائض تجاري لصالح الصين، بقيمة 354 مليار دولار، مقابل 380 مليار لعام 2018، أي ثلاثة أضعاف صادرات أمريكا للصين. يُضاف لذلك، امتلاك الصين أكبر جزء من الدين الأمريكي، قيمته 1241 مليار دولار لعام 2015.

السوق الأستهلاكي ألامريكي

السوق الداخلي الاستهلاكي الأمريكي، وهو أكبر سوق بالعالم، سمح للصين بهذه القفزة النوعية، وما تبعه من امتلاكها أرباحاً كبيرة، استطاعت بواسطتها، الدخول بأفريقيا والدول العربية، وباقي دول العالم. العلاقات الاقتصادية مع روسيا، مبنية فقط على استيراد الغاز الروسي، ففي عام 2014، تم توقيع اتفاقية بقيمة 450 مليار دولار، على مدة 30 عاماً لإستيراد ألغاز، بالمقابل، لا يُمثل السوق الروسي الاستهلاكي الداخلي، أهمية استراتيجية للصانع الصيني بسبب ضعفه ألنسبي ( معدل دخل ألفرد حوالي 10.000 دولار سنويا مقابل حوالي 60.000 بالولايات المتحدة ). 

لا يمكن لأي دولة بالعالم، أن تحل محل الولايات المتحدة بالنسبة للصين، لكونها أكبر قوة استهلاكية بالعالم، وصاحبة أكثر التكنولوجيات تقدماً. نحن نرى إذاً، أن لا مصلحة للصين، بأن تضر بالبقرة الحلوب الأمريكية، وأن تُضعف قوة مستهلكيها على شراء البضائع الصينية، والخلاف الصيني الأمريكي منذ عامين، كان لهذا السبب، أي رغبة الرئيس ترمب، بإبعاد المستهلك الأمريكي، عن شراء البضائع الصينية، بزيادة الضرائب عليها، هذا لم يدُم طويلاً، بسبب حاجة كل طرف للآخر. خطاب الرئيس الصيني جزي جنبنج، عام 2013، حين زيارته لأمريكا هو مرآة لذلك، حيث قال أدعو لإنطلاقة تاريخية جديدة بيننا، فكلانا يُدرك، أن المصالح التي تربطنا، هي سيل عارم، لا يمكن إيقافه.  

من هذا المنطلق فأنا شخصياً، لا أرى أن وباء  الكورونا، سيُستعمل من طرف الصين أو أمريكا، ليضعف أحدهما الآخر، بل على العكس، فالصين ستعمل جاهدة لاستعادة المستهلك الأمريكي لبضائعها، ولن تدفع نحو إجهاده وإفقاره، وأمريكا بحاجة لأن يُفتح أمامها السوق الصيني أكثر من السابق، حتى تستطيع أن تعوض الاختلال بالميزان التجاري، هي إذاً، أي أمريكا، بحاجة لسوق داخلي صيني، قوي غني، وليس شعباً فقيراً، الولايات المتحدة، ستعمل جاهدة لتحقيق ذلك، وهي وسيلتها لكسب الحرب الاقتصادية مع الصين، أي أن الانتصار لأمريكا، يعني أن تصبح الصين قادرة على شراء البضائع الأمريكية وليس العكس. انخفاض التبادل التجاري بين الدولتين، بعام 2019 مقارنة بعام 2018، بسبب ألعقوبات ألامريكية أضر باقتصاد كل منهما، فالصين صدرت لأمريكا عام 2019، 418 مليار دولار، واستوردت منها ما قيمته 123 مليار، بينما لعام 2018 تم تصدير 558 مليار، واستيراد أكبر بقيمة 178 مليار.

الاتفاق الأخير، ببداية العام ألحالي، بين الصين وأمريكا، لوضع حد ولو مؤقت للحرب التجارية، يؤكد صحة هذا الطرح، فقد التزمت الصين بشراء ما قيمته 200 مليار دولار من المواد الغذائية، بالسنوات القادمة من الولايات المتحدة، هذا ألقبول دليل تمسكها بالسوق الأمريكي، وحاجتها للتكنولوجيا الأمريكية، هذا الرقم المهول من الاستيراد الصيني، سيكون على حساب استيراد نفس المواد من مصادر أخرى مثل الاتحاد الأوروبي أو أفريقيا، أي أنه سيُضر بصادرات هذه الدول بشكل كبير. من ناحية أخرى، فإن حجم الاستثمارات الصناعية الأمريكية بالصين، بلغ 450 مليار دولار، أي أكثر من ضعف صادراتها لها، وهو يبين أيضاً، رغم رفع الضرائب على البضائع الصينية من 3 إلى 19%،  الأهمية التي تعطيها أمريكا للسوق الصيني الداخلي، وإمكانيات نموه المستقبلية. 

ألمجتمع هو ألحل

أزمة كورونا، كما قبلها أزمة 2008 المالية، ونتائجها على الاقتصاد، يبعث برسالة قوية للقيادة الصينية، بأن أهم ضمان للصين وثباتها وازدهارها، هو شعبها نفسه. المطلوب إذاً هو تحسين الأوضاع والدخل المادي، لأكبر عدد ممكن من الصينيين، حتى يتمكنوا من شراء بضاعتهم بأنفسهم، بدل انتظار بيعها للخارج، كما يفعلون الآن. هذا لن يتم إلا بانفتاح السلطة الصينية والحزب الشيوعي على مجتمعه، وإعطاء أكبر كم من الحريات؛ حرية التعبير، حرية التنظيم النقابي واستقلاليته خارج الأطر الرسمية، وفتح المجال أمام المجتمع المدني، لأخذ حقه بتقرير السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التي تهمه قبل قيادته. أحداث ساحة تيننمن ببكين عام 1989، لا يجب أن تعود مرة أخرى.  

أزمة كورونا قد تُعطي وعياً جديداً للمواطن الأمريكي، بدل الجري وراء سراب الرئيس ترمب الإنعزالي، وهو يكتشف اليوم أن التعاون الدولي، حتى مع أصغر الدول، بالعدل والمنطق، هي السياسة التي يجب أن تتبناها دولة عظيمة بحجم الولايات المتحدة.

العودة للتعاون الدولي، للحد من التلوث البيئي وارتفاع الحرارة، هو شيء أكثر من مهم لأمريكا والعالم، فمأساة كورونا، ليس إلا مقدمة بسيطة رمزية، لما قد يُصيبنا بالسنوات القادمة، نتيجة التغيير المناخي، وحينها لن يجد المواطن الأمريكي من يساعده، لوضع كمامات لحمايته من تنفس دخان مصانعه. 

ألرهان ألخاسر

هؤلاء المراهنون على اللعب، على الخلاف الأمركي الصيني التجاري، لم يدرسوا بما فيه الكفاية، عمق العلاقة بينهما وتشابكها، هم ليس فقط لن يجدوا مكاناً لبيع بضائعهم، بل سيبدؤا بخسارة جزء من السوق التي يملكونها، لصالح محور أمريكا والصين.

المستقبل القريب والبعيد، هو للتكتلات الكبيرة جداً والمحاور، وليس للأقطاب، كما كان عليه الوضع بالقرن العشرين. أين نحن العرب من كل ذلك، الصحوة العربية، تستوجب أولاً، الإلتزام باستعمال ثرواتنا لبناء أوطاننا، وليس فقط سلعة صغيرة يتلاعب بها الكبار، وكما قال لوران لاسكاي، المختص الاستراتيجي الأمريكي بالاقتصاد، “ألحرب التجارية، هي مثل لعبة كرة الطاولة الصينية الشهيرة، الطلقات، اُستبدلت بالدولارات، والصواريخ ، بالملفات”. 

مراقب ومحلل سياسي مستقل