Month: سبتمبر 2020
التطبيع الخليجي الإسرائيلي… استمرار الثورة المضادة

د. نزار بدران . القدس العربي 18 أيلول 2020
أعطى الانطباع العام، بعد ما يُسمى بالتطبيع، بين دول خليجية وإسرائيل، وما تبعه من عدم صدور رد فعال، من أي دولة عربية، وسكوت بل تعاطف جامعة الدول العربية، أعطى كل ذلك، الانطباع أن الأمة العربية تُخطط للتخلي التام عن فلسطين والفلسطينيين، لكن من يريد أن يتحلى بنوع من المنطق والمصداقية، عليه أن يعترف، بأن ذلك ما هو إلا تتويج لتطور تعريف القضية الفلسطينية من قِبل الفلسطينيين والقادة العرب.
انطلقنا في سنوات جمال عبد الناصر، من مفهوم الصراع الوجودي الإسرائيلي العربي، إلى مفهوم جديد، أُكد في قمة الرباط في المغرب، عام 1974 وهو مفهوم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما عنى ذلك تدريجياً، إستحواذ القيادة الفلسطينية، باسم الشعب الفلسطيني، على حق التعبير عن قضية العرب الأولى، واختصارها بنزاع بين شعب مُشرد، وقوة غاشمة مدعومة من أمريكا والغرب. وهي كما يبدو، معادلة لم تؤد إلاّ إلى اتفاقيات أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، على مبدأ قيام دولة فلسطينية، وهو ما لم يتحقق أبداً، بل زاد الاستيطان الإسرائيلي، وقضم أراضي الضفة المحتلة عام 67 وإعلان القدس، من طرف الرئيس الأمريكي، ترامب، عاصمة لإسرائيل، بالإضافة لذلك، ومع سياسة المفاوضات التي لا تنتهي لشيء منذ حوالي، ثلاثين عاماً، انتقلنا من مفهوم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى مفهوم جديد، وهو الصراع الفلسطيني الفلسطيني، بين من يُمسك بالأمور بقطاع غزة، ومن يُمسكها بالضفة الغربية، مُتناسين عملياً، أساس القضة الفلسطينية التاريخي والحقوقي، وهو حق اللاجئين في العودة. هذا من ناحية ما يمكن تحميله للقادة والفصائل الفلسطينية، من مسؤولية وبشكل مختصر جداً.
من ناحية الدول العربية، فبعد تحررها، من مسؤولياتها التاريخية، بتحرير فلسطين كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية، انقلبت هذه الأنظمة، إلى موقع الداعم (الممكن) للشعب الفلسطيني، بنضاله بتحرير وطنه، هذه المهمة لم تدم طويلاً، وتطورت بعد ذلك إلى مفهوم الوقوف تقريباً على الحياد، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، كما رأينا مثلاً، زمن حسني مبارك ولعبه دور الوسيط.
منذ انطلاق الربيع العربي، في نهاية عام 2010 انتقلت دول الثورات المضادة، بقيادة دول الخليج، خصوصاً الإمارات والبحرين، إلى مفهوم جديد، فبدل الاكتفاء بدور الوسيط، أصبحت هذه الدول تلعب دور الحليف للكيان الصهيوني، وهو ما تُرجم بمواقف عدة، كان آخرها الاتفاقيات الحديثة، الخليجية الإسرائيلية، وما الخطر الإيراني إلا حجة واهية.
حركات الربيع العربي
حركات الربيع العربي، تُشكل خطراً وجودياً، على كل الأنظمة الديكتاتورية، الفاقدة لأي شرعية شعبية، فهي لهذا السبب، في حاجة لحليف قوي لحمايتها، وردع خطر الثورات ضدها. هي وضعت نفسها إذاً، بموقع التناقض الرئيسي مع الشعوب العربية، المطالبة بحقوقها الإنسانية الطبيعية، كونها مصدر السلطة، كما حدث في عدد كبير من دول العالم منذ بداية التسعينيات. من هذا المنطلق، فهذه الأنظمة المتحالفة مع إسرائيل، وجدت نفسها تحت رحمة الإسرائيليين والأمريكيين وتنفذ كل طلباتهم، بهدف الحصول فقط، على بقاء أنظمتهم، وبدون النظر إلى الثمن المدفوع، حتى ولو كان حرمة القدس والمسجد الأقصى. تصريحات الرئيس الأمريكي، أنه حامي هذه الأنظمة، وبدونه تسقط في بضعة أيام، لأكبر دليل على ذلك. هذه الدول فاقدة، بشكل كامل، للسيادة على أراضيها، ملتحقة بالسيادة الأمريكية، بما فيها الأمور الداخلية الانتخابية.
نحن إذاً أمام معادلة جديدة فيما يخص القضية الفلسطينية، وهي الشعب والقيادة الفلسطينية من جهة، وإسرائيل وحلفائها العرب من جهة أخرى. هذه المعادلة لا يمكن أن تكون لصالح الفلسطينيين، مهما جدوا واجتهدوا، لذلك فإن المعادلة المقبلة، والتي قد تغير التوازن لصالح القضية الفلسطينية، لا يمكن أن توجد، إلا إذا تمكنت الشعوب العربية، من زعزعة هذه الأنظمة، وبناء صرح ديمقراطي جديد، وتمكن الشعب الفلسطيني من بناء حركة وطنية جديدة بمعايير الربيع العربي. عندها قد نحلم بعودة نوع من التوازن بين القوة الفلسطينية والعربية المشتركة، مقابل القوة الإسرائيلية وداعميها من الغرب.
بالعودة مُجدداً للتاريخ، فإننا نتذكر بسهولة، الاتفاقية الأمريكية السعودية لحماية أمن الخليج أي الأنظمة، لعام 1945 وما سبقها من اتفاقيات بنهاية القرن التاسع عشر، بين ما يُسمى الدويلات الخليجية المتصالحة وبريطانيا العظمى، حيث وضعت عام 1892 مجموعة من إمارات الخليج بزمنه، نفسها تحت حماية التاج البريطاني. لا شيء جديد إذاً، إن وضعت هذه الأنظمة نفسها الآن تحت حماية إسرائيل والتاج الأمريكي.
كاتب ومراقب سياسي عربي مستقل
حالة مستعجلة. القدس العربي
حالة مستعجلة
30 – أغسطس – 2020

لم يُظهر إنفجار الميناء في بيروت، عدم اهتمام الإدارة اللبنانية بسلامة المواطنين فقط، ولكن أيضاً عدم كفاءة حقيقية، للمسؤولين عن إدارة هذا المرفق الاستراتيجي، الذي تمر به معظم البضائع القادمة للبنان والخارجة منه.
ما يهمني بهذا المقال، هو ما يمكن استنتاجه، من علاقة بين نوعية النظام السياسي الحاكم وحدوث هذه المصائب. ليس فقط في لبنان، ولكن على كافة الأرض العربية. هل حقاً النظام العربي، في كافة الأقطار، قادر على إدارة البلاد وتأمين مهام الدولة القومية الأساسية؟
وهي أمن المواطن والوطن، على كافة الأصعدة، ما يعني الحفاظ على حياته وعمله، والسهر على رفاهيته، والحفاظ على وحدة الوطن ومكوناته الاجتماعية.
الدولة القطرية العربية
منذ قيام الدولة القطرية العربية، ذات الأنظمة الاستبدادية، عسكرية كانت أم عائلية أم طائفية، قبل حوالي سبعين عاماً، لم يتمكن المواطن العربي، من الحصول على حقوقه الأولية، ولم تتمكن الأوطان من الحفاظ على سلامة أراضيها، أو استغلال ثرواتها، لصالح هذا المواطن.
تتصف كل هذه الأنظمة كونها مبنية على مفهوم الزبائنية السياسية والاقتصادية، وهو ما يعني استعمال الفساد، لتحقيق مآرب القابضين على السلطة . الأمن بالنسبة لهم، هو أمن النظام الذي أقاموه، وليس أمن المواطن، والخطر الذي يجب دفعه، هو مطالبة المواطن بحقه الأساسي كونه مصدر السلطة، وليس وحدة الوطن أو سلامة أراضيه.
هذا النظام العربي يعتمد مفهوم توزيع السلطة بين أفراده أو طوائفه، وليس وضع الشخص الكفؤ بالمكان المناسب. يُقدم المنصب لشخص ما، لمكافأته أو السماح له بالثراء غير الشرعي.
النظام الزبائني بكل أشكاله (سياسية، اقتصادية، داخلية أو خارجية) يؤدي دائماً إلى نتيجتين، الأولى هي سوء الخدمات المقدمة للمواطن، لعدم كفاءة المسؤولين، والثانية هي عدم وصول الواقع كما هو للقيادات العليا، بسبب الخوف دائماً من قول الحقيقة، وتصوير الواقع بشكل وردي حتى ولو كان قاتماً. ملايين الدولارات توضع لخدمة قطاعات عديدة، اجتماعية واقتصادية، ولكن هذا الأسلوب بالحكم لا يسمح باستعمالها بشكل فعال، ويؤدي فقط لزيادة غنى المسؤولين، وتمكين السلطة الحاكمة، من حماية نفسها من خطر أي انفجارات شعبية.
اتحاد المغرب العربي
من ناحية أخرى، لا تحمي هذه الدول القطرية وحدة وسلامة أراضي الوطن، حتى لو كان صغيراً، فالسودان زمن عمر البشير أصبح سودانين، وضاع الجنوب الغني بالنفط. الحدود المغربية الجزائرية، مُغلقة من أربعين عاماً، لأسباب تهم الحكم فقط ولا تهم المواطن، وهو ما يمنع أي تطور مشترك على أي مستوى، اتحاد المغرب العربي، لا يحمل من الوحدة إلا الأسم، وهو يضم خمس دول، مجلس التعاون الخليجي، فهم التعاون على أنه إغلاق الحدود وحصار أحد أعضائه والحرب على اليمن، ولم يستطع الدفاع عن الجزء من أراضيه المُحتل من إيران (بعض الجزر بالخليج).
النظام السوري، دمر سوريا بشكل كامل، وفتحها للاحتلال الأجنبي، النظام المصري يحاصر قطاع غزة لحساب اسرائيل…وهكذا بكل المناطق العربية.
إنهاء النظام الزبائني لهذه الدول، وبناء ديمقراطيات حقيقية، حيث الشعب هو مصدر السلطة، هو الوحيد القادر على عكس الأوضاع، وكلما تأخر وصول هذا الحل، كلما زادت الكوارث.
نخشى لو تأخر الحراك الديمقراطي العربي، في زحزحة هذه الأنظمة، أن نصل لوضع نترك به لأبنائنا، بلادا تشبه الصحراء الجرداء، حيث التلوث البيئي وضياع الثروات لبناء الدول الأجنبية، وتقسيم الأوطان على نمط طائفي، لن تسمح لهم بالانطلاق نحو مستقبل مشرق، كما حصل في دول عديدة في العالم.
نحن في العالم العربي، نعيش الآن حالة استعجال، كالمريض الذي ينتظر العلاج، وقد وصل به الوضع إلى حالة قريبة من الموت السريري.
انفجار بيروت، ليس إلا أحد مظاهر مسلسل الضياع، الذي بدأته هذه الأنظمة منذ ولادتها، بحضن المستعمر منذ بضعة عقود. ويجب أن يكون بالنسبة للمواطن العربي، إنذارا بضرورة الاستعجال، بالعمل للتغيير، وأيضاً للنظام العربي، إنذارا أن التغيير آت لا محالة، وما إعاقته والمناورة لتأخيره، إلا عبث لكسب الوقت، لن يزيد الأزمة إلا عمقاً.
كاتب ومراقب سياسي عربي مستقل