كَفْكِفْ دموعَك يا أُبَيّ واقْبَل مَمَاتي
واذْهَبْ إلَى قِمَمِ الجبالِ البيض
وافترش السَّحَاب
اقرأ كتابَ اللَّهِ ما بَعْدَ المغيب
وادْعُ المُجِيب
لا تَخْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ أشباحَ الظلَام
لا تَخْشَ بَعْدَ الآنَ أَشْبَاهَ الأَنام
إنِّي مع القاشوش** أَنعَمُ بالهناء
ونسطِّرُ الكَلماتِ وَالنَّغَمَاتِ
ونعلّم الأَلحَانَ للشهداء
ونُذَكِّرُ الأَمْوَاتَ بالأحيَاء
كَانَ لِي بَيْتٌ وكراسٌ وَمَدْرَسَةٌ
وألعابٌ وأصْحَابٌ وأحلامٌ مكدسة
وأُمٌ تَصْنَع الْحَلْوَى مِن الْعَسَلِ
وجدٌ يَدْعو الرَّحْمَنَ بِالفَجْر
وَيُشْعِلُ شِيشَةَ الْمِلَل
وحُبّ لا أبوحُ بِه
وميعادٌ بِقُرب الحائِط المَهْدُوم
أهمِسُ خَائِفًا مغروم
يَا لَيْلَى مَتَى الْقُبَلِ
وذات صَباح ٍ
بَعْدَ سِنِينَ قَد طَالَتْ بِلا ثَمَرٍ
وبُسْتَانٌ بِلا شَجَر
وَمِن أَرْضٍ مُشَقَّقَةٍ
ونبعٌ مات حارِسُةٌ مِنْ العَطَشِ
أَتَت رِيحٌ محملةٌ بزخاتٍ مِنْ المَطَرِ
سَمِعْتُ شَقَائِقَ النُّعْمَانِ لفراشةٍ تهمسْ
جاء الرَّبِيعُ زهيا وَتَفْتَح النَّرْجِس
يا مَنْ قَدِمْتَ مِنْ البِلَادِ البَارِدَةِ
ما سِرُّ خَوْفِك مِن زُهُور اليَاسَمِين
يا مَنْ أَتَيْتَ مِن العُصُور البائِدَةِ
مَا سِرُّ خَوْفِك مِنْ عُيُونِ الحالمين
لَمْ تُبْقِ في جسَدي مكَاناً للسهام
ولا بَيْتِي مكَاناً للمنام
لمْ تُبْقِ في قَلبِي مكَاناً للسَّلَام
أنا حمْزَةُ الذي كُسِرَتْ أصابُعه
سأَكْتُب قصتي بدمَاء جُرْحِي
بالمدارسِ والمَسَاجِد والكَنَائس
وفَوْق سنَابِل القَمْح
وأرسمُ فوْق خاصِرة الزمان
نواعيرَ بِلا أَحْزَان
وأُمي تَحْمِلُ الأوجَاعَ عنِّي
تناجيني وإِن تَعِبَتْ
وتحميني ولو هرمت
وتَقرَأُ في سَوادِ الليلِ
آيَاتٍ مِنْ القرآنِ
لِتَسْمَع سِرِّي المكتوم بالصَّدْر
عُيُونُ حبيبتي أَحْلَى مِن السُّكَّرْ
وضِحكتُها كَمَاءِ العِطْرِ وَالْعَنْبَر
لَن أنْسَى ولن أصفحْ
ولن أَبْكِي ولن أفرحْ
وانْتظرُ الرَّبِيعَ ليُفْتِّحَ الزنْبَق
ويُفَتِتَ الصُّوَان ويحطمَ البَيْدَق
اشْرَبْ دَمِي
أنا يَسُوعُ عَبَرْتُ طَرِيقَ آلامِيِ
ولم أَعثرْ على قَبْرِي
وكل جَسَدِي
أنا نَبِيّ الهائمين الباحثين عن الضياء
لم أعثرْ على نجمٍ ولا بدْرٍ
وُحُوشُ الليل تَنْهَشُ لحْمِي البالي
وتعلن نَصْرَهَا من فَوْقِ أغلالي
في وطَنِي أُضيِع الْوَقْتَ بالْمَوْت
وأبْني تَحْتَ ظِلِّ السَّيْفِ مَهْدًا
وأَصنع منْ تُرابِ السِّجْن لحدًا
ومن عَظمي صَلِيبًا لي
وأَسْمَعُ بَيْن عَصْفِ الرِّيحِ وتلاطمِ الأمْوَاجِ
لَحْنًا كحلْوى الشَّام يَهْمِسُ
إيلان لا تَخْشَ، أنا أُمُّكَ الثَّكْلَى
سنذهب عنْدَ مَنْ جَمَعَ القُلوبَ وقَسَّمَ الأحْزَان
لا ذُلَّ بَعْدَ المَوْتِ يا ولَدِي
فانْعَمْ بخلد الجَنَّةِ الخَضْرَاء للأبدِ
البَحْر يُعْلِنُ حَبَّة الزَّائِف ويَسْرِقُ كُلَّ أَحْلاَمِي
ويتركُني على رَمْلٍ بلا صَدَف ٍ
أنا المَنْسِيُّ مِتُّ على شواطئكم
بلا سَبَبٍ ولا هَدَف ٍ
يا شَيْخَنَا الْقَسَّامَ كُنْتَ لَنَا إمَامْ
لولا اختِلَاسُ الْقُدْسِ مَا ذُبِحَتْ بِلادُ الشَّامِ واغتيلَ الحَمَام
لولا اختِلَاسُ القُدْسِ ما نَدَرَ الصِّدِّيقُ ومَا انْكَشَف الرفِيق
وتهاوت الأَحلَامُ في زَمَنِ الْكَلَام
وتَكَاثَر الأعداءُ والخطباء
ما كُنْتَ تُحْسَبُ يا أَبا الشُّهدَاء
لو عُدتَ للوطَن الْجَرِيح
أَنَّ القَرِيبَ هُو الرَّقِيب
أَنَّ الغَرِيبَ هُو الحَسِيب
ما كُنتَ تَعْلَمُ أَنَّ العَمَائِمَ والعساكرَ والخناجر
أَطفأَتْ نارَ اللَّهِيب
وأن أَبْنَاءَ الْعُمُومَةِ
قَد نَسُوا طَعْمَ الكَرَامَة
فاستباحوا مَريَمَ العَذْراءَ
ورمَوْا فِي البئرِ كُلَّ الأنبياء
سيظَلُ صوتُك شمْعةً في آخرِ الليْلِ الطويلِ
أَنَّ الحَياةَ هيَ الإرادة
والإرادةُ في العقول وفي الرَّشادَة
والمَحَبَّةُ مِنْ حَمَاةَ إلى الجَلِيل
يا شَيْخَنَا القَسَّام يا ابْنَ القُدْس
يا ابنَ الشَّام أَنت لنا ضِيَاءٌ
أَنْت لنا إمامٌ
** إبراهيم القاشوش منشد الثورة السورية الذي قتله النظام