الوضع الصحي
لأسرى وسجناء الحرية
نزار بدران
التقرير السنوي لمنظمة الصحة العالمية، بخصوص الوضع الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، المنشور خلال شهر أيار (مايو) من هذا العام، والذي سبقه خلال الشهر نفسه من العام 2014، يُظهر بشاعة المعاملة التي يتلقاها الأسرى الفلسطينيون على يد سجانيهم الإسرائيليين.
فمنذ الاحتلال سنة 1967 ولحد الآن، أسر أكثر من 800 ألف فلسطيني، وهو ما يعني أن كل عائلة فلسطينية عانت بشكل أو بآخر ومباشرة، من أسر أحد أفرادها. ومنذ انتفاضة الأقصى عام 2000، دخل السجون الإسرائيلية 75 ألف أسير منهم 9 آلاف طفل.
يتقاطع داخل هذه السجون كل شرائح المجتمع الفلسطيني، رجالاً ونساءً، أطفالاً وكباراً، كتاباً ورجال سياسة، نواباً أو مسؤولين، لا تخلو مهنة من أسراها؛ طلاباً، جامعيون، مهندسون أو أطباء أو مهنيين.
ويستمر التقرير بتفصيل الأوضاع, فمن بين أكثر من 5 آلاف أسير حالياً، هناك 190 طفل و19 امرأة. 1500 مريض منهم لا يجدون العلاج المناسب، فمنهم المصاب بالشلل النصفي أو الكامل، أمراض القلب والرئتين، أمراض الكبد والكلى، الأمراض العصبية وأمراض السرطان والأمراض المُزمنة التي هي في حاجة لمراقبة وعلاج مستمرين. ظروف الحياة سيئة جداً، وجود الحشرات بكثافة، سوء التغذية وعدم وجود نظام للتهوية أو ضد الرطوبة. والاعتداء على بعض السجناء والتعذيب للاعتراف.
بحسب الوزارة الفلسطينية لشؤون الأسرى، فإن هناك 204 من الأسرى اُستشهدوا منذ العام 1967، منهم 71 تحت التعذيب، 53 بسبب الإهمال الطبي، كذلك تم تصفية 74 أسيرا داخل السجون أو فوراً بعد إطلاق سراحهم. يُمارس ضد الأسرى التعنيف والعزل الانفرادي للرجال والنساء على حد سواء، وتوجد عدة حالات لعائلات اعتقل منها الأم والأب، وتُرك الأطفال بدون أية عناية أو رعاية.
هؤلاء الأسرى يقاومون الجلاد، ويضحون بالغالي والنفيس، لنيل حريتهم والعودة لعائلاتهم وعملهم، والدفاع عن القيم التي أُسروا من أجلها، الإضراب عن الطعام هو أحد هذه الوسائل، ويُظهر مدى استعدادهم للتضحية بكل شيء؛ حتى بحياتهم لرفع الضيم.
السجان الإسرائيلي يُدرك أيضاً أن هؤلاء الأسرى، هم رمز حرية الشعب الفلسطيني، لذلك يريدون كسر إرادتهم، بما فيه استعمال التغذية القسرية المُحرمة دولياً، وقد ينتج عنها عواقب وخيمة. واستعمال الاعتقال الاداري.
المواطن الفلسطيني داخل فلسطين، هو أيضاً سجين الاحتلال، فالخروج من الضفة الغربية أو دخولها يتم بشق الأنفس، التنقل بين المدن والقرى مُقطع بسبب الحواجز العسكرية والمستوطنات واعتداءات المستوطنين المتكررة، كذلك بسبب الجدار الفاصل.
أهلنا في غزة هم أيضاً في سجن كبير، لا دخول ولا خروج للأشخاص، ولا للبضائع والأدوية إلا برضى السلطات الإسرائيلية، ومعاناتهم على معبر إيرتز أو معبر رفح، يُظهر مدى احتقار إسرائيل للقيم والمبادئ المُتعارف عليها. أهمية صمود الأسير الفلسطيني تنبع من هذا الترابط بالمعاناة بينه وبين أبناء شعبه.
الأسير الفلسطيني حر، لأنه يرفض الذُل والهوان، ويُطالب حتى الموت بحقوقه، والشعب الفلسطيني حر إن اتبع هذا الطريق وسار عليه، ورفض التعاون مع الاحتلال والاعتراف به، الحرية هي في النفس قبل أن تكون بالجسد.
السجان الإسرائيلي يعتقد نفسه حراً، ولكنه حقيقة سجين فكره الصهيوني الاستعلائي العنصري، عُزلة إسرائيل تتزايد في العالم والجدار الفاصل لا يزيدها إلا عُزلة. هي تبني القلاع والأسوار، واضعة نفسها في سجن من نوع آخر، محكمة الجنايات الدولية قد تبدأ لو أحسنا استعمال القانون الدولي، في دفع إسرائيل ومجرمي الحرب إلى الرعب، مما ينتظرهم أمامها، وبعض الإسرائيليين المشبوهين بدأوا بتحاشي السفر إلى الخارج، خوفاً من إلقاء القبض عليهم، بطلب من محاكم بعض الدول الأوروبية.
نلسون مانديلا أمضى 27 عاماً أسيراً بسجون الفصل العنصري بجنوب إفريقيا، ولكنه ما لان يوما، ولم يتراجع قيد أُنمله عن حقوق شعبه بالمساواة، رافعاً دوماً راية القيم الإنسانية عالياً. عندما مات بكاه البيض أكثر مما بكاه السود، لأنه حررهم أيضاً من سجن الأبارتايد الذي وضعوا أنفسهم فيه. من يظن أن حريته تكتمل باضطهاد وانتقاص حرية الآخرين خاطئ، فهو أيضاً ناقص الحرية، ولن تكتمل حريته إلا عندما ينال الجميع حريتهم ويحصلون على حقوقهم، وخصوصاً حق العودة إلى الوطن الذي سلبه منهم هؤلاء السجانون.
من درس التاريخ وتجارب الآخرين نتعلم ونعلم الآخرين أن الأسير الفلسطيني هو الحر، حر بحبه لحريته ولصموده، وأن جلاده هو السجين الحقيقي، لأنه يرفض حرية الآخرين، ويعيش في عقلية المُحاصر وراء جدران قلاعه الوهمية.