حوار بانا الحلبية وآنا الروسية

نشر بالقدس العربي بتاريخ 21 ديسمبر 2016

حوار بانا الحلبية وآنا الروسية

 

نزار بدران

 

لم تبك بانا، تلك الطفلة الحلبية الصغيرة، ذات السنوات السبعة، وهي تخبرنا بأن رسائلها القصيرة اليومية ستتوقف، وأنها مع أمها، قد تُقتلان قريباً، وأن ألعابها قد أُحرقت. لم تبك بانا لأنها أدركت بحسها المُرهف، أن لا أحد سيأتي لإنقاذها وإنقاذ أمها وأهل حلب، لم تبك لأن البكاء، هو علامة استجداء، وهي لم ولا تريد أن تستجدي من لا يملك الشعور والإحساس الإنساني. قُتل أهل حلب وهجروا، وقد تكون قد قُتلت مايا مثل مئات من ألاطفال السوريين.

 

لم تبك آنا أخماتوفا، الفتاة الروسية الشاعرة، وهي تحت الحصار بمدينة ليننغراد، المُدمرة والمحاصرة من قبل الألمان، قبل مغادرتها لها، وقد رأت جثث الأطفال الذين ماتوا جوعاً حولها، بل كما فعلت بانا الحلبية، أخذت قلمها وبدأت بكتابة قصيدة قبل ان تتحرك روسيا. قالت فيها:

 

أنت التي لم تصبحي قبري

يا مدينة الجرانيت مدينتي الجهنمية الغالية

أنت شاحبة ومجمدة وصامتة

وداعك ليس إلا وهماً

وإنفصالي عنك مستحيل

ظلي على حيطانك

صورتي فوق مياه قنواتك

ووقع خطواتي عالقة داخل صالات متحف الهيرمتاج

بينما روسيا تنظر وهي تعض شفتاها باتجاه آخر.

 

ليننغراد الروسية، دُمرت على أيدي الألمان، وفقدت أكثر من مليون قتيل مدني، قبل أن يتحرك الجيش الروسي، مُتأخراً لفك حصارها، والذي استمر تقريباً 900 يوم خلال الحرب العالمية الثانية. وحلب السورية دُمرت من قِبل الروس، بعد حصار دام أكثر من عام، ولم يأت أحد لإنقاذها، في الحالتين لم يكترث أحد للمدنيين، وحدهم المُحاصرون، من دافعوا عن أهاليهم وأبنائهم.

 

بعد ليننغراد، وضعت الأمم المتحدة، لائحة من ثلاثين بنداً لحقوق الإنسان، وقعتها كل دول العالم، هذه اللائحة هي الصرخة التي تقول “لن نقبل أن يحدث ذلك مرة أخرى”، واحتفلنا بذكراها قبل بضعة أيام.

 

أين نحن الآن غربا وشرقا، من هذه التواقيع وهذه الإلتزامات، ونحن نرى مأساة ليننغراد تتكرر من جديد، ولكن هذه المرة بأسلحة دمار روسية، وهذه المرة لم يأت أحد لإنقاذها.

أي مستقبل سنبني لأبنائنا من بعدنا، وهم يرون ماذا فعلنا بهذه اللائحة النبيلة، وقد مُزقت وأُلقيت بحاويات النفايات. هذا أهم سؤال نطرحه على أنفسنا، أفراداً أو مجتمعات، سعادة أبنائنا من بعدنا، تهمنا أكثر من سعادتنا.

 

إنه لمن الغريب، أن تجتمع كل دول العالم، بمؤتمرات سنوية، للبحث بالتغييرات المناخية، علماً بأن هذه التغيرات، لن تحصل إلا بعد سنوات طويلة، وذلك حفاظاً على مستقبل الأجيال القادمة، وفي نفس الوقت لا تكترث ببناء تلك الأجيال، على المبادىء التي وضعتها لنفسها عبر لائحة حقوق الإنسان.

 

أن نبني لأطفالنا مجتمعا سليما، يعني أولاً أن يكون مجتمعا متضامنا مع نفسه ومع الآخرين، قبل سلامة الماء والهواء، فسلامة الماء والهواء، لا معنى لها عندما تُدك مدن مثل حلب بالبراميل المتفجرة والغازات السامة، ويموت أهلها جوعاً، كما حدث قبل ذلك لأهل ليننغراد. أن يرى أبناؤنا يومياً، دمار حلب على رؤوس أطفالها وسكانها، ولا يرون منا إلا عدم ألاكتراث, لن يخلق إلا مجتمع المستقبل الناقص الطموح، والذي لا تتجاوز آماله حدود بلده الصغير، أو حتى عائلته أو نفسه.

 

إننا من حيث لا نحسب، نبني لهم أوطاناً، لا يعيشون فيها إلا للأكل ولقمة العيش، ولا تكترث بأي قيم إنسانية، لم نر في شوارع وعواصم العرب، أي مظاهرات تُذكر، ولا سمعنا من أي رئيس حزب معارض، أي رأي يخالف رأي السلطة في بلاده.

 

يقول المثل “أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض”، فمن يضمن لأبناء الدول العربية، ألا يصلهم يوماً هذا الدمار الحادث بسوريا. الوقوف مع الشعب السوري الآن ونصرته، هي الوسيلة لوقف أن يصلنا طوفان الدمار إلى كل أوطاننا، فالأنظمة العربية وتشبثها بالسلطة، ودعم القوى العُظمى لها، أمر مفروغ منه. وهذا سيدفعُ كل واحد منها، للعمل بأن تحذو حذو “النموذج الأسدي”، عندما تتململ شعوب هذه الدول، عندها لن نستطيع حماية أبنائنا ولا أنفسنا، وسنبكي من جديد، كما بكينا على العراق وسوريا وفلسطين من قبلها، ولن نجد من يتضامن معنا ويمد لنا يد العون.