إيران وأمريكا أعداء اليوم حلفاء الغد

إيران وأمريكا أعداء اليوم حلفاء الغد

منذ 3 ساعات

د. نزار بدران

تزداد يوميا حرارة منطقة الخليج العربي، بالتزامن مع التهديدات الأمريكية ضد إيران، والردود الإيرانية التي تتوعد «الشيطان الأكبر» برد صاعق. هذه التهديدات والتهديدات المضادة، تعطينا انطباعا كاذبا بتوازن قوى ما بين هاتين الدولتين، أو على الأقل توازي وسائل الرعب ما بينهما. إيران ليست بقوة امريكا، ولكنها تستطيع استعمال سياسة الردع والرد المدمر ضد مصالح تلك الأخيرة بالخليج، أو ضد حلفائها المباشرين، أو ضد إسرائيل عن طريق القوة الإيرانية والقوى المتحالفة معها على مبدأ الانتماء الطائفي.
التجربة العراقية وحروبها المتعددة، وكذلك تطور العلاقات الأمريكية الكورية الشمالية، يظهر بما لا مجال فيه للشك، أن الأنظمة الشمولية، وهو القاسم المشترك، لهذه الدول الثلاث، لا تبحث أبداً عن التصادم مع أمريكا، ولا تملك أصلاً وسائل هذا الصدام. فأول هذه الوسائل لكسب المعركة، هو الدعم الشعبي للنظام القائم، وهو ما كان مُنعدما تماما مع صدام حسين، كذلك الأمر مع كيم جون أون، وطبعاً أيضاً مع آيات الله الحاكمين بإيران.
الشعب الكوري والإيراني يعيشان حالياً كابوساً حقيقياً، اسمه النظام القائم وليس أمريكا، والتناقض الحقيقي داخل هذه الدول، ليس بين شعوبها وحكوماتها من جهة؛ وأمريكا من جهة أخرى، وإنما بين هذه الشعوب وأنظمتها الشمولية المجرمة.
استنزف النظام الإيراني كافة عائداته النفطية بحروب خارجية، ذات بُعد طائفي، لم تُجد شيئاً، ولم يستفد منها المواطن الإيراني، بل على العكس دمرت إمكانيات البلاد بالتقدم الاقتصادي. الديكتاتورية والفساد السياسي والاقتصادي، أبعد كل أمل بالحرية عند الإيرانيين، مع هكذا نظام، والذي لا يمكن إصلاحه بأي شكل من الأشكال.

رفضت النظام

أظهر الشعب الإيراني، منذ حوالي عشر سنوات، ومن خلال انتفاضات قُمعت بقوة النار والحديد، رفضه لهذا النظام وتطلعه الحقيقي نحو الحرية والديمقراطية، هو التطلع نفسه الذي كانت تعيشه شعوب أوروبا الشرقية، أو أمريكا اللاتينية قبل زوال أنظمتها العسكرية، هو الآن أيضاً نفس التطلع، الذي تعيشه شعوب الدول العربية، وأظهر لنا هذا الأيام، شعبا السودان والجزائر، تعطشهما للحرية ووعيهما العالي بالمخاطر المُحيقة بهما، من الأنظمة الجاثمة على صدورها، ورفضهما لأي تدخل، عربي خليجي أو أجنبي، لن يكون إلا لصالح النـظام الـقائم.
الشعب الإيراني لا يريد أن تبقى إيران على عكس دول الثورات، أو حتى تركيا، على هامش العالم وتحت سيطرة نظام قادم من القرون الوسطى. الشعب الإيراني يتطلع لحريته، وليس للالتفاف حول نظام دمر البلاد والعباد.
لذلك هذا النظام يُدرك تماماً، أنه ليس بواد الصمود أمام العجرفة والجبروت الأمريكي، لأن ظهره الشعبي مكشوف تماماً، كما حصل مع صدام حسين. هذا النظام لن يُقدم على أي مبادرة ضد «الشيطان الأكبر»، بل سيقبل إملاءاته كاملة، لأنها وسيلته الوحيدة لحماية نفسه من الثورة المُنتظرة ضده.

التهديدات الأمريكية

التهديدات الأمريكية أيضاً، لا تهدف إلى إلغاء المشروع النووي الإيراني، وهو الذي تم التنازل عنه أصلاً، مع اتفاق عام 2015، هذا أول دليل على ما نقوله، فلو كان الشعب الإيراني داعماً لنظامه، لما تراجع آيات الله عن برنامجهم النووي.
ما هو المطلوب إذا أمريكياً من إيران، ما الذي يُحرك السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ولصالح من، وهل حقاً هي مُهددة، ونحن نرى انحناء الأنظمة العربية الخليجية ومصر، ووضع أنفسهم تحت حماية الرئيس دونالد ترامب، والذي لا يجد حرجاً، باستخفاف وازدراء هؤلاء الحلفاء، وامتصاص معظم مواردهم المالية والنفطية، واستعمال الجيش المصري، فقط لحصار غزة، ودعم قوى الثورات المضادة، كما يحدث في ليبيا. أمريكا حقيقة، لا يُهدد مصالحها أحد، وتواجد الروس في سوريا، هو اصلاً بموافقة ضمنية أمريكية، والحكم التركي، رغم إعلاء الصوت مرة أو أخرى، يتراجع دائماً، أمام البُعبع الأمريكي (موضوع القس الأمريكي، أو الامتناع عن تزويد الثوار السوريين بأسلحة ضد الطيران وغيره).
أمريكا حالياً بسياساتها، لا تهدف إلى درء خطر ما مُحدق بمصالحها أو تواجدها العسكري، وإنما تُخطط لصياغة جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، تتماشى مع مصالح الحليف المُدلل إسرائيل. أمريكا تُخطط لخلق تحالفات مُستقبلية، تضمن أمن وسلامة وسيطرة إسرائيل على المدى الطويل، تبدأ مع صفقة القرن، والتي ستُنهي أي أمل للفلسطينيين بالعودة، وتستمر مع بناء تحالفات عربية إسرائيلية، كما نرى حالياً مع مصر ودول الخليج، وتنتهي بإيجاد تحالف أوسع، بين إسرائيل وإيران وأيضاً تركيا.
الخُطة الأمريكية برأيي، هي وضع درع واق لإسرائيل من اي خطر مستقبلي آت من الشعوب العربية، وخصوصاً وأن معظم الدول العربية، وحتى أكثرها ثباتاً هي على كف عفريت، وإمكانية انتشار الربيع العربي، من جديد، كما نرى في السودان والجزائر، يُهدد بتدمير اي سياسة طويلة الأمد بين هذه الدول وإسرائيل، ومحاولات التقارب بين عمر البشير وإسرائيل قبل سقوطه لم يحمه من الثورة الشعبية.
إيران وإسرائيل، أو إيران وإسرائيل وتركيا، هي بالنسبة لأمريكا واللوبي الصهيوني، الأكثر ضماناً. فالديمقراطية التركية لم تمنع التقارب التركي الإسرائيلي وتزايد التبادل الاقتصادي (إعادة العلاقات بعد حادثة سفينة مرمرة بدون تحقيق شرط رفع الحصار عن غزة)، كذلك حتى ولو تحولت إيران إلى دولة ديمقراطية، فقد لا تُهدد أمن وسلامة إسرائيل، بل قد تُبقي تحالفها معها، وهو الشيء، الذي لا يمكن توقعه من الشعوب العربية، من محيطها إلى خليجها. وضع أُسس تحالفات مستقبلية، حول المنطقة العربية، ولصالح إسرائيل على مدى طويل، هو برأيي الدافع المخفي للسياسة الأمريكية تجاه إيران.
نحن نُدرك، والتاريخ علمنا ذلك، أن النظام الديمقراطي هو الوحيد القادر على رفض الإملاءات الأجنبية، بينما الأنظمة الديكتاتورية، لا تتوانى عن التحالف، مع ألد أعداء شعوبها، حفاظاً على بقائها، هي شديدة على شعوبها، ولينة بيد الأعداء.
مستقبل النظام الإيراني الحالي يتأرجح، بين الخضوع للإملاءات الأمريكية والتحالف مع إسرائيل (وليس التخلي عن مشروع عسكري أو نووي وغيره من الكلام الفارغ)، أو السقوط تحت ضغط حراك شعبي، مُنتظر وآت لا محالة. من سيسبق إذاً، الثورة الشعبية الإيرانية لإسقاط النظام، أم قبول الإملاءات الأمريكية والرضوخ للتحالفات الجديدة. هذا النظام من منظار غريزته للبقاء بالسلطة، قد يفضل الحل الأمريكي، والذي قد يُؤمن له دعم الرئيس ترامب والغرب، بمواجهة شعبه مستقبلا، كما حصل مع حليف إيران النووي الكوري الشمالي كيم جون أون الذي آثر البقاء بالسلطة على مواجهة الولايات المتحدة.

مراقب ومحلل سياسي مقيم في باريس

كلمات مفتاحية