حقوق المرأة العربية في مرآة ربيع الشعوب

أثارت تصريحات الرئيس، الباجي قائد السبسي، بشأن حقوق المرأة التونسية بالمساواة بالإرث، وبحق الزواج بمن تشاء، وحتى من غير المسلم، ردود فعل عديدة في وسائل الإعلام المختلفة، كل أدلى بدلوه في شأن أولوية أحقية النص الديني أم العقل الإنساني بالإتـباع، وما إلـيه من نقـاش يدور في بلادنا، مـنذ أكـثر من 14 قرنـاً، ولم يُحسـم بعد.
ما يهُمني في هذا المقال هو العلاقة الجدلية القائمة والمفترضة، بين حقوق المرأة بشـكل عـام في بلادنا، وحقنا كأمة بالتحرر من التخـلف الفكري، والأنظمة الاستبدادية والإنغلاق الديني. ولا يخفى على أحد، أن الربيـع العـربي الذي بدأ في تونس بنهاية عام 2010، لم يكن يرفع أي شعار ديني، وإنما الانتمـاء إلى الحضارة الإنسانية، عن طـريق الحصــول على الديمقراطية كنظام حكم، وأولـوية الإنســان التونسي والعربي، بتقرير من يحـكمه وكــيف؟.
لم يكن هذا الحراك الشعبي، فقط رد فعل على موت البائع المتجول، أو مرتبطا بحدث مُحدد بزمنه، في بلاد الربيع العربي، بل كان تتويجاً لتطور اجتماعي عميق، بدأ منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وأدى إلى وجود طبقة مثقفة من الشباب، وحتى ولو كانت قليلة عددياً، لكنها لم تعد تقبل، مسلمات الماضي والتبعية للزعيم أو العادات والتقاليد والحكم العائلي والقبلي، بدأت المرأة في الانعتاق من الظلم الاجتماعي، رويداً رويداً، ودخلت المدارس ثم الجامعات، حتى أنها أصبحت تُشكل في كثير من الدول العربية، غالبية الطلبة في الكليات المختلفة. لم تعد تقبل أن تبقى قابعة في بيتها تنتظر الزوج، وتتأهب لإنجاب عشرة أولاد. (حيث مُعدل الإنجاب حالياً في الدول العربية، أصبح بالمستويات العالمية نفسها، إن لم يكن أقل من ذلك في أكثر من دولة).
هذه التحولات الاجتماعية، ترافقت مع ثورة العولمة والأنترنت، فاستطاعت هذه الطبقة الوسطى الصغيرة، أن تتصل بالعالم وتتعرف على ما يدور خارج أسوار أوطانها العالية، الفاقدة سابقا لأي نافذة لرؤية الآخرً. لم تعد تقبل الاستمرار كما فعل آباؤها وأجدادها، بالتسبيح بحمد الزعيم، وانتظار المعجزات الدينية وإنجازات الحزب الحاكم.
ووجه ذلك بسخط كبير وعنف أكبر، من قِبل الأنظمة المُستبدة على امتداد الوطن العربي، والذي أسال الدم في رابعة العدوية وحمص وحماة وحلب وعدن وصنعاء والمنامة وغيرها، ودمر مدناً بأكملها، فقد أظهر الحراك الشبابي حقيقة الأنظمة التي تحكمنا منذ عشرات السنين، وعدم أهليتها ولا بأي شكل من الأشكال، لحكم البلاد والعباد.
في تحالف موضوعي غير مباشر توغل الإسلامويون المتطرفون، بعد موجة إسلاموية تبعت الثورات العربية، بهدف طمس أي فكر حداثي، ومحاولة بائسة للأنظمة لإنهاء الربيع بإغراقه بالطائفية والصراعات العقيمة والفكر المُتخلف، وهو ما نجحت به نسبياً، لأنها استطاعت أن تُثبت نفسها وتستعيد زمام المُبادرة في كثير من الأماكن. لكن الربيع العربي ليس فقط حراكا جماهيريا يقتصر على المظاهرات السلمية، وإنما تطور عميق للبيئة الاجتماعية، يستطيع أن يُطل برأسه بأشكال أخرى، مثل الماء الجارف، لا يمكن لشيء وقفه، ولو تم تحويل اتجاهه لفترة من الزمن.
مُقترحات الرئيس السبسي في تونس، ولكن أيضاً تصويت البرلمان اللبناني، على إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات الذي يعفي المغتصب من العقوبة في حالة زواجه من الضحية؛ بعد ضغط شعبي مدني كبير، وما حدث في السياق نفسه في الأردن، وقبله في المغرب بشأن إعطاء الجنسية، يدل على أن مفهوم الحداثة والحق الإنساني والفردي، يبقى مطلب الطبقة الواعية التي قادت الربيع العربي، وليس طبعاً مطلب عُتاة قوى الإسلام السياسي بكل أطيافهم، المعروض علينا بديلاً للأنظمة.
لقد أثبتت المرأة الأردنية واللبنانية والمغربية والتونسية ونساء أُخريات كُثر، أنهن بحق معيار الحداثة والحقوق ورفع قيم الربيع العربي. لا يجب أن نرى ذلك كظاهرة مستقلة عن الأحداث الجارية منذ سبع سنوات، بل هو امتداد لها، نصف المجتمع المكون من النساء، أخذ وسيأخذ زمام المبادرة لإعادة الروح للفكر الثوري الحضاري، ودفع ظاهرة زحف الحداثة وعودة الارتباط، بين الأمة والحضارة الإنسانية، بما تعنيه من المساواة بين الناس، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو اللغة أو العرق، كذلك أولوية الشعب بتقرير التشريعات التي تحكمه، عن طريق أنظمة ديمقراطية منتخبة، حيث يُشرع البرلمان قوانين تتوافق مع روح العصر وحاجات هذا الزمن، وعودة شيوخ الدين إلى المساجد وابتعادهم عن السياسة بشكل كاملً، وإن تدخلوا فهو فقط لتوفير الغطاء الشرعي عند الحاجة لتشريعات البرلمان وليس لمنعها، وبهذا المجال، أعطانا مُفتي الديار التونسية الشيخ عثمان بطيخ، والشيخ عبد الفتاح مورو، المرجعية الدينية لحزب النهضة ونائب الرئيس، المثال والنموذج الذي يجب أن يُحتذى، عندما دعموا بشكل واضح مقترحات الرئيس السبسي، والذي للأسف لم تُنتقد إلا من أحزاب اليسار، التي عودتنا منذ بداية الثورات على التبعية للأنظمة وتبرير سيطرة الجيش، كما هو الحال في كل من مصر وسوريا.
تحية إكبار لنساء تونس، ولكل نساء الوطن العربي، وقد رفعن بدورهن الراية عالياً لعودة الروح إلى المشروع الوطني.

طبيب عربي مقيم في فرنسا

فنزويلا مادورو وسياسة الهروب إلى الأمام

نشر بالقدس العربي ١٩ آب ٢٠١٧

فنزويلا مادورو وسياسة الهروب إلى الأمام

د. نزار بدران

Aug 19, 2017

باغتتنا الأنباء عن قيام السلطات الفنزويلية بكاراكاس، بتشكيل برلمان مواز تابع للسلطة، وذلك تحت مسمى المجلس التأسيسي لصياغة دستور جديد، ليمدد لنيكولاس مادورو خليفة شافيز بدون معارضة، في تراجع واضح عن أسس النظام الديمقراطي الذي اوصله للسلطة.
تتميز جمهورية فنزويلا بكونها من الدول الكبرى المنتجة للنفط، ويوجد فيها أكبر احتياطي بالعالم، يمثل النفط 95 في المئة من صادراتها..
وكدولة نفطية في العالم الثالث، مثل الجزائر أو السعودية، استطاع النظام عن طريق سياسة توزيعية للدخل أن يحافظ على السلم الاجتماعي ويخلق له قاعدة صلبة تمكنه من البقاء بالسلطة لسنوات طويلة.
انتخب هيغو شافيز عام 1998 ووصل السلطة رافعا شعار محاربة الفقر والفساد، وان كان قد نجح إلى حد ما بعلاج المرض الأول عن طريق التوزيع المالي المباشر وسياسة المساعدات الاجتماعية، فإنه بالمقابل لم يستطع أن يحد من الفساد. وقد تمكن الجيش زمنه، ولكن أيضا زمن خليفته مادورو من السيطرة على كل مفاصل الاقتصاد.
عام 1993 كان عدد جنرالات الجيش أقل من خمسين، أصبحوا الآن أكثر من أربعة آلاف. سلطة الجيش كبيرة جدا، فمثلا ثلث الذين يديرون الوزارات هم من الجنرالات المتقاعدين، ونصف محافظات فنزويلا الـ 23 نصب عليها محافظون قادمون من المؤسسة العسكرية. ويسيطرون على قطاع واسع من اقتصاد البلاد.
الأزمة الاقتصادية ليس لها تأثير حقيقي على أعمالهم، فهم يضاعفون رواتبهم كما يشاؤون، ويستحوذون على المواد الغذائية والعقارات بسهولة، يحصلون على عقود مربحة جدا مع الدولة، يراقبون سوق العملات الصعبة ويتحكمون بجزء من الثروة النفطية عن طريق بيعها لصالحهم، وذلك بسعر منخفض لدول الجوار.
منذ انخفاض سعر النفط، والذي تزامن مع اختفاء شافيز، لم تعد السلطة الثورية قادرة على الاستمرار بسياسة التوزيع وكسب السلم الأهلي، وهي التي لم تبن اي اقتصاد إنتاجي فعال ذات وزن على مدى حوالي عشرين عاما، واكتفت بتوزيع عائدات النفط.
ما استطاع شافيز فعله زمن الازدهار النفطي، لم يستطع خليفته نيكولاس مادورو الاستمرار به، في زمن الانخفاض الحاد لأسعار النفط، فيما المواطن الفنزويلي البسيط يرى يوميا الطوابير تزداد طولا أمام المتاجر لشراء السكر أو أي مادة غذائية، ويقضي ساعات طويلة فيها، لم يعد أحد يصدق مادورو وتحميله لأمريكا أو المتآمرين السيئين وأعداء الثورة البوليفارية مسؤولية ما حصل. وهو مضطر للذهاب لدول الجوار مثل كولومبيا للحصول على حاجاته من الغذاء والدواء.
قبل عام كلف مادورو رئيس أركان جيشه الجنرال فلاديمير بادرينو، بعد تعيينه وزيرا للدفاع، بحل مشكلة نقص المواد الأولية والمواد الغذائية وحتى الأدوية (85 في المئة حسب اتحاد الصيادلة بما فيها المضادات الحيوية والعلاج الكيميائي للسرطان) عن طريق أخذ إجراءات إجبارية. محاولات السلطة إرسال الجيش للمصانع والمحلات التجارية لمراقبة الأسعار في ظل تضخم وصل لسبعة مئة في المئة سنويا، حسب احصائيات البنك العالمي للتنمية، أدى إلى أن أغلق كثير من أصحاب المحلات متاجرهم، لعدم قدرتهم على البيع بأقل من سعر التكلفة، وهو الذي بدوره عمق الأزمة الاقتصادية بدل حلها.
بهذه الوسيلة يكون الجيش قد أطبق على كل البنية الاقتصادية والسياسية للبلد، وبقي وحده من يستطيع أن يفرض بقوة السلاح هذه المرة سلطة خليفة شافيز..
وككل الأنظمة المدعومة من العسكر، فهي بطبيعتها تحتكم إلى القوة وليس لصندوق الاقتراع، والسلطة الحالية الموروثة عن شافيز، وصلت إلى الحكم عن طريق الانتخابات، معتمدة على قاعدة شعبية صلبة، تلك التي استفادت من الإصلاحات الاشتراكية التوزيعية للثروة النفطية.
بعد اختفاء الثروة الريعية وعدم وجود بديل إنتاجي، لم يعد النظام مدعوما من قاعدته الشعبية الطبيعية للاستمرار بالحكم. لم يبق له إذن إلا الرحيل من خلال الصناديق، أو البقاء بدعم الجيش والتراجع التدريجي عن البنية الديمقراطية، وهو ما يفعل الآن، فعشرات القتلى بالمظاهرات السلمية واستبدال البرلمان بجمعية تأسيسية من صنع يديه وبتزوير الإنتخابات دليل ناصع على هذا التقهقر.
لكن مادورو لن يجد من يقف معه بين دول القارة اللاتينية، والصين التي بعثت له مؤخرا بالسلاح والعتاد، لن تستطيع أن تذهب بعيدا بذلك، لعدم الإضرار بمصالحها بالقارة..
لن يجد مادورو مثل الأسد في سوريا، لا روسيا ولا إيران بجواره لدعمه وحمايته، ولن يجد مثل السيسي في مصر مليارات الإمارات أو السعودية.
هو بكل تأكيد رهان خاسر، وانتصار الشعب الفنزويلي سيكون قريبا.

طبيب عربي مقيم في فرنسا

إرادة المقدسيين أقوى من باطل الاحتلال

نشر بالقدس العربي

د. نزار بدران

 

Aug 07, 2017

 

أضطرت إسرائيل أخيرا للتراجع عن قراراتها بالسيطرة على مداخل المسجد الأقصى، وذلك تحت ضغط الجمهور المقدسي، بعد أسبوعين من التظاهرات منذ الرابع عشر من تموز (يوليو) كانت كافية رغم سقوط الشهداء والجرحى لإعطاء الفلسطينيين أول انتصار في نزاع حاد مع إسرائيل، لم نتعود على ذلك، لهذا سيقوم كثير من المراقبين والمحللين وأبواق الأنظمة بتفسير ذلك بالضغط الدولي والأمريكي أو الموقف التركي وغيره، أو بتطوير نظرية الحراك المؤامرة كما سمعنا عن ثورة شباب سوريا عام 2011.
إسرائيل منذ عشرات السنين لم تتراجع امام أي ضغط دولي أو عربي، فقد رفضت القرار 242 الداعي للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وأخيرا قرار مجلس الآمن رقم 2334 العام الماضي، وهو المسكوت عنه أمريكيا لإدانته المستوطنات.
لم تتوقف إسرائيل يوما عن انتهاك اتفاقيات أوسلو منذ عام 1995، وواصلت سياسة الاستيطان في الضفة والقدس لتخلق على الأرض واقعا جديدا يناسب مخططاتها الصهيونية التوسعية وتهجير الفلسطينيين، في حين كانت مواقف السلطة الفلسطينية وباقي الفصائل في غزة وغيرها مجرد ظواهر صوتية لا تفعل شيئا، بينما المواقف الغربية كانت في أحسن أحوالها تعبر عن استياء من السياسات الإسرائيلية بدون أي آليات للضغط الفعلي على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتتبع دوما الموقف الأمريكي.
لا يمكن إذن أن نعزي هذا التراجع الإسرائيلي بتدخل كائن من كان، بل هو فعل شعبي مقدسي بامتياز، ولم يكن وراء هذا الصمود أحد لا ماديا ولا سياسيا.
لقد اكتشف المقدسيون اذن أنفسهم وقدرتهم على التأثير بالحدث، وتحديد آليات حراكهم وأهدافه خارج أطر السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير او المؤسسات السياسية. وحده صوت الجمهور في إصراره على رفض الإجراءات الإسرائيلية كان كفيلا بتغيير المعادلة. وما تقارب المنظمات الفلسطينية الا وسيلتهم للإدعاء بتحملهم لمهامهم التاريخية، وهو ما لم يره أحد سابقا بغزة أو الضفة، إن لم يكن العكس.
ردة الفعل الشعبية المقدسية ستكون لها توابعها، فهي صورة مصغرة عن مظاهرات وحراك الربيع العربي في مصر وسوريا وغيرها، ذلك الحراك السلمي الذي رأيناه يسقط حسني مبارك أو معمر القذافي وعلي عبد الله صالح.
العودة إلى التحرك الشعبي في بيئة تحكمها الأنظمة الدكتاتورية، والتي لا ترى بشعوبها التي تحكمها إلا خطرا على وجودها تحاول قمعها ومراقبتها، وليس العمل لصالحها هو ما سيتلاقى مع حراك المقدسيين.
هذا الحدث مؤشر واضح لعودة الروح للحراك الشعبي العربي، والذي ظنناه قد فارق الحياة بعد أن أغرقت دول الربيع العربي بكل أنواع المنظمات الإجرامية والإرهابية.
هل ستلتقط السلطة الفلسطينية الرسالة؟ أم أنها ستستمر بسياسة النعامة، دافنة رأسها برمال الوعود الأمريكية والتراجع المستمر عن حقوق الشعب الفلسطيني استرضاء لأمريكا، وكأن السلام يأتي بالتنازل عن الحقوق.
هل ستلتقط الأحزاب الفلسطينية هذه الرسالة ايضا، وتترك المجال للشباب والأجيال الجديدة حتى تأخذ دورها بالنضال الوطني وتمسك بزمام المبادرة وتلتحق بحراك الأمة والعالم الديمقراطي، أم أنها ستبقى هائمة في عالم العنتريات والتحالفات المشبوهة والتبعية للمحاور.
إنتصار أبناء بيت المقدس قد يكون إشارة لانطلاق وعي الجماهير العربية والفلسطينية المقهورة بأهمية دورها التاريخي الأصيل، وحقها برسم مستقبلها، وإن لم تفعله فلن يفعله أحد بدلا منها.

طبيب عربي مقيم في فرنسا