قطر ووهم النجاح الاقتصادي والاستقلال

القدس العربي 13/06/2017

قطر ووهم النجاح الاقتصادي والاستقلال

نزار بدران

الحصار الذي تفرضه السعودية، ومن دار حولها على قطر، قد يكون له أسبابه، معلنة أو خفية، وقد يكون أيضاً، وسيلة للوصول لأهداف لم تستطع السياسة الهادئة تحقيقه، نذكر منها مثلاً، الرغبة بإحكام السيطرة على وسائل الإعلام الخليجية، وقد يكون أيضاً الانتقام من الدولة العربية ألوحيدة التي لم تقف ضد الربيع العربي بتونس أو مصر عام 2011.

ولكن التغييرات التي حدثت بالسياسة ألقطرية بعد تراجع الربيع العربي، وتقدم الثورة المُضادة بقوة، كان يجب أن يشفع لهذه الدولة، فالأمير ألأب قد أُخرج من المسرح السياسي، وقناة الجزيرة الحرة، لم تعد كما كانت، والرأي والرأي الآخر، لم يعد شعاراً يُناسب توجهاتها، وقد أحجمت تماماً عن انتقاد الحرب السعودية باليمن، وخصوصاً الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان بتلك الحرب، والتي أشارت إليها تقارير عدة لمجلس حقوق الإنسان، ومنظمات غير حكومية عديدة.

انحازت قطر الحاكم الجديد الإبن للسعودية، بالواقع والملموس، فلماذا هذا الهجوم وهذا الحصار، حتى موقفها من إيران، لا يُبرر برأينا ذلك، فقطر شاركت إلى جانب السعودية بالحرب على الحوثيين، حلفاء إيران وذراعها باليمن، موقف قطر من الإخوان المسلمين وحماس، أصبح متذبذباً، وفقد من صلابته السابقة، كما حصل بتركيا.

ولكن لو ربطنا زيارة ترمب، ومئات مليارات الدولارات، التي حصل عليها من دول الخليج، وخصوصاً السعودية، مقابل حماية أنظمتها من ربيع مُحتمل، قد يكون هو السبب الحقيقي. فقد يكون الحكم بقطر، قد رفض الانصياع التام، لدفع الجزية المفروضة، لاعتقاده أن له حصانة شعبية محلية وعربية وعالمية. موقف ترمب الداعم للسعودية أولاً، بتغريداته المُتعلقة بربط قطر بالإرهاب، قد تسير بهذا الاتجاه، على قطر إذن أن تدفع الكثير كغيرها، لسيد المنطقة، وإلا فلا مستقبل لها.

التهديد المفاجيء والغير متوقع لقطر، يضع اقتصادها ومستقبلها بمهب الريح، وكل ما بنت وعمرت، ومليارات الدولارات المصروفة، لبناء اقتصاد متنوع، أو المُبذرة (98 مليار) للتحضير للالعاب الأولومبية وغيره.

هل تستطيع حقاً دولة كقطر، أن تبني وتنجح، بشكل دائم ، وهل هناك شروط لم تتحقق بالنموذج القطري لاستمراريته. أظن أن التجمعات الاقتصادية العالمية الكبرى، لم توجد عفواً، ولكنها كانت الوسيلة لحماية الدول المشاركة، من خلافاتها الداخلية أولاً، ومن التهديدات الخارجية ثانياً، اقتصادياً كانت أو عسكرياً، لذلك نجح تجمع الاتحاد ألأوروبي بتأمين السلم والأمن والتضامن الداخلي، وحماية نفسه من أطماع الدول الكبرى الأخرى.

لماذا لم ينجح مجلس التعاون الخليجي، كما نجحت أوروبا، ولو على مستوى أقل بكثير، ولماذا لم يحمي المجلس قطر، وتحول بالعكس، إلى خطر وُجودي لها. السبب هو أن التجمع بنفسه لا يكفي، فهو يجب أن يُبنى على أُسس ديمقراطية، تضع مصلحة شعوبه أولاً بالمنظار، هذه البُنية الديمقراطية، توفرت بأوروبا، وانعدامها كان سبب زوال حلف وارسو الشيوعي على عظمته، هي ليست متوفرة بدول المجلس، والتي لم تُقيم تجمعها، إلا بهدف حماية الأنظمة المُشكلة لها، وليست حماية هذه الشعوب، من الأخطار الداخلية والخارجية.

لن تستطيع أي دولة عربية حقيقة، أن تبني نفسها بمنأى عن الدول الأخرى، ولن يستطيع أي تجمع عربي، اقتصادي أو سياسي النجاح، إلا إذا بُني على أُسس ديمقراطية.

المثل اللبناني واضح بذلك، فتلك الدولة، والتي بناها الرئيس رفيق الحريري، عى مدى عشرين عاماً، بعد انتهاء الحرب الأهلية، دمرتها إسرائيل عام 2006 بشهر من الغارات الجوية، وأطاحت بكل نجاحات الحريري والشعب اللبناني الاقتصادية رغم أن الرئيس الحريري، لم يكن معروفاً عنه عداءه الشديد لإسرائيل أو الغرب، بل كان صديقاً لأمريكا وأوربا الحميم.

لن يحمي قطر أو لبنان أو غيرها، إلا تجمعات عربية ديمقراطية، تستطيع أن تدافع وتحافظ على إنجازاتها، وتمنع الخلافات العقيمة بينها، فمثلاً لا يُتصور أن يعتدي أحد على البرتغال، أو حتى إمارة موناكو أو لوكسمبورغ بأوروبا، مهما كانت هذه الدول صغيرة، ولا أحد يستطيع يوماً، الاعتداء على هونج كونج الصينية، أو أي مدينة بالهند.

التكامل الاقتصادي والسياسي للدول العربية، وبناء أنظمة مبنية على الديمقراطية والخيارات الشعبية ولصلاحها هي الوحيدة ألكفيلة بحماية الانجازات الاقتصادية وغيرها، وتمنع كائن من كان من التفكير بالاعتداء عليها، أو على أي عضو منها.

 

الانتخابات الفرنسية ميلاد جديد للاتحاد الاوروبي

 

الانتخابات الفرنسية… ميلاد جديد للاتحاد الأوروبي

د. نزار بدران

May 31, 2017

وصول الرئيس الجديد للسلطة في فرنسا، إيمانويل ماكرون، وهو المرشح الوحيد الذي كان يدافع عن الاتحاد الأوروبي، وضرورة تطويره نحو مزيد من الوحدة. هذا في زمن عز فيه وجود من يدافع أو يحض على العمل المُشترك الأوروبي، لصالح الاتجاهات الانعزالية، بيمينها المتطرف وبيسارها القادم من غُبار الماضي.
هذا الوصول أظهر أن توقعات المُحللين السياسيين وعلماء المجتمع، باستمرار ظاهرة تراجع الاتحاد، والذي بدأ منذ سنوات، وتُوج بانسحاب بريطانيا العام الماضي، أو تطور اليمين الشعبوي، والذي كان رمزه، انتخاب ترامب للسلطة، لم يكن بكل هذا الصواب المتوقع.
أظهر الشعب الفرنسي، وفرنسا دولة مؤسسة للاتحاد، أن التوجه الوحدوي، أقوى من الشعبوية اليمينية واليسارية، وأن نسيان، أو تناسي الاتحاد الأوروبي، من خلال المشاريع الانتخابية المُقدمة من باقي المُرشحين للرئاسة، قد انعكس ضدهم.
الشعب الفرنسي، رغم وقوعه ضحية لحملة شعبوية، من اليمين المتطرف، قادتها مارين لوبين، رئيسة الجبهة الوطنية واضعة مصير المهاجرين في قلب تلك الحملة الشعبوية، أو أكثر شعبوية من اليسار المتطرف قاده جان لوك ميلنشون رئيس فرنسا المتمردة، واضعاً هموم فرنسا على ظهر ليبرالية الاتحاد الأوروبي، ورغم تنامي ظاهرة الإرهاب، ومقتل عشرات الفرنسيين، في باريس ونيس وغيرهما، لم ينجر هذا الشعب كالخراف، وراء أوهام الخروج من الاتحاد، والتقوقع على الذات، بل قالها بصوت عالٍ؛ الحل هو العودة للاتحاد الأوروبي، وتطوير مؤسساته عبر مزيد من التكامل.
أزاح الشعب الفرنسي أحزابه التقليدية، اليمينية الديغولية، واليسارية ألاشتراكية وهما اللذان تقاسما الحكم منذ تأسيس الجمهورية الخامسة قبل أكثر من ستين عاماً، وذلك لصالح حزب جديد، ترأسه ماكرون الشاب، منذ حوالي السنة، ورفع كشعار عالٍ له، الانفتاح على العالم، والمزيد من التكامل الأوروبي، أي بشكل واضح التغريد خارج السرب الإعلامي والسياسي. وفي البداية، لم يكن أحد يُراهن عليه ولو بفرنكً واحد، أو (يورو واحد) كي ينجح بالوصول إلى السلطة.
أركز على هذه النقطة بالتحديد، أي البُعد الأوروبي للانتخابات الفرنسية، لما لها من أهمية لدى شعوب العالم الأخرى، وخصوصاً الشعوب العربية، والتي أراد الكثير من المستولين على سدة الحكم في بلاد العرب، والأحزاب الدائرة بفلكهم، أن يُكرسوا التجزئة العربية، من مُنطلق فشل الاتحاد الأوروبي.
يحق للوحدويين العرب إذن، أن يشكروا السيد ماكرون والشعب الفرنسي، على عملهم هذا، والذي بكل تأكيد، أحرج الكثير من الأنظمة، الداعية للانعزالية، واستعداء شعوب الأرض كاملة، كما نرى ذلك في السلوك الإيراني أو في التوجهات الروسية، أو فيما قادت أو ستقود إليه الثورات العربية المضـادة.
نأمل بأن تكون الانتخابات الفرنسية، بعد تلك التي جرت في النمسا وهولندا، أن تكون مؤشرا على ظاهرة جديدة لسياسات الانفتاح على الآخر، والعمل المُشترك بين الدول والشعوب، ووقف مد الحراك الشعبوي، مهما كان مصدره: بريطانيا، أمريكا أو أي دول أخرى بالعالم، ونظن أن الانتخابات الأوروبية المقبلة في إيطاليا، ستؤكد هذا الاتجاه.

كاتب فلسطيني