مفهوم المنتصر والمُنهَزم في الحروب الحديثة

مفهوم المنتصر والمُنهَزم في الحروب الحديثة

 د. نزار بدران 

لم تعد القوة العسكرية تُحَدد مفهوم المنتصر والمُنهَزم في الحروب الحديثة، بل العامل الأساسي هو الصمود والإرادة.
نحن في حرب غزة، رغم فارق القوة، وعدم قدرتنا على معرفة ما ستسير إليه الأمور على الأرض، وقد اجتمع الغرب كله خلف إسرائيل، وبقي الفلسطينيون وحدهم، نرى بوضوح أن المنهزمين، ليسوا أبناء غزة وأطفالها ونساءها، وإنما القوة العسكرية الإسرائيلية التي لم تستعد وعيها بعد صدمة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.

خسارة الجيش

هي تعني خسارة الجيش، لخصوصية الردع، التي بنى عليها سمعته. تعبير الجيش الذي لا يُقهر، كان الوصف الطبيعي له، الذي يؤمن به الجميع. تضعضع ثقة المواطن بجيشه، يُعتبر من مفهوم إسرائيلي، كارثة كاملة الأركان.
هؤلاء لا يشعرون بالأمان، بسبب حسن علاقاتهم مع جيرانهم، أو بسبب معاهدات السلام مع الدول العربية، أو ضعف أعدائهم، بل قوة وبأس هذا الجيش.
الهدف الوحيد للحملة العسكرية الحالية، وقتل الفلسطينيين، هو إعادة الهدوء والطمأنينة إلى المواطن المرعوب في تل أبيب والمستوطنات، قبل هدف كي الوعي الفلسطيني، كما يدعون.
بدأ الإسرائيلي يتحسس رأسه وجواز سفره، بحثاً عن مكان أكثر أمناً، بينما ساكن غزة لا يفعل ذلك، فلن يجد مكاناً آمناً له على هذه الأرض.
إسراع الولايات المتحدة لنجدة إسرائيل، ثم بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ومعظم الدول الأوروبية صغيرها وكبيرها، ما عدا القليل، هو أيضاً هزيمة لهم. فليس هؤلاء من وضع قواعد الصدام الجديد.
عودة القضية الفلسطينية، إلى صُلب الاهتمام العالمي، التراجع عن التطبيع، إظهار ازدواجية المعايير الغربية الواضح، والاصطفاف وراء آلة القتل الإسرائيلية، التي لا تميز الحجر عن البشر، أنهى بالنسبة للأمة العربية، مفهوم الصداقة بين الغرب والشرق، وكل محاولات إقامة الجسور، فنحن لا يفصلنا، إلا هذا البحر المتوسط.

زمن الاستعمار

عدنا من جديد إلى زمن الاستعمار الغربي الفج، والذي يستعمل القتل كوسيلة للسيطرة. انتهى برأيي شهر العسل الذي كان بيننا، ولن يستطيع أي وقف لإطلاق النار، أو طرح هدنات إنسانية، وإدخال المؤن والمساعدات، مسح عار الوقوف وراء المعتدين.
هزم الغرب مستقبله العربي، بل حطمه وهشمه. فلن تجد فرنسا أو بريطانيا وألمانيا، في السنوات المقبلة، من سيقبل منها التوسط لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط، ولن تجد أحداً ليفتح لها الأسواق العربية، أو يقبل الاستثمارات الغربية.
أنظمة التطبيع العربي، هي مهزومة أيضاً. كل مشاريعها التي بنتها لتجاوز القضية الفلسطينية، باءت بالفشل. صمتها عن الظلم والعدوان، وضحالة رؤية المشاركين في مؤتمر الرياض، سيُعطي للربيع العربي، دُفعة جديدة ونفساً آخر.
نحن نسير لا محالة، نحو جمع قوانا الشعبية خلف فلسطين، وخلف مطالبنا بالحرية والديمقراطية. لن تجد هذه الأنظمة، في إسرائيل الحامي القوي، فهي بحاجة للبارجات الأمريكية، لحماية نفسها، من مجموعة من المُجاهدين.
لن تجد دعماً غربياً، فهم لا يتعاملون معها، إلا بلغة التبعية، يُؤمرون ولا يُقررون.
الدول العربية الأخرى، دعاة الثورة، ليسوا أحسن حالاً، رغم شعارات دعم فلسطين ظالمة او مظلومة، فهم منعوا أي تعبير حر للمواطنين، وبعضهم ألغى حتى المقابلات الرياضية، وكأن الهتافات أصبحت خطراً على أنظمتهم.
لم أكن أتوقع من دعاة من يُسمون أنفسهم محور المقاومة، العمل يوماً لفلسطين أو لشعبها، فهم يرتكزون على مفاهيم طائفية، مرتبطة بالمذهب الشيعي، وليس ببُعد عربي حقيقي، فمرجعيتهم الفكرية والقيادية، هي في إيران، وفي شخص المرشد الخامنئي بالتحديد. لكن ملايين العرب وكثير من المثقفين، كانوا يتناسون هذا البُعد، ويؤمنون بشكل أعمى، بما قاله ويقوله، قادة هذا المحور، غير آبهين بما يفعلون، فهم من دمر الثورة والشعب السوري، وأغرقوا ثورة اليمن في الوحل، وعلقوا الآلاف على المشانق في إيران.
من يُمارس هكذا أشياء بحق شعبه، لن يُنتَظر منه دعم شعب آخر. بعد ستة أسابيع، لم يُنفذ قائد حزب الله، ما وعد به منذ سنين، ولا حتى من التدخل في حالة حصول هجوم بري، وعاد الكثير من مؤيديه إلى بيوتهم وهم يتحسرون.
هناك طبعاً ألف سبب وسبب، لعدم التدخل، فلبنان بلد هش، لكن أن يُمضي هذا الحزب أكثر من ثلاثين عاماً، في قمع أية معارضة، وتكديس الصواريخ، من أجل تحرير فلسطين، والصراخ الدائم بالوعد الإلهي، هو من رفع مستوى الأمل عند الناس البسطاء، وأغلق بصيرة مجموعة كبيرة من المثقفين.
حرب غزة أخرجت محور إيران، بكل أطرافه، من المعادلة العربية الإسرائيلية، ولا أظنه سيعود يوماً. الأصعب على هذا المحور، هو خروجه من قلوب المواطنين، على امتداد الساحة العربية، فمن يقرأ تعليقات القراء والمتابعين، على صفحات الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي، يرى ذلك بوضوح، لم يعد أحد ينتظر خطاب وإطلالات سماحة السيد، فلم يعد لها معنى.
تركيا اردوغان، ليست أفضل حالاً، حتى ولو لم تكن قد وعدت بإرسال جيوشها إلى فلسطين، أو صواريخها إلى غزة. إلا أن مستوى الصوت العالي لرئيسها، زاد من تعلق الجمهور العربي والإسلامي بشخصه وبتركيا، كدولة وبضائع. رغم ما رأيناه من المعاملة اللا أخلاقية للاجئين الذين يمرون من تركيا، واستعمالهم كورقه لسياسة اردوغان الأوروبية.

وعي الجمهور العربي

أسقطت غزة، من وعي الجمهور العربي والإسلامي، أوهام الجري وراء الظواهر الصوتية، وأعادها إلى حقيقة أن الأصل، هي هذه الجماهير نفسها، وقد استعادت نوعا من الوعي الجماعي بوحدتها خلف فلسطين، التي عادت من جديد لتتصدر مطالبنا المشتركة. وما عليها إلا أن تعمل بنفسها ولنفسها. شوارع المدن العربية بدأت بالامتلاء بالمتظاهرين، الذين يزيدون يوماً بعد يوم، هو الحل الوحيد لخذلانهم من هؤلاء المهزومين، بكل أنواعهم، أنظمة ومنظمات، ودول عربية أو إسلامية. هم وحيدون الآن في مواجهة الغرب ومؤسساته التي تدعي الانتماء للإنسانية، ولا تفعل شيئاً، بل يقوم قادتها، بدعم عدوهم. أن نرفع صوتنا ونعمل بأيدينا، هذا ما تبقى بعد زوال الوهم.

كاتب فلسطيني

الغرب وراء إسرائيل، فأين العرب

الغرب وراء إسرائيل… فأين العرب؟ /نزار بدران/ القدس العربي 18 اكتوبر 2023

المواقف الغربية من الحرب الدائرة حاليا في غزة، لا تمثل فقط كما يدعون، دعما لإسرائيل في حربها ضد الإرهاب، معتمدة ومتبنية الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، بالإضافة لتصريحات بنيامين نتنياهو وعدد من كبار مسؤولي الدولة، بل أيضا تأييدا لسياسات إسرائيل في تهجير السكان الفلسطينيين للقطاع، وسفك دماء أطفالهم وأبنائهم؛ نساء ورجالا، لغسل عار هزيمتهم المدوية أمام المقاتلين الفلسطينيين، وجبن جنودهم وهربهم مذعورين من ساحة المعركة، تاركين قواعدهم وأسلحتهم ودباباتهم وراءهم.
لم يحارب الجندي الإسرائيلي كما كان متوقعا منه، ولم يدافع عن السكان المدنيين والمستوطنات والكيبوتسات. هذه صورة غريبة، تتناقض تماما مع تلك التي عودتنا إسرائيل عليها من الجندي المنتظم، الذي لم يعرف يوما الهزيمة. هذه هي المرة الأولى التي ينهزم فيها حقا على ما يعتبرها ارضه.
الإصرار الإسرائيلي والغربي على نعت ما حدث بالإرهاب، هي محاولة لإبعاد صورة الهزيمة العسكرية الحقيقية، وتحويل الأنظار إلى وهم الصورة النمطية للإرهابيين؛ قاطعي الرؤوس وحارقي الأطفال، كما رأينا سابقا مع القاعدة وداعش وكأن الجيش الإسرائيلي لم يكن موجودا على الحدود وكأن هؤلاء “الإرهابيين” لم يواجهوا أكثر جنود العالم تقنية وذكاء، لسوء حظهم فكل الصور التي تسربت من طرف المقاتلين الفلسطينيين في عملياتهم؛ وهم يدخلون الدبابات ويأسرون الجنود، لا يمكن محوها من الذاكرة الجماعية للإسرائيليين ولا الفلسطينيين أو العالم.
عمليات القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين؛ الموثقة بالصوت والصورة، على عكس ادعاءاتهم فيما يخص ضحاياهم المدنيين، لن تمحي عار الهزيمة. لكن نتنياهو وقيادته العسكرية يظنون أن الدم الفلسطيني السائل دون انقطاع، مثل النهر، سيغطي هذا العار، ويشفي غليل المواطن الإسرائيلي، ويعيد له كبريائه المحطمة وثقته في جيشه “الذي لا يقهر”.
هذه القيادة المصدومة بهزيمتها ستدفع- إن بقيت في الحكم- إسرائيل إلى هزائم جديدة. هم لم يكونوا أكفاء بمواجهة هجوم مباغت من بضعة مئات من المقاتلين فكيف لهم أن يتمتعوا بتلك الكفاءة في مواجهة حرب على الأرض قد تمتد لأسابيع طويلة.
لم يطرح الإسرائيليون على أنفسهم السؤال الوحيد الذي يجب عليهم طرحه؛ وهو لماذا حدث بنا ذلك؛ وكيف هزمنا، بدل التغني بجرائم الإرهاب والتعطش للانتقام. هم يعرفون الإجابة؛ فهي سهلة جدا؛ تتلخص في تناسيهم لكل القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، واحتلالهم أرض فلسطين وتهجير سكانها، وعشرات المجازر والجرائم المرتكبة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما. هي ستة عشر عاما من حصار خانق على أهل غزة. لكنهم يفضلون الاستمرار في نكران ذلك؛ والغوص في كابوس الإرهاب؛ لأنه أهون على أنفسهم وأكثر تناغما مع سياسات أمريكا والغرب.

القضية الفلسطينية

اصطف العالم الغربي بشكل واضح خلف إسرائيل، وتبنى روايتها؛ مجرما أي عمل أو صوت لصالح القضية الفلسطينية؛ أو حتى رفع علم فلسطين. نكتشف فجأة أن أوروبا بمعظم دولها، تجري وراء أمريكا لاحتضان الجيش الإسرائيلي وتبرير جرائمه.
نكتشف أن إسرائيل هي كما كانت دائما؛ جزء من الكل الغربي وليست جزءا من الشرق، رغم محاولات التطبيع الحثيثة مع عديد من الدول العربية.
الغرب هو الآن من يقاتل إلى جانب إسرائيل، وللهدف نفسه، أي إعادة ثقة المواطن الإسرائيلي بقدرته على الانتصار. تصريحات الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته بتوفير الحماية لإسرائيل حتى ولو كان جيشها منهمكا في حربه على غزة، وإرسال حاملتين للطائرات لشاطئ فلسطين المحتلة، هو لهذا السبب.
هي تطمينات واضحة لهذا المواطن المذعور الخائف، قبل أن تكون موجهة لإيران أو حزب الله (المنشغلين في حروبهم ضد الشعب السوري) حتى لا يبدأ التفكير خارج الصندوق؛ واستعمال ازدواجية الجنسية التي يحملها معظمهم؛ للبحث عن مكان أكثر أمنا.

المعسكر العربي

مقابل هذا المعسكر الغربي الإسرائيلي الموحد، هل هناك معسكر عربي شبيه؟
للأسف لا شيء من هذا القبيل. لكنا ندرك كفلسطينيين؛ أن التضامن الشعبي العربي مع أبناء غزة هي وسيلتهم الوحيدة المتبقية للصمود. فلا يمكن انتظار أي دعم ذي جدوى من حكومات الدول العربية والتي في معظمها؛ إما منهمكة في حروب داخلية؛ أو لا يهمها إلا البقاء في السلطة وسرقة ثروات بلادها.
تضامن المواطن العربي من المحيط إلى الخليج؛ يعني أن نخرج من جديد لنندد بهذه الحرب غير المتكافئة؛ حرب شعب محاصر صغير، ضد أقوى دول العالم؛ بجنودها وأساطيلها. هو التظاهر بلا كلل وبمئات الآلاف في عواصمنا. هو الاحتجاج المستمر أمام سفارات الدول الغربية، والمطالبة بطرد السفراء الإسرائيليين، وإلغاء اتفاقيات التطبيع. هي تحريك كل منظمات المجتمع المدني؛ لتخفيف آثار الحرب على شعبنا في غزة.
وحدها الشعوب العربية من يستطيع أن يضع حدا للعربدة الإسرائيلية والأمريكية، ومن يظهر للرأي العام الغربي أن الفلسطيني ليس وحيدا، وليس إرهابيا، بل مناضل عن حقه يموت من أجله، مدعوما من قوة الملايين؛ الذين لن يسكتوا طويلا على فشل حكوماتهم وتواطئها، ونسيان دول الغرب لواجباتها الإنسانية.
لن يعود هذا الغرب إلى رشده؛ إلا إذا رأى ميلاد هذا التوجه القوي؛ فهو يعلم أن الشعوب وحدها هي التي تحمل وتعطي الشرعية؛ وتحدد أهدافها وليس منابر الإعلام المأجورة والكاذبة.

كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

د. نزار بدران

فلسطين الهدف والوسيلة

فلسطين الهدف والوسيلة

 د. نزار بدران

في حياتنا اليومية، نحاول دائما التوفيق بين أهدافنا ووسائل تحقيقها. إن قَلَّت قدراتنا وإمكانياتنا، خفضنا سقف أهدافنا وأحلامنا. على عكس ذلك إن تَحسَّنت تلك الإمكانيات نقوم برفع ذلك السقف.
هذا سليم في الأشياء المادية البسيطة مثل تحضير حفل أو السفر في عطلة استجمام، فكلا طرفي المعادلة خاضع للزيادة أو النقصان. أما في الأمور غير التقنية مثل النجاح في امتحانات نهاية العام فنحن بحاجة للتعب وسهر الليالي، الهدف هنا ثابت، أما المتغير فهو الوسيلة. قد ينقلب الهدف بدوره إلى وسيلة، فالنجاح في شهادة جامعية والذي كان هدفا، ينقلب إلى وسيلة للبحث عن عمل.

المعادلة الغائية

ما أريد ايصاله للقارئ العزيز هي أن هذه المعادلة الغائية عندما نطبقها على المجال الإنساني الاجتماعي، تصطدم دائما بعلو مستوى الهدف وضعف مستوى الوسيلة المتاحة. العدالة الاجتماعية، الحرية، حقوق المرأة، حقوق العمال وحق الشعوب بتقرير المصير، هي أهداف لا يمكن تخفيض سقفها، فلا توجد نصف عدالة أو نصف حرية. الحقوق لا تتجزأ وحقوق الشعوب ثابتة. لذلك لا محالة من تطوير الوسائط والوسائل حتى نصل إلى الهدف. وحدها الوسيلة في هذه المعادلة من يشكل الجزء المتحرك والقابل للتغيير.
لو انتقلنا إلى تطبيق هذه النظرية على القضية الفلسطينية، وكيفية تعامل الفلسطينيين أنفسهم والعرب والعالم مع قضيتهم العادلة، لرأينا بوضوح أن الجميع يحاولون تخفيض سقف الهدف، أي المطالب الوطنية، بدل تحسين وإيجاد الوسائل المناسبة، فيما يشبه عملية احتيال متعددة الأطراف.
لمزيد من التوضيح فإننا لو قارنا ذلك مع الثورة الجزائرية أو حرب فيتنام، سنرى بوضوح مستوى الخلل الفلسطيني، فلا الشعب الجزائري أو الفيتنامي أو الشعوب الأخرى رضيت بتخفيض سقف حقوقها، والقبول بأجزاء من الوطن وبأجزاء من الحقوق، ولكان الجزائريون ما زالوا لليوم يماطلون الفرنسيين على حقوقهم، ويبحثون عن دويلة في الصحراء.
تشريد الشعب الفلسطيني وضعفه، لا يعني التفريط بحق هذا الشعب بتقرير المصير، والعودة إلى مدنه وقراه. هي حقوق أكيدة معترف بها في القانون الدولي، ومسجلة في لائحة حقوق الإنسان. هي حقوق ثابتة وليست الجزء المتغير في المعادلة.
التعَذُّر بعدم المقدرة، مقارنة بقوة إسرائيل مدعومة من أمريكا والغرب وجزء من العالم، لا يعني خفض سقف مطالبنا، وقبول ما يُدْعى أنه حل وسط عن طريق إقامة دويلة فلسطينية على حدود 67. تخفيض الحقوق في مفهوم توازن القوى يعني التخلي عنها، هذا ما فهمه على الأقل الإسرائيليون من اتفاقيات أوسلو، وهم مستمرون كما نرى ويرى العالم والأمم المتحدة، بالاستيطان في كل مكان داخل حدود الدولة الموعودة، مع محاولات متكررة للتضييق على الناس وتهجيرهم.
أتفق تماما مع مفهوم عدم تكافؤ القوى المعنية، فالشعب الفلسطيني حتى ولو تَجَمَّع، وتَوحَّدت قياداته، وهذا بعيد المنال، لن يستطيع الوصول إلى تحقيق حقوقه كاملة، وإلا لكنا رأينا ذلك منذ ثلاثة أرباع قرن، عمر النكبة.
ما العمل إذا، هل هو التخلي عن الحقوق، واستبدال الهدف الأساسي بهدف أصغر (اتفاقيات أوسلو نموذجا)، أم العمل على ايجاد الوسائل المناسبة (نيلسون منديلا نموذجا). هدف إحقاق الحقوق الفلسطينية لا يقبل الانتقاص، كونه هدفا اجتماعيا مرتبطا بمفهوم العدالة والتي لا تقبل التجزيء، وليس هدفا ماديا نود الحصول عليه، هذا يعني أما استرداد الحقوق كاملة وإلا فهو هزيمة للعدالة وتصفية للقضية.
الانتصار على قوة المحتل وداعميه لن تتم إلا بِتوحُّد معسكر هؤلاء العاملين في الاتجاه المعاكس، أو المفترض بهم فعل ذلك. فلسطين التاريخية عندما اُنتُزعَت بإرادة بريطانية مع وعد بلفور، كانت جزءا من الأمة العربية الوليدة من أحشاء الامبراطورية العثمانية المنهزمة والمُقطَّعَة كغنيمة للقوى المنتصرة.
لم يكن الهدف من عزل فلسطين إلا السيطرة على مقدرات الأمة الجديدة، عن طريق الإمعان في تقسيمها إرَبًا تدعى دول، رُسِمَت حدودها دون أي اعتبار للحقائق الاجتماعية والثقافية للشعوب المكونة لها.
لم يكن لبريطانيا وفرنسا النجاح في مشروعهم إلا عن طريق فرض أنظمة زبائنية وعائلية، وإقامة دولة دخيلة على المنطقة. يجب على طرف المعادلة الفلسطيني إذن أن يعي ذلك، عليه أن يبحث أولا عن نصفه العربي الضائع أو المغيب حاليا تماما، وكل محاولات إنعاش هذا النصف عن طريق هَبَّات الربيع العربي، وُجِهَت بعنف الأنظمة، مدعومة من إسرائيل واصدقاء إسرائيل كانوا عربا أو غربا، لوعيهم هم بهذه الحقيقة.

المعادلة الاستعمارية

هل سيستمر القبول بتلك المعادلة الاستعمارية والرضوخ لأجندتها. من الواضح أن استمرار الوضع العربي على حالته، هو ليس فقط انتقاصا لحقوق الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية وحكم نفسها بنفسها، لكن أيضا انتقاصا لحقها في لعب دورها الطبيعي في معادلة فلسطين/ إسرائيل. وهذا الغياب هو لصالح إسرائيل فقط.
لا مجال لنا كشعب فلسطيني أن نغَيِّر الأمة، لكن علينا على الأقل أن نفهم أن عدم تَغَيُّرِهَا نحو الديمقراطية وإزالة الاستبداد عن شعوبها، يعني بالنسبة لنا أن نبقى تحت الاحتلال إلى ما نهاية، فهي وسيلتنا الوحيدة لرفع مستوى الوسيلة إلى مستوى الهدف، والذي هو بدوره سيصبح وسيلة من وسائل الأمة للوصول لهدفها، مظهرا العلاقة الجدلية بين الطرفين العربي والفلسطيني.
علينا على الأقل أيضا ألا نقف في وجهها كما تفعل قيادات الشعب الفلسطيني حاليا في كل أماكن تواجدها مع حساباتها الآنية الضيقة، والتي تضيع المستقبل لصالح بقاء أحزابها وحكمها. لا يمكن لمن يَدَّعِي قيادة وتمثيل الشعب الفلسطيني، تدمير تلك الأداة الجديدة الناشئة؛ ان يقف في وجه الشعب السوري ويتضامن مع نظامه القاتل، أو مع نظام الملالي وهو يعلق شبابه على المشانق، أو نتضامن مع حروب بوتين ونحن نرى مقدار الدمار والخراب الذي جَرُّه على مدن سوريا وشعبها ومناطق أخرى، وملايين المستوطنين الذين أرسلهم الروس لإسرائيل.
القضية الفلسطينية بحاجة للشعوب وليس للأنظمة فهي الوحيدة التي ستبقى والتي ستحاسبنا فيما بعد.
هؤلاء الذين يدعون لحل الدولة الواحدة الديمقراطية عن حسن نية كهدف، ينسون أن الإشكالية هي ليست في الهدف فكلنا نعرفه منذ أن شُرِّدنا، ولكن هي إيجاد الوسائل، ووسيلتنا الوحيدة هي صحوة الأمة والتي بدأت ولن تتوقف.
تجارب شعوب العالم من آسيا وأوروبا الشرقية وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تثبت أن الشعوب تصحو دائما حتى ولو طال سباتها.

كاتب فلسطيني

ديمقراطية إسرائيل العرجاء.. القدس العربي ١٧ آذار ٢٠٢٣…نزار بدران

أول من وضع أسس الدولة الديمقراطية الحديثة وحدد آلياتها هو الفيلسوف الفرنسي توكفيل بعد أن أقام في أمريكا لبضع سنين واصفا عام 1835 من خلال تجربته الشخصية هذه الديمقراطية الناشئة، في وقت لم يكن شكل السلطة قد حُدِّد لصالح النظام الديمقراطي بشكل نهائي في أوروبا.
كان الفلاسفة ومنهم الكبار أمثال«هيغل» ما زالوا يُنظِّرُون آن ذاك إمكانية التوفيق بين النظام الارستقراطي الوراثي والنظام البرلماني في الوقت نفسه.

المجتمع المدني

الديمقراطية التي يدافع عنها توكفيل ويريدها لوطنه فرنسا، تكفل للجميع المساواة وتكافؤ الفرص، ولا تعامل مواطنيها حسب أعراقهم وأديانهم.
تُبْنى على أساس الفصل بين السياسة والحكم من جهة وبين الدين من جهة أخرى، مع إيجاد مجتمع مدني قوي، لتبقى الديمقراطية حية دائما، وليس فقط في لحظات الانتخابات ويزول منها خطر التحكم بالأقليات.
نسمع منذ أسابيع عن حراك إسرائيلي شعبي دفاعا عن ديمقراطية هذه الدولة، وخروج الآلاف في شوارع تل أبيب. وهم على حق في رفض المساس باستقلالية القضاء، هذا طبيعي ومقبول. لكن المستهجن هو تطبيل جزء من المثقفين والمحللين العرب لهذا الحراك، وكأن الخطر الذي تواجهه الديمقراطية الإسرائيلية على أيدي الطرف الأكثر تشددا فيها، سيؤدي إلى نتائج سلبية على حياة الفلسطينيين، وكأننا نعيش الآن في نعيم الاحتلال

.

حق تقرير المصير

الشعب الفلسطيني في الداخل وغزة والضفة، والذي حرم من حق تقرير المصير والاستقلال بعد خروج الانتداب البريطاني، لصالح إقامة دولة أخرى هي إسرائيل، وتُرِك تحت احتلالها وسطوتها، يعاني من استثنائه بالكامل، ومنذ عقود طويلة من الديمقراطية الإسرائيلية يمينها ويسارها. نحن لا نرى أي مساواة بين اليهود والعرب، ولا تكافؤ الفرص، بل على العكس نحن محرومون من كل أشكال ومحاسن الديمقراطية عندما تهدم جرافات الجيش الإسرائيلي البيوت الفلسطينية في القدس وتطرد عائلات بأكملها، وذلك بقرار من القضاء الذي يتظاهر الإسرائيليون من أجل المحافظة عليه. رغم تناقضه مع القانون الدولي، لا يرى اليسار ولا المتظاهرون المحتجون على نتنياهو حرجا في ذلك.
لم يكن أحدا يعتبر النظام الأبيض في جنوب أفريقيا نظاما ديمقراطيا، بل نظام أبارتايد وذلك بسبب عنصريته. لم يتمكن هذا النظام الحفاظ على علاقات مع الغرب ليستمر بالازدهار لصالح البيض فقط، وهو ما أدى فيما بعد إلى سقوطه المدوي، واستبداله بالديمقراطية الوحيدة الممكنة أي التي تساوي بين الجميع.

المحاسبة القضائية

الانتقاص من الديمقراطية الإسرائيلية بسبب قوانين نتنياهو الجديدة للحفاظ على نفسه من المحاسبة القضائية، لا تهمنا نحن العرب في شيء إلا من ناحية « انظروا فقد بدأوا يتعرَّبون.»
أن يخرج الآلاف في شوارع تل أبيب لا يعني أن إسرائيل تملك ديمقراطية ناضجة، تلك التي لا تقبل أبدا كقاعدة دائمة أساسية غير المساواة بين الجميع، وإحقاق الحقوق.
لَخَّص توكفيل مُنظِّر الديمقراطية الغربية وجميع الأنظمة الحديثة في العالم فكره في كتابه عن الديمقراطية قائلا:
« من الواضح أن هناك حدًا لقوة الأغلبية. لنفترض مثلا أنه من بين جنسين يعيشان معًا – السلت والسكسونيون ، على سبيل المثال – قرر الأكثر عددًا جعل الأفراد من العرق الآخر عبيدًا لهم. هل سلطة الأكبر عددا ، في مثل هذه الحالة ، هي صحيحة؟
إذا لم يكن كذلك ، فهناك شيء يجب أن تخضع سلطته له، يجب الاعتراف بقانون يذعن له الصوت الشعبي (الأغلبية والأقلية).

ما هو إذن هذا القانون ، إن لم يكن قانون الإنصاف الكامل – قانون الحرية المتساوية؟ هذه القيود ، التي يرغب الجميع في وضعها بإرادة الأغلبية ، هي بالضبط القيود التي منعها هذا القانون. نحن ننكر حق الأغلبية في القتل أو الاستعباد أو السرقة ، لمجرد أن القتل والاستعباد والسرقة هي انتهاكات لهذا القانون – انتهاكات صارخة للغاية لا يمكن التغاضي عنها. ولكن إذا كانت الانتهاكات الكبيرة لهذا القانون غير عادلة ، فإن الانتهاكات الأصغر تكون كذلك.
إذا لم تستطع إرادة الكثيرين إلغاء المبدأ الأول للأخلاق في هذه الحالات ، فلن يمكنها فعل ذلك في أي حالة أخرى. لذلك ، مهما كانت الأقلية غير ذات أهمية ، ومهما كان صغر التعدي على حقوقها التي يُقترح تحقيقها ، فلا يجوز السماح بمثل هذا الانتهاك.»(نهاية الاقتباس)

العدالة الدولية

الديمقراطية الإسرائيلية لن تحمل بجدارة إسمها الا إذا اذعنت لهذا المنطق ومحت من كيانها كل أشكال الظلم والتمييز. واعترفت بحق كل إنسان وكل لاجئ فلسطيني العودة إلى وطنه، واسترداد ما يملك، والتعويض الكامل عما حدث، وتقديم كل من أجرم للعدالة الدولية والحق في تقرير المصير، غير ذلك تبقى ديمقراطية عرجاء، لا تتطابق مع قواعد توكفيل، ولن تحمي المحتلين ولا الشعب الفلسطيني.

نزار بنات شهيد الحق بالمعارضة

نزار بنات شهيد الحق بالمعارضة 26 حزيران 2021

نزار بدران

مقتل الناشط السياسي نزار بنات بأيدي تخضع لأوامر السلطة الفلسطينية لدليل على انفصال  تلك الأخيرة وانعزالها عن الشعب، الدور الأهم لأي سلطة هو ضمان أمن المواطنين وحياتهم أولا وحقوقهم ثانياً. هل هناك أسباب وجيهة من منظار السلطة لعمل كهذا؟ ، هل يشكل نزار بنات خطرا داهما على سلامة الوطن والمواطنين، مثلا كما نرى مع المستوطنين، ام هي بوادر فزع رجال السلطة بأن الزمن قد تغير، وهو ما رأينا بوادره مع إلغاء الانتخابات.

إسكات النشطاء السياسيين بكل الوسائل بما فيها القتل يذكرنا بما تفعله مليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران مع الحراك الديموقراطي بالعراق، مئات الاغتيالات دون أن تجد الحكومة أو القضاء والشرطة أي مجرم. هل السلطة  هي بطريقها إلى التحول إلى حشد فلسطيني؟

مقدار عنف أي سلطة هي بمقدار شرعيتها وقوة وتعاضد المنظومة الحقوقية التي تُبْنَى عليها. السلطة القوية متسامحة مع معارضيها لأنها لا تستشعر الخطر من الشعب الذي نَصَّبَهَا، وإنما من الأعداء، السلطة الشرعية لا تخاف النقد بل تبحث عنه. هذا هو عكس السلطة الضعيفة التي لا تستقي شرعيتها من المواطن بل من الداعم الخارجي لوجودها، مختبئة خلف العنف وكأنه سيحميها ممن تعتقد أنهم لم يعودوا أداة تجديد شرعيتها. الشرعية حتى ولو كانت حقيقية لا تعني أن تفعل ما تشاء وانما ان تفعل ما يريده هؤلاء الذين خوَّلوكَ بتنفيذ إرادتهم.

ممن تخاف السلطة الفلسطينية، من خطر الاستيطان الداهم والذي قَطَّع أوصال مشروع دولة أوسلو العتيدة، ام من انتفاضة القدس والأقصى والتي لا تقع تحت نفوذها؟. ممن تخاف السلطة الفلسطينية من إسرائيل ومشاريعها بتهجير بقية الشعب الفلسطيني أم من حراك أهلنا داخل الخط الأخضر وهم يُغَيِّرُون قواعد اللعبة لصالح الشعب الفلسطيني؟  ممن تخاف تلك السلطة، من دول التطبيع أم من فقدان الدعم المادي الخليجي والأمريكي؟ ممن تخاف من نتائج حصار وحروب غزة على معذبو القطاع أم من تقوية قبضة منافسها عليهم؟ 

ها نحن بفلسطين ندخل مع هذه الجريمة بعالم الربيع العربي، فمن يطالب بالحرية والديمقراطية يحصل على البراميل المتفجرة بسوريا والتدمير بليبيا أو اليمن، من يطالب حتى ولو بالخبز يحصل على السجون المظلمة، ومن يتجرأ على النقد الموضوعي والمطالبة بالحقوق يحصل على الإغتيالات كما نرى بالعراق ولبنان وسابقا بالسودان. لا أمل ممكن مع هذا النظام العربي بكل أشكاله. كنا نعتقد بفلسطين أن الاحتلال يحمينا من هذا المطب، فكلنا ضحايا محتلون حكاما ورعايا، وكما لا يستطيع المواطن التنقل إلا بإذن سلطات الاحتلال كذلك المسؤول مهما علا شأنه.

لماذا إذا هذا الهراء وفقدان الصواب من كلمة هنا ورسمة كاريكاتير هناك.

الكلمة الفصل تبقى ملك الشعب الفلسطيني، فتحالف قواه الشبابية الديمقراطية بكل مكان مهما كانت ضعيفة ستفرض بالنهاية رؤيتها، فلا أحد يستطيع أن يهزم تحالف الضعفاء مهما امتلك من قوة. يجب إعادة بناء حركة وطنية على قواعد استرداد الحقوق وأولها الحق بحرية الكلمة والتعبير، واحترام الشعب الفلسطيني بكل أماكن تجمعه ورفض مصادرة حقه الأصيل بالاختيار ممن ظنوا أنهم أوصياء عليه، الشرعية هي فقط تلك التي تأتي من المواطن وليس من غياهب ذكريات الماضي وبطولاته الخيالية. نحن لا نوافق نزار بنات كل ما يقول خصوصاً وقوفه على ما يبدوا مع سفاحي الشعب السوري، لكنا هنا ندافع عن حق الجميع بالمعارضة والتعبير الحر. سياسة التخويف تعكس عدم إدراك بطبيعة المرحلة وتنم عن فزع من يمارسها ضد معارضيه، وتخلف واضح بالقيم التي يحملها، ويحكم على نفسه بالخروج من مستقبل الشعب الفلسطيني، أي مستقبل حر دون خوف.

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

هؤلاء لا يمثلونني

هؤلاء لا يمثلونني

نزار بدران

عندما ينقطع الحاكم عن الشعب، فاقدا شرعيته الوحيدة، تلك التي يعطيها له هذا الشعب، يعتقد أنه يستطيع الاستمرار بالتبجح بتمثيله والتكلم باسمه، لكنه بالواقع العملي أبعد ما يكون عن ذلك. الانتخابات الأخيرة بفلسطين تعود لعقود، وتلك التي اتفق على إجرائها تم الغائها تفاديا لمفاجآت متوقعة. في هذه الفترة يحدث اعتداء اسرائيلي على سكان القدس، يتبعه اعتداء على أهلنا بغزة، الذين وقعوا دون سابق إنذار تحت القصف بالطائرات التي لا تميز البشر عن الحجر.

لم تجد القيادة الفلسطينية بالضفة والقطاع وعديد من الفصائل والأحزاب اليسارية وقياداتها المتحجرة أفضل من تلك الفترة الصعبة من إعلان شكرها وامتنانها للدعم أللامحدود لبشار الأسد وأسياده بطهران، الذين اكتفوا بمشاهدة المنظر الفلسطيني بدون أي حراك، وهم يتبجحون بالمقاومة منذ بدأ الكون، وينتظرون اللحظة المناسبة والحاسمة، لحظة القدس لكي يصلوا فرادى وجماعات كالاعصار لاقتلاع الاحتلال. أتت لحظة القدس ولكن لحظة محور المقاومة لا تأتي أبدا. هي مرتبطة بمقدرته على دعك وتدمير شعوبه وليس تحرير فلسطين أو الاهتمام بمآسيها.

رغم ذلك يخرج علينا السياسيون القادة الملهمون الفلسطينيون يعلنون انتصارهم الساحق، ومن يستحق الشكر والثناء على ذلك، طبعاً محور المقاومة.

ماذا سنقول اليوم وغدا لأبناء سوريا، ونحن الشعب الفلسطيني جزء منه، لم يجزئنا إلا المستعمر الفرنسي والبريطاني. ماذا سنقول للقتلى والمشردين، ماذا سنقول للأمهات الثكالى، ماذا سنقول لحجارة حلب وحماة وحمص، لم نركم، كما فعلنا دائما، نغطي رؤوسنا بالرمال ونشكر ونهنئ المجرم على تفضله بدعمنا، وهو الذي تهاجمه اسرائيل بشكل شبه يومي دون أدنى حراك أو رد.

هذه القيادات المفترضة، الفاقدة لاية شرعية لا تمثلني، ولا تمثل جماهير الشعب الفلسطيني والذي كان وما زال بجانب اخوته من الشعب السوري، ضحية هذا النظام الفاشي، داخل مخيماته مثل مخيم اليرموك رمز دمار الوجود الفلسطيني بسوريا.

قليل من الحياء لن يضركم، نحن ننتظر حقا تلك اللحظة التي نستطيع فيها أن نقول كلمتنا ونختار قياداتنا، حتى لا نهزء أمام جماهير أمتنا، والتي هي صاحبة القضية الفلسطينية الحقيقية. 

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني مستقل

النكبة بداية النهاية. القدس العربي

النكبة بداية النهاية

17 – مايو – 2021

النكبة بداية النهاية

 د. نزار بدران 

لن يكون لذكرى النكبة هذا العام الطعم نفسه، والألم المرتبط بالبؤس وعجز الحال.
لأول مرة يشعر الشعب الفلسطيني بشيء من الأمل. التخلص من الخوف أولا، وإعادة الوحدة لهذا الجسم الممزق. فالنكبة حولت شعبا واحدا إلى مجموعات إنسانية واجتماعية مقسمة بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وعرب الـ 48 واللاجئين في الدول العربية أو الجالية في العالم.
كل مجموعة منا بالإضافة لألمها وحسرتها على وطننا المشترك، لها مآسيها الخاصة وتخضع لقوانين وتصنيفات مختلفة تؤكد مع الزمن تمايزا متزايدا بين اللاجئ والنازح، وبين ابن القدس وغزة أو أبناء الجليل والنقب.
آلة الدهس والعصر والسحق

نكتشف أنفسنا من جديد شعبا واحدا، لم تتمكن آلة الدهس والعصر والسحق من تفتيته كما كان معتقدا، وكما بنى عليه زعماء دول التطبيع تقديراتهم، فهم اعتقدوا أن إسرائيل حية ترزق، وأن الشعب الفلسطيني أصبح في خبر كان. وهو ما فتح لأحلام سحق شعوبهم آفاق دعم الحليف الإسرائيلي.
أبناء اللد وحيفا والداخل الفلسطيني، عندما هبوا للدفاع عن القدس والشيخ جراح والمقدسات، فتحوا الباب أمام الوعي الجماعي. لا يوجد عرب إسرائيل بل يوجد فلسطينيون تحت الاحتلال، هو ما يجمعهم مع أبناء المناطق الفلسطينية الأخرى، فكلنا تحت الاحتلال، دون أي حقوق.
أهل غزة محاصرون، والضفة مقطعون بالمستوطنات، وقرى فلسطين التاريخية هي بين ممحية من الوجود أو محاصرة بالتمدد السكاني اليهودي، واللاجئون محرومون من حقهم الأساسي في العودة، هم أيضا تحت الاحتلال.

الثورات العربية

بعد عشر سنوات تمكن الشعب الفلسطيني من الالتحاق بركب الثورات العربية، بدل النظر إليها بتوجس، فالمطالبة بالحقوق هي نفسها هنا أو هناك.
الحروب في دول الربيع العربي أو الانتفاضات الجديدة في الجزائر والعراق ولبنان، تهدف كلها لنيل حقوق المواطن وكرامته. في فلسطين لا نطالب فقط بالاستقلال، ولكن أيضا بالحقوق الإنسانية والتي ليست مجال نقاش، فهي لب قيم الإنسان بهذا العصر، ومن أجلها ثارت شعوب بكل بقاع الأرض.
على شباب الانتفاضة الجديدة أن ينتبهوا لقوى الماضي ألتي تتبجح بتمثيلهم، هؤلاء الذين أعلنوا ملكيتهم للقضية الفلسطينية، وصادروا حق الشعب الفلسطيني بتحديد ما يريد حتى بانتخابات عادية، واستمروا بالتصارع وفضلوا ربط أنفسهم بقوى عربية وأجنبية، ليسوا مؤهلين لأن يصبحوا منارة للحراك الجديد، الذي بدأ بدونهم، رغم محاولاتهم الواضحة المكشوفة للحاق به.

سراب أوسلو

الاستمرار بالجري وراء سراب أوسلو وأحلام دعم أمريكا والغرب، أو ربط القرار الفلسطيني بأنظمة تدمر يوميا شعوبها كما نرى في إيران وسوريا، يبين قصر نظرهم وبعدهم عن أي مفهوم إنساني حقيقي. فالغرب لن يدعمنا إن لم ندعم أنفسنا أولا، ودول الديكتاتوريات الشرق أوسطية لن تستطيع الصمود أمام شعوبها إلى الأبد.
مستقبلنا إذا هو مع شعوب هذه الدول. البدء من الآن بفهم ذلك هو انقاذ لمستقبل الشعب الفلسطيني وحقه في العيش بحرية وسلام في منطقته التاريخية.
تحية لأبناء وبنات فلسطين أينما كانوا، فهم بعملهم العفوي، عكسوا معادلات ظنناها ثابتة لا تتغير، ووضعوا أسس حراك فلسطيني جديد بقيم وأهداف تتناسب مع زمن الثورات العربية.
عليهم الآن أن يترجموا ذلك على الواقع، وعدم العودة لحضن من أشبعونا بالأوهام مدى عقود طويلة.
كاتب ومحلل سياسي مستقل

الفصل التعسفي للتلاميذ الفلسطينيين في لبنان. القدس العربي 01 أكتوبر 2020. نزار بدران

قامت السلطات اللبنانية مؤخراً، ومع بداية العام الدراسي الجديد، كما ذكر بمصادر إعلامية وبمواقع التواصل الاجتماعي للمؤسسات المجتمع المدني، بفصل عدة آلاف من التلاميذ الفلسطينيين، المُسجلين في المدارس اللبنانية، وعدم قبول أي طالب فلسطيني جديد.
الأسباب الحقيقية لذلك لم تُعلن بشكل واضح، ولكن النتائج ستكون كارثية على هؤلاء التلاميذ وعلى عائلاتهم في زمن الكورونا، حيث يتوجب عليهم، الالتحاق في مدارس أخرى، وهي في معظم الأحيان، إن وُجدت، تبعد مسافات طويلة عن أماكن سكنهم، وتفرض على هؤلاء التلاميذ الصغار، أن يفترقوا عن مدارسهم، ورفاقهم، وأساتذتهم.

السياسة التمييزية

ما هو ظاهر للوهلة الأولى للعيان، أن هذه السياسة التمييزية، والتي تحمل شعار اللبناني أولاً، مع أن الفلسطينيين متواجدون هناك منذ أكثر من سبعين عاماً، تهدف إلى التجاوب مع زيادة عدد الطلبة اللبنانيين، بعد تدهور الوضع المالي، لعديد من أهالي التلاميذ اللبنانيين المسجلين في المدارس الخاصة، وهو ما دفعهم إلى البحث للالتحاق في المدارس اللبنانية المكتظة. طرد التلميذ الفلسطيني، كان إذاً الحل السهل لهذه الإشكالية.
ما يُظهر بشاعة هكذا قرار، هي تلك التفاصيل العنصرية التي يحتويها، فهو يقسم التلاميذ إلى ثلاثة أنواع، أولاً، اللبناني أباً، ثانياً، التلميذ الذي له أم لبنانية وأب فلسطيني، وأخيراً، التلميذ الفلسطيني أباً وأماً، وإعطاء الأولوية طبعاً، بناء على هذا التسلسل.

نظام طائفي

الآن لو وضعنا هذه السياسة الجديدة، بإطار السياسة الرسمية اللبنانية، منذ عشرات السنين، فإننا لن نستغرب من شيء، فالفلسطيني بلبنان، ضحية نظام طائفي، يُطبق عليه قوانين تمنعه من العمل، في المؤسسات اللبنانية بمجالات عديدة، مثل الطب والهندسة وعشرات المهن الأخرى، وحتى بالتملك والتوريث هو الضحية السهلة، والتي لا يدافع عنها أحد.
في هذه الفترة الصعبة على القضية الفلسطينية، حيث تم تقليص الخدمات المُقدمة من الأنوروا للاجئين الفلسطينيين، خصوصاً في المجال التعليمي، واكتظاظ المدارس التابعة لها، وعدم مقدرتها على تقديم الخدمات لكافة الطلبة، يُطرد التلميذ الفلسطيني من مدرسته، ويُترك على قارعة الطريق، وكأن حقوق الناس الإنسانية، لا تعني في شيء، السلطات اللبنانية، ولا حتى المؤسسات المهتمة في شؤون اللاجئين. فصل اللبناني عن الفلسطيني، حتى على مقاعد الدراسة، يحتوي على هدف سياسي، وهو إبعاد اللبناني عن التفاعل مع القضية الفلسطينية، وإعطاؤه الانطباع أن مآسيه، هي بسبب الوجود الفلسطيني، وليس من فشل الإدارة اللبنانية المزمن، بحل مشاكل لبنان.
الفكر الطائفي السائد، يفصل الفلسطيني عن اللبناني، بمجالات العمل والسكن والتعليم، ولا أستغرب أن هذا الفصل، قد يمتد أيضاً، داخل المكونات اللبنانية نفسها. نأمل من الحراك الديمقراطي اللبناني، الداعي إلى إلغاء الطائفية، أن ينتبه إلى خطورة تلك السياسة التعليمية المتبعة، والتي لا تهدف إلا إلى إحكام السيطرة، على التلاميذ اللبنانيين أنفسهم، وتثبيت البُعد الطائفي، وهو ما يتناقض تماماً مع أهداف هذا الحراك.
لا يمكن أن يكون طرد التلميذ الفلسطيني حلاً، لمشاكل نقص الأماكن في المدارس اللبنانية، فقطع اليد، لن يحل أبداً مرض أحد الأصابع.

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني مستقل

التطبيع الخليجي الإسرائيلي… استمرار الثورة المضادة

التطبيع الخليجي الإسرائيلي… استمرار الثورة المضادة

 د. نزار بدران . القدس العربي 18 أيلول 2020

أعطى الانطباع العام، بعد ما يُسمى بالتطبيع، بين دول خليجية وإسرائيل، وما تبعه من عدم صدور رد فعال، من أي دولة عربية، وسكوت بل تعاطف جامعة الدول العربية، أعطى كل ذلك، الانطباع أن الأمة العربية تُخطط للتخلي التام عن فلسطين والفلسطينيين، لكن من يريد أن يتحلى بنوع من المنطق والمصداقية، عليه أن يعترف، بأن ذلك ما هو إلا تتويج لتطور تعريف القضية الفلسطينية من قِبل الفلسطينيين والقادة العرب.
انطلقنا في سنوات جمال عبد الناصر، من مفهوم الصراع الوجودي الإسرائيلي العربي، إلى مفهوم جديد، أُكد في قمة الرباط في المغرب، عام 1974 وهو مفهوم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما عنى ذلك تدريجياً، إستحواذ القيادة الفلسطينية، باسم الشعب الفلسطيني، على حق التعبير عن قضية العرب الأولى، واختصارها بنزاع بين شعب مُشرد، وقوة غاشمة مدعومة من أمريكا والغرب. وهي كما يبدو، معادلة لم تؤد إلاّ إلى اتفاقيات أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، على مبدأ قيام دولة فلسطينية، وهو ما لم يتحقق أبداً، بل زاد الاستيطان الإسرائيلي، وقضم أراضي الضفة المحتلة عام 67 وإعلان القدس، من طرف الرئيس الأمريكي، ترامب، عاصمة لإسرائيل، بالإضافة لذلك، ومع سياسة المفاوضات التي لا تنتهي لشيء منذ حوالي، ثلاثين عاماً، انتقلنا من مفهوم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى مفهوم جديد، وهو الصراع الفلسطيني الفلسطيني، بين من يُمسك بالأمور بقطاع غزة، ومن يُمسكها بالضفة الغربية، مُتناسين عملياً، أساس القضة الفلسطينية التاريخي والحقوقي، وهو حق اللاجئين في العودة. هذا من ناحية ما يمكن تحميله للقادة والفصائل الفلسطينية، من مسؤولية وبشكل مختصر جداً.
من ناحية الدول العربية، فبعد تحررها، من مسؤولياتها التاريخية، بتحرير فلسطين كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية، انقلبت هذه الأنظمة، إلى موقع الداعم (الممكن) للشعب الفلسطيني، بنضاله بتحرير وطنه، هذه المهمة لم تدم طويلاً، وتطورت بعد ذلك إلى مفهوم الوقوف تقريباً على الحياد، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، كما رأينا مثلاً، زمن حسني مبارك ولعبه دور الوسيط.
منذ انطلاق الربيع العربي، في نهاية عام 2010 انتقلت دول الثورات المضادة، بقيادة دول الخليج، خصوصاً الإمارات والبحرين، إلى مفهوم جديد، فبدل الاكتفاء بدور الوسيط، أصبحت هذه الدول تلعب دور الحليف للكيان الصهيوني، وهو ما تُرجم بمواقف عدة، كان آخرها الاتفاقيات الحديثة، الخليجية الإسرائيلية، وما الخطر الإيراني إلا حجة واهية.

حركات الربيع العربي

حركات الربيع العربي، تُشكل خطراً وجودياً، على كل الأنظمة الديكتاتورية، الفاقدة لأي شرعية شعبية، فهي لهذا السبب، في حاجة لحليف قوي لحمايتها، وردع خطر الثورات ضدها. هي وضعت نفسها إذاً، بموقع التناقض الرئيسي مع الشعوب العربية، المطالبة بحقوقها الإنسانية الطبيعية، كونها مصدر السلطة، كما حدث في عدد كبير من دول العالم منذ بداية التسعينيات. من هذا المنطلق، فهذه الأنظمة المتحالفة مع إسرائيل، وجدت نفسها تحت رحمة الإسرائيليين والأمريكيين وتنفذ كل طلباتهم، بهدف الحصول فقط، على بقاء أنظمتهم، وبدون النظر إلى الثمن المدفوع، حتى ولو كان حرمة القدس والمسجد الأقصى. تصريحات الرئيس الأمريكي، أنه حامي هذه الأنظمة، وبدونه تسقط في بضعة أيام، لأكبر دليل على ذلك. هذه الدول فاقدة، بشكل كامل، للسيادة على أراضيها، ملتحقة بالسيادة الأمريكية، بما فيها الأمور الداخلية الانتخابية.
نحن إذاً أمام معادلة جديدة فيما يخص القضية الفلسطينية، وهي الشعب والقيادة الفلسطينية من جهة، وإسرائيل وحلفائها العرب من جهة أخرى. هذه المعادلة لا يمكن أن تكون لصالح الفلسطينيين، مهما جدوا واجتهدوا، لذلك فإن المعادلة المقبلة، والتي قد تغير التوازن لصالح القضية الفلسطينية، لا يمكن أن توجد، إلا إذا تمكنت الشعوب العربية، من زعزعة هذه الأنظمة، وبناء صرح ديمقراطي جديد، وتمكن الشعب الفلسطيني من بناء حركة وطنية جديدة بمعايير الربيع العربي. عندها قد نحلم بعودة نوع من التوازن بين القوة الفلسطينية والعربية المشتركة، مقابل القوة الإسرائيلية وداعميها من الغرب.
بالعودة مُجدداً للتاريخ، فإننا نتذكر بسهولة، الاتفاقية الأمريكية السعودية لحماية أمن الخليج أي الأنظمة، لعام 1945 وما سبقها من اتفاقيات بنهاية القرن التاسع عشر، بين ما يُسمى الدويلات الخليجية المتصالحة وبريطانيا العظمى، حيث وضعت عام 1892 مجموعة من إمارات الخليج بزمنه، نفسها تحت حماية التاج البريطاني. لا شيء جديد إذاً، إن وضعت هذه الأنظمة نفسها الآن تحت حماية إسرائيل والتاج الأمريكي.

كاتب ومراقب سياسي عربي مستقل