التحالف الصيني الروسي… حقيقة أم خيال / القدس العربي 08/04/2022

التحالف الصيني الروسي… حقيقة أم خيال؟

 د. نزار بدران

مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا وتزايد أعداد اللاجئين الفارين إلى دول الجوار الأوروبي، واكتشاف فظاعات الحرب على السكان المدنيين، كما رأينا مع القتلى المدنيين في مدينة بوتشا وحصار ماريوبول، يتساءل الكثيرون إن كان هناك دور لدولة بحجم الصين لإنهاء هذه الحرب، ووضع حد لنتائجها الكارثية.
الأمل المعقود على الصين مرتبط بما يتصوره بعض الساسة، من وجود تحالف صيني روسي. الإعلان المشترك في بداية الألعاب الشتوية الأولمبية في بكين، يدل على ذلك، حيث أعلن الرئيس الصيني كسي جنبنج أن العلاقات بين البلدين قوية كالصخر.
هل هذه العلاقة هي بهذه القوة حقا ؟ وهل تاريخ العلاقات بينهما يوحي بمثل هذا التحالف المعلن.
ما يربط البلدين هو في الحقيقة صداقة «كاذبة» ولكنها غامضة، كاذبة، لأنها مبنية فقط على كرههما المشترك للأنظمة الليبرالية الديمقراطية، ولكل الثورات الديمقراطية في العالم.

مرتزقة فاغنر

حرب سوريا وحالياً أوكرانيا تقعان في إطار قمع هذه الثورات. تواجد مرتزقة فاغنر في بقاع عديدة في العالم كذلك. ضغط بكين المستمر على هونغ كونغ وتهديدها لتايوان هو بنفس الهدف. يتقاسم النظامان أيضا رغبتهما للثأر من ماض قريب، والخوف من التحالفات الجديدة، خصوصاً في جنوب المحيط الهادئ بقيادة الولايات المتحدة. كذلك رغبتهما في إيجاد عالم آخر جديد خارج الغرب.
لكننا أيضا نرى غموض هذه العلاقة، فالصين لم تصوت لصالح روسيا في الأمم المتحدة في إدانتها للغزو الروسي.
هناك غموض أيضا في علاقتهما الاقتصادية؛ لا ترى الصين روسيا كموقع أساسي لمشروعها الاقتصادي، فهي تنظر إلى الشرق، بينما تنظر روسيا نحو الغرب. حجم التجارة الخارجية للصين مع روسيا لا يتعدى اثنين بالمئة فقط، بينما بالنسبة لروسيا هذا يمثل عشرين بالمئة.
من جهة أخرى تسعى الصين لتصبح قوة اقتصادية عالمية مهيمنة، وهي تملك مقومات ذلك، بينما لا تملك روسيا مشروعا مشابها، ولا تملك المقومات نفسها.
ما يجمعهما حقا، هو ما يملكان من قوة لإيذاء المشاريع الغربية ومحاولة إعاقتها، كتمدد حلف شمال الأطلسي أو التجمعات الاقتصادية السياسية في المحيط الهادئ، كتجمع دول الأوكس (أستراليا، المملكة المتحده، الولايات المتحدة)

التوازن الاستراتيجي

تميزت العلاقات بين الصين والاتحاد السوفييتي بالعداء، وتحولت بعد انهيار هذا الأخير إلى علاقة تعاون مع خليفته روسيا، خصوصاً بعد زيارة الرئيس الصيني، لي بنج لموسكو، في بداية التسعينيات، وإنشاء ما سمي بالتوازن الاستراتيجي في نهاية العقد. تزامن ذلك أيضا مع التقارب مع الهند القوة الناشئة الجديدة.

لكن أكثر ما زاد التقارب بينهما كان حرب القرم عام 2014، بعد أن فرضت الدول الغربية مجموعة من العقوبات على روسيا.
وضعت الصين حلا لهذه العقوبات، فقد فتحت بكين لموسكو باب الأمان، وزاد التبادل التجاري بينهما بشكل كبير ليصل إلى عشرين مليار دولار في عام 2021. هذا ما أنهى أي شعور بالخطر السياسي من طرف نحو الآخر، كما كان سابقاً.
هل سيتكرر هذا السيناريو من جديد مع الحرب على أوكرانيا، ورد الدول الغربية مختلف تماما هذه المرة؟
تتقاسم الصين وروسيا أيضا رؤيتهما لمفهوم الأمن القومي، هو يعني لهما أولا، الأمن السياسي، أي ثبات وديمومة النظام، ذلك قبل الأمن الاجتماعي أو الاقتصادي، كل شيء يجير لهذا الهدف، فهما تضعان سلامة النظام قبل كل شيء. هذه إحدى صفات الأنظمة المستبدة بشكل عام. الإعلان المشترك في بداية الألعاب الأولمبية في بكين هذا العام وضع على رأس أولوياته، انتقاد الأنظمة الليبرالية الديموقراطية، وتمجيد نظام بكين وموسكو كصورة لمستقبل الأنظمة في العالم.

الخلافات الجوهرية

هذا التوافق الظاهري، لا يجب أن يخفي عن الأنظار مجموعة من الاختلافات والخلافات الجوهرية والتي تبدو بعيدة عن الصداقة.
التوغل الصيني في آسيا الوسطى وإفريقيا أخذ المكان الذي تركه الاتحاد السوفييتي، والذي هيمن لعقود على جزء كبير منها. تشارك الصين حاليا في تطوير البنية التحتية لمعظم دول القارة الأفريقية، حتى أن مقر الاتحاد الإفريقي بنته الصين في أديس أبابا عام 2012 وهي لا تظهر أي شكل من الاهتمام بالأمور السياسية الداخلية لهذه الدول، ما فتح لها أبوابا واسعة.
من ناحية أخرى، استولت الصين أيضا على مكانة الاتحاد السوفييتي في ما يخص استكشاف الفضاء، والذي كان رائدا في هذا المجال. ولا ننسى يوري غاغارين الروسي، أول رجل في التاريخ يصل الفضاء ويدور حول الأرض. التعاون الحالي بين البلدين في مشروع الوصول إلى القمر مثلا هو مشروع صيني، ولا تلعب فيه روسيا إلا دورا ثانويا.
نستطيع القول إن الصين هي أحد كبار المستفيدين من انهيار وتمزق الاتحاد السوفييتي، هو ما سمح لها أن تصبح القوة الثانية في العالم على المستوى الاقتصادي، ويعتقد الصينيون أن القرن الواحد والعشرين سيكون قرنا صينيا بامتياز.
بعد أكثر من ستة أسابيع من الحرب في أوكرانيا، لم تفعل الصين شيئا مع أو ضد روسيا. بل اكتفت السلطات بإعلان مبادئ عامة، أي وقوفها مع السلام ضد الحرب، وحدها وسائل الإعلام الصينية ومواقع التواصل الاجتماعي من يكرر ادعاءات موسكو بشأن اتهام الغرب وأمريكا خصوصاً، بإشعال الحرب والتحضير لاستعمال الأسلحة البيولوجية.
هل تريد الصين حقا أن تتوسط لحل النزاع القائم. اجتماع دول الاتحاد الأوروبي والصين، والذي عقد في الأول من نيسان – أبريل في العاصمة الأوروبية بروكسل، لم يظهر أي تحمس للصين لفعل ذلك، ورفضت الطلب الأوروبي بالتوسط.
هي برأيي تنتظر تطور الأمور حتى تعرف كيف تستغل هذه الحرب لصالحها، كي تظهر بعد الحصول من الغرب على تنازلات كثمن، وكأنها منقذة العالم من حرب مدمرة، فهي الوحيدة التي تملك الأوراق الكافية لإجبار بوتين على التراجع، مع إعطائه مخرجا لحفظ ماء الوجه أمام شعبه.
ولكن هل حقا تريد الصين إنقاذ روسيا من الانهيار، ونحن رأينا أنها استفادت من تفكك الاتحاد السوفييتي.
هل قرار الرئيس بوتين في حربه على أوكرانيا هو شيء ممكن للصين تقبله؟
لا أظن أن القادة الصينيين مستعدون للسير في مشروع يفرض عليهم من الخارج، حتى ولو كان من حليف. هذا يعني اقحامهم في نزاع قد يكون مسلحا مع أمريكا والغرب، وهم يشكلون سوقها التجاري الأول، ومن أمن بسوقهم الاستهلاكي الكبير والاستثمارات الهائلة، ازدهار الصناعات الصينية.
أظن على عكس ذلك إن دولة تزن عشر مرات روسيا سكانا واقتصادا، لا يمكنها أن تسير في مشروع يهدف الى إعادة إحياء قدرات الاتحاد السوفييتي عدوها السابق.

أزمات عالمية

لا أحد منا يتصور مثلا أن تجر الولايات المتحدة إلى حروب وأزمات عالمية دون أن تكون صاحبة القرار فيه.
لا يمكن لأي رئيس صيني أن يسير عكس ما تخطط له الصين منذ سنوات عديدة، وهو أن تصبح القوة الأولى في العالم، بواسطة استعمال القوة الناعمة، أهم مشروع اقتصادي في العالم حاليا هو مشروع طريق الحرير الجديد، الذي يمر في جزئه الشمالي في ست عشرة دولة من دول آسيا الوسطى وشرق أوروبا.
هذا المشروع توقف تماما مع الحرب، فأوكرانيا هي إحدى هذه الدول.
حرب بوتين المتهورة، ستلحق أيضا الضرر في المشروع الصيني الكبير لإعادة توحيد الصين، عن طريق ضم تايوان والسيطرة السياسية على هونغ كونغ.
فقد وحدت هذه الحرب، وما أعادت من ذكريات الحروب العظمى الأوروبية، السياسات والشعوب الغربية، التي كان تفرقها مصدر ثقة الصين بمشاريعها العملاقة خصوصاً بعد تجربة احتلال شبه جزيرة القرم دون رد فعل غربي وازن.
النظام الصيني رغم استبداده، إلا أنه عقلاني يخطط وينفذ، الوقائع على الأرض تعطيه المصداقية في ذلك، فقد استطاعت الصين إخراج مئات الملايين من الفقر المدقع، يوما بعد يوم يتمتع الشعب الصيني بمستوى دخل ورفاهية أكبر، بينما مع بوتين ونظامه فإننا نرى في روسيا عكس ذلك تماما.
من ينتظر أن تنقذ الصين روسيا هو خاطئ في رأيي، هي فقط تنتظر متى سيضع الدب الروسي ركبة على الأرض حتى تبدأ بأخذ نصيبها من الوليمة.
كاتب فلسطيني

د. نزار بدران