الجريمة ألتي قصمت ظهر البعير، القدس العربي 24 أكتوبر 2020. نزار بدران

الجريمة ألتي قصمت ظهر البعير

د. نزار بدران

مع مقتل المعلم الفرنسي صاموئيل باتي على يد إرهابي شيشاني وبطريقة بشعة تذكرنا بداعش ومن شابهها،. نجد من جديد من يبرر او يتفهم او يقسم المسؤولية بين الجاني والضحية. يذكرني ذلك بجرائم التحرش الجنسي  والذي تتحمل دائما الضحية مسؤولية ما حدث لها، لعدم احتشامها او إثارة شهوات القاتل.

عندما حرقت داعش الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة عام 2015 لم يحمل أحدا المسؤولية للطيار بل داعش لخروجها عن كل قوانين الأسر والانسانية.  عندما يقتل المستوطنون الاسرائيليون  بالقدس حرقا الطفل الشهيد محمد أبو خضير عام 2014 لن نقبل ان تجد الصحافة والقضاء الاسرائيلي اعذار مخففة للحكم.

جريمة القتل لا يجب ان تجد من يبحث عن مساواة الجاني بضحيته وإلا فنحن لسنا بحاجة لاي قانون ينظم المجتمع، بل قانون الغاب يكفي. هذا ما نراه ببلادنا بجرائم الشرف والتي تعفي وتطلق سراح القاتل، بعكس قوانين الدول الغربية والتي تحكم على جريمة الشرف بشكل أقوى بسبب وجود سلطة للقاتل على ضحيته.

ما أقول لا يعني أن لا نفهم أسباب وظروف الجريمة لنتمكن من أخذ الاجرائات اللازمة لمنع تكرارها، التمييز بين السبب والنتيجة مهم جدا لأن ما توجب عمله مرتبط بالاسباب، فالتحرش الجنسي سببه الكبت الجنسي وليس ما تلبسه الضحية، هذا يعني ان الاجراءات المتخذة يجب ان تكون موجه نحو حل أزمة الكبت والتعامل بين الجنسين, وهو ما يدفعنا إلى مساعدة الشباب كتخفيض نفقات الزواج ماديا، او مساعدة العائلة المكونة الجديدة، وليس اجرائات لفرض النقاب على النساء، او تخفيف الأحكام على الجناة وقبول جرائمهم.

بالعودة لمقتل الاستاذ الفرنسي ذبحا، فاتهامه بأنه السبب بذلك هو تجني عليه ، ما قام به هو جزء من أساليب التعليم الغربية والتي تفضل النقاش في الأشكاليات المطروحة داخل المدارس لإثارة النقاش بدل خلق الكره المتبادل ورفض الآخر، وليس الاستسلام والتراجع ، حرية التعبير هي أحد أسس المجتمع الغربي، وهي بفرنسا محدودة نسبيا عن طريق ربطها باحترام قيم العلمانية واسس الثورة الفرنسية، على خلاف أمريكا أو بريطانيا حيث لا توجد حدود تقريباً.

الإعلام الساخر هو تقليد ثوري قديم حين كانت الصحافة منذ قرون، ما بعد الثورة الفرنسية تتهكم دائما على رجال الدين المسيحيين وعلى الكنيسة وعلى الساسة، وهو ما أسس لثقافة النقد الساخر ذا الانتشار الواسع وبقبول كل الأطراف.

 الوجود الإسلامي بالمجتمع الغربي حديث النشأة نسبيا، بدأ مع النصف الثاني من القرن الماضي ، وأخذ منذ التسعينات بعدا جديدا قريباً لما حدث بدول المشرق والمغرب العربي من حيث الارتداد نحو التعصب الديني وظهور الاسلام السياسي،  المجتمع المسلم بفرنسا تأثر إذا بالتغيرات السياسية والاجتماعية بالدول  المصدرة للهجرة.

من ناحية أخرى ما نراه حالياً بالغرب ومنذ ظهور الحركات الاسلاميه المتطرفة مثل القاعدة أو داعش هو بالحقيقة امتداد لهذه الحركات وليس التطور الطبيعي للمكون المسلم، ولا رد فعل على ما يسمى تهميش جزء من المجتمع ذا الاصول المسلمة. دليل ذلك أن هذا التهميش كان أكثر وضوحا بالستينات والسبعينات حين كان هولاء العمال المهاجرون يسكنون مدن الصفيح. من ناحية أخرى فإن الأفراد المتورطين بالهجمات الإرهابية ينتمون بشكل عام لطبقة وسطى تعيش بظروف مادية حسنة ولا ينتمون حقيقة لطبقة الفقراء. ولكن يمكننا ملاحظة ان الذهاب إلى صيغة متشددة للاسلام بفرنسا والغرب بشكل عام هو إمتداد لما يحدث بدول المهاجرين الأصلية دافعا باتجاه الانعزالية والخصوصية والتي لا تتوافق مع ما يعتبره الناس هنا أسس مجتمعاتهم .مثال ذلك محاولة الفصل بين الذكور والاناث بالمدارس خصوصا بدروس الرياضة، رفض مشاركة البنات او حتى الأولاد بدروس تخص البيولوجية او التوعية الجنسية، التميز بالمظهر لاظهار الانتماء الديني، كل هذه الأشياء تطرح على الدولة إشكالية التعليم العلماني ومساواة الرجل بالمرأة وتوحيد المناهج التعليميه.

للأسف فإن تضخم التيار المحافظ الإسلامي أعطى للمتشددين والمتزمتين فرصة الوجود والتأثير بالشباب عن طريق ايجاد حاضنة إجتماعية تتقبل طروحاتهم وعائلات تربي ابنائها على رفض النموذج الذين يعيشون بداخله، مما يخلق نوع من إنفصام الذات وبلبلة فكرية تسيئ الى التطور الحر واكتساب وسائل الفكر المستقل.

  هذه الأعمال الإرهابية حتى ولو كانت فردية ستنعكس على المجتمع المسلم الغربي والمسلم الفرنسي بشكل خاص مهمشة المسلمين أكثر وأكثر، فهو الآن متهم بكونه أعطى الغطاء الذي منح المجرمين شرعية جرائمهم، هذا ما نسمعه الأن بوسائل الإعلام الغربية وما عبر عنه مئات آلاف المتظاهرين بعد الجريمة.

الخطاب الذي القاه الرئيس ماكرون قبل أسابيع قليلة حول الانفصالية التي يتهم بها المسلمين أخذت مع هذآ الحدث بعدها الحقيقي، هو بخطابه الداعي إلى إسلام تنويري يفتح المدارس للغة العربية والجامعات للدراسات الإسلامية تاريخا وحضارة، ودامجا الطلبة من أصول إسلامية مع الاخرين بدون تمييز وواعدا بفتح مجالات التكوين المهني والعمل لهم، مبعدا بذلك الاصوليين والمتشددين القابضين على أدمغة الشباب المسلم ، هذا الخطاب يعطينا طوق نجاة حتى لا نصبح الضحية النموذجيه لليمين المتطرف الذي ينتظر على الأبواب، وقد يصل السلطة بالانتخابات الرئاسية المقبلة، برنامجه السياسي لا يحتوي على أي بعد تنويري وانما فقط عنصري واقصائي، هذا الخطاب الذي يجد بما حدث وسيلة للتطور والسيطرة مستغلا غضب الناس وتزايد العداوة تجاه المسلمين.

التفاعل الإيجابي مع خطاب الرئيس ماكرون من المؤسسات الإسلامية وخصوصا أنها لم تندد بالخطاب بل دعمته في معظم ما جاء به، العمل الدؤوب لابعاد الاصوليين والقبول بدون تردد بالدفاع عن القيم المؤسسة للدولة الفرنسية، التضامن الواضح مع بقية الشعب الفرنسي المصدوم وإظهار ذلك بكافة الوسائل المتاحة واستنكار ما حدث بأعلى صوت وهذا ما بدأ،  المشاركة بالحملة الانتخابية القادمة تحضيرا وتصويتا قد يعيد المكون المسلم بفرنسا لمربع المواطنة المسالمة الفاعلة بنفسها وبمجتمعها وتراجع خطاب الكراهية بين الجانبين.  نرى العدد الكبير من الكفاءات بكل المجالات بين ابناء الجالية وهم يساهمون كاطباء ومهندسين وتقنيين وعمال وفي كل المجالات المنتجة. يستطيعون حقا لو استرجعوا حقهم بالفكر المستقل وممارسة دينهم إن أرادوا مثل الآخرين ( الهنود او الصينيين مثلا) بدون خلط الدين بالسياسة او القانون ان يصبحوا مصدر إلهام للمجتمع الفرنسي والغربي وحلقة وصل لبناء الجسور بين الشعوب بدل العيش بمتاهات إلاوهام.

كاتب ومحلل سياسي

الفصل التعسفي للتلاميذ الفلسطينيين في لبنان. القدس العربي 01 أكتوبر 2020. نزار بدران

قامت السلطات اللبنانية مؤخراً، ومع بداية العام الدراسي الجديد، كما ذكر بمصادر إعلامية وبمواقع التواصل الاجتماعي للمؤسسات المجتمع المدني، بفصل عدة آلاف من التلاميذ الفلسطينيين، المُسجلين في المدارس اللبنانية، وعدم قبول أي طالب فلسطيني جديد.
الأسباب الحقيقية لذلك لم تُعلن بشكل واضح، ولكن النتائج ستكون كارثية على هؤلاء التلاميذ وعلى عائلاتهم في زمن الكورونا، حيث يتوجب عليهم، الالتحاق في مدارس أخرى، وهي في معظم الأحيان، إن وُجدت، تبعد مسافات طويلة عن أماكن سكنهم، وتفرض على هؤلاء التلاميذ الصغار، أن يفترقوا عن مدارسهم، ورفاقهم، وأساتذتهم.

السياسة التمييزية

ما هو ظاهر للوهلة الأولى للعيان، أن هذه السياسة التمييزية، والتي تحمل شعار اللبناني أولاً، مع أن الفلسطينيين متواجدون هناك منذ أكثر من سبعين عاماً، تهدف إلى التجاوب مع زيادة عدد الطلبة اللبنانيين، بعد تدهور الوضع المالي، لعديد من أهالي التلاميذ اللبنانيين المسجلين في المدارس الخاصة، وهو ما دفعهم إلى البحث للالتحاق في المدارس اللبنانية المكتظة. طرد التلميذ الفلسطيني، كان إذاً الحل السهل لهذه الإشكالية.
ما يُظهر بشاعة هكذا قرار، هي تلك التفاصيل العنصرية التي يحتويها، فهو يقسم التلاميذ إلى ثلاثة أنواع، أولاً، اللبناني أباً، ثانياً، التلميذ الذي له أم لبنانية وأب فلسطيني، وأخيراً، التلميذ الفلسطيني أباً وأماً، وإعطاء الأولوية طبعاً، بناء على هذا التسلسل.

نظام طائفي

الآن لو وضعنا هذه السياسة الجديدة، بإطار السياسة الرسمية اللبنانية، منذ عشرات السنين، فإننا لن نستغرب من شيء، فالفلسطيني بلبنان، ضحية نظام طائفي، يُطبق عليه قوانين تمنعه من العمل، في المؤسسات اللبنانية بمجالات عديدة، مثل الطب والهندسة وعشرات المهن الأخرى، وحتى بالتملك والتوريث هو الضحية السهلة، والتي لا يدافع عنها أحد.
في هذه الفترة الصعبة على القضية الفلسطينية، حيث تم تقليص الخدمات المُقدمة من الأنوروا للاجئين الفلسطينيين، خصوصاً في المجال التعليمي، واكتظاظ المدارس التابعة لها، وعدم مقدرتها على تقديم الخدمات لكافة الطلبة، يُطرد التلميذ الفلسطيني من مدرسته، ويُترك على قارعة الطريق، وكأن حقوق الناس الإنسانية، لا تعني في شيء، السلطات اللبنانية، ولا حتى المؤسسات المهتمة في شؤون اللاجئين. فصل اللبناني عن الفلسطيني، حتى على مقاعد الدراسة، يحتوي على هدف سياسي، وهو إبعاد اللبناني عن التفاعل مع القضية الفلسطينية، وإعطاؤه الانطباع أن مآسيه، هي بسبب الوجود الفلسطيني، وليس من فشل الإدارة اللبنانية المزمن، بحل مشاكل لبنان.
الفكر الطائفي السائد، يفصل الفلسطيني عن اللبناني، بمجالات العمل والسكن والتعليم، ولا أستغرب أن هذا الفصل، قد يمتد أيضاً، داخل المكونات اللبنانية نفسها. نأمل من الحراك الديمقراطي اللبناني، الداعي إلى إلغاء الطائفية، أن ينتبه إلى خطورة تلك السياسة التعليمية المتبعة، والتي لا تهدف إلا إلى إحكام السيطرة، على التلاميذ اللبنانيين أنفسهم، وتثبيت البُعد الطائفي، وهو ما يتناقض تماماً مع أهداف هذا الحراك.
لا يمكن أن يكون طرد التلميذ الفلسطيني حلاً، لمشاكل نقص الأماكن في المدارس اللبنانية، فقطع اليد، لن يحل أبداً مرض أحد الأصابع.

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني مستقل

الربيع العربي والتغيير الديمقراطي المامول/ ديسمبر 2108

الربيع العربي والتغيير الديمقراطي المامول

د. نزار بدران / نشر بمدونة حقنا للمركز الاورومتوسطي لمراقبة حقوق الانسان. ديسمبر 2018
نحتفل هذه الايام بالذكرى الثامنة لانطلاق الربيع العربي بافراحه بنجاح التغيير الديمقراطي بتونس وباترائحه بالحرب الدائرة باقطار أخرى وقتل وتهجير وتجويع ملايين الناس لم يطالبو إلا بالحرية. عنف رد الأنظمة تجاوز بشكل غير معقول ولا مسبوق ما يمكن توقعه من اي نظام.

منذ ثمانية سنوات، ومع بدء الربيع العربي من تونس، دخل العالم العربي مرحلة رمادية، تُحدق بها الأخطار، تلك المرحلة التي تتبع مرحلة الظلام الدامس، قبل الوصول إلى وضح النهار. هذه الرمادية من ثورات وثورات مُضادة، وتدخلات أجنبية عديدة، تكاد لا تُحصى، هي سمة ثابتة لكل التغيرات الاجتماعية الجذرية.
كُثر هم إذاً من يحنون لمرحلة الظلام الدامس، لأنهم لا يرون نور النهار، بعد ولوج النفق الرمادي، بكل شروره وأشراره. هي بحق مرحلة خروج كل وُحوش الأرض، مر بها قبلنا شعوب أخرى من أوروبا، وخصوصاً الثورة الفرنسية وأمريكا اللاتينية، وحروب اليابان بشرق آسيا، والحرب الأهلية الأمريكية، وكُثر غيرها.
حَمَل الشباب العربي كثير من الأحلام، والتي في بعض الأحيان، تنتهي بالحسرة واليأس، فاتحة باب الهجرة للغرب على مخاطرها، ولكنهم كثيرون ممن زالوا يحملون حُلم التغيير، وبناء مستقبل لهم ولابنائهم بأوطانهم.
التغيرات الاجتماعية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، تُظهر تغير نوعي للبيئة الاجتماعية، فمثلاً انخفض بشكل كبير نسبة الإنجاب، لصالح الحد من عدد أفراد العائلة، سامحاً للمرأة مُغادرة البيت، والذهاب للدراسة الجامعية، ومُحاولة وُلوج سوق العمل. لم تعد المرأة قابعة ببيت الزوجية، فقط للإنجاب والمهام المنزلية، وهو ما غير تدريجياً، الصورة النمطية والحقوقية للعلاقة داخل العائلة.
انتشر التعليم وتطور نتيجة لذلك طبقة وُسطى أوسع، لها مطالب تتعلق بالتعبير والحريات العامة والتواصل، وهو ما لم يتحقق، في ظل الظروف السياسية لبلدانهم. تطور وسائل التواصل الاجتماعي، سمح لهذه الطبقة، بتجاوز الحواجز الحدودية والمعرفاتية، التي تُميز دولهم. لم تعد الأنظمة قادرة على منع الناس من النظر خلف الجدران، ورؤية ما يحدث من تطور في العالم، خصوصاً انتشار الديمقراطية بدول عديدة، كانت تُشبه الدول العربية بمرحلة ما، كما حدث بدول شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية أو جنوب شرق آسيا.
فشل النظام العربي الرسمي، بمتابعة تطورات العصر الجديد، أو حتى فهمه، وبقائه متقوقعاً داخل بُنية استبدادية، زاد من واقع التناقض، بين المجتمع المُتحرك المتطور والسلطة الجامدة. هذا الفشل للسلطة لا ينبُع فقط من عدم رغبة بالتغيير، والحفاظ على مصالح مادية وسُلطوية، ولكنه أيضاً نابع عن عدم كفاءة هذه السلطة بفهم ما يحدث، ومواجهة الأوضاع بحلول سياسة منطقية. نحن أمام نظام يُفضل أن يُحاط بأشخاص موالون، على أشخاص كفؤ، لدراسة الواقع وحل المشاكل، أظن مثلاً أن الصحفي جمال خاشقجي، كان أفضل الأشخاص القادرين على تقديم النصيحة للنظام، ليُعطي للسعودية حلولاً، أمام تناقض بُنيتها الاجتماعية والسياسية مع التطور العالمي.
غياب الحريات العامة، أو اعتماد القانون، أدى إلى تحول الاقتصاد، رغم الثروات الهائلة المُتواجدة داخل كثير من الأقطار العربية، إلى وسيلة للنهب العام، دون الالتفات إلى رفاهية المواطنين.
شباب الطبقة الوسطى الناشئة، يختلف عن جيل الآباء والأجداد، الذين كانوا يقبلون تقديم الولاء الدائم، مقابل الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية، فالتعلم ودخول الجامعة، بحاجة لواسطة، والحصول على علاج، يأتي بمنةٍ من السلطان، بدل أن يكون كل ذلك حقوقاً مكتسبة وطبيعية للناس.
هذه التناقضات، تزداد تعمقاً يوماً بعد يوم، فالعنف السلطوي وقمع الحريات، لن يؤدي إلى حل أي إشكالية مطروحة، لا أظن أننا الآن، بمرحلة التقدم نحو الأفضل، بل بمرحلة شحن أطراف التناقض، بانتظار الانفجار الأكبر، والذي بدأت معالمه تظهر منذ عام 2010.
لن نستطيع تفادي هذا الإنفجار، إلا إذا تمكنا من دفع النظام السياسي العربي، إلى تبني مبدأ أحقية الناس باختيار من يحكمهم، واعتماد الطرق الديمقراطية، بالتعامل السياسي والاجتماعي.
كذلك وجب أيضاً، للسير نحو السِلم الاجتماعي، تطوير المجتمع المدني، حتى نتمكن من سد فراغ السلطة اولاً، وثانياً الدفع نحو تغيير مفهوم السياسة وتكوين الأحزاب والنقابات والتجمعات. وحده المجتمع المدني، القوي الحر، من يستطيع السير نحو التغيير الديمقراطي، بدون المرور بالإديولوجيات السياسية المتطرفة والشحن الطائفي والعرقي. لذلك ولتفادي الإنهيار، تتسابق هذه الأنظمة بإسكات كل أشكال منظمات المجتمع المدني، عن طريق المنع بالقانون أو بالقوة، أو عن طريق إيجاد أشكال وهمية لهذه التنظيمات المدنية، هي بالحقيقة أبواق للسلطة، وليس مُلهم لها.
استمرار الشباب وأبناء وبنات الطبقة الوسطى الفاعلة، لتنظيم أنفسهم داخل اُطر تجمعات ومنظمات المجتمع المدني، سيكون أفضل الوسائل لتقليل كُلفة التغيير الديمقراطي المأمول بمجتمعاتنا، والتي بدون ذلك، ستكون باهظة جداً، إنسانياً ومادياً.

حقوق المرأة العربية في مرآة ربيع الشعوب

أثارت تصريحات الرئيس، الباجي قائد السبسي، بشأن حقوق المرأة التونسية بالمساواة بالإرث، وبحق الزواج بمن تشاء، وحتى من غير المسلم، ردود فعل عديدة في وسائل الإعلام المختلفة، كل أدلى بدلوه في شأن أولوية أحقية النص الديني أم العقل الإنساني بالإتـباع، وما إلـيه من نقـاش يدور في بلادنا، مـنذ أكـثر من 14 قرنـاً، ولم يُحسـم بعد.
ما يهُمني في هذا المقال هو العلاقة الجدلية القائمة والمفترضة، بين حقوق المرأة بشـكل عـام في بلادنا، وحقنا كأمة بالتحرر من التخـلف الفكري، والأنظمة الاستبدادية والإنغلاق الديني. ولا يخفى على أحد، أن الربيـع العـربي الذي بدأ في تونس بنهاية عام 2010، لم يكن يرفع أي شعار ديني، وإنما الانتمـاء إلى الحضارة الإنسانية، عن طـريق الحصــول على الديمقراطية كنظام حكم، وأولـوية الإنســان التونسي والعربي، بتقرير من يحـكمه وكــيف؟.
لم يكن هذا الحراك الشعبي، فقط رد فعل على موت البائع المتجول، أو مرتبطا بحدث مُحدد بزمنه، في بلاد الربيع العربي، بل كان تتويجاً لتطور اجتماعي عميق، بدأ منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وأدى إلى وجود طبقة مثقفة من الشباب، وحتى ولو كانت قليلة عددياً، لكنها لم تعد تقبل، مسلمات الماضي والتبعية للزعيم أو العادات والتقاليد والحكم العائلي والقبلي، بدأت المرأة في الانعتاق من الظلم الاجتماعي، رويداً رويداً، ودخلت المدارس ثم الجامعات، حتى أنها أصبحت تُشكل في كثير من الدول العربية، غالبية الطلبة في الكليات المختلفة. لم تعد تقبل أن تبقى قابعة في بيتها تنتظر الزوج، وتتأهب لإنجاب عشرة أولاد. (حيث مُعدل الإنجاب حالياً في الدول العربية، أصبح بالمستويات العالمية نفسها، إن لم يكن أقل من ذلك في أكثر من دولة).
هذه التحولات الاجتماعية، ترافقت مع ثورة العولمة والأنترنت، فاستطاعت هذه الطبقة الوسطى الصغيرة، أن تتصل بالعالم وتتعرف على ما يدور خارج أسوار أوطانها العالية، الفاقدة سابقا لأي نافذة لرؤية الآخرً. لم تعد تقبل الاستمرار كما فعل آباؤها وأجدادها، بالتسبيح بحمد الزعيم، وانتظار المعجزات الدينية وإنجازات الحزب الحاكم.
ووجه ذلك بسخط كبير وعنف أكبر، من قِبل الأنظمة المُستبدة على امتداد الوطن العربي، والذي أسال الدم في رابعة العدوية وحمص وحماة وحلب وعدن وصنعاء والمنامة وغيرها، ودمر مدناً بأكملها، فقد أظهر الحراك الشبابي حقيقة الأنظمة التي تحكمنا منذ عشرات السنين، وعدم أهليتها ولا بأي شكل من الأشكال، لحكم البلاد والعباد.
في تحالف موضوعي غير مباشر توغل الإسلامويون المتطرفون، بعد موجة إسلاموية تبعت الثورات العربية، بهدف طمس أي فكر حداثي، ومحاولة بائسة للأنظمة لإنهاء الربيع بإغراقه بالطائفية والصراعات العقيمة والفكر المُتخلف، وهو ما نجحت به نسبياً، لأنها استطاعت أن تُثبت نفسها وتستعيد زمام المُبادرة في كثير من الأماكن. لكن الربيع العربي ليس فقط حراكا جماهيريا يقتصر على المظاهرات السلمية، وإنما تطور عميق للبيئة الاجتماعية، يستطيع أن يُطل برأسه بأشكال أخرى، مثل الماء الجارف، لا يمكن لشيء وقفه، ولو تم تحويل اتجاهه لفترة من الزمن.
مُقترحات الرئيس السبسي في تونس، ولكن أيضاً تصويت البرلمان اللبناني، على إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات الذي يعفي المغتصب من العقوبة في حالة زواجه من الضحية؛ بعد ضغط شعبي مدني كبير، وما حدث في السياق نفسه في الأردن، وقبله في المغرب بشأن إعطاء الجنسية، يدل على أن مفهوم الحداثة والحق الإنساني والفردي، يبقى مطلب الطبقة الواعية التي قادت الربيع العربي، وليس طبعاً مطلب عُتاة قوى الإسلام السياسي بكل أطيافهم، المعروض علينا بديلاً للأنظمة.
لقد أثبتت المرأة الأردنية واللبنانية والمغربية والتونسية ونساء أُخريات كُثر، أنهن بحق معيار الحداثة والحقوق ورفع قيم الربيع العربي. لا يجب أن نرى ذلك كظاهرة مستقلة عن الأحداث الجارية منذ سبع سنوات، بل هو امتداد لها، نصف المجتمع المكون من النساء، أخذ وسيأخذ زمام المبادرة لإعادة الروح للفكر الثوري الحضاري، ودفع ظاهرة زحف الحداثة وعودة الارتباط، بين الأمة والحضارة الإنسانية، بما تعنيه من المساواة بين الناس، بغض النظر عن الجنس أو اللون أو اللغة أو العرق، كذلك أولوية الشعب بتقرير التشريعات التي تحكمه، عن طريق أنظمة ديمقراطية منتخبة، حيث يُشرع البرلمان قوانين تتوافق مع روح العصر وحاجات هذا الزمن، وعودة شيوخ الدين إلى المساجد وابتعادهم عن السياسة بشكل كاملً، وإن تدخلوا فهو فقط لتوفير الغطاء الشرعي عند الحاجة لتشريعات البرلمان وليس لمنعها، وبهذا المجال، أعطانا مُفتي الديار التونسية الشيخ عثمان بطيخ، والشيخ عبد الفتاح مورو، المرجعية الدينية لحزب النهضة ونائب الرئيس، المثال والنموذج الذي يجب أن يُحتذى، عندما دعموا بشكل واضح مقترحات الرئيس السبسي، والذي للأسف لم تُنتقد إلا من أحزاب اليسار، التي عودتنا منذ بداية الثورات على التبعية للأنظمة وتبرير سيطرة الجيش، كما هو الحال في كل من مصر وسوريا.
تحية إكبار لنساء تونس، ولكل نساء الوطن العربي، وقد رفعن بدورهن الراية عالياً لعودة الروح إلى المشروع الوطني.

طبيب عربي مقيم في فرنسا

قانون عمل الأطباء الفلسطينيين في لبنان لغز يبحث عن حل

25/2/2015

قانون عمل الأطباء الفلسطينيين في لبنان

لغز يبحث عن حل

نزار بدران

يُعاني الأطباء والكوادر الصحية في لبنان من نتائج قوانين أقرتها الدوله مند عشرات السنين والتي تحصر إمكانيات عملهم مع اللاجئين الفلسطينيين فقط. الطبيب أو الممرض الفلسطيني لا يستطيع أن يعمل بشكل قانوني في أي مستشفى أو أي عيادة طبية لبنانية، وهم في معظم الأحيان من مواليد لبنان ومقيمين به بشكل دائم. هذا الحصر لا يقتصر فقط على المهن الطبية بل يشمل أيضاً مجالات واسعة تُقدر بأكثر من ثمانين مجالاً مثل (الهندسة).

يجد الطبيب الفلسطيني المتخرج من الجامعات اللبنانية أو غيرها مجالاً واحداً للعمل وهو مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني أو مستوصفات وكالة الغوث لتشغيل اللاجئين. حتى المًتقاعد لا يستطيع العمل في أي جهاز طبي لبناني.

يُغض الطرف في بعض الأحيان عن عمل الكوادر الفلسطينية في مراكز الصحة (تحت اسم أطباء لبنانيين) عندما تشح الإمكانيات اللبنانية، ولكن بأجور منخفضة عن زملائهم، وبدون اعتراف قانوني ولا أي حقوق مرتبطة بالعمل كالحق في التغطية الصحية، التقاعد….الخ.

هذا الفصل بين الجهازين الطبي الفلسطيني واللبناني يعمل في اتجاه واحد وهو فقط منع الكوادر الفلسطينية بينما زملائنا اللبنانيين يستطيعوا أن يعملوا بدون حرج في المستشفيات التابعة للإدارة الفلسطينية أو منظمات الأمم المتحدة، وهو بالطبع ما يسعد المرضى والزملاء الفلسطينيين.

من ناحية أخرى عندما لا يجد المريض غايته في المستشفيات الفلسطينية يضطر للذهاب إلى المستشفيات اللبنانية بتغطية صحية ضعيفة مما يكلفه الكثير من الناحية المادية، والتي لا يتحملها معظم المرضى وجُلهم لاجئون.

نتيجة هذا الحصر على الأطباء والكوادر الصحية الفلسطينية، هو إفقار القطاع الصحي الفلسطيني الذي لا يستطيع أن يؤمن رواتب كافية ولائقة بالأطباء والممرضين، مؤدياً إلى تراجع عدد الطلبة الفلسطينيين المُختارين للتعليم الجامعي في المجالات الطبية (طب، مختبرات، تمريض، فني أشعه…الخ)، فهم يعلمون أنه لا يوجد عندهم أي مجال للعمل بعد التخرج في قطاع الصحة اللبناني عاماً كان أم خاصاً، وهذا ما يؤكده العاملون مع الطلبة في مكتب مساعدة الطالب الفلسطيني.

أدى هذا الإفقار إلى انخفاض مستوى الكفاءات الفلسطينية المتوفرة، وتراجع نوعية العلاج الطبي المُقدم للمرضى، وبالتالي توجههم للمستشفيات والعيادات اللبنانية ذات الكلفة العالية في أحيان عدة.

لا يفهم المراقب الهدف والمغزى من هذه القوانين التمييزية بين حقوق الأطباء حسب جنسياتهم في لبنان، فالطبيب أو الممرض الفلسطيني المولود في لبنان لا يطالب بالحصول على جنسية لبنانية، وإنما فقط أن يُساوى بالحقوق مع زميله اللبناني الذي هو يستطيع أن يعمل في أي قطاع صحي بما فيه الفلسطيني.

لا نفهم أيضاً الفائدة التي قد يحصل عليها اللبنانيون من هكذا سياسه، فكثير من الكوادر الصحية الفلسطينية مشهود لها بالكفاءة والمقدرة، ومن غير المنطقي أن يُحرم أبناء الشعب اللبناني الشقيق من كفائاتهم.

لو نظرنا إلى مستشفيات الدول الغربية لوجدنا بها مئات الأطباء الفلسطينيين واللبنانيين، بالإضافة إلى جنسيات أخرى، يعملون معاً لفائدة المجتمعات والمرضى الغربيون رغم توفر هذه الدول الغنية على كوادر محلية (إنجليزية، فرنسية…الخ)، حيث يُنظر إلى الأطباء الأجانب في هذه الدول كأيدي جديدة تعمل وتداوي وتُنتج وليس فقط أفواهاً تأكل.

هذه القوانين تتناقض مع عولمة العمل كما رأينا، وتتناقض أيضاً مع القوانين الدولية الحافظة لحقوق العمالة الأجنبية، وحقوق الإنسان التي وقعت عليها الحكومة اللبنانية.

ما يؤسفنا أننا لا نرى ولا نسمع تقريباً أي صوت يُطالب بتغيير ذلك، وهذا يدل على ضعف المجتمع المدني الفلسطيني واللبناني، الذي يجر بأحزابه السياسية إلى مستنقع الطائفية ضد مصلحة المريض الفلسطيني واللبناني على السواء.

أرى أنه من الضروري أن تصحو المؤسسات والجمعيات ذات الطابع الحقوقي والإنساني في لبنان لترفع صوتها ولو قليلاً، لمحاولة إظهار أن أبناء الوطن الواحد واللغة الواحدة هم في نفس خندق الدفاع عن الحقوق، بما فيها حقوق المريض، خصوصاً في هذا الزمن الذي يترعرع فيه كل دعاة التطرف والتعصب في منطقتنا، ليكن الدفاع عن حقوق الطبيب  والكادر الفلسطيني في لبنان تذكيراً للذين يحكموننا أن العدل هو أساس الحكم.

د. نزار بدران

طبيب عربي مقيم في فرنسا

25/2/2015

 

لمن الأولوية للحقوق الوطنية أم للحقوق المدنية؟

 

لمن الأولوية للحقوق الوطنية أم للحقوق المدنية؟

د. نزار بدران

عندما يصل الفلسطيني حامل الجنسية الغربية إلى فلسطين المُحتلة، يُطلب منه تفسير سبب قدومه، وضرورة تركه لإسرائيل في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر. أما الفلسطيني حامل وثيقة السفر، لا يحق له أصلاً الوصول إلى هذه الحدود، أو طلب أي شيء.

عندما يصل الفرنسي اليهودي فلسطين المحتلة، يُمنح “الحق الإلهي” بالبقاء كامل عمره.

عندما يطلب اللاجئ الفلسطيني المُهجر من اليرموك، العودة إلى وطنه، يُطلب منه الذهاب للبحر، للموت غرقاً، إن لم يمت قصفاً وجوعاً، ووطنه على مرمى حجر.

عندما يُطالب اللاجئ الفلسطيني المُهجر من لبنان، بالعمل أو التملك، وهو المولود بمخيمات الشتات، يُعلن الكثير من اللبنانيبن، أنهم خائفون من التوطين، وعلى مستقبل القضية الفلسطينية، وعليه أن يعود إلى وطنه، وفي انتظار ذلك، يُحرم من كافة حقوقه المدنية حماية لحقوقه الوطنية، وهذا منطق عجيب.

عندما تختلف دولتان عربيتان، يُطلب من الفلسطيني أن يُغادر فوراً أراضيهما، كما حصل في الكويت والعراق، وعندما يريد المصريون الحصول على وُد إسرائيل، يتبرعون بحصار غزة وخنقها، كذلك الأمر عندما تتحسن العلاقات التركية الإسرائيلية، يُطلب من الفلسطيني مباركة هذا التقارب ودعمه، والفلسطيني هو العربي الوحيد الذي يحتاج إلى تأشيرة دخول عند ذهابه إلى تركيا.

عندما تصول وتجول الجيوش الإيرانية بسوريا، يُطلب من الفلسطيني أن يُبرر ذلك، وإلا يخسر أي دعم من محور المقاومة والممانعة، مع أنها تقصف مخيماته وتشرده من جديد.

الكل يضطهد الفلسطيني، تحت شعار حب فلسطين والدفاع عنها، وبنفس الوقت يطلب الغطاء الشرعي لعمله، عن طريق رضاء الفلسطيني عنه.

لائحة حقوق الإنسان للعام 1948، الصادرة عن الأمم المتحدة، تنص على حق كل إنسان بالعودة إلى وطنه والعيش بحرية واحترام حقوقه، هذه الشعارات ليست قابلة للنقاش والمتاجرة، لذلك وجب وضعها كأولوية مطلقة، فانتهاكها هو انتهاك للمواثيق الدولية، والتنازل عنها، غير مقبول، ويتناقض أيضاً مع تلك المواثيق. هذه ليست مطالب وإنما حقوق واجبة.

يجب على حقوقيينا وأحزابنا وساستنا، أن يتعاملوا معها كما هي بالقانون الدولي، وليس كمادة للنقاش والأخذ والعطاء، كما نرى هذه الأيام، إزاء مشاريع حل القضية الفلسطينية، على حساب اللاجئ الفلسطيني، المهجر المظلوم والمحروم، من أقل حقوقه المدنية، لصالح النقاء العرقي لإسرائيل أو الطائفي للبنان أو التعصب والعنصرية في بعض البلدان، وهي سياسات مُحرمة دولياً، وغير قابلة للدفاع عنها.

إنه لمن غير المقبول أن يتنازل عن حقه كإنسان، بحجة الحصول على دولة أو كيان سياسي، فنحن نرى دولاً وكيانات ذات عواصم، يُدمر بها الإنسان ويُقصف ويُقتل ويُحرم من حقوقه، كما هو الحال في العديد من الدول العربية والإسلامية.

متى سيعرف الناس، أن الحصول على حقوقهم المدنية كبشر، والمؤكدة بالمواثيق الدولية ولائحة حقوق الإنسان، والتي وقعت عليها كل الدول، بما فيها لبنان وإسرائيل، هي بداية لتحرير الوطن، وليس نهاية له. فالوطن لا يُحرر بحرمان المواطن، ولا يُبنى على نهب حقوقه بالعيش الكريم، والصحة والتعلم والسفر والذهاب والإياب، ولن نحرر وطناً بجيش من العبيد.

الدفاع عن الإنسان، الكامن في كل فلسطيني وعربي، وحقوق الفرد الأساسية، يجب أن يكون أساس أي عمل سياسي أو اجتماعي، ولا يمكن بناء سياسات وأحزاب بدون هذا الأساس المُؤسس لكل شيء. لا تُبنى الحضارة إلا على القيم، واساس الحكم هو العدل، ولا يمكن بناء الحق على الظلم، وكما قال ابن رشد، أكبر فلاسفة المسلمين (الحق واحد لا يتجزأ).

 

الإرهاب في إيران كسلطة مطلقة

 

الإرهاب في إيران كسلطة مطلقة

نزار بدران

قامت السلطات الإيرانية، بحسب تصريحات رسمية، لنائبة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة والعائلة، السيدة شهيندخت مولاوردي، بإعدام كل الرجال في قرية سكانها من أصول بلوشية، وذلك بتهمة المُتاجرة بالمخدرات. هذه المناطق الفقيرة المُهمشة، التي لا يجد أهلها ما يعينهم على العيش، في أغلب الأحيان، إلا تجارة المخدرات، كما يحدث ذلك في كثير من الدول، من آسيا وأمريكا اللاتينية، وشمال أفريقيا واليمن وحتى سيناء وغيرها. فهل قتل الناس، بدون تمييز ومحاكمات صورية، وترك الأطفال أيتاما، والنساء أراملا، هو ما يحل مشكلة الفقر وتجارة المخدرات؟.

قتل المواطنين بالجملة، هو في الحقيقة، العقاب الوحيد الموجود في دساتير دول الإرهاب، كما هو موجود في المجموعات الإرهابية، مثل “داعش”، فهي لا تُعرف المواطن، إلا كعبد للسلطة، يُؤمر ويُنِفذ، وإلا فعقوبته الإعدام. الاحتجاج على السلطة، أو طلب الإصلاح، جريمة يُعاقب عليها داخل إيران، بالإعدام، ويُعلق الناس على أعمدة الكهرباء والرافعات.

الدول الفاقدة الإنسانية، هي التي تستمد سلطاتها ونفوذها وقوتها، وما تتصوره شرعيتها، من مصادر غير الشعب، فهي إما من عند الله مباشرة، ككثير من الملوك ومُدعي الإمامة والخلافة، أو من قوة الجيش والعسكر، والمليشيات المُسلحة، والأمثلة في بلادنا كثيرة.

النموذج الإيراني للتعامل مع مطالب الناس، ينطبق على النموذج السوري والمصري وغيرهم كُثر. الشعب يُعتبر في هذه الدول، العائق الرئيس أمام السلطة، لأنه بمطالبه يفضح، عمليات النهب الجارية لثروات الوطن أو لجهد الفقراء. لا وجود للقانون فيها، إلا لحماية السلطة من الشعب، المواطن يُعتبر مُتملقاً إن سكت، ومُزعجاً للأمن العام إن احتج أو طالب بحق من حقوقه.

في هذه الدول، كلما تعددت مصادر ثرواتها، وزاد دخلها، كلما زاد حِنق السلطة على الناس، الذين يُطالبون بحصتهم من الثروة، وهذا ما سنراه برأيي قريباً في إيران، بعد رفع العقوبات، فمن يتصور أن هذا سيصب في مصلحة الشعب الإيراني مُخطىء، لأن سلطة آيات الله قد تشتري جزئياً السلم الاجتماعي، ببعض الدعم لهذا القطاع أو ذاك، لكن مُعظم الثروة والأموال المُستعادة، ستذهب لتمويل حروب لا طائل منها، وحرس ثوري، يزداد شراسة لقمع الناس. أما الإصلاحيون الإيرانيون، فهم الأبناء الشرعيون للمحافظين المستبدين، ولن يُسمح لهم، بالتحرك والمناورة إلا بمقدار ما سيُجملون الوجه القبيح لهؤلاء المحافظين.

وحده حراك الشعب الإيراني، للمطالبة بديمقراطية حقيقية، ودولة منفتحة، على كل مكونات المجتمع، الديني والعرقي والفكري، في اُطار احترام قواعد الحضارة العالمية، وحقوق الإنسان، والقيم المُتفق عليها، هي القادرة على إعادة إيران، إلى مصاف الدول الحامية لأبنائها، والسائرة في طريق النمو الاقتصادي والرخاء، وما ذلك على الشعب الإيراني العريق بعسير، بعدما رأينا الحراك الأخضر لعام 2009، وما سُكوته طوال هذه السنوات، إلا تحت تهديد الإرهاب السلطوي، مُتذرعاً بالحصار ألاقتصادي لتبرير فساده وإفقار الأمة، ودخوله ودعمه لحروب خارجية.

هذا العذر لم يعد موجوداً الآن، وأصبحت الطريق مفتوحة، لتطور حراك جماهيري ديمقراطي، لإخراج إيران من أزماتها، وفتح الطريق لحلحلة أزمات أخرى بمنطقة الشرق الأوسط، إيران طرف فيها.

اٌلإرهاب في إيران كسلطة مطلقة DOWNLOAD LINK

Passage sur Radio Orient à propos de la situation sanitaire en Palestine

A l’occasion de la première journée médicale franco-palestinienne, le professeur Oberlin et moi étions invités pour éclaircir la situation médicale en Palestine et les difficultés dues à l’occupation.
Ecoutez sur :

http://www.radioorient.com/live/?tab=podcast&id=26509

professeur-c-oberlin-d-n-badran-et-damia-benchabane-la-situation-sanitaire-en-palestine

Rencontre télévisée sur la situation sanitaire en Palestine

Les difficultés de développement de la santé en Palestine sont principalement liées à l’occupation israélienne, notamment à cause du blocus de Gaza et des entraves au mouvement des populations en Cis-Jordanie. Cette émission télévisée, à l’occasion de la première journée médicale franco-palestinienne, met en évidence ces difficultés. Le professeur Oberlin évoque son expérience très importante en Palestine et en témoigne.

المجتمع المدني بين الألم والأمل

المجتمع المدني بين الألم والأمل

نزار بدران

يقوم الناس بتنظيم أمور حياتهم اليومية عبر ما يسمى عادة بمنظومة المجتمع المدني، أي الهيئات، الجمعيات، النقابات، الاتحادات المهنية وغيرها، والتي هي بالضرورة مستقلة عن المجتمع السياسي، أحزابا ودولة وسلطة قائمة.

المجتمع المدني هو مجموع ملايين البشر أفراداً ومنظمات مقابل المجتمع السياسي المُشكل من السلطة والأحزاب.

باعتقادي هناك ثلاثة نماذج من المجتمعات المدنية: النمودج الأول يتجسّد في الدول الديمقراطية وفيه تُحَدد السلطة والأحزاب سياستها بناءً على متطلبات وتوجهات المجتمع المدني وذلك لأن هذا المجتمع السياسي مؤهل لاستلام السلطة وقياداتها وهو لا يُمثل أكثر من 1-2 % من مجموع السكان ( مثلاً لا يتعدى عدد أعضاء الحزب الاشتراكي في فرنسا، وهو الحزب الذي يتولى السلطة، أكثر من مئة ألف عضو في أحسن الأحوال). هذه الأحزاب لها آذان كبيره مفتوحة دائما وموجهة نحو المجتمع فهي تحاول فهمه واستباق رغباته، هدفها أن تحصل على رضاه وأصواته الانتخابية ، وبدون هذه العلاقة الجدلية بين المجتمع السياسي قليل العدد والمجتمع المدني متناهي الكبر لا يمكن وجود حضارة، أي مجتمع منظم متوازن القوى، يحل مشاكله بالقانون والدستور المُتفق عليه من الجميع.

أما النمودج الثاني فهو المُغيّب لهذه الجدلية والذي ينزع إلى الدكتاتورية والاستبداد.

المجتمع السياسي في هذه الحالة وحزبه المُتولي للسلطة، أطرش، يصمّ تماماً آذانه عن سماع  المجتمع المدني. هذا الانفصال بين القلة في السلطة والأغلبية بالمجتمع المدني يؤدي في النهاية لفقدان المجتمع السياسي بكل أشكاله سلطة أو معارضه; بوصلة العمل المُتحضر ويتحول المجتمع المدني في هذه الدول الاستبدادية إلى قطيع ضريبي أي مصدر رزق للسلطة، حياته تقتصر على دور المنهوب مقابل السلطة التي تلعب دور الناهب، بطرق مباشره عبر فرض  الضرائب أو غير مباشر بعدم وجود قوانين نافذة  تحمي حقوق العامل والمواطن. في النظام الديمقراطي السلطة في خدمة المجتمع، أما  في النظام الثاني فالمجتمع في خدمة السلطة.

النمودج الأخير مُرتبط بتوفر الخيرات المعدنية والطبيعية في كثير من الدول الاستبدادية كالنفط وغيره، وهو الذي أدى إلى خلق هذا النوع الثالث من المجتمعات، حيث فيه السلطة ناهبة لهذه الثروات الطبيعية، وبهذه المعادلة يكون وجود المجتمع المدني بملايينه العديدة ليس ذا فائده ويصبح بحق عبئاً عليها. ولكنها مُضطرة للحفاظ على السلم المدني قدر الإمكان بأن تُعطي جزءا من هذه الثروات له. يذهب أصلاً كدعم نقدي وليس للإستثمار وبناء وتطوير البنية التحتيه . اعتماد بعض الدول على الثروة النفطية بشكل هائل مثل الجزائر والذي تُشكل ما يقارب 98 % من الدخل القومي، هذا يعني بأن عمل المجتمع المدني لا يتعدى 2 % فقط من هذا الدخل. تُشكل بعض الدول الخليجية الصغيرة بعدد السكان، استثناءً لما ورد، ولكن لا يمكن القياس عليها بسبب حجمها السكاني القليل واستخدامها الكثيف لليد العامله الأجنبية والتي قد يتجاوز عددها عدد  السكان الأصليين اللذين يقومون بدور الضحية.

في هذا النموذج تصبح الثروة الوطنية نكبة للشعب، ومصدر للحروب التي لا تنتهي والسرقة الدائمة فيما هو يبقى فريسة الفقر والمرض،  ومثال ذلك ما يحدث في الكونجو بإفريقيا بلد الذهب والألماس أو العراق بلد النفط منذ عشرات السنين أو نموذج جنوب السودان وتشاد حديثاً، السلطة المستبده بكل أشكالها ليست بحاجة إلى رعاية قطيع ضريبي حتى يستمر بالعمل ولعب دور المنهوب.  وقد أظهرت الدراسات المتعلقة بتنمية القارة الأفريقية أن خارطة الثروات الطبيعية تتقاطع مع خارطة الحروب )الكونجو ، جنوب السودان وأنغولا( وأن أكثر الدول نمواً وسلاماً هي التي تفتقر للثروات الطبيعيه ( السنغال..).

هذه الثروة  النفطية ذاتها  في إطار المجتمع الديمقراطي (النموذج الأول) هي إغناء له، فالنرويج مثلاً البلد النفطي الأوروبي المهم الذي استطاع أن يحتل المرتبة الأولى حسب المعايير الدولية في مجال التنمية الإنسانيه والديمقراطية ومجال الأكثر سلميةً وأماناً بالعالم. تم اكتشاف النفط في هذه الدولة في أواسط الستينيات واستُعمل على مدى خمسة وعشرين عاماً في بناء الدولة والمجتمع لتصل إلى ما وصلت إليه، بعد ذلك، وفي عام  الف وتسعمئة وتسعين قرر النرويجيون وضع الموارد النفطيه  كافة في حساب خاص خارج وطنهم لا يتم استعماله ويُسمى حساب الأجيال القادمة. يهدف إلى وضع ريع احتياطي لما بعد انتهاء الثروة النفطية. يُقدر هذا الحساب في كانون الثاني من العام  الفين واربعة عشر  بستمئة وسبعة مليار يورو أي ما يُعادل مليون كرون أو 120000 يورو لكل مواطن، وعليه فكل نرويجي هو الآن مليونير بالعملة المحلية. يستمر النرويجيون في العمل وصيد السمك والتصنيع مما يُغنيهم عن البترول، ولا يتم استثمار ريع النفط في صناعة الأسلحة ولا السجائر. ويُستثمر فقط من طرف الشركات المسؤوله الصديقة للبيئة والبعيده عن السرقة (بمفهوم المال الحلال عند المسلمين).

هذا هو الحكم الرشيد الذي كان يجب أن يحدث في الدول ذات الثروات الطبيعية كافة، هذا فعلا رمز وعي المجتمع المدني النرويجي الذي أفرز أحزابه الديمقراطيه والذي حدد لها مسارها وسياساتها، فأين مجتمعاتنا من ذلك.

الغنى والفقر ليس نتاج فعل الطبيعة وثرواتها وإنما هو نتاج حيوية المجتمع المدني ومقدرته على فرز ومراقبة مجتمع سياسي يأتمر بأمره. الأصل بالأمم في هذا الزمن هو الشعب. هو مصدر السلطة ومصدر القانون.

المجتمعات المدنية الأوروبية بُنيت وترعرعت بعد قرون من النضال واستطاعت أن تفرض مجتمعا سياسيا مُكملا لها. استطاعت فرنسا وألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أن تبنيا معاً نواة التعاون بينهما في مجال الحديد والفحم لبناء ما دمرته الحرب بعد أن تخلصتا من وضع سياسي فاشي ونازي، كان متناقضاً تماماً مع مفهوم ومطالب المجتمعات في دولها.

بدأ البنيان الأوروبي الحديث فوراً بعد الحرب عن طريق فتح الحدود أمام حركة الطاقة (الفحم) ومواد البناء الأساسية ( الحديد) وكأن هاتين الدولتين لم تخوضا حرباً ضروسا  بينهما مُخلفة ملايين القتلى. أولوية التعاون بعد الحرب غلبت على أولوية الانتقام والمصالح الحزبية وهذا ما سمح ببناء أوروبا الحديثة، والتي تعرف منذ أكثر من ستين عاماً سلاماً بين دولها المشاركة لم تعرفه منطقة اخرى في العالم.

كما نرى فإن تقارب المصالح من فتح الحدود وبناء الجسور بين الشعوب، هو الذي يقود إلى الرخاء والاستقرار وإنهاء الحروب.

المجتمع الأوروبي قوي جداً، تُعبر عنه الاتحادات والنقابات وكذلك الجمعيات المختلفة في أمور شتى، والتي لا تترك صغيره ولا كبيره إلا وأبدت رأيها فيها، وتحركت ضدها حين الضرورة، يكون ذلك من خلال الانتخابات أو المظاهرات والاعتصامات. السلطة والأحزاب في أوروبا لا تستطيع أن تستعمل اللعبة الديمقراطية لتمرير ما لا يريده الناس أو ما يعتبرونه متناقضا مع مصالحهم وقيمهم.

لقد صوت البرلمان الفرنسي في سنة 1984 على مشروع قرار تطوير وإعانة المدارس الخاصة الدينية، وهو ما أدى إلى خروج الملايين الذين اعتبروا ذلك انتقاصاً للعلمانية وفصل الدولة عن الدين مما اضطر الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتيران وحكومته إلى التراجع عن هذا القانون رغم أنه كان مُقراً من قبل البرلمان. حدث ذلك أيضاً في 2006 عندما اضطرت الحكومة الفرنسية لسحب قانون العمل الذي عرضه دومينيك دوفيلبان، رئيس الوزراء، على البرلمان تحت ضغط المتظاهرين. أيضاً في سويسرا يصوت السكان مرات عدة  في السنة على القوانين كافة وهو ما يعتبر فعلا ديمقراطية مباشرة.

هذه نماذج تُعبر عن قوة المجتمع المدني المنظم في الدول الديمقراطية. النظام الديمقراطي يسمح بكل تأكيد بوجود هذه المعادله المتوازنه ويعطي للوسط السياسي حق التعبير عن مصلحة الناس وحق قيادة الدوله بناءً على فهمه لحاجات مجتمع مدني واع وقوي ومراقب لتصرفات السياسيين، وليس فقط مجموعة من الناس تذهب كل أربع أو خمس سنوات للتصويت لانتخاب ممثليها ثم تعود إلى سُباتها.

في وطننا العربي لا يوجد عملياً تعبير حقيقي على المجتمع المدني، النظام السلطوي الاستبدادي هو نتاج ذلك وليس سببه، وكما قال الرسول الكريم ” كما تكونوا يُولى عليكم”، فمن يقبل الانتقاص من حريته يتحمل مسؤولية ما يحدث له. في بلادنا ذات التاريخ المجيد نجد شبه انعدام للمجتمع المدني بمفهومه المنظم (النقابات، الاتحادات الحرة المستقلة …الخ) وانفراداً للأحزاب بالسطو على مقدرات الأمه، وهنا نحن لن نفرق بين الأحزاب والقوى المتواجده بالسلطة أو تلك الموجوده خارجها وحتى عندما تكون بالمعتقلات. في بلادنا إن استولت قوة معارضه على السلطه فهي لتستبدل سلطه انفرادية بسلطه أخرى  مشابهة  دون الالتفات للمجتمع المدني.

نرى هنا أن انعدام المجتمع المدني المنظم لا يستطيع أن يُفرز إلا أنظمة استبدادية.

انظر إلى الأنظمة العربية في دولنا منذ الخمسينيات ترى أن كل التغيرات السياسية بالسلطه كانت سلطوية، ولم يكن هناك أي نظام ديمقراطي على مدى أكثر من 60 عاماً. نؤكد هنا من جديد أن السبب الأساسي في ذلك هو انعدام الرقابة الشعبية على الأحزاب عن طريق الانتخابات مثلاً، وانعدام مفهوم تطوير المجتمع المدني، لدى هذه الأحزاب وانفرادها وترفعها على الاستماع للجمهور، وهذا ما قد نسميه بالطرش السياسي للأحزاب والذي قد نضيفه إلى عمى المجتمع المدني، أي عدم وجود مجتمع مدني منظم.

حتى نتمكن من تغييير شيء في واقعنا، أرى أن علينا أولاً نحن المواطنين العاديين، المهنيين، و المثقفين… كتاباً وصحفيين ومفكرين، أن نبدأ في وضع أسس لمجتمع مدني عربي قوي كأولوية وقبل أي شيء، وستكون السياسه والأحزاب بعد ذلك تحصيل حاصل. يتوجب لذلك الابتعاد عن الشعارات الحزبية والاقتراب من الشعارات الاجتماعية، كمثال واضح على ذلك هو الثورة التونسيه في كانون ثاني 2010، والتي بدأت ربيع المجتمعات المدنية العربية. لم يرفع التونسيون شعارات العداء للإمبرياليه والاستعمار كقوى السلطة والمعارضه منذ عشرات السنين، وإنما طالبوا بالعدالة الاجتماعية وكرامة المواطن. لم نر في هذه المظاهرات حرقا لأعلام فرنسا المُستعمر السابق أو أميركا امبراطورية العصر وداعمة إسرائيل، هذه حقاً هي روح المجتمع المدني، تبقى تونس لنا مدرسة مند البداية وحتى الآن، حيث تراجعت الأحزاب (مثلاً حزب النهضه) أمام مطلب الناس بقانون مدني اجتماعي، وأفرز الحراك التونسي عن وجه جديد فيه الأولوية للمواطن وحقوقه وخصوصاً حقه في تحديد سياسة الدوله وأيضاً مراقبتها بكل الوسائل، بما فيها التجمعات، الاعتصامات والمظاهرات.

في الدول الديمقراطية تُقابل مطالب المجتمع المدني دائما من السلطه بالنقاش والأخد والرد. وتُحل المشاكل المطروحه بناءاً على مطالب الناس. في دولنا لسوء حظنا قوبلت مطالب المتظاهرين في دول الربيع العربي بالقنابل والرصاص والبراميل المتفجره، هذا العنف المُفرط أمام مطالب الكرامة والحرية من مجتمع يدل على مدى مصداقية هذه المطالب وحاجتنا لها.

قتل الآلاف وتشريد الملايين هو جواب السلطه الطرشاء على حراك المجتمع بعد أن رفع عن عينيه الغشاوة وبدأ بالنظر باتجاه آخر غير اتجاه ما تريده السلطة الناهبه أو الأحزاب له من شعارات فضفاضه لتحييده عن الحراك لاستعادة دوره الطبيعي كأساس تُبنى له وعليه ومن أجله كل الشعارات.

 

 

باريس 28/1/2015