مبادرة لتجميل وجه بوتين

08/11/2016

نشر بدنيا الوطن 

مبادرة لتجميل وجه بوتين

د. نزار بدران

تقوم السلطات الفلسطينية حالياً، باتصالات مع الإدارة الروسية، بشأن مبادرة جديدة، أطلقها فلاديمير بوتين قبل أشهر، بهدف إعادة المباحثات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومن المحتمل أن يقوم رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، بزيارة المنطقة في هذا الإطار قريباً، بحسب الإعلام الروسي. وبحسب بعض المحللين، فإن الهدف الأساسي للمبادرة، هو إفشال الجهود الفرنسية لعقد مؤتمر دولي بباريس، كانت قد رفضته إسرائيل.

نحن طبعاً لسنا ضد المبادرات الدولية، الهادفة للتوصل إلى تسوية للصراع، ولو كنا ندرك بأنها بشكل عام، ومنذ عشرات السنين، لم تفض إلى أي نتيجة تُذكر، ولكننا نستغرب أن نتوجه لروسيا الآن، وهي التي تقصف شعباً عربياً شقيقاً، وتدمر مستشفياته وتهدم منازل المواطنين السوريين على رؤوسهم، هذا الشعب الذي كان دعماً وسنداً لنا، فهو جزء منا ونحن جزء منه.

نستغرب أن نطلب من الرئيس بوتين، الذي يرفض فكرة الحرية والانعتاق للشعب السوري، أن يعمل شيئاً ليعطينا هذه الحرية. نستغرب أن نطلب ممن يمنع الحرية عن شعبه نفسه، ويضع معارضيه في السجون، إن لم يقتلهم، أن يعمل شيئاً للشعب الفلسطيني.

يجب أن نُذكر القيادة الفلسطينية، بأن التحالف الروسي الإسرائيلي، القائم تجاه الحرب السورية، والتقارب بين البلدين، واضح للقاصي والداني، ولم تكتف روسيا بدعم إسرائيل عسكرياً، حين أُنشئت عام 1948، بل زودتها بأكثر من مليون مواطن، سرقوا أرضنا، ويعملون حالياً، كلوبي صهيوني، للتأثير في السياسة الروسية وليس العكس.

في الوقت الذي ترتفع فيه أصوات الكثير من الناس والدول والمنظمات الحقوقية، للتنديد بالهجمات الروسية الإرهابية، ضد أبناء شعبنا السوري، فإنه ليس من اللائق للفلسطينيين، أن يتوددوا ويتقربوا من هذا الطرف، الذي لم نعرف منه، إلا التدمير والإجرام.

مجلس حقوق الإنسان نفسه، أخرج روسيا من عضويته، بسبب جرائمها الحالية في سوريا، فكيف نقبل على أنفسنا، أن نقوم بإعطاء بوتين شهادة حسن سلوك، في نفس الوقت الذي تدك فيه طائراته، مخيمات أبناء الشعب الفلسطيني في سوريا، كباقي السوريين. مستقبل الشعب الفلسطيني هو مع الشعب السوري، وليس مع الحكم الروسي، فلا يجوز لنا أن نسجل على أنفسنا، ولو مرة واحدة، أننا لسنا والشعب السوري في خندق واحد.

نأمل من القيادة الفلسطينية، أن تكون أكثر قرباً من جماهير الأمة، وتطلعات شعوبها، كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني، الذي لا ولن يرى بعين السرور زيارات قادة عرب إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، في الوقت  الذي ينتهك هذا الكيان، حقوقه بالعيش في وطنه بكرامة وحرية، فكيف سيرانا الشعب السوري، ونحن نتعامل ونستقبل من يقتلونه يومياً؟.

 

نحو ويستفاليا عربية

 

 نحو ويستفاليا عربية/ القدس العربي

د. مدى الفاتح

Nov 02, 2016

لا شك أن اليوم الذي تم فيه إقرار مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول كان مميزاً بالنسبة لتاريخ العلاقات الدولية، فقد كان يهدف لإنهاء تلك الحالة من الفوضى وتلك الحروب المستعرة التي لا تعرف حدوداً ولا تراعي حقوقاً للجار، بل تؤمن بالتمدد المستمر على حساب كل منطقة ضعيفة أو هشة بذريعة حماية المصالح أو الأقليات الدينية، أو لأي من الأسباب التي قد تكون أحياناً تافهة.
مفهوم «عدم التدخل» هو مفهوم حديث نسبياً فهو يرتبط بوجود دول ذات حدود معلنة، وهذه النقطة الأخيرة لم تتوفر إلا في القرون الأخيرة، أما قبل ذلك فلم تكن هنالك حدود بالمعنى الحديث وكانت الدول تقف عندما تعجز عن ضم المزيد وتتناقص مساحاتها تبعاً لضعفها وتآكلها.
ويستفاليا هي الاتفاقية التي أنهت إحدى أشرس الحروب الدينية في أوروبا، ونعني بذلك الحرب التي وقعت في القرن السابع عشر (1618-1648) والتي حصدت ملايين الضحايا. في الواقع فإن تلك الحرب لم تكن سوى امتداد لحروب طويلة بين الطوائف المسيحية المختلفة، التي حرص فيها كل طرف على إجبار الآخرين على اتباع طريقه.
كانت الاتفاقية التي جاءت بعد سلسلة طويلة من المشاورات إنجازاً تاريخياً مهماً، بتركيزها على ثلاثة مبادئ هي أولاً: إقرار الفصل بين السياسة الداخلية والخارجية، الأمر الذي لا يتأتى إلا بالتشديد على عدم التدخل في شؤون الغير، خاصة الشؤون الدينية، وثانياً: الاتفاق على أن حاكم كل أمة هو من يحدد ديانة من يحكمهم، فلا يجوز مساعدة اتباع دين معينّ أو طائفة على الثورة أو محاولة تغيير نظام الحكم، ثم يأتي المبدأ الثالث الذي سيكتسب أهمية خاصة وهو المتعلق بمبدأ الدفاع الجماعي والمشترك.
منذ ذلك الوقت تطور الأمر ليصبح التدخل في شؤون الدول الأخرى خطيئة كبرى واتهاماً يسرع الجميع لنفيه والتبرؤ منه، فأصبح، على عكس ما كان في السابق، من غير المقبول إعلان نية التدخل السياسي أو العسكري في شؤون دولة مجاورة أو بعيدة ومهما كانت الأسباب.
هكذا ومع ويستفاليا تشكلت القناعة الجديدة لدى الدول الأوروبية بعبثية الصراع البيني، بمعنى الصراع فيما بينها كدول كبرى ومتحضرة. وكان من أهم نتائجها اقتناع عدد من الفلاسفة والمفكرين بأن أكبر أخطاء الماضي كانت المحاولة الدائمة للتنافس طمعاً في الثروات المادية والبشرية داخل الحزام الأوروبي. دعا أولئك المفكرون للبحث عن إطار جديد يقوم على التعاون والتشارك عوضاً عن التنافس المحموم الذي يفضي إلى الحرب والتدمير، ومن هنا يمكن القول إن روح ويستفاليا كانت حاضرة مع الأوروبيين وهم يصنعون اتحادهم الحديث والكبير. كان من المعروف بالنسبة للجميع أن سبب الحروب التاريخية الكبرى كان المساعي المستمرة للتدخل عبر حدود الدول الأخرى طمعاً في السيطرة وخدمة المصالح، لكن الجديد كان الاتفاق على طي تلك الصفحة والانتقال من «الحالة الغابية» إلى حالة أكثر احتراماً وإنسانية.
ويستفاليا ستساهم في وحدة أوروبا وفي ولادة دول مترامية قوية كألمانيا التي لم تكن إبان الحرب إلا مجرد مقاطعات متفرقة بائسة ومتناحرة. هذا التوحيد في الرؤى سيكون مهماً من أجل تنسيق الجهود الأوروبية التي أرادت التفرغ لمواجهة تهديد الامبراطورية العثمانية. هذه الوصفة الجديدة لم تنجح، بطبيعة الحال، كحل أبدي لصراعات الدول الكبرى ولم تستطع الصمود أمام النهم الأوروبي للموارد بعد الثورة الصناعية، ذلك النهم الذي تحول لحرب عالمية كبرى لا تبقي ولا تذر. كانت تلك الحروب العالمية الدموية نكسة كبيرة لتراث التفاهمات السياسية ومشاريع تنسيق جهود الدول الكبرى التي بدأت منذ عهد ويستفاليا. الاتفاقية المهمة ستجرفها الأطماع السياسية للقادة الأوروبيين ورغبتهم غير المحدودة في التوسع والسيطرة على حساب الآخرين، رغم ذلك فإن اسم ويستفاليا ما يزال يرمز للتفاهم ومبدأ حسن الجوار والتعايش المشترك، حتى إن البعض يقول إن الواقع كان سيصبح أكثر مرارة لولا هذا الاتفاق، فقد أنهت تلك المعاهدة تاريخاً طويلاً من محاولات الاستئصال المتبادل بين المذاهب المسيحية، التي كان يكفّر بعضها بعضاً، كما أنهت حقبة سوداء من حقب التاريخ الأوروبي، التي تعلقت بمحاولات استغلال العقيدة والتعصب الطائفي من أجل خدمة المصالح السياسية والأهداف التوسعية.
ولأن هناك شبهاً بين ذلك الواقع التاريخي الأوروبي وبين حالة التجييش الطائفي التي تعيشها المنطقة العربية حالياً فقد دعت طروحات حديثة لاستلهام عقلانية ويستفاليا وتطبيقها على الإقليم الذي تتناوشه الصراعات ذات الأساس المذهبي.
التطبيق هنا لا يعني عملية قص ولصق بسيطة، وليس المطلوب بأي حال محاكاة بنود تلك الاتفاقية وتنزيلها على واقع مغاير ومختلف، فإن ذلك سيبدو كمن يحاول زرع نبتة في غير موطنها ولا بيئتها. ويستفاليا كانت ابنة شرعية للثقافة والتاريخ الأوروبي وقد سبقتها في محاولات رأب الصدع السياسي والاجتماعي عدة اتفاقات مماثلة، كما تلتها اتفاقيات ومعاهدات أخرى لم تؤد فقط لتوحيد أوروبا ولكن لجمع العالم تحت مظلة أممية واحدة. لكن الفائدة التي يمكن الخروج بها من هذه القصة هي أن التصالح ممكن وأن العقل البشري الذي استطاع إنقاذ أرواح الملايين التي كانت تزهق في حروب عبثية وملاحقات هوياتية عبر الحدود الأوروبية، ذلك العقل هو ذاته الموجود اليوم لدى الفرقاء في المنطقة. أما الشيء الوحيد والفارق الأهم بين الحالتين العربية والأوروبية فهو عدم امتلاك القرار السيادي وعدم وجود إرادة حقيقية للتغيير في ظل وجود قيادات وزعامات وهيئات، «وطنية» أحياناً، مستفيدة من تلك الحالة من الفوضى والعبث بدماء الأبرياء.
كاتب سوداني