من تقسيم فلسطين إلى تقسيم الفلسطينين. القدس العربي 30/11/2018

د. نزار بدران

نتذكر كل عام تقسيم فلسطين بقرار من الأمم المتحدة (29/11/1947)، بناءً على طلب من سلطات الانتداب البريطاني، قبل انسحابها وإعلان دولة إسرائيل، متخلية بذلك عن مسؤوليتها التاريخية بالمأساة التي أحدثتها بالشرق العربي ولعقود طويلة.
وفي مقابل موافقة الطرف الصهيوني، رفض الفلسطينيون القرار، إذ لم يكونوا بوارد التخلي، عن جزء من وطنهم التاريخي، لمجموعة من المهاجرين القادمين من أوروبا، علماً أن عدد اليهود بفلسطين عام 1914 كان 60 ألفا، منهم 39 ألفا من أصول عربية عثمانية، مقابل 600 ألف عربي مسلم ومسيحي. بينما كان ذلك بالنسبة للطرف الآخر الصهيوني، أول «اعتراف شرعي» بوجوده وأحقيته بالبقاء في المنطقة، ولم يكن ممكناً لرجل مثل بن غوريون، ألا أن ينتهز هذه الفرصة الذهبية، بالتوافق بين الأمريكيين والروس، والذي كان توافقاً استثنائياً، بالنسبة للعلاقات المتوترة بين الدولتين الكبيرتين مع بداية الحرب الباردة.
مرت السنون ولم يعد أحد يطالب بتطبيق قرار التقسيم، ولا حتى بشقه المتعلق بحق اللاجئين بالعودة لديارهم، والذي كان مرتبطاً بحل الدولتين حينذاك.
هل تعلمنا شيئاً من مأساة التقسيم، وهل جمع الفلسطينيون والعرب قواهم منذ سبعين عاماً لاستعادة حقوقهم، الجواب طبعاً ليس فقط بالنفي، بل بزيادة الفُرقة داخل الصف الفلسطيني، وبدء التطبيع وحتى التحالف بين عدد من الدول العربية وإسرائيل على حساب الفلسطينيين، كما نرى مثلاً فيما يراد لنا أن نشهد مأساة جديدة عبر مشروع صفقة القرن الأمريكية، وتهافُت بعض الدول الإقليمية على طلب رضى الرئيس ترامب.
انتقل الشعب الفلسطيني، لسوء طالعه، من شعب جُزء وطنه واحتُل، إلى شعب جرى تجزئته، فنحن الآن، وبفضل الحركات الوطنية الفلسطينية التقليدية، أصبحنا شعوباً وقبائل متناثرين ومتناتشين، بين غزة المُحاصرة والضفة المُقطعة ومخيمات اللجوء بلبنان ومناطق أخرى، هذا بالحقيقة هو استمرار للسياسات الفلسطينية والعربية منذ البدء، حيث استُبدل كون فلسطين مسؤولية الأمة العربية، إلى كونها فقط مسؤولية الشعب الفلسطيني.
التجزئة العربية النابعة من السياسات البريطانية، بعد هزيمة الدولة العثمانية، أعطت وتُعطي لحد اليوم أكلها، وأثبتت نجاعة وعبقرية الفكر الإنكليزي، بتشتيت جهود الأمة العربية، وإدخالها منذ حوالي قرن من الزمن، في حروب داخلية وخارجية، ونهب ثرواتها من حكامها لصالح الدول الغربية فقط.
الشعب الفلسطيني، حتى لو تمكن من توحيد صفوفه، فلن يكون بأحسن الأحوال قادراً على الحصول إلا على الفتات، من حكم ذاتي بالضفة أو شبه سلطة مستقلة بغزة، مع نسيان حق اللاجئين.
لا يمكن التصدي للمشروع الصهيوني، والذي انتقل من تقسيم فلسطين عام 1947، إلى توحيد فلسطين تحت سيطرته واحتلاله الآن، مترجماً ذلك سياسياً، برفضه «حل الدولتين»، وتكثيف الاستيطان، ومحاولة الغاء وكالة الغوث للاجئين، «حل الدولتين» ذلك السراب الذي كنا نجري خلفه منذ اتفاقيات أوسلو.
لا يمكن التصدي حقيقة لذلك المشروع، إلا بتوحيد جهود الأمة شاملة، والوعي أن فلسطين هي جزء لا يتجزأ منها، وأن إنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، لا يتم إلا عن طريق إنهاء مأساة الأمة العربية، القابعة تحت سلطات استبدادية قمعية، تشُل قدراتها وتشتت جهودها وتضيع ثرواتها.
من هنا وجوب تصحيح ترتيب الأولويات، بالبدء ببناء الذات العربية والإنسان الحر، والتغلب على الأنظمة القمعية، لصالح بناء ديمقراطي حديث، وذلك هو الطريق الاضطراري لإنقاذ شعوب الأمة، بما فيها الشعب الفلسطيني وبلاد الأمة بما فيها فلسطين.

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

الدوله القطرية العربيه الوهم القاتل

حدود الدولة العربية والوهم القاتل

22 – نوفمبر – 2018

د. نزار بدران

تعيش الشعوب العربية منذ قُرابة القرن، فيما يُسمى حالياً الدول العربية، ولطول الزمن نسبة إلى عمر الإنسان، نعتقد أن هذه الدول هي كيانات طبيعية، أنتجها تاريخ قديم وحضارات ضاربة جذورها بالماضي، ذلك الذي يؤهل مجموعة ما، لحمل اسم شعب مُميز بهويته الخاصة الثقافية والتاريخية. لكن الحقيقة العربية هي عكس ذلك تماماً، وما نحمله بأذهاننا وأفكارنا، لا يتطابق مع المُعطيات التاريخية ولا الاجتماعية، هي كمن يعيش الوهم وكأنه الحقيقة.
سقوط وهزيمة الدولة العثمانية، والتي استمرت لقرون، تزامن مع نشأة هذه الأقطار، بناء على مصالح دول أوروبا العُظمى بزمنها، أي فرنسا وبريطانيا. فالحدود التي تُحيط بهذه الدول، لا تعكس حقيقة، أي بُعد أو خصوصية معينة، هذا ما رأيناه أيضاً بالقارة الإفريقية، مع نشأة دول قَسَمت بحدودها الموروث من الاستعمار، قبائل وشعوبا، تلك الدول التي صُنعت أصلاً بناء على ثرواتها، وتناقض أو توافق الدول المُستَعمِرة، ما خلف في كثير من الأحيان والأماكن، أوضاعاً إنسانية مأساوية.
هل نشأة الدولة القطرية العربية، والتي يُدافع عنها الجميع، هي هدف سامٍ بحد ذاته، يستحق الموت من أجله، أم أن هذا ليس إلا خدعة تاريخية لتشتيت جُهد الأمة وقواها، وإضاعتها بصراعات داخلية وخارجية وهويات قومية وطائفية، لا طائل منها؟.
من قبل، ولفترة أربعة قرون، كنا كلنا تقريباً عثمانيين، نُحكم من اسطنبول، عاصمة الخلافة العثمانية، ولم تكن هناك أقطار، وإنما محافظات أو مقاطعات عربية بدولة واحدة، تختلفُ تماماً عن حدود الدول العربية الحالية، يستطيع أي مواطن بها، أن ينتقل من أدناها إلى أقصاها، بدون عوائق، ويُجند أبناؤها لحروب هذه الإمبراطورية بالبلقان وغيره. قبل العثمانيون، كانت هناك أيضاً دول أخرى، ولكن لم توجد أقطار عربية بالمفهوم الحديث.
كيف نشأت هذه الدول القطرية، وهل استمرارها بالشكل نفسه مُمكن تاريخياً، أي هل تُعبر هذه الدول، عن حاجة تاريخية حقيقية للشعوب التي تعيش فيها، وهل تستطيع أن تؤمن لهم الرفاهية والأمان المطلوب من أي دولة بالعالم لشعبها؟

قراءة التاريخ

لا مناص للعودة قليلاً إلى الخلف، لقراءة التاريخ لفهم ما حدث ويحدث اليوم، والعلاقة بين أوروبا والعالم العربي والإسلامي، ضروري لفهم قيام هذه الدول. مع تطور القوة العسكرية لأوروبا، خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وتفوقها الكاسح بكل المجالات، بعد الثورة العلمية والصناعية، لم تستطع الدولة العثمانية الاستمرار بإبعاد الخطر الأوروبي، وإنهاء وجوده بشرق البحر المتوسط، كما فعلت خلال القرنين السادس والسابع عشر، فارضة حينذاك ما يُسمى السلم العثماني (بعد معركة كريت بمنتصف القرن السابع عشر).
أخذ التدخل الأوروبي بالهلال الخصيب والجزيرة العربية لزمن طويل، شكل حماية الأقليات الدينية أو العرقية، سيطر الفرنسيون على المناطق الحضرية، أو ما يُسمى سوريا الكبرى Syria، مقابل سيطرة البريطانيين على مناطق البادية، أو البداوة، أي الجزيرة العربية وشرق الأردن وأجزاء من العراق، تحت ما يُسمى Arabia، ووُضعت فلسطين تحت الوصاية الدولية تمهيداً للمشروع الصهيوني، ذلك حسب معطيات اتفاقيات سايكس بيكو لعام 1916بين القوتين المتنافستين، فرنسا وبريطانيا.
هذا التقاسم بتوزيع مناطق النفوذ، هو ما حَددَ هوية الحدود المُستقبلية بين دول هذه المناطق فيما بعد، فالحاجة لفصل بلاد الشام عن الجزيرة العربية، أدى حسب المؤرخين (أمثال هنري لورانس)، إلى رسم الحدود العراقية والأردنية وصولاً إلى فلسطين، على شكل قوس أو ممرٍ طويل، هذه الحدود من المِنظار البريطاني، تهدف لمنع حرية خروج القبائل البدوية، من الجزيرة العربية باتجاه الشمال (سوريا والمناطق الحضرية)، كما فعلوا منذ مئات السنين. كانت هذه القبائل تُعتبر خطراً ممكناً على الوجود الغربي، وهي التي حملت مع الشريف حسين، فكرة إقامة الدولة العربية الواحدة، وكانت عماد الثورة الكبرى، ضد الأتراك إلى جانب البريطانيين، دافعة بقوة نحو انهيار الإمبراطورية العثمانية بالحرب العالمية الأولى، وكانت قبل ذلك، مصدر خروج الدولة الإسلامية، والتي غيرت مجرى تاريخ العالم لقرون طويلة. لذا فإن محاصرتها ومن ثم تقطيعها، كان هدفاً استراتيجياً بحد ذاته.
الوجه الآخر لرسم هذه الحدود، هو اكتشاف النفط بالجزيرة العربية والعراق، وضرورته لتشغيل الآلة العسكرية الحديثة، وهو ما أدى إلى تغيير الصورة الجيوسياسية للمنطقة. كانت الجيوش الأوروبية ببداية القرن العشرين ونهاية التاسع عشر، تستعمل الوقود القادم من أمريكا، مع كلفته العالية بسبب البُعد الجغرافي، مؤدياً لاستبداله بالنفط المُنتج بالشرق الأوسط، بمناطق تحت السيطرة البريطانية مباشرة، الأمر الذي أدى إلى تغيير الاهتمام، من طريق الحرير والبهارات التقليدي، إلى طريق النفط الجديد، القادم من منطقة الخليج العربي والعراق، مع مشروع خط أنابيب لنقل النفط عبر الأردن إلى حيفا.

الوصاية الدولية

وفي الوقت نفسه، تطور النقل الجوي على بساطته، حيث أصبح من الممكن ربط لندن بالهند ببضعة أيام، مروراً بمطارات تقع جميعها تحت السيطرة البريطانية، من مصر إلى الأردن والعراق، بدون الحاجة إلى استعمال مطارات وأراض تحت سيطرة منافسها المباشر فرنسا، وهذا ما أمنه الرسم الحدودي لهذه الدول، وتم وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية، مع تغيير بحدودها الشمالية لبضعة كيلو مترات، لاستيعاب عدة مستوطنات يهودية، حسب اتفاقية سان ريمو لعام 1920، المُكملة والمُعدلة لاتفاقية سايكس بيكو لعام 1916. هذا الرسم الجديد للمنطقة، تم اعتماده من قِبل عصبة الأمم لعام 1922.
أضاف الفرنسيون لمساتهم الخاصة، حاملين مشروع تحضير وفرنسة الشرق وسوريا الكبرى، مع حماية الأقليات المسيحية (إقامة دولة لهم بلبنان)، وفي مرحلة أخرى، فكرة إقامة دولة خاصة بالعلويين، وتقسيم سوريا على أُسس طائفية، ولكن هذا لم يتم.
نرى إذن أن الحدود التي رسمها الغرب، لم تهتم إلا بالمصالح الغربية؛ كمراقبة طرق المواصلات ونقل النفط وعزل المجموعات البشريه بدون اي اعتبار لمصالح وتطلعات السكان. ورفضاً لذلك، اشتعلت المنطقة بالثورات والاحتجاجات الشعبية، جمعت السنة والشيعة بالعراق، ضد الوجود البريطاني، كذلك الوطنيين بسوريا وفلسطين، مع اشتداد أعمال المقاومة، ولكن جميع هذه الثورات اُخمدت بقوة الحديد والنار.
نحن إذاً أمام حدود دول، طُلب من سكانها، أن يصبحوا شعوباً مختلفة، وأُلف لهم تاريخ خاص، لإقناعهم بذلك، بينما هم بالحقيقة، الشعب نفسه ويعيشون يهذه المنطقة منذ آلاف السنين.
بالمفهوم التاريخي للأمم، لا معنى لهذه الدول، لأنها لا تُعبر عن حاجة وجودية لشعوبها، هذا لا يعني عدم وجود مناطق، ولكن قبل قيام الدولة القطرية، لم يكن هناك أي حدود تُعيق حركة السكان الذين يعيشون فيها، كان بإمكانك السفر من بغداد إلى مصر أو أي منطقة أخرى، بدون عوائق حدودية، الانتماء كان للمجموعة وليس لقطر ومكان معين.
نموذج بلاد الشام بإنشاء دولة قطرية، ذات الحدود المُغلقة الذي كان صلب تحليلنا، ينطبق أيضاً على مناطق أخرى بالوطن العربي، ولأسباب وبوسائل متباينة، ولكن القاسم المشترك، هو توافقها مع مصالح الدول الغربية المُسيطرة حينذاك، فدول الخليج مثلاً، هي مثال واضح على تحويل قبائل من الشعب نفسه، إلى دول مختلفة ذات سيادة وحدود مغلقة، لهدف واضح جداً وهو السيطرة على منابع النفط.
الدول القومية الغربية (ألمانيا فرنسا بريطانيا)، تُعبر بوجودها عن خصوصيات أمم متباينة، وفي كثير من الأحوال متصارعة عبر التاريخ، مفهوم الأمة، وإيجاد الدولة، مُرتبط إذاً بتاريخ هذه الأمة وماضيها، وما جمع سكانها من انتصارات وإنجازات أو هزائم ومصائب، وما يأملون معاً بعمله لمستقبلهم، وليس خصوصياتهم الدينية الطائفية العرقية أو اللغوية، أو جغرافية المنطقة التي يسكنون بها، ومثل الولايات المتحدة، أقوى دولة بالعالم، هو نموذج صارخ على ذلك، فلا جنس واحد، ولا لغة واحدة، ولا دين واحد، ولكن ماضٍ مشترك مجيد، لإقامة الدولة الأمريكية، وكذلك ماضٍ مشترك مأساوي من الاستعباد الداخلي للسود، الأمة إذاً، كما يقول أيرنست رينان، المؤرخ الفرنسي عام 1881، بكتابه تكوين الأمم؛ هي إستفتاء يومي على العيش المُشترك.
هل تتطابق هذه المعايير مع كينونة الدولة القطرية؟، طبعاً لا، فلا هي تعبير عن ماضٍ مُشترك، بما يحمل من انتصارات وإنجازات أو كوارث وهزائم، هي فقط إرادة المُستعمر ولمصلحته فقط، والتي تهدف إلى إزالة وسائل الحضارة المُتعارف عليها، وهي كما عرفها مؤسس التاريخ الشامل، فرنان برودل، أرض شاسعة متناسقة، شعب كثير العدد، وفترة طويلة من السلم. في حين أن إقامة الدولة القطرية، أدى إلى إنهاء هذه العوامل الثلاث، فبلادنا شاسعة، ولكنها مقطعة بحدود عديدة، تمنع حرية الحركة، وشعب كثير بمئات الملايين، ولكنه مجزأ داخل اقفاص الدول القطرية، وحروب داخلية وخارجية لا تنتهي، مُنهية الشرط الأخير، وهو فترة طويلة من السلام.
فمتى سننظر لمصلحتنا نحن، ولمستقبل أبنائنا، كما فعلت دول وأمم أخرى بكل بقاع الأرض، ونخرج من البُنية التجزيئية، التي فُرضت على الأمة في فترة هوان؟.

كاتب ومحلل سياسي عربي

كلمات مفتاحية

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    الطب الشرعي السعودي الحديث القدس العربي 15 نوفمبر 2018 نزار بدران

    عرف التاريخ استعمالاً للطب لأهداف إجرامية تخرج تماماً عن أعراف وأخلاقيات العمل الطبي، وأضافت السعودية بجريمة قتل جمال خاشقجي، صفحة جديدة لهذا الملف الأسود، عندما أرسلت طبيب تشريح وطب شرعي، لقتل وتقطيع الضحية، كما أكد المُدعي العام التركي، وذلك في محاولة لإخفاء الجريمة، بدل الدور الطبيعي لهكذا طبيب، بكشف الجريمة وتعرية فاعلها أو فاعليها.
    استعمل النازيون أطباء مجرمين، وأشهرهم جوزيف منغيليه، بتجاربهم الطبية المُفزعة، في إطار نظرية النقاء العرقي، وجهودهم لإعطاء بُعد علمي، لنظرية العنصرية البيولوجية، وتفوق العنصر الآري الألماني، على باقي الأجناس، بالإضافة لتخليصه من آفات المرضى العقليين والمعاقين.
    من ناحية أخرى، نجد أطباء مرضى نفسيين، هم أصلاً مجرمون قبل كونهم أطباء، أمثال الطبيب الشهير، بتيو في فرنسا، والذي حُكم بقطع رأسه عام 1946 بالمقصلة، بجريمة قتل 26 سيدة، استدرجهن لبيته لسرقتهن وقتلهن ثم حرق جثثهن.
    وخلال حرب البوسنة، قام الطبيب رادوفان كاراديتش، رئيس عصابات الصرب، بقتل آلاف المسلمين، وتدمير عشرات المستشفيات والمراكز الطبية، والذي حوكم بمحكمة الجنايات الدولية.
    ولا ننسى الدكتور بشار الأسد، وتسببه ومسؤوليته عن موت عشرات آلاف الضحايا الأبرياء في سوريا، والذي لم يتوان حتى عن استخدام السلاح الكيميائي لقتل الأطفال والنساء.
    إن استدراج جمال خاشقجي، لمبنى قنصلية بلاده في إسطنبول، لقتله وتقطيع أوصاله، بيد طبيب متخصص، متخرج من الجامعات السعودية والغربية، يسيء بشكل مؤكد للسعودية ونظامها، ولكن أيضاً بشكل غير مباشر وثانوي، للطب والأطباء العرب. لا أظن أن أساتذة هذا الطبيب، كانوا يدركون الكيفية التي سيستعمل بها محاضراتهم وعلمهم، ومآلات القسم الذي تلفظ به عند استلام شهادته بالطب.
    هؤلاء هم مجرمون أولاً وأخيراً، وليسوا أطباء ، لأن اسم الطبيب لا يمكن أن يُعطى إلا لمن أحيا الإنسانية، وليس لمن قتلها.
    التاريخ العربي مليء بالأسماء العظيمة، في عالم الطب، أمثال ابن سينا وابن النفيس، ولن يُؤذي هذا التاريخ أسماء مجرمين، امتهنوا الطب فقط، لخدمة السلطان، مهما كانت أوامره.
    قدم مئات الأطباء السوريين، حياتهم لإنقاذ حياة أبناء وطنهم، وكذلك فعل أطباء كثيرون بدول عديدة، وساهم غيرهم بالدفاع عن القيم العُليا التي يؤمنون بها، أمثال تشي جيفارا، والذي قُتل في بوليفيا عن عمر 39 عاماً، أو سلفادور أليندي، الرئيس المنتخب لتشيلي، والذي قدم حياته دفاعاً عن الديمقراطية عند انقلاب الجنرال بينوشيه عليه عام 1973.
    هؤلاء المجرمون سيدخلون مزبلة التاريخ، ليبقى الطب والأطباء رمزاً للإنسانية بكل زمان ومكان.

    طبيب عربي مقيم في فرنسا

    من وعد بلفور الى صفقة القرن

    من وعد بلفور الى صفقة القرن

    Euronews
    02/11/2018

    بقلم د. نزار بدران – مراقب ومحلل سياسي

    انقضى أكثر من قرن على وعد بلفور الشهير والذي اعطت بموجبه بريطانيا للحركة الصهيونية إمكانيه قيام كيان مستقل لليهود، وما أدى قيام هذه الدولة من تشريد للشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948.

    لم يتمكن الفلسطينون على مدار عشرات السنين من الخروج حقا من مازقهم التاريخي، فالواقع الفلسطيني الحالي لا يبشر بخير كثير. الخلافات الداخلية بين الحركات الفلسطينية والتي تدعي كلها تمثيل الشعب الفلسطيني تمنع طرح مشروع وطني موحد لمواجهة الضغط الاسرائيلي الامريكي والذي أصبح مدعوما حتى من كثير من الدول العربيه.

    زياره رئيس الوزراء الاسرائيلي قبل بضعة أيام لسلطنة عمان بدون تفيسر واضح لأسبابها هو دليل فشل الطرف الفلسطيني بالتأثير لصالحه حتى داخل الوسط العربي، ذلك انعكاسا لواقع الخلافات الداخلية.

    السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بالإضافة لمنظمة التحرير الفلسطينية بالاجتماع الاخير للمجلس المركزي رغم الشعارات الطنانة والتهديدات بالانسحاب من الاتفاقيات مع اسرائيل احتجاجا على خطة الرئيس الامريكي بما يسمى صفقة القرن ونقله سفارة بلاده للقدس، لا يمكن أن تكون بديلا عن سياسة موجهة نحو الشعب الفلسطيني داخل وخارج الأراضي المحتلة.

    القياده الفلسطينية وحكومة حماس بغزة لا يملكان برأينا الشرعية الكافية للقيام أو انتهاج سياسات تسمح بدفع حقوق الفلسطينيين إلى الأمام نحو الهدف الذي رسموه لانفسهم بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

    المطلوب الآن من القيادة الفلسطينية هو العمل السريع لإعادة اللحمة الوطنية والعودة للشعب الفلسطيني لتجديد شرعيتها عبر انتخابات حرة ونزيهة مفتوحه أمام كل القوى الفلسطينية.

    نحن نعلم بالدول الغربية والديمقراطية بشكل عام، أن المشاكل المهمة سياسية كانت أو اجتماعية لا تحل إلا عن طريق الاستفتاء وطلب رأي المواطنين ، فمتى سيتجه الفلسطينيون نحو ذلك، أم أن المصالح الفئوية والحفاظ على المناصب تحول دون تحقيقه، فاتحين الباب بأنفسهم من حيث لا يدرون لتحقيق ما يسميه الفلسطينيون وعد بلفور جديد متمثلا بالمشروع الامريكي للرئيس ترامب.

    الكاتب د. نزار بدران – مراقب ومحلل سياسي

    المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر يورونيوز