البحرين الثورة النقية
د. نزار بدرن 28/02/2019
تحتفل البحرين بالرابع عشر من شباط، بذكرى انطلاق الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية، بعام 2011، والإصرار على الاستمرار، رغم الرد العنيف للسلطات، مدعومة من الجيش السعودي والإماراتي، والتي وضعت نهاية دموية، لهذا الحراك الشعبي، دون التمكن من إسكات المطالبين بالحرية، رغم زجهم بالسجون، وإسقاط الجنسية عن اللاجئين السياسيين بالخارج، والتضييق على جمعيات المجتمع المدني، والمدافعة عن حقوق الإنسان.
يتميز الحرك البحراني، بكونه أبعد ما يكون عن العنف، فقد استمر المحتجون بالنضال السلمي، رغم كل وسائل البطش والاتهام بالإرهاب وارتباطهم بإيران
هذه طبعاً، أمنية السلطة وليست الحقيقة، فالثورة البحرانية، هي ناصعة البياض وشديدة النقاء، تُقمع ولا تَقمع، تُتَهم بالطائفية، ولكنها لا ترفعُ، إلا شعارات الديمقراطية والأخوة، والدليل على ذلك، أن إيران الجارة الشيعية، لم تجد أكثر من الكلام الفضفاض لدعمها، رغم دخول الجيش السعودي، وقمعه الشديد للمحتجين. السلطة الإيرانية، والتي هي حقاً، سلطة طائفية، لا ترى بعين الرضا أي حراك ديمقراطي، خوفاً من العدوى، التي قد تصيب شعبها، الشعب البحراني، يرى الدعم العسكري للحوثيين باليمن، لأنه يهدف لإغراق البلاد بالدماء، عقاباً للشعب اليمني على ثورته، وليس تاييداً لقوى الثورة، إيران لا ترى غرابة، أن تدعم الحوثي البعيد، والذي هو أصلاً ليس شيعي، بل أُدخل قصراً بهذه الطائفة، بينما الغالبية الشيعية بالبحرين، لا تستحق أي دعم، لأنها حقاً وطنية ديمقراطية، تمثل نقاء الربيع العربي الحقيقي
الاحتجاجات الديمقراطية بالبحرين، لم تكن بمحض الصدفة، وإنما لماضٍ حافلٍ بالعمل الاجتماعي والمطالبة بالحقوق، كانت البحرين أول دولة تحصل على الثروة النفطية، وأول دولة تُنظمُ بها انتخابات محلية، ببداية القرن الماضي، وتعترف بحقوق العمال، بعد نضال نقابات عمالية قوية، تَبِعت الحرب العالمية الثانية
افتتحت البحرين بعام 2001، الحوار الوطني بين السلطة والمعارضة، بعد بضع سنوات من وصول أمير جديد للسلطة، وتم التوافق على عريضة، حصلت على دعم الأغلبية الساحقة من أصوات الناخبين، تجاوزت التسعين بالمئة، وكانت تنص على إجراءات ليبرالية، والسماح بعودة المنفيين السياسيين.
لكن لسوء الحظ، انقلب الوضع عام 2002، بعد أن عين الأمير نفسه ملكا، ووضع دستور جديد للبلاد، يؤكد على حكم الملكية المُطلقة.
اندفاع البحرين إذاً، للالتحاق بثورات الربيع العربي بعام 2011، كان له خلفية واضحة، وهو فقدان الثقة بعائلة خليفة، المُسيطرة على الحكم منذ القرن الثامن عشر، ومصادرتها لكل السلطات والثروات المتوفرة.
أدى منع الأحزاب السياسية، لتكوين جمعيات سياسية، أهمها الجمعية الإسلامية للوفاق، والتي كان لها انتشار وتأييد واسع، خصوصاً بالأوساط الشيعية، وهي الأغلبية الساحقة من السكان، حيث يمثلون 70 % ، استطاعت الوفاق الحصول على 64 % من الأصوات،بانتخابات2002 ونجحت حتى بالمحافظات، التي لم تكن نظرياً من مؤيديها، هذه الاحتجاجات إذاً، ليس لها بُعد طائفي، كما حاول النظام إظهاره، وإنما بُعد سياسي اجتماعي حقوقي. ورغم الحصول على أغلبية الأصوات، إلا أن تقسيم الدوائر، وحق الملك بتعيين أربعين عضواً، لم يسمح لهم بالحصول على الأغلبية بمجلس النواب، يُضاف لذلك السماح لسعوديين، لا يسكنون المملكة، التصويت بالانتخابات، تحت مُسمى الحق التاريخي لهم. من ناحية أخرى تم إبعاد البحرانيين من أصول شيعية، عن المناصب المهمة، وحصرها تقريباً بالمناطق السنية. لم يحصل الوفاق إلا على 18 مقعداً من أصل 80، ومع ذلك اعتبر ذلك كثير عليهم.
العائلة المالكة تُسيطر على المناصب المهمة، وليس فقط منصب الملك، القاعدة الاجتماعية للنظام هي الأقلية السنية، رغم أن هذه الطائفة أيضاً، تخترقها أصوات المحتجين، كما أن جزئاً من الشيعة تتعاون مع النظام، لإعطاءه صِبغة وطنية.
أصبح باقي الشعب موضوع لاضطهاد دائم منذ بداية الاحتجاجات، تم فصل كثير من المعلمين، وطرد كثير من الأطباء، لأنهم شاركوا بالتوقيع على عرائض شعبية، وسجن بعض قادة الحراك المهمين
السكوت الخجول للولايات المتحدة، كان بسبب الدور المهم لهذه الدويلة، حيث يقع بها مركز القيادة الأمريكية بالمنطقة والأسطول الخامس، بالإضافة إلى ذلك، لم يرق للملكة السعودية أن يصل الربيع العربي إلى دول الخليج، فدفعت بقواتها لقمع الحركة الاحتجاجية بالتعاون مع الإمارات، رغم أن الوضع السياسي كان قد بدء بالتحرك، ووافق المُحتجون بقيادة الحراك، على العودة للحوار الوطني، بناءا على برنامج عمل بموافقة الأمير نفسه، مكون من ستة نقاط
استعادة حقوق البرلمان
تعيين حكومة تمثل غالبية الشعب
تحديد أكثر توازناً للمحافظات والدوائر الانتخابية
انهاء الفساد وسيطرة النظام على الثروة
انهاء التمييز بتعيين الموظفين
تحقيق مستقل عن قمع المظاهرات لعام 2011
ولكن هذا الحوار قُطع نتيجة التدخل العسكري الخارجي.
كما نرى فإن هذه المطالب، هي عقلانية، ولا تنُم عن أي تطرف أو فكر طائفي، وكلُ ما قِيل عن الدعم الإيراني، هو أكاذيب، فالنموذج الإيراني لم يكن يوماً جذاباً للغالبية الشيعية، والتي ترى نفسها أقرب من شيعة جنوب العراق منهم لإيران. حتى أن لجنة التحقيق البرلمانية، المُعينة من طرف الملك، برأت إيران من كل الشكوك والظنون، بتدخلها بأحداث البحرين، وذلك بتقريرها بشهر نوفمبر لعام 2011، ويحتوي هذا التقرير على 176 توصية لفتح حوار وطني، والذي لم يُفتح أبداً، ولا يُذكر إلا أمام مجلس حقوق الإنسان مرة بالسنة بشهر أيلول لدراسة تطبيقه.
سلمية الثورة البحرانية، رَغم عنف السلطة وابتعاد الدول الأخرى عنها، يُعطيها بجدارة لقب الثورة النقية.
مُحلل سياسي عربي