أسس الدولة الديمقراطية

أسس الدولة الديمقراطية
نزار بدران القدس العربي 17 آب 2019
تمر دول عربيه عدة حاليا بثورات تهدف كلها إلى إقامة حكم مدني ديمقراطي، السودان والجزائر هي الدفعة الأولى من دول الربيع العربي الثاني والتي ستشمل عاجلا ام اجلا كافة الأرض العربية، فالثورات المضادة رغم عنفها المفرط وقوتها والدعم الاجنبي لن تغير تاريخ المنطقة السائر باتجاه الحريه والالتحاق بركب الحضاره العالمية
هل الديمقراطية وهي الهدف المعلن لهذه الثورات
ستؤمن لدولنا بالمستقبل الرخاء والعدالة والحرية لو درسنا الثورات الاجتماعية بالدول الأخرى بكل قارات الارض لرأينا أن نجاح الديمقراطية لا يعني نجاح النموذج السياسي المطروح وهو ما يهدد دائما بعودة الاستبداد تحت اشكال مختلفه، هذا ما نراه بروسيا بعد سقوط النظام الشيوعي فرغم الانتخابات وتأسيس نظام ديمقراطي بسنوات التسعينات إلا أن الوضع الحالي لا يختلف كثيرا عن الأنظمة المستبدة، نرى شيئا قريباً من ذلك ببعض دول أوروبا الشرقية، ولا ننسى حروب البلقان والتي تبعت انهيار النظام الشمولي بيوغسلاڤيا وانشاء أنظمة ديمقراطية، قريباً منا عودة النظام العسكري المصري بعد عام واحد من نظام ديمقراطي حقيقي.
ما هي إذا الضوابط التي يجب علينا وضعها لنجاح المشروع الديمقراطي، هي حقيقه كثيرة مثل احترام حقوق الاقليات وانهاء النزاعات المسلحة وفتح المجال العام للنقاش الفكري وغيرها، ولكن هناك ثلاث نقاط محورية هي الأهم برأيي وهي، وضع دستور توافقي، احترام قيم حقوق الإنسان كما تنص عليها الأعراف والقوانين الدولية وأخيرا بناء المجتمع المدني القوي.
الدستور كعقد اجتماعي هو توافقي بطبيعته وليس فقط قانون الاغلبيه الحاكمة بمعنى ان يعبر عن مجمل مكونات الشعب بارائه المختلفة وتنوعاته الثقافية والعرقية واللغوية، عدم احترام ذلك يجعل الدستور وسيلة الأغلبية لفرض سياساتها على الأقلية وهو ما يتناقص مع السلم الاجتماعي الذي هو هدف الدستور الأول، تغيير الدستور المستمر هو دليل غياب البعد التوافقي بالاصل أو الانحراف عن الديمقراطية، الإجماع على الدستور يعني توافقه مع رغبات الكل بمعنى توافق شبه كامل للاتجاهات الفكرية والسياسية داخل المجتمع وعدم ترك مجموعه من الناس على هامش الدولة، هذا التوافق يطرح على الشعب لتبنيه باستفتاء عام.
لا يمكن بدولة ديمقراطية عريقة أن تضع دستورا ذا بعد ديني لأن الاديان متعددة والمعتقدات مختلفة لكل الشعوب، لا يمكن وضع دستور يحدد الهوية العرقية للدولة لأن الاعراق متعددة وهكذا بمجالات عديدة.
يرتبط بالدستور التوافقي النقطه الثانيه وهي احترام حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليا، فالمساواة بين المرأه والرجل او حقوق الطفل والحقوق الثقافية للاقليات واحترام حق اللجوء والعمالة الأجنبية وعشرات النقاط الأخرى تصب كلها باتجاه ربط النظام السياسي الجديد باواصل الحضاره العالميه الحديثه، فالحضارة الإنسانية واحدة تختلف مع الازمان ولكنها دائما ذا صبغة عالميه. الخلط كما حدث ببعض دول الربيع العربي الاول بين الحضارة الواحدة والثقافات المختلفة أدى إلى ترعرع اتجاهات متطرفة عنيفة وأفكار متخلفة تسحب المجتمع إلى الخلف تحت شعار خصوصيه الحضاره العربيه أو الاسلاميه، بينما لا توجد هناك أي خصوصيه لأي شعب مهما كان باطار المفهوم الحضاري بينما توجد خصوصيات ثقافيه كثيرة ومهمة تنوع المجتمعات وتزيدها بريقا كالادب والبناء والتعبير الفني وغيره، لا يمكن التمييز بحق المرأة بالارث مثلا او بتولي مناصب قيادية بحجة أنه جزء من الثقافة العربية بل هو جزء من حضارة سابقة لم تعد موجودة حاليا بأي مكان.
لا توجد دولة ديمقراطية على وجه الارض تبنت مفهوما حضاريا خاص بها من اليابان البوذية إلى البرازيل الكاثوليكية أو جنوب افريقيا باعراقها المختلفة أو دول الاتحاد الأوروبي بماضيه المسيحي وحروبه الدينية.
الدستور التوافقي المتناغم تماماً مع قيم حقوق الإنسان حيث لا يمكن ان يحتوي الدستور على مواد تتنافى مع هذه القيم هما أسس أي دولة تبحث عن الثبات السياسي والاجتماعي كي تتفرغ للبناء، ولكن هذان الاساسان قد تنهار أمام أطماع مجموعه من الناس ذوي الاهداف الخاصه والذين يحاولون إعادة عقارب الساعه إلى الوراء، من سيمنع إذا انتكاسة كهذه، النموذج الروسي او المصري واضح بذلك
وحده المجتمع المدني القوي بمفهوم المؤسسات والجمعيات المنضمة له والتي هي بطبيعتها خارج اطر الدولة الرسميه هو من يملك القدرة على تأمين استمرارية النظام الديمقراطي، وتبعد خطر الفساد السياسي أو الانحراف عن الحقوق.
المجتمع المدني الواعي يمنع المجتمع الديمقراطي نفسه من إهمال آراء وحقوق الاقليات وتبقيها حاضرة بالفعل السياسي والاجتماعي مبعدة بذلك خطر ما يسمى بدكتاتورية الأغلبية.
مؤسسات المجتمع المدني حتى بالدول الديمقراطية تحافظ على تماسك المجتمع وتلاحمه وتراقب عمل الدولة والاحزاب. وحده المجتمع المدني كما نرى حاليا بثورة الشعب السوداني ومنظماته المدنية من يستطيع تثبيت أسس الديموقراطية الواعية بنفسها والمحترمة لحقوق كل مكونات المجتمع وهي برأيي من يؤمن ديمومة الدستور التوافقي وينجح بربط المجتمع والدولة الديمقراطية الناشئة بالمجتمع الدولي والحضارة الإنسانية المعاصرة
كاتب و محلل سياسي مستقل