الأميرة الصغيرة والغول

نشر بالقدس العربي ٨ حزيران ٢٠١٨

الأميرة الصغيرة والغول

د. نزار بدران

لا يعرفُ الحياة إلا من يُحبها، رزان الأميرة الصغيرة، أحبت الحياة واختارت لذلك أن تُسعف المرضى والجرحى، حتى تعود البسمة إلى وجوه من حاصرتهم الضباع.
رزان لم تُفكر يوماً بالموت، ولم تذهب إلى أطراف السجن، لمقارعة السجان، وإنما لإظهار حبها للحرية. لم تحمل يوماً سيفاً ولا بندقية، بل ضمادة ودواء، إن وجدته.
حُب الناس كان شاغلها ودافعها، تخفيف آلامهم وتضميد جراحهم، كان همها الوحيد، لم تنظر إلى الحارس، وإنما إلى السجين.
في عالمها الصغير، كان للأميرة رزان، أحلام وردية كثيرة؛ أن تذهب للمدرسة وبيدها قلماً وكتاب، أن تعود بسلام إلى بيتها، ومعها زهرة حمراء، لتقدمها لأمها الحنون.
في غزة المُحاصرة بحيطان الكراهية، لم تر إلا جدران تُحطمُ آمالها الكبيرة، وهي تسأل الضباع القابعة عليها؛ هل تخافون من ورد غزة الأحمر القاني، أو من كرزها المُتدلي من الأشجار. تعشق الأميرة عطر ماء البحر، وعبَقَ أمسيات الشاي، والتنادر مع الجيران القادمين من قرية
بفلسطين، وفي عيونهم نظرة المؤمن, فهم عائدون اليها قريباً.
ذهبت رزان مع أطفال المخيم، إلى حافة الأرض، حيث السور العالي والأسلاك الشائكة، لتُعلم السجان والعالم، أنها لن تبيع أحلامها، بلقمة خبز ولا بجرعة ماء.
هي تُحب الحياة، تلك التي تُغرد للحرية، تلك التي لا يقف أمامها، حائط ولا بحر، تلك المترامية الأطراف من أقصى الأرض إلى أقصاها، تلك التي حدُها الشفق، وآخر ما يمكن للعين أن ترى، تلك التي توصلها للقرية المهجورة المُدمرة.

+ أحبُ السماءَ فلا جسرٌ ولا نفقٌ، أحب النجومَ كحبات قمحِ بلادي تنيرُ الطريقَ وتُسعد أمي
– إذهبي من هنا، فإني أكره لون الربيعِ، كلون الحياةِ، فنحنُ نعيشُ على جثثِ الموتى، ككلِ الضباع
+ وأنتَ تقولُ أنني أعشقُ الموتَ، فكيف أكون ربيعاً وموتاً بنفس المكانِ ونفس الزمن
– حذاري فتاتي من الأمل الممنوعِ والطائر الحر، فكلُ بلادُ العربِ موتاً وقتلى، كما يحلمُ الضبع عند المنام
+ سأبقى لوحدي أحبُ الربيعَ، وأزرعُ بالأرضِ بذرَ الحياةِ، سأبقى مناراً لكل الرياحِ وكلُ السفنِ، ولن يبقى غولٌ يخيفُ الصغارِ وعنقاءُ تسرقُ منا رحيقَ الوطن
– كوني كغيركِ أو لا تكوني
+ زهورُ الجبالُ تغيظُ الضباعَ، وترقصُ مع قطراتِ المطر
– كوني كغيرك أو لا تكوني
+ أحب الحياةَ وأهوى السَمَر
– لا تكوني