الربيع العربي والتغيير الديمقراطي المامول/ ديسمبر 2108

الربيع العربي والتغيير الديمقراطي المامول

د. نزار بدران / نشر بمدونة حقنا للمركز الاورومتوسطي لمراقبة حقوق الانسان. ديسمبر 2018
نحتفل هذه الايام بالذكرى الثامنة لانطلاق الربيع العربي بافراحه بنجاح التغيير الديمقراطي بتونس وباترائحه بالحرب الدائرة باقطار أخرى وقتل وتهجير وتجويع ملايين الناس لم يطالبو إلا بالحرية. عنف رد الأنظمة تجاوز بشكل غير معقول ولا مسبوق ما يمكن توقعه من اي نظام.

منذ ثمانية سنوات، ومع بدء الربيع العربي من تونس، دخل العالم العربي مرحلة رمادية، تُحدق بها الأخطار، تلك المرحلة التي تتبع مرحلة الظلام الدامس، قبل الوصول إلى وضح النهار. هذه الرمادية من ثورات وثورات مُضادة، وتدخلات أجنبية عديدة، تكاد لا تُحصى، هي سمة ثابتة لكل التغيرات الاجتماعية الجذرية.
كُثر هم إذاً من يحنون لمرحلة الظلام الدامس، لأنهم لا يرون نور النهار، بعد ولوج النفق الرمادي، بكل شروره وأشراره. هي بحق مرحلة خروج كل وُحوش الأرض، مر بها قبلنا شعوب أخرى من أوروبا، وخصوصاً الثورة الفرنسية وأمريكا اللاتينية، وحروب اليابان بشرق آسيا، والحرب الأهلية الأمريكية، وكُثر غيرها.
حَمَل الشباب العربي كثير من الأحلام، والتي في بعض الأحيان، تنتهي بالحسرة واليأس، فاتحة باب الهجرة للغرب على مخاطرها، ولكنهم كثيرون ممن زالوا يحملون حُلم التغيير، وبناء مستقبل لهم ولابنائهم بأوطانهم.
التغيرات الاجتماعية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، تُظهر تغير نوعي للبيئة الاجتماعية، فمثلاً انخفض بشكل كبير نسبة الإنجاب، لصالح الحد من عدد أفراد العائلة، سامحاً للمرأة مُغادرة البيت، والذهاب للدراسة الجامعية، ومُحاولة وُلوج سوق العمل. لم تعد المرأة قابعة ببيت الزوجية، فقط للإنجاب والمهام المنزلية، وهو ما غير تدريجياً، الصورة النمطية والحقوقية للعلاقة داخل العائلة.
انتشر التعليم وتطور نتيجة لذلك طبقة وُسطى أوسع، لها مطالب تتعلق بالتعبير والحريات العامة والتواصل، وهو ما لم يتحقق، في ظل الظروف السياسية لبلدانهم. تطور وسائل التواصل الاجتماعي، سمح لهذه الطبقة، بتجاوز الحواجز الحدودية والمعرفاتية، التي تُميز دولهم. لم تعد الأنظمة قادرة على منع الناس من النظر خلف الجدران، ورؤية ما يحدث من تطور في العالم، خصوصاً انتشار الديمقراطية بدول عديدة، كانت تُشبه الدول العربية بمرحلة ما، كما حدث بدول شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية أو جنوب شرق آسيا.
فشل النظام العربي الرسمي، بمتابعة تطورات العصر الجديد، أو حتى فهمه، وبقائه متقوقعاً داخل بُنية استبدادية، زاد من واقع التناقض، بين المجتمع المُتحرك المتطور والسلطة الجامدة. هذا الفشل للسلطة لا ينبُع فقط من عدم رغبة بالتغيير، والحفاظ على مصالح مادية وسُلطوية، ولكنه أيضاً نابع عن عدم كفاءة هذه السلطة بفهم ما يحدث، ومواجهة الأوضاع بحلول سياسة منطقية. نحن أمام نظام يُفضل أن يُحاط بأشخاص موالون، على أشخاص كفؤ، لدراسة الواقع وحل المشاكل، أظن مثلاً أن الصحفي جمال خاشقجي، كان أفضل الأشخاص القادرين على تقديم النصيحة للنظام، ليُعطي للسعودية حلولاً، أمام تناقض بُنيتها الاجتماعية والسياسية مع التطور العالمي.
غياب الحريات العامة، أو اعتماد القانون، أدى إلى تحول الاقتصاد، رغم الثروات الهائلة المُتواجدة داخل كثير من الأقطار العربية، إلى وسيلة للنهب العام، دون الالتفات إلى رفاهية المواطنين.
شباب الطبقة الوسطى الناشئة، يختلف عن جيل الآباء والأجداد، الذين كانوا يقبلون تقديم الولاء الدائم، مقابل الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية، فالتعلم ودخول الجامعة، بحاجة لواسطة، والحصول على علاج، يأتي بمنةٍ من السلطان، بدل أن يكون كل ذلك حقوقاً مكتسبة وطبيعية للناس.
هذه التناقضات، تزداد تعمقاً يوماً بعد يوم، فالعنف السلطوي وقمع الحريات، لن يؤدي إلى حل أي إشكالية مطروحة، لا أظن أننا الآن، بمرحلة التقدم نحو الأفضل، بل بمرحلة شحن أطراف التناقض، بانتظار الانفجار الأكبر، والذي بدأت معالمه تظهر منذ عام 2010.
لن نستطيع تفادي هذا الإنفجار، إلا إذا تمكنا من دفع النظام السياسي العربي، إلى تبني مبدأ أحقية الناس باختيار من يحكمهم، واعتماد الطرق الديمقراطية، بالتعامل السياسي والاجتماعي.
كذلك وجب أيضاً، للسير نحو السِلم الاجتماعي، تطوير المجتمع المدني، حتى نتمكن من سد فراغ السلطة اولاً، وثانياً الدفع نحو تغيير مفهوم السياسة وتكوين الأحزاب والنقابات والتجمعات. وحده المجتمع المدني، القوي الحر، من يستطيع السير نحو التغيير الديمقراطي، بدون المرور بالإديولوجيات السياسية المتطرفة والشحن الطائفي والعرقي. لذلك ولتفادي الإنهيار، تتسابق هذه الأنظمة بإسكات كل أشكال منظمات المجتمع المدني، عن طريق المنع بالقانون أو بالقوة، أو عن طريق إيجاد أشكال وهمية لهذه التنظيمات المدنية، هي بالحقيقة أبواق للسلطة، وليس مُلهم لها.
استمرار الشباب وأبناء وبنات الطبقة الوسطى الفاعلة، لتنظيم أنفسهم داخل اُطر تجمعات ومنظمات المجتمع المدني، سيكون أفضل الوسائل لتقليل كُلفة التغيير الديمقراطي المأمول بمجتمعاتنا، والتي بدون ذلك، ستكون باهظة جداً، إنسانياً ومادياً.

شرعية المؤسسات الرسمية الفلسطينية.

شرعية المؤسسات الرسمية الفلسطينية. نشر باورونيوز ديسمبر 2018
د.نزار بدران
صرح مؤخرا الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية عن نيته اعتبار المجلس التشريعي الفلسطيني منتهي الصلاحيه، ولكن بدون تحديد الأسباب بشكل واضح ولا آليات انتخاب مجلس تشريعي جديد.
شرعية المجلس التشريعي وكذلك منصب الرئاسة مرتبط بالانتخابات الاخيره لكليهما والتي حصلت قبل سنوات طويلة. قد نتفهم التجديد التلقائي لمنصب الرئيس او منصب اعضاء المجلس في ظل الاحتلال واعائقته المفترضة لعقد انتخابات جديدة، لكن الواقع يظهر لنا ان العنصر الاساسي للتاخير هو الانقسامات الداخليه بالوسط السياسي الفلسطيني، وليس الشعب الفلسطيني، خصوصا بين السلطة الشرعية المعترف بها دوليا برام الله، وسلطة الحكومة المنبثقة عن آخر انتخابات تشريعية فلسطينيه عام 2006 المتواجدة بغزة والمسيطر عليها من قبل حركة حماس.
صعوبه التوافق بين الطرفين على إجراء انتخابات جديدة لا يبرره برائي إلا الضغوط الخارجية، خصوصا تلك الاقتصادية، فهذه الاطراف الدولية لا تود على ما يظهر تجذير التجربه الديمقراطيه الفلسطينية، مبقية الشعب الفلسطيني تحت سيطرة نظام سياسي يتغطى بالشرعية الشكلية، وفهم كل طرف سياسي فلسطيني وتحليله لها، ولكن خصوصا بناء على ارتباطاته العربيه والدولية، امريكا، دول الخليج ،مصر، ايران الخ.
دليل ذلك أن اجتماعات واتفاقيات عده جرت بين السلطتين الفلسطينيتين، ولكن لم يتمكن أي أحد من تنفيذها على ارض الواقع رغم حصار غزه ومعاناة المواطن الفلسطيني بكل اماكن تواجده.
كما أن تطور الموقف الامريكي منذ وصول الرئيس دونالد ترمب ونقله سفارة بلاده من تل ابيب إلى القدس وتضيقه على وكاله إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، والتحضير لصفقة القرن، بالإضافة لفصل طبيعة وتطور العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربيه المركزية بدون ربطها بالقضية الفلسطينية، دليل إضافي على انعدام أي رؤية استراتيجية فلسطينيه.
فنحن نعلم ان الخلافات الداخلية تتلاشى أمام الاخطار الخارجية خصوصا تلك الوجودية وهو ما يستشعر به حاليا الشعب الفلسطيني.
سئم هذا الشعب من هذه المهاترات، والتي لا تدل باحسن الاحوال إلا الى عدم كفائة وبأسوأها إلى خضوع تام لارادة الأطراف الدولية أو العربيه ضاربة بعرض الحائط بمصلحة الشعب الفلسطيني نفسه.
لا ارى حلا لهذه الأشكالية إلا بالعودة إلى الانتخابات والتي تعطي الشرعيه لمن تريد، كلام كهذا منطقي وعادي بكل الدول الديمقراطية التي تواجه أزمات سياسية، ولكن عند الفلسطينين كما في معظم الدول العربيه ليس له مكان.
إشكالية الشرعيه هذه كانت من أهم أسباب انفجار الربيع العربي، وبالحالة الفلسطينية ارى ان استمرار الاحتقان سيؤدي إلى عودة الضغط على الوسط الشعبي الفلسطيني وحركات المجتمع المدني بأشكالها الشعبية طبعا (وليس المؤسسات المدعومة خارجيا) إلى الضغط على السلطات الفلسطينية للعودة للشعب والانتخابات.
بدون حراك شعبي قوي، سيبقى الزعماء غارقين ببحر من الخلافات الشكلية، بدون الوصول الى أي حل، لأن هذا الأخير ليس بيدهم حقا، بل بيد الآخرين القابعين بواشنطن او بالعواصم العربيه.
تقع على شباب الشعب الفلسطيني بكل اماكن تواجده تحمل عبئ مسؤولياته والتحرك لانقاذ ما يمكن انقاذه، ولا احد يستطيع ان يعرف متى وكيف سيكون ذلك، فنحن نعيش في عالم المفاجئات.
كاتب ومحلل سياسي باريس

الوجه الاصفر المريض لفرنسا القدس العربي 11/12/2018

الوجه الأصفر المريض لفرنسا

منذ 21 ساعة

تتجه الأنظار هذه الأيام إلى فرنسا، وخصوصاً باريس، بسبب الاحتجاجات الشعبية، والتي شابها بعض العنف وتحطيم الأملاك العامة والخاصة، من طرف بعض المتشددين.
نُشر عديدٌ من المقالات والتحليلات عن هذا الحدث، والذي هو بشكل عام، شبه عادي، ففرنسا معتادة على المظاهرات والاحتجاجات والاضرابات، منذ عشرات السنين، وأحداث مايو/ أيار 1968، زمن الرئيس الأسبق شارل ديغول، كانت عنصراً مؤسساً للجمهورية الفرنسية الحديثة، وإرساء مبادئ العدالة والمساواة.
لكن الاهتمام بالأحداث الأخيرة، يعود مصدره إلى أوجه اختلاف، مع ما حدث سابقاً، وأوجه تشابه مع ما يحدث بدول أوروبية وغربية أخرى. فمثلا عدم وجود انتماء حزبي للمتظاهرين الصفر، وهم القادمون من خارج الأطر المعروفة، منهم من أقصى اليسار ومن أقصى اليمين، وما بينهما، يجمعهم التشكيك بكفاءة الأحزاب والنقابات، أو ما يسمونه بفرنسا الأجسام الوسيطة، للعب دور تمثيل الجماهير، كما كان يحدث دائماً. يجمعهم أيضاً التشكيك بصدقية ونزاهة الإعلام، بكل اتجاهاته وأشكاله، المكتوبة أو المرئية أو المسموعة، وحدها وسائل التواصل الاجتماعي، من تحمل الأخبار وتنقل الشائعات.

اختلاط الحابل بالنابل

هذه مظاهرات اختلط فيها الحابل بالنابل، فبجانب مطالبهم الأصلية بإلغاء زيادة الضرائب على المحروقات، تمددت فيما بعد إلى أكثر من أربعين مطلباً، منها رفع مستوى الحياة، فهناك من يتظاهر لإلغاء رفع كُلفة التسجيل في الجامعات على الطلبة الأجانب، مقابل من يتظاهر لأنه يتهم ماكرون ببيع فرنسا للأجانب، مع توقيعه المُنتظر على اتفاقية الأمم المتحدة في مراكش، المُخصصة لاحترام حقوق اللاجئين بالعالم.
نحن أمام صورة حديثة للاحتجاجات، المُشككة بفعالية ومصداقية الوسط السياسي والنقابي، رأينا ذلك حديثاً بإيطاليا، مع وصول اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين إلى السلطة، أو إسبانيا مع وصول حركة بودموس، القريبة من اليسار للحكومة، رأينا ذلك بالبريكسيت البريطاني، مع التصويت عام 2016، على الخروج من أوروبا، ضد إجماع الوسط السياسي والإعلامي على البقاء، كذلك وصول دونالد ترامب لرئاسة أمريكا، رغم امتعاض حزبه نفسه من ترشيحه، أي الحزب الجمهوري، ورغم معارضة شبه إجماعية للإعلام والأوساط السياسية.
ماذا يحدث إذاً في العالم الغربي، الحقيقة أن العولمة المشهورة، لم تعد تعني للناس العاديين، إلا زيادة غنى الأغنياء والتضييق على الفقراء والطبقات الوسطى. العولمة لم تعني إلا حرية الحركة لرأس المال، للتنقل والربح، ولا تعني أبداً، فتح العالم أمام الناس العاديين، بل نرى عكس ذلك تماماً، مع التشديد على قوانين الهجرة.

الطبقات المهمشة

هو إذاً، رد فعل الطبقات الوسطى والمهمشة، على جشع الأغنياء المعولمين. الإعلام والأحزاب والنقابات، لم يكن لها دور يذكر بمقاومة ذلك، فهي متهمة في أحسن الأحوال بالفشل، بمواجهة النتائج السلبية للعولمة، وبأسوأ الأحوال، بالتحالف مع الرأسماليين والشركات الكبرى.
يوجد الرئيس إيمانويل ماكرون، بموضع لا يُحسد عليه، فبعد أن كان من الأوائل في الصف الأوروبي، نراه الآن يتراجع عن إصلاحاته المالية، مُهدداً بذلك، تحالفه مع ألمانيا، حيث ستبقى أنجيلا ميركل، وحيدة للقيام بتنقية الاقتصاد والحسابات الأوروبية، أمام مزيد من الدول المُعادية لذلك كإيطاليا، أو التي لم تعد تستطيع ذلك كاليونان، فرنسا كانت بالنسبة لألمانيا أهم حليف في هذا المجال.
تهكم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، واستنتاجه من الاحتجاجات الفرنسية، بنجاعة سياساته الانفرادية، وغير المكترثة بالتغييرات البيئية، يُظهر مدى الهوة، بين النخب الأوروبية المشغولة بوضع برنامج فعال للحد من التغييرات البيئية، والمواطنين الذين لم تعد لهم المقدرة على تسديد فواتير الكهرباء.
هل تُهدد حركة السترات الصفراء، الديمقراطية الفرنسية؟، كثيرون يطرحون هذا السؤال، ولكنهم في الحقيقة يُعبرون عن خوفهم، وخوف أحزابهم أو نقاباتهم، أو إعلامهم، من الهبوط أكثر إلى القاع، أمام الوجه الجديد للعولمة، تلك التي تأخذ بالحسبان اهتمامات ومشاكل الناس البسطاء، وليس فقط مصالح الرأسمال والمُفرطين في الثراء، والذين استفادوا من إلغاء ماكرون لضريبة الثروة عليهم، ببداية عهده. قد يمر هذا التغيير بمراحل عديدة، منها وصول حركات شعبوية للسلطة، ولكنها بالنهاية ستُعيد التوازن، بين الاقتصاد وضرورة تطوره والمجتمع، وضرورة احترام حق المواطن، بالاستفادة من العولمة والتوزيع العادل للدخل والثروة.
هل هناك أوجه شبه بين الأحداث الفرنسية والربيع العربي؟، ظاهرياً الأحداث تختلف تماماً، فنحن من جهة نطالب بالحرية والديمقراطية وإسقاط الأنظمة الاستبدادية، بينما في فرنسا يطالب الناس بمزيد من الاصلاحات الاقتصادية الديمقراطية والتوزيع الأعدل للثروة. الربط قد يتم عن طريق البعد العالمي والإنساني لكلا الحراكين، فهما الإثنان، امتداد لحراك عالمي، ففرنسا وصلها الحراك التغييري، الذي أصاب عددا من الدول الغربية قبلها، ونحن بالوطن العربي، عشنا ونعيش، ما حصل في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية.
ولكن في النهاية الاثنان يدافعان عن قيم عولمة جديدة، فالمواطن العربي، يسعى للمشاركة بانتخاب واختيار صُناع القرار، والمواطن الفرنسي، يسعى للمشاركة باتخاذ القرار وليس فقط انتخاب من يصنعه، هي مراحل مُتتالية، بدأت هنا بفرنسا، منذ نهاية القرن الثامن عشر مع الثورة الفرنسية، وما زالت متفاعلة، نأمل أن تكون المسافات والأزمان، أقصر في بلادنا، للوصول لحقوقنا الإنسانية، كما فعل غيرنا في أوروبا، أو أنحاء كثيرة أخرى في العالم.

مراقب ومحلل سياسي مقيم في باريس

كلمات مفتاحية

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    الاعلان العالمي للائحة حقوق الانسان يورونيوز 11/12/2018

    VIEW

    في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انتهاكات ولا مبالاة.. فأين نحن من حقوق الإنسان؟
    آخر تحديث: 11/12/2018
    في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انتهاكات ولا مبالاة.. فأين نحن من حقوق الإنسان؟


    بقلم: نزار بدران

    يحتفل العالم كل عام في العاشر من ديسمبر بالذكرى السبعين لإعلان الأمم المتحدة لائحة حقوق الانسان بباريس ، هذا الإعلان الذي تلى الحرب العالمية الثانية وأهوالها واضعا أسس عالم جديد مبني على الحقوق وليس على القوة. كل نقطة بها كانت تعبر عن حق معلن يجب احترامه. هي إذن حقوق معلنة عالميا وليس مبادئ عامه او قيم فقط قابلة للنقاش.

    ما ميز الاعلان هو التأكيد على عالمية هذه الحقوق وشموليتها، لا يُستثنى منها أحد، كما أصرّ على تضمينها للإعلان مندوب فرنسا روني كاسان.

    أين نحن الآن من حقوق الانسان، ولماذا تم الابتعاد لهذا الحد عن روحها، لا يحترم منها تقريباً شيء في كثير من البلدان.

    كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لو صوّتنا اليوم على هذه اللائحة المعلنة فقد لا نجد أغلبية لتبنيها، وهو ما يبين التراجع الكبير لمفهوم حقوق الانسان.

    النموذج العربي قد يكون من أشنع اشكال الانتهاكات لحقوق الانسان، الأنظمة العربية في كثير من الأقطار تنتهك حتى ما يسمى الحقوق الطبيعية مثل حق الحياة والتي تكلم عنها جان جاك روسو بالقرن الثامن عشر.

    لا تجد الدول الديمقراطية بنفس الوقت ما يجبرها على استنكار هذه الانتهاكات تحت شعار المصالح الاقتصادية والتبادل التجاري أو التحالف ضد عدو مشترك وأبرز مثل هو موقف الرئيس الامريكي دونالد ترامب من قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

    يقتل الشعب السوري بمئات الآلاف ويهجر بالملايين ولا تتحرك الدول الغربية الديموقراطية لنصرته.

    يُحاصَر سكان غزة منذ سنوات طوال ويُمنع عنهم الغذاء والدواء والسفر ولا من مكترث بأوضاعهم. نسكت عن الانتهاكات باليمن وانتشار المجاعة ونصمت أمام اضطهاد الروهينغا في دولة تحكمها رئيسة وزراء فائزة بجائزة نوبل للسلام !!.

    أين نحن من مفهوم عولمة وشمولية حقوق الانسان وكونها تهم الانسانية جمعاء؟

    وحدها منظمات حقوق الانسان والمنظمات الإنسانية لا تزال تدافع عن حق اللاجئين بالحماية أو المعذبين وضحايا الحروب لوجود أرض تستقبلهم، بينما تغلق أوروبا أبوابها وموانئها أمامهم.

    الحقوق إذن بمفهوم هؤلاء هي فقط لمجموعة إنسانية معينة، وهي مواطنو دولهم وليس للإنسانية جميعاً كما نادت به الأمم المتحدة عام 1948. هم بالحقيقة لا يؤمنون إلا بالتمترس وإقامة الحواجز، ولكن يبدو بدون طائل، فمع العولمة الاقتصادية لرأس المال وعولمة المجتمعات الإنسانية وتواصلها لم يعد بالإمكان وقف زحف عودة القيم الإنسانية والأخوة العالمية للبشر.

    سنرى بقادم الايام مزيد من الثورات والاحتجاجات الشعبية بالدول الفقيرة ولكن أيضا بالدول الغنية والديمقراطية.

    وحدها قوة المجتمع المدني بحراكه ضد الأشكال السياسية التقليدية التي ستبقي وهج لائحة حقوق الانسان براقا، المجتمع المدني على عكس الأحزاب السياسية لا يدافع إلا عن القيم والحقوق، بينما الآخرون لا يقاتلون إلا من أجل المصالح، فمتى سنصل لمرحلة توافق بين المصالح والقيم والحقوق لبناء المجتمعات الإنسانية الفاضلة؟

    د.نزار بدران – كاتب ومحلل سياسي

    المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر يورونيوز

    مقتل جمال خاشقجي بين السياسة والإعلام

    مقتل جمال خاشقجي بين السياسة والإعلام

    نزار بدران

    كانون اول ديسمبر/05 /2018

    لم نر منذ زمن طويل اهتمام السياسيين بحقوق الإنسان، وبشكل خاص الحق بالتعبير عن الرأي وحرية الصحافة، كما نراه هذه الأيام، مع جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بقنصلية بلاده باسطنبول.
    الرئيس ترامب وغيره من رؤساء الدول الغربية، يحاولون كعادتهم إدانة الجريمه مع التركيز على عمق التبادل التجاري، والمصالح الاقتصادية، بين الدولة البترولية الثرية ودولهم، وأهمية هذا التبادل بالحفاظ على الوظائف، خصوصاً في مجال صناعة الأسلحة.
    لولا تصدي الإعلام، وخصوصاً الواشنطن بوست، حيث كان يعمل الصحفي المغدور، وباقي الإعلام الأمريكي وثم الأوروبي، لتوقفت الأمور عند هذا الحد، وأُدين النظام السعودي شكلياً، واستمر تصدير الأسلحة لتغذية حرب اليمن. لكن رجال السياسة هؤلاء، لم يأخذوا بالحسبان أن الصحافة الأمريكية، وجدت بهذا الحدث ضالتها، والتي تستطيع أن تُعيد لها، شرف الإعلام وشرف الصحافة وقوتها ونصاعتها، بعد أن مر عليها قطار الفيك نيوز الترمبي وهز مصداقيتها.
    كون الضحية قُتل بشكل بشع، وبقنصلية بلاده، والتي كان عليها دور حمايته بدل قتله، بالإضافة لسمعة السعودية السيئة، بالرأي الأمريكي العام والكونجرس، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكونه صحفياً بأحد أهم الجرائد الأمريكية، والتي أسقطت ريتشارد نيكسون، بفضيحة ووتر غيت، كل هذا أبقى قضية خاشقجي حية.
    تراجعت السياسة أمام الصحافة في البدء، والمدافعون عن بيع الأسلحة، مثل الرئيس الأمريكي أو الفرنسي، اضطروا تحت ضغطها، لرؤية مواقفهم من جديد. لم ينج من الفخ الإعلامي، إلا أنجيلا ميركل، علماً أن ألمانيا هي مُصدر ثانوي للأسلحة للسعودية.
    المجتمع المدني تضامن مع الضحية، وأيد طبعاً مبدء العقاب للجناة، بما فيهم قمة السلطة السعودية، وهي متورطة حسب المعلومات المخابراتية الامريكية ، وفتح عليها باب المحاسبة والمسائلة، بمجالات أخرى متعلقة بحقوق المرأة وحقوق الإنسان والسجن والتوقيف التعسفي والتعذيب، كذلك حرب اليمن ونتائجها المُدمرة على المدنيين، قتلاً ومرضاً وجوعاً، بعدما سكت عنها رجال السياسة لسنوات طويلة. وبدأت منظمات المجتمع المدني بمختلف الدول برفع صوتها بقوة. هذه أول حالة برأيي، قد ينتصر به الحق والإنسانية، ضد الاقتصاد ورأس المال، وتنتصر به القيم ضد الإنعزالية والأنانية.
    وحده الرئيس الامريكي ولاسباب تتعلق بمصلحة اسرائيل ولاسباب انتخابية من يغض الطرف داخل الادارة الامريكية محاولا تغطية موقفه بالمصالح الاقتصادية لتمرير صفقة القرن,
    رأينا قبل خاشقجي، إيلان الطفل السوري، مُمدداً على الشاطيء، ولم يُغير ذلك السياسات الأوروبية، بالنسبة للاجئين، بل زادها صعوبة رُغم ردة الفعل القوية للرأي العام. مات بائع السمك الفقير، مفروماً بسيارة قُمامة، بشمال المغرب، ولم يؤدي ذلك لتغيير يُذكر بالمواقف السياسية، نحو الوضع الحقوقي للإنسان بالمغرب، رغم انهزاز الضمير العالمي,قتل الطفل محمد الدرة بغزة وتحرك الكثيرون من المطالبين بالعدالة ولم يعاقب احد ,وحده موت البوعزيزي بتونس، ذلك البائع المتجول، والذي فضل الموت على الذُل، من أشعل الثورات، وفتح صفحة جديدة بالوضع الإنساني بتونس، وأشعل كوكبة الأحداث للربيع العربي.
    لعلنا الآن، ومن جديد، إن سارت الأحداث نحو معاقبة الجُناة الحقيقيين وان استمرت الصحافة خاصة الامريكية وهو الاحتمال الاكبر رغم ضغط اللوبي الصهيوني بالدفع الى تحقيق الحق لان ذلك ايضا من مصلحتها بمواجهة هجوم الرئيس الامريكي عليها منذ توليه الرئاسة، لعلنا في مرحلة أخرى لهذا الربيع، بدأت بمقتل الصحفي الشهيد جمال خاشقجي، ولعل حكام السعودية وغيرها، ممن اعتقلوا وسجنوا وقتلوا المعارضين، هم على عتبة مرحلة جديدة، يبدأ منها زمن المحاسبة الإنسانية، بعد زمن الصمت الاقتصادي والمصالح الرأس مالية.

    كاتب ومحلل سياسي

    من تقسيم فلسطين إلى تقسيم الفلسطينين. القدس العربي 30/11/2018

    د. نزار بدران

    نتذكر كل عام تقسيم فلسطين بقرار من الأمم المتحدة (29/11/1947)، بناءً على طلب من سلطات الانتداب البريطاني، قبل انسحابها وإعلان دولة إسرائيل، متخلية بذلك عن مسؤوليتها التاريخية بالمأساة التي أحدثتها بالشرق العربي ولعقود طويلة.
    وفي مقابل موافقة الطرف الصهيوني، رفض الفلسطينيون القرار، إذ لم يكونوا بوارد التخلي، عن جزء من وطنهم التاريخي، لمجموعة من المهاجرين القادمين من أوروبا، علماً أن عدد اليهود بفلسطين عام 1914 كان 60 ألفا، منهم 39 ألفا من أصول عربية عثمانية، مقابل 600 ألف عربي مسلم ومسيحي. بينما كان ذلك بالنسبة للطرف الآخر الصهيوني، أول «اعتراف شرعي» بوجوده وأحقيته بالبقاء في المنطقة، ولم يكن ممكناً لرجل مثل بن غوريون، ألا أن ينتهز هذه الفرصة الذهبية، بالتوافق بين الأمريكيين والروس، والذي كان توافقاً استثنائياً، بالنسبة للعلاقات المتوترة بين الدولتين الكبيرتين مع بداية الحرب الباردة.
    مرت السنون ولم يعد أحد يطالب بتطبيق قرار التقسيم، ولا حتى بشقه المتعلق بحق اللاجئين بالعودة لديارهم، والذي كان مرتبطاً بحل الدولتين حينذاك.
    هل تعلمنا شيئاً من مأساة التقسيم، وهل جمع الفلسطينيون والعرب قواهم منذ سبعين عاماً لاستعادة حقوقهم، الجواب طبعاً ليس فقط بالنفي، بل بزيادة الفُرقة داخل الصف الفلسطيني، وبدء التطبيع وحتى التحالف بين عدد من الدول العربية وإسرائيل على حساب الفلسطينيين، كما نرى مثلاً فيما يراد لنا أن نشهد مأساة جديدة عبر مشروع صفقة القرن الأمريكية، وتهافُت بعض الدول الإقليمية على طلب رضى الرئيس ترامب.
    انتقل الشعب الفلسطيني، لسوء طالعه، من شعب جُزء وطنه واحتُل، إلى شعب جرى تجزئته، فنحن الآن، وبفضل الحركات الوطنية الفلسطينية التقليدية، أصبحنا شعوباً وقبائل متناثرين ومتناتشين، بين غزة المُحاصرة والضفة المُقطعة ومخيمات اللجوء بلبنان ومناطق أخرى، هذا بالحقيقة هو استمرار للسياسات الفلسطينية والعربية منذ البدء، حيث استُبدل كون فلسطين مسؤولية الأمة العربية، إلى كونها فقط مسؤولية الشعب الفلسطيني.
    التجزئة العربية النابعة من السياسات البريطانية، بعد هزيمة الدولة العثمانية، أعطت وتُعطي لحد اليوم أكلها، وأثبتت نجاعة وعبقرية الفكر الإنكليزي، بتشتيت جهود الأمة العربية، وإدخالها منذ حوالي قرن من الزمن، في حروب داخلية وخارجية، ونهب ثرواتها من حكامها لصالح الدول الغربية فقط.
    الشعب الفلسطيني، حتى لو تمكن من توحيد صفوفه، فلن يكون بأحسن الأحوال قادراً على الحصول إلا على الفتات، من حكم ذاتي بالضفة أو شبه سلطة مستقلة بغزة، مع نسيان حق اللاجئين.
    لا يمكن التصدي للمشروع الصهيوني، والذي انتقل من تقسيم فلسطين عام 1947، إلى توحيد فلسطين تحت سيطرته واحتلاله الآن، مترجماً ذلك سياسياً، برفضه «حل الدولتين»، وتكثيف الاستيطان، ومحاولة الغاء وكالة الغوث للاجئين، «حل الدولتين» ذلك السراب الذي كنا نجري خلفه منذ اتفاقيات أوسلو.
    لا يمكن التصدي حقيقة لذلك المشروع، إلا بتوحيد جهود الأمة شاملة، والوعي أن فلسطين هي جزء لا يتجزأ منها، وأن إنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، لا يتم إلا عن طريق إنهاء مأساة الأمة العربية، القابعة تحت سلطات استبدادية قمعية، تشُل قدراتها وتشتت جهودها وتضيع ثرواتها.
    من هنا وجوب تصحيح ترتيب الأولويات، بالبدء ببناء الذات العربية والإنسان الحر، والتغلب على الأنظمة القمعية، لصالح بناء ديمقراطي حديث، وذلك هو الطريق الاضطراري لإنقاذ شعوب الأمة، بما فيها الشعب الفلسطيني وبلاد الأمة بما فيها فلسطين.

    كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

    الدوله القطرية العربيه الوهم القاتل

    حدود الدولة العربية والوهم القاتل

    22 – نوفمبر – 2018

    د. نزار بدران

    تعيش الشعوب العربية منذ قُرابة القرن، فيما يُسمى حالياً الدول العربية، ولطول الزمن نسبة إلى عمر الإنسان، نعتقد أن هذه الدول هي كيانات طبيعية، أنتجها تاريخ قديم وحضارات ضاربة جذورها بالماضي، ذلك الذي يؤهل مجموعة ما، لحمل اسم شعب مُميز بهويته الخاصة الثقافية والتاريخية. لكن الحقيقة العربية هي عكس ذلك تماماً، وما نحمله بأذهاننا وأفكارنا، لا يتطابق مع المُعطيات التاريخية ولا الاجتماعية، هي كمن يعيش الوهم وكأنه الحقيقة.
    سقوط وهزيمة الدولة العثمانية، والتي استمرت لقرون، تزامن مع نشأة هذه الأقطار، بناء على مصالح دول أوروبا العُظمى بزمنها، أي فرنسا وبريطانيا. فالحدود التي تُحيط بهذه الدول، لا تعكس حقيقة، أي بُعد أو خصوصية معينة، هذا ما رأيناه أيضاً بالقارة الإفريقية، مع نشأة دول قَسَمت بحدودها الموروث من الاستعمار، قبائل وشعوبا، تلك الدول التي صُنعت أصلاً بناء على ثرواتها، وتناقض أو توافق الدول المُستَعمِرة، ما خلف في كثير من الأحيان والأماكن، أوضاعاً إنسانية مأساوية.
    هل نشأة الدولة القطرية العربية، والتي يُدافع عنها الجميع، هي هدف سامٍ بحد ذاته، يستحق الموت من أجله، أم أن هذا ليس إلا خدعة تاريخية لتشتيت جُهد الأمة وقواها، وإضاعتها بصراعات داخلية وخارجية وهويات قومية وطائفية، لا طائل منها؟.
    من قبل، ولفترة أربعة قرون، كنا كلنا تقريباً عثمانيين، نُحكم من اسطنبول، عاصمة الخلافة العثمانية، ولم تكن هناك أقطار، وإنما محافظات أو مقاطعات عربية بدولة واحدة، تختلفُ تماماً عن حدود الدول العربية الحالية، يستطيع أي مواطن بها، أن ينتقل من أدناها إلى أقصاها، بدون عوائق، ويُجند أبناؤها لحروب هذه الإمبراطورية بالبلقان وغيره. قبل العثمانيون، كانت هناك أيضاً دول أخرى، ولكن لم توجد أقطار عربية بالمفهوم الحديث.
    كيف نشأت هذه الدول القطرية، وهل استمرارها بالشكل نفسه مُمكن تاريخياً، أي هل تُعبر هذه الدول، عن حاجة تاريخية حقيقية للشعوب التي تعيش فيها، وهل تستطيع أن تؤمن لهم الرفاهية والأمان المطلوب من أي دولة بالعالم لشعبها؟

    قراءة التاريخ

    لا مناص للعودة قليلاً إلى الخلف، لقراءة التاريخ لفهم ما حدث ويحدث اليوم، والعلاقة بين أوروبا والعالم العربي والإسلامي، ضروري لفهم قيام هذه الدول. مع تطور القوة العسكرية لأوروبا، خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، وتفوقها الكاسح بكل المجالات، بعد الثورة العلمية والصناعية، لم تستطع الدولة العثمانية الاستمرار بإبعاد الخطر الأوروبي، وإنهاء وجوده بشرق البحر المتوسط، كما فعلت خلال القرنين السادس والسابع عشر، فارضة حينذاك ما يُسمى السلم العثماني (بعد معركة كريت بمنتصف القرن السابع عشر).
    أخذ التدخل الأوروبي بالهلال الخصيب والجزيرة العربية لزمن طويل، شكل حماية الأقليات الدينية أو العرقية، سيطر الفرنسيون على المناطق الحضرية، أو ما يُسمى سوريا الكبرى Syria، مقابل سيطرة البريطانيين على مناطق البادية، أو البداوة، أي الجزيرة العربية وشرق الأردن وأجزاء من العراق، تحت ما يُسمى Arabia، ووُضعت فلسطين تحت الوصاية الدولية تمهيداً للمشروع الصهيوني، ذلك حسب معطيات اتفاقيات سايكس بيكو لعام 1916بين القوتين المتنافستين، فرنسا وبريطانيا.
    هذا التقاسم بتوزيع مناطق النفوذ، هو ما حَددَ هوية الحدود المُستقبلية بين دول هذه المناطق فيما بعد، فالحاجة لفصل بلاد الشام عن الجزيرة العربية، أدى حسب المؤرخين (أمثال هنري لورانس)، إلى رسم الحدود العراقية والأردنية وصولاً إلى فلسطين، على شكل قوس أو ممرٍ طويل، هذه الحدود من المِنظار البريطاني، تهدف لمنع حرية خروج القبائل البدوية، من الجزيرة العربية باتجاه الشمال (سوريا والمناطق الحضرية)، كما فعلوا منذ مئات السنين. كانت هذه القبائل تُعتبر خطراً ممكناً على الوجود الغربي، وهي التي حملت مع الشريف حسين، فكرة إقامة الدولة العربية الواحدة، وكانت عماد الثورة الكبرى، ضد الأتراك إلى جانب البريطانيين، دافعة بقوة نحو انهيار الإمبراطورية العثمانية بالحرب العالمية الأولى، وكانت قبل ذلك، مصدر خروج الدولة الإسلامية، والتي غيرت مجرى تاريخ العالم لقرون طويلة. لذا فإن محاصرتها ومن ثم تقطيعها، كان هدفاً استراتيجياً بحد ذاته.
    الوجه الآخر لرسم هذه الحدود، هو اكتشاف النفط بالجزيرة العربية والعراق، وضرورته لتشغيل الآلة العسكرية الحديثة، وهو ما أدى إلى تغيير الصورة الجيوسياسية للمنطقة. كانت الجيوش الأوروبية ببداية القرن العشرين ونهاية التاسع عشر، تستعمل الوقود القادم من أمريكا، مع كلفته العالية بسبب البُعد الجغرافي، مؤدياً لاستبداله بالنفط المُنتج بالشرق الأوسط، بمناطق تحت السيطرة البريطانية مباشرة، الأمر الذي أدى إلى تغيير الاهتمام، من طريق الحرير والبهارات التقليدي، إلى طريق النفط الجديد، القادم من منطقة الخليج العربي والعراق، مع مشروع خط أنابيب لنقل النفط عبر الأردن إلى حيفا.

    الوصاية الدولية

    وفي الوقت نفسه، تطور النقل الجوي على بساطته، حيث أصبح من الممكن ربط لندن بالهند ببضعة أيام، مروراً بمطارات تقع جميعها تحت السيطرة البريطانية، من مصر إلى الأردن والعراق، بدون الحاجة إلى استعمال مطارات وأراض تحت سيطرة منافسها المباشر فرنسا، وهذا ما أمنه الرسم الحدودي لهذه الدول، وتم وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية، مع تغيير بحدودها الشمالية لبضعة كيلو مترات، لاستيعاب عدة مستوطنات يهودية، حسب اتفاقية سان ريمو لعام 1920، المُكملة والمُعدلة لاتفاقية سايكس بيكو لعام 1916. هذا الرسم الجديد للمنطقة، تم اعتماده من قِبل عصبة الأمم لعام 1922.
    أضاف الفرنسيون لمساتهم الخاصة، حاملين مشروع تحضير وفرنسة الشرق وسوريا الكبرى، مع حماية الأقليات المسيحية (إقامة دولة لهم بلبنان)، وفي مرحلة أخرى، فكرة إقامة دولة خاصة بالعلويين، وتقسيم سوريا على أُسس طائفية، ولكن هذا لم يتم.
    نرى إذن أن الحدود التي رسمها الغرب، لم تهتم إلا بالمصالح الغربية؛ كمراقبة طرق المواصلات ونقل النفط وعزل المجموعات البشريه بدون اي اعتبار لمصالح وتطلعات السكان. ورفضاً لذلك، اشتعلت المنطقة بالثورات والاحتجاجات الشعبية، جمعت السنة والشيعة بالعراق، ضد الوجود البريطاني، كذلك الوطنيين بسوريا وفلسطين، مع اشتداد أعمال المقاومة، ولكن جميع هذه الثورات اُخمدت بقوة الحديد والنار.
    نحن إذاً أمام حدود دول، طُلب من سكانها، أن يصبحوا شعوباً مختلفة، وأُلف لهم تاريخ خاص، لإقناعهم بذلك، بينما هم بالحقيقة، الشعب نفسه ويعيشون يهذه المنطقة منذ آلاف السنين.
    بالمفهوم التاريخي للأمم، لا معنى لهذه الدول، لأنها لا تُعبر عن حاجة وجودية لشعوبها، هذا لا يعني عدم وجود مناطق، ولكن قبل قيام الدولة القطرية، لم يكن هناك أي حدود تُعيق حركة السكان الذين يعيشون فيها، كان بإمكانك السفر من بغداد إلى مصر أو أي منطقة أخرى، بدون عوائق حدودية، الانتماء كان للمجموعة وليس لقطر ومكان معين.
    نموذج بلاد الشام بإنشاء دولة قطرية، ذات الحدود المُغلقة الذي كان صلب تحليلنا، ينطبق أيضاً على مناطق أخرى بالوطن العربي، ولأسباب وبوسائل متباينة، ولكن القاسم المشترك، هو توافقها مع مصالح الدول الغربية المُسيطرة حينذاك، فدول الخليج مثلاً، هي مثال واضح على تحويل قبائل من الشعب نفسه، إلى دول مختلفة ذات سيادة وحدود مغلقة، لهدف واضح جداً وهو السيطرة على منابع النفط.
    الدول القومية الغربية (ألمانيا فرنسا بريطانيا)، تُعبر بوجودها عن خصوصيات أمم متباينة، وفي كثير من الأحوال متصارعة عبر التاريخ، مفهوم الأمة، وإيجاد الدولة، مُرتبط إذاً بتاريخ هذه الأمة وماضيها، وما جمع سكانها من انتصارات وإنجازات أو هزائم ومصائب، وما يأملون معاً بعمله لمستقبلهم، وليس خصوصياتهم الدينية الطائفية العرقية أو اللغوية، أو جغرافية المنطقة التي يسكنون بها، ومثل الولايات المتحدة، أقوى دولة بالعالم، هو نموذج صارخ على ذلك، فلا جنس واحد، ولا لغة واحدة، ولا دين واحد، ولكن ماضٍ مشترك مجيد، لإقامة الدولة الأمريكية، وكذلك ماضٍ مشترك مأساوي من الاستعباد الداخلي للسود، الأمة إذاً، كما يقول أيرنست رينان، المؤرخ الفرنسي عام 1881، بكتابه تكوين الأمم؛ هي إستفتاء يومي على العيش المُشترك.
    هل تتطابق هذه المعايير مع كينونة الدولة القطرية؟، طبعاً لا، فلا هي تعبير عن ماضٍ مُشترك، بما يحمل من انتصارات وإنجازات أو كوارث وهزائم، هي فقط إرادة المُستعمر ولمصلحته فقط، والتي تهدف إلى إزالة وسائل الحضارة المُتعارف عليها، وهي كما عرفها مؤسس التاريخ الشامل، فرنان برودل، أرض شاسعة متناسقة، شعب كثير العدد، وفترة طويلة من السلم. في حين أن إقامة الدولة القطرية، أدى إلى إنهاء هذه العوامل الثلاث، فبلادنا شاسعة، ولكنها مقطعة بحدود عديدة، تمنع حرية الحركة، وشعب كثير بمئات الملايين، ولكنه مجزأ داخل اقفاص الدول القطرية، وحروب داخلية وخارجية لا تنتهي، مُنهية الشرط الأخير، وهو فترة طويلة من السلام.
    فمتى سننظر لمصلحتنا نحن، ولمستقبل أبنائنا، كما فعلت دول وأمم أخرى بكل بقاع الأرض، ونخرج من البُنية التجزيئية، التي فُرضت على الأمة في فترة هوان؟.

    كاتب ومحلل سياسي عربي

    كلمات مفتاحية

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

      الطب الشرعي السعودي الحديث القدس العربي 15 نوفمبر 2018 نزار بدران

      عرف التاريخ استعمالاً للطب لأهداف إجرامية تخرج تماماً عن أعراف وأخلاقيات العمل الطبي، وأضافت السعودية بجريمة قتل جمال خاشقجي، صفحة جديدة لهذا الملف الأسود، عندما أرسلت طبيب تشريح وطب شرعي، لقتل وتقطيع الضحية، كما أكد المُدعي العام التركي، وذلك في محاولة لإخفاء الجريمة، بدل الدور الطبيعي لهكذا طبيب، بكشف الجريمة وتعرية فاعلها أو فاعليها.
      استعمل النازيون أطباء مجرمين، وأشهرهم جوزيف منغيليه، بتجاربهم الطبية المُفزعة، في إطار نظرية النقاء العرقي، وجهودهم لإعطاء بُعد علمي، لنظرية العنصرية البيولوجية، وتفوق العنصر الآري الألماني، على باقي الأجناس، بالإضافة لتخليصه من آفات المرضى العقليين والمعاقين.
      من ناحية أخرى، نجد أطباء مرضى نفسيين، هم أصلاً مجرمون قبل كونهم أطباء، أمثال الطبيب الشهير، بتيو في فرنسا، والذي حُكم بقطع رأسه عام 1946 بالمقصلة، بجريمة قتل 26 سيدة، استدرجهن لبيته لسرقتهن وقتلهن ثم حرق جثثهن.
      وخلال حرب البوسنة، قام الطبيب رادوفان كاراديتش، رئيس عصابات الصرب، بقتل آلاف المسلمين، وتدمير عشرات المستشفيات والمراكز الطبية، والذي حوكم بمحكمة الجنايات الدولية.
      ولا ننسى الدكتور بشار الأسد، وتسببه ومسؤوليته عن موت عشرات آلاف الضحايا الأبرياء في سوريا، والذي لم يتوان حتى عن استخدام السلاح الكيميائي لقتل الأطفال والنساء.
      إن استدراج جمال خاشقجي، لمبنى قنصلية بلاده في إسطنبول، لقتله وتقطيع أوصاله، بيد طبيب متخصص، متخرج من الجامعات السعودية والغربية، يسيء بشكل مؤكد للسعودية ونظامها، ولكن أيضاً بشكل غير مباشر وثانوي، للطب والأطباء العرب. لا أظن أن أساتذة هذا الطبيب، كانوا يدركون الكيفية التي سيستعمل بها محاضراتهم وعلمهم، ومآلات القسم الذي تلفظ به عند استلام شهادته بالطب.
      هؤلاء هم مجرمون أولاً وأخيراً، وليسوا أطباء ، لأن اسم الطبيب لا يمكن أن يُعطى إلا لمن أحيا الإنسانية، وليس لمن قتلها.
      التاريخ العربي مليء بالأسماء العظيمة، في عالم الطب، أمثال ابن سينا وابن النفيس، ولن يُؤذي هذا التاريخ أسماء مجرمين، امتهنوا الطب فقط، لخدمة السلطان، مهما كانت أوامره.
      قدم مئات الأطباء السوريين، حياتهم لإنقاذ حياة أبناء وطنهم، وكذلك فعل أطباء كثيرون بدول عديدة، وساهم غيرهم بالدفاع عن القيم العُليا التي يؤمنون بها، أمثال تشي جيفارا، والذي قُتل في بوليفيا عن عمر 39 عاماً، أو سلفادور أليندي، الرئيس المنتخب لتشيلي، والذي قدم حياته دفاعاً عن الديمقراطية عند انقلاب الجنرال بينوشيه عليه عام 1973.
      هؤلاء المجرمون سيدخلون مزبلة التاريخ، ليبقى الطب والأطباء رمزاً للإنسانية بكل زمان ومكان.

      طبيب عربي مقيم في فرنسا

      من وعد بلفور الى صفقة القرن

      من وعد بلفور الى صفقة القرن

      Euronews
      02/11/2018

      بقلم د. نزار بدران – مراقب ومحلل سياسي

      انقضى أكثر من قرن على وعد بلفور الشهير والذي اعطت بموجبه بريطانيا للحركة الصهيونية إمكانيه قيام كيان مستقل لليهود، وما أدى قيام هذه الدولة من تشريد للشعب الفلسطيني منذ النكبة عام 1948.

      لم يتمكن الفلسطينون على مدار عشرات السنين من الخروج حقا من مازقهم التاريخي، فالواقع الفلسطيني الحالي لا يبشر بخير كثير. الخلافات الداخلية بين الحركات الفلسطينية والتي تدعي كلها تمثيل الشعب الفلسطيني تمنع طرح مشروع وطني موحد لمواجهة الضغط الاسرائيلي الامريكي والذي أصبح مدعوما حتى من كثير من الدول العربيه.

      زياره رئيس الوزراء الاسرائيلي قبل بضعة أيام لسلطنة عمان بدون تفيسر واضح لأسبابها هو دليل فشل الطرف الفلسطيني بالتأثير لصالحه حتى داخل الوسط العربي، ذلك انعكاسا لواقع الخلافات الداخلية.

      السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية بالإضافة لمنظمة التحرير الفلسطينية بالاجتماع الاخير للمجلس المركزي رغم الشعارات الطنانة والتهديدات بالانسحاب من الاتفاقيات مع اسرائيل احتجاجا على خطة الرئيس الامريكي بما يسمى صفقة القرن ونقله سفارة بلاده للقدس، لا يمكن أن تكون بديلا عن سياسة موجهة نحو الشعب الفلسطيني داخل وخارج الأراضي المحتلة.

      القياده الفلسطينية وحكومة حماس بغزة لا يملكان برأينا الشرعية الكافية للقيام أو انتهاج سياسات تسمح بدفع حقوق الفلسطينيين إلى الأمام نحو الهدف الذي رسموه لانفسهم بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

      المطلوب الآن من القيادة الفلسطينية هو العمل السريع لإعادة اللحمة الوطنية والعودة للشعب الفلسطيني لتجديد شرعيتها عبر انتخابات حرة ونزيهة مفتوحه أمام كل القوى الفلسطينية.

      نحن نعلم بالدول الغربية والديمقراطية بشكل عام، أن المشاكل المهمة سياسية كانت أو اجتماعية لا تحل إلا عن طريق الاستفتاء وطلب رأي المواطنين ، فمتى سيتجه الفلسطينيون نحو ذلك، أم أن المصالح الفئوية والحفاظ على المناصب تحول دون تحقيقه، فاتحين الباب بأنفسهم من حيث لا يدرون لتحقيق ما يسميه الفلسطينيون وعد بلفور جديد متمثلا بالمشروع الامريكي للرئيس ترامب.

      الكاتب د. نزار بدران – مراقب ومحلل سياسي

      المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر يورونيوز

      الجالية في فرنسا. العربي الجديد

      الجالية في فرنسا… غياب التجمع الشامل
      تظاهرة في باريس تدعو لإنهاء معاناة قطاع غزة (وكالات)الجالية في فرنسا... غياب التجمع الشامل

      28 أكتوبر 2018
      يبقى الوجود الفلسطيني في فرنسا قليل العدد، مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، فهم لا يتجاوزون بأحسن التقديرات 5 آلاف نسمة، ومعظمهم يحملون الجنسية الفرنسية. حضر معظم هؤلاء منذ السبعينيات من أماكن متعددة من الوطن العربي، فهم إما طلاب أصلاً كانوا قد قدموا للدراسة ثم استقروا، أو كانوا قد تعلموا بالمغرب العربي، بعد أن تعلموا اللغة الفرنسية. وهناك هجرة قادمة من لبنان، بعد الحرب الأهلية بسنوات الثمانينيات، وخصوصاً من العائلات الفلسطينية المسيحية، بالإضافة إلى بعض رجال الأعمال القادمين من دول الخليج العربي، وبعض العصاميين القادمين من فلسطين أو الأردن.
      بشكل عام يتمتّع أعضاء الجالية بوضع اجتماعي جيد، ولكن قلة عددهم لا تسمح لهم بالظهور بشكل واضح، كالجاليات العربية الأخرى. ومن ناحية الاندماج فإن الجالية الفلسطينية في فرنسا تعتبر من أكثر الجاليات اندماجاً.
      كانت هناك محاولات عديدة لإيجاد جالية مُنظمة وفعالة، ولكن الخلافات الفلسطينية الداخلية حالت دون ذلك، ففي عام 1998، أُنشئت جمعية باسم الجالية، في مدينة مومبيلية الفرنسية، ولكنها انتهت سريعاً، بسبب الخلافات على إدارتها، أدى ذلك في ما بعد لإنشاء جمعية أخرى، اختارت اللامركزية أسلوب عمل، إذ أُسست لها فروع متعددة داخل المناطق الفرنسية المختلفة، ذات الوجود الفلسطيني، مُمَثلة كلها بلجنتها الإدارية. وبالتوازي مع هذه الجمعية الجامعة، وُجدت جمعيات أخرى، بأهداف محدودة، كجمعية زمن فلسطين، المُهتمة بالثقافة والفن والتاريخ، أو جمعية مُنتدى فلسطين المواطنة، المُهتمة بالبُعد العلماني وحقوق المرأة، أو جمعية الملتقى الفلسطيني أو جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين.
      تضاف إلى ذلك جمعيات مُتخصصة، وأهمها تجمع الأطباء الفلسطينيين بفرنسا، الذي استطاع منذ عشر سنوات فرض وجود علمي طبي، داعم للقطاع الطبي الفلسطيني، مع التركيز على التعليم ونقل المعرفة، عن طريق البعثات الطبية لأرض الوطن ومخيمات الشتات، أو استقبال وفود طبية للتعلم داخل المستشفيات الطبية، وعقد مؤتمر طبي فلسطيني فرنسي سنوي في باريس، بالإضافة إلى حملات الإغاثة المُتعددة.
      للأسف، فإن الانقسام الفلسطيني، منذ أكثر من عشرين عاماً، رمى بظلاله على تنظيم الجالية بفرنسا، وأعاق إمكانية إيجاد تجمع شامل فعال، يستطيع التعبير والضغط داخل فرنسا، لصالح القضية الفلسطينية. لكن ذلك لم يمنع الجمعيات المذكورة أعلاه وغيرها والأفراد، من العمل الدؤوب ليلاً ونهاراً لرفع راية فلسطين، إما عن طريق المظاهرات أو المشاركة بالفعاليات الفرنسية، كالعمل مع منصة فلسطين، التي تضم أكثر من 40 جمعية فرنسية، أو جمعية أوروبا فلسطين ذات النشاطات العديدة والتوجه اليساري، وتعمل جميعها في الوسط النقابي والسياسي الفرنسي، للتأثير على القرار الرسمي.
      الانتماء الفكري والحزبي للفلسطينيين في فرنسا، والذي في بعض الأحيان يعود لعشرات السنين، أصبح برأيي المُعيق الأكبر لتوحيد الجالية، ونحن نعتقد بفرنسا، كباقي الجاليات بأوروبا، بحقنا في الانتماء السياسي، والمشاركة في العمل الفلسطيني العام، داخل وخارج فلسطين، ولكن مفهوم توحيد الجالية، لا يمكن أن يتم إلا على أُسس توافقية، أي العمل فقط من خلال ما يُسمى الثوابت الوطنية، والتي يتفق عليها الجميع. التنوع الفكري والسياسي هو دليل حيوية المجتمع الفلسطيني، ولكن ذلك لا يجوز أن يُعيق توحيد العمل.
      الجالية الفلسطينية يجب أن تُبنى إذاً على الثوابت فقط، وتترك الأفكار الفلسفية وغيرها للنقاش خارج الأطر الرسمية. بفرنسا كما ببقية أوروبا، يجب ألا ننسى أن الجالية هي جزء من الشعب الفلسطيني، ورافد قوي لحراكه وداعم لحقوقه، ولكنها بنفس الوقت جزء من المجتمعات الغربية، التي اختارت أن يعيش أبناؤها بها. الاهتمام بجيل الأبناء وانتمائهم الفلسطيني هو أيضاً هاجس دائم، حتى تبقى فلسطين حية جيلاً بعد جيل، مهما طال الزمن، وامتدت المسافات.
      (رئيس تجمع الأطباء الفلسطينيين في أوروبا)