مقتل جمال خاشقجي بين السياسة والإعلام

مقتل جمال خاشقجي بين السياسة والإعلام

نزار بدران

كانون اول ديسمبر/05 /2018

لم نر منذ زمن طويل اهتمام السياسيين بحقوق الإنسان، وبشكل خاص الحق بالتعبير عن الرأي وحرية الصحافة، كما نراه هذه الأيام، مع جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بقنصلية بلاده باسطنبول.
الرئيس ترامب وغيره من رؤساء الدول الغربية، يحاولون كعادتهم إدانة الجريمه مع التركيز على عمق التبادل التجاري، والمصالح الاقتصادية، بين الدولة البترولية الثرية ودولهم، وأهمية هذا التبادل بالحفاظ على الوظائف، خصوصاً في مجال صناعة الأسلحة.
لولا تصدي الإعلام، وخصوصاً الواشنطن بوست، حيث كان يعمل الصحفي المغدور، وباقي الإعلام الأمريكي وثم الأوروبي، لتوقفت الأمور عند هذا الحد، وأُدين النظام السعودي شكلياً، واستمر تصدير الأسلحة لتغذية حرب اليمن. لكن رجال السياسة هؤلاء، لم يأخذوا بالحسبان أن الصحافة الأمريكية، وجدت بهذا الحدث ضالتها، والتي تستطيع أن تُعيد لها، شرف الإعلام وشرف الصحافة وقوتها ونصاعتها، بعد أن مر عليها قطار الفيك نيوز الترمبي وهز مصداقيتها.
كون الضحية قُتل بشكل بشع، وبقنصلية بلاده، والتي كان عليها دور حمايته بدل قتله، بالإضافة لسمعة السعودية السيئة، بالرأي الأمريكي العام والكونجرس، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكونه صحفياً بأحد أهم الجرائد الأمريكية، والتي أسقطت ريتشارد نيكسون، بفضيحة ووتر غيت، كل هذا أبقى قضية خاشقجي حية.
تراجعت السياسة أمام الصحافة في البدء، والمدافعون عن بيع الأسلحة، مثل الرئيس الأمريكي أو الفرنسي، اضطروا تحت ضغطها، لرؤية مواقفهم من جديد. لم ينج من الفخ الإعلامي، إلا أنجيلا ميركل، علماً أن ألمانيا هي مُصدر ثانوي للأسلحة للسعودية.
المجتمع المدني تضامن مع الضحية، وأيد طبعاً مبدء العقاب للجناة، بما فيهم قمة السلطة السعودية، وهي متورطة حسب المعلومات المخابراتية الامريكية ، وفتح عليها باب المحاسبة والمسائلة، بمجالات أخرى متعلقة بحقوق المرأة وحقوق الإنسان والسجن والتوقيف التعسفي والتعذيب، كذلك حرب اليمن ونتائجها المُدمرة على المدنيين، قتلاً ومرضاً وجوعاً، بعدما سكت عنها رجال السياسة لسنوات طويلة. وبدأت منظمات المجتمع المدني بمختلف الدول برفع صوتها بقوة. هذه أول حالة برأيي، قد ينتصر به الحق والإنسانية، ضد الاقتصاد ورأس المال، وتنتصر به القيم ضد الإنعزالية والأنانية.
وحده الرئيس الامريكي ولاسباب تتعلق بمصلحة اسرائيل ولاسباب انتخابية من يغض الطرف داخل الادارة الامريكية محاولا تغطية موقفه بالمصالح الاقتصادية لتمرير صفقة القرن,
رأينا قبل خاشقجي، إيلان الطفل السوري، مُمدداً على الشاطيء، ولم يُغير ذلك السياسات الأوروبية، بالنسبة للاجئين، بل زادها صعوبة رُغم ردة الفعل القوية للرأي العام. مات بائع السمك الفقير، مفروماً بسيارة قُمامة، بشمال المغرب، ولم يؤدي ذلك لتغيير يُذكر بالمواقف السياسية، نحو الوضع الحقوقي للإنسان بالمغرب، رغم انهزاز الضمير العالمي,قتل الطفل محمد الدرة بغزة وتحرك الكثيرون من المطالبين بالعدالة ولم يعاقب احد ,وحده موت البوعزيزي بتونس، ذلك البائع المتجول، والذي فضل الموت على الذُل، من أشعل الثورات، وفتح صفحة جديدة بالوضع الإنساني بتونس، وأشعل كوكبة الأحداث للربيع العربي.
لعلنا الآن، ومن جديد، إن سارت الأحداث نحو معاقبة الجُناة الحقيقيين وان استمرت الصحافة خاصة الامريكية وهو الاحتمال الاكبر رغم ضغط اللوبي الصهيوني بالدفع الى تحقيق الحق لان ذلك ايضا من مصلحتها بمواجهة هجوم الرئيس الامريكي عليها منذ توليه الرئاسة، لعلنا في مرحلة أخرى لهذا الربيع، بدأت بمقتل الصحفي الشهيد جمال خاشقجي، ولعل حكام السعودية وغيرها، ممن اعتقلوا وسجنوا وقتلوا المعارضين، هم على عتبة مرحلة جديدة، يبدأ منها زمن المحاسبة الإنسانية، بعد زمن الصمت الاقتصادي والمصالح الرأس مالية.

كاتب ومحلل سياسي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s