عودة السياسة عنوان العالم الجديد

القدس العربي ١٢ اذار٢٠٢٣

نزار بدران

منذ الهجوم الروسي على أوكرانيا في نهاية شباط/فبراير من العام المنصرم، تركزت الأنظار على تداعياته على الأمن في أوروبا والغرب، خصوصا مع التلميح المتكرر لإمكانية استعمال السلاح النووي الروسي، والتي تتزايد مع تزايد الهزائم على أرض المعركة.
سبق هذه الحرب العسكرية ومنذ عام 2020، حربا بيولوجية طبيعية عالمية مع انتشار وباء كورونا وتهديده الإنسانية الوجودي، وكأننا عدنا لأزمنة القرون الوسطى وما رافقتها من أوبئة فتاكة مثل الطاعون. لولا تطور الطب وظهور لقاح فعال لكنا ما زلنا مختبئين في بيوتنا، وكأن الخروج للشارع أصبح في حد ذاته مقامرة حياتية. هذا ما رأيناه مؤخرا في الصين بعد التراجع عن سياسة العزل الاجتماعي العام دون تأمين لقاح فعال.

التهديد النووي الروسي

التهديد النووي الروسي والبيولوجي الطبيعي وضع الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية في وضع مغاير لما كانت عليه، باستطاعتنا أن نقول إن الكرة الأرضية قبل 2020 ليست هي نفسها ما بعد ذلك.
القارئ لما يقوله المحللون والسياسيون والمختصون، قد لا يستفيد شيئا من كل ما يقرأ، فهو يتغير ويتبدل كل يوم. تحالفات تنتهي وأخرى تبدأ، تجمعات ورؤى جديدة، هذا عالم يولد من جديد وليس فقط تغير في العلاقات الدولية على مبدأ الأقطاب والتحالفات.
العالم الذي سبق عام 2020 هو عالم مبني على مركزية الاقتصاد وهيمنته على السياسة، ما ترجم بمفهوم العولمة الاقتصادية. أصحاب الشركات الكبرى هم من يحدد للساسة ما عليهم فعله، حرية السوق على مستوى العالم هي المرجعية المطلقة، ليس على السياسة إلا اللحاق بها وتسهيل عمل مستثمري رأس المال وليس وضع الخطط لمراقبة أنشطتهم وأرباحهم.
صانعو السيارات اليابانية أو الأمريكية يعملون ذلك في كل بقاع الأرض، كذلك الأمر بالنسبة للأدوية وكافة أشكال الصناعة. قليلة تلك الأنشطة الاقتصادية التي كانت مرتبطة بسياسة دولة معينة (مثل مراقبة بعض الأنشطة العسكرية، التكنولوجيا الحساسة أو المركبات الفضائية). ما نستهلكه يوميا من مأكل وملبس وحركة سفر وغيره هو معولم بالكامل. هذا ما سمح بتطوير دول عديدة وانتقالها من الفقر إلى وضع أكثر غناء، كما رأينا مع الصين، كوريا الجنوبية، فيتنام، تركيا أو أندونيسيا ودول عديدة في جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
العولمة على علاتها كانت شيئا ايجابيا، لأنها قصرت المسافات بين الشعوب والدول، وسمحت لمن امتلك الجرأة بالمضي في طريق الانعتاق الاقتصادي.
الذين لم يستفيدوا من العولمة هم تلك البلدان التي لم تعمل أنظمتها السياسية شيئا غير نهب ثروات شعوبها، مثال عدد كبير من الدول العربية، عكس دول إسلامية عدة.

النظام الصحي الغربي

الآن برأيي انتهت هذه الفترة الزمنية بإيجابياتها وسلبياتها، وبدأت السياسة في الدول الغربية بالعودة إلى دورها التقليدي، ومحاولة توجيه الاقتصاد بدل الانجرار خلفه، ذلك عن طريق استرداد معظم الصناعات والأنشطة الاقتصادية التي كانت شركاتها حولتها إلى دول العالم تحت حجة الربح وتقليل الكلفة. وباء كورونا أظهر مثلا هشاشة النظام الصحي الغربي بسبب اعتماده في حاجاته الأساسية رغم بساطتها على الصناعات الطبية الهندية والصينية (مثل الكمامات). كذلك الأمر في مجال الملابس أو صناعة السيارات، وعديد من قطاعات الإنتاج المصنع.
عدة عوامل دفعت بهذا الاتجاه، ارتفاع أسعار الطاقة مما جعل النقل البحري أو الجوي كبير الكلفة لاغيا بذلك انخفاض كلفة الإنتاج المأمولة، الاهتمام المتزايد داخل الرأي العام الغربي بضرورة تقليل الاعتماد على الطاقة الأحفورية وما تمخض من قبوله لزيادة الأسعار، وأخيرا عودة هاجس الحرب داخل الدول الغربية نفسها وضرورة الاعتماد على الإنتاج المحلي حتى في مجال الصناعات البسيطة.
السوق الحر الليبرالي لم يعد نموذجا فعالا ومقنعا، لأنه لم يترافق مع وضع قوانين عالمية ملزمة للجميع، ما أدى إلى الفوضى وليس إلى التكامل. استمر التهديد باستعمال العنف، بسبب ذلك لم تتمكن الأمم المتحدة القيام بدورها الطبيعي بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين. بات واضحا للجميع أن العولمة الاقتصادية وحدها ليست الوسيلة الفعالة للوصول إلى السلام الدائم.
خطوط الغاز التي ربطت روسيا مع أوروبا على أهميتها لكلا الطرفين لم تكف لمنع عودة الحرب إلى أوروبا من جديد، والتي كانت تظن انها قد تخلصت منها إلى الأبد.

الواقع العربي

ما يهمنا في هذا العرض هو ارتداد هذا العالم الجديد على واقعنا العربي، هل سنتأقلم معه ونأخذ العبر للتغيير، أم نستمر كما هو حالنا منذ عشرات السنين بالسبات وانتظار الفرج الإلهي. توقعات المستقبل على المستوى العالمي تسير الآن عكس التيار الذي حكم العالم لعقود، أي أولوية الاقتصاد على السياسة. عودة السياسة تعني عودة الحماية وعودة الأسوار، ولكن هذه المرة بهدف مراقبة وإغلاق الأسواق الداخلية خصوصا تلك الغنية، والتي بإمكاناتها الاستهلاكية الكبيرة أمنت الطفرات الاقتصادية النوعية لجزء كبير من العالم.
اقتصاد النظام الجديد يتبع السياسة وليس العكس. اقتصاد العولمة يترك مكانه للاقتصاد الإقليمي. نحن نبدأ العيش في عالم الدول والتجمعات الكبيرة، ذات الأعداد السكانية والإمكانات الاستهلاكية والإنتاجية الضخمة، التبادل داخل دول هذه التجمعات سيتعدى بأهميته التبادل بينها.
الدول العربية الحالية لا تعرف تقريبا تبادلا داخليا إنتاجيا أو استهلاكيا، فكل تجارتنا تقريبا هي مع الدول الأخرى في العالم، خصوصا الدول الغربية، مثل بيع النفط والغاز الطبيعي واستيراد التكنولوجيا والمواد الضرورية للحياة.
هذه الوضعية قد تكون كافية لحد الآن، خصوصا بمفهوم السماح للأنظمة ببيع ثروات البلاد وتأمين بقائها، لكن المستقبل سيفرض عليها التعاون فيما بينها لتتمكن من الاستمرار، الأسواق الغربية ستبدأ بالتبدل، وكما رأينا مع إغلاق السوق الأوروبي أمام الغاز الروسي ثم النفط والأسمدة، فقد نكون بدورنا ذات يوم نواجه أشياء مشابهة. وحده التكامل العربي حتى خارج الأطر الديمقراطية من سيؤمن لهذه الدول وخصوصا لهذه الأنظمة نوعا من الديمومة.


هل هناك من سيفهم هذه التغيرات، يستبق الأحداث ويقوم ببناء الجسور بين الدول العربية. الإنتاج والاستهلاك يمكن له أن يكون عربيا عربيا. نحن مجموعة كبيرة سكانا ومساحة، وبلادنا تعج بكل أسباب التقدم والغناء. حاليا البنية السياسية العربية لا تسمح بذلك، لكن التغير العالمي حولنا قد يدفعها في هذا الاتجاه. عدم التأقلم مع هذه التغيرات سيؤدي إلى مزيد من الشرذمة ومزيد من الفقر وبالتالي مزيد من الحروب الداخلية والبقاء تحت سيطرة الأقوياء ولمصلحتهم فقط.
أن تفهم الأنظمة العربية ذلك لأخذ القرار السياسي المناسب ولمصلحتها اولا قبل مصلحة شعوبها، هو مشكوك فيه. هل ستتمكن النخب الفكرية القيام بدورها التنويري، هذا ما أشك به أيضا عندما نرى تغييب كل الكفاءات الفكرية إما سجنا وقتلا أو تهجيرا.

معطيات الزمن الجديد

هل ستكون هناك مجموعة عربية اقتصادية كما يحدث حاليا مع هؤلاء الذين استوعبوا معطيات الزمن الجديد، وتمكنوا من أخذ القرار السياسي المناسب مثل دول أمريكا اللاتينية أو التجمع الجديد لدول شرق آسيا حول اليابان، طبعا لا أذكر الصين أو الهند فكل منهما تشكل مجموعة بوحدها.
الاتحاد الأوروبي أثبت أهمية وفعالية هذه التجمعات في إنقاذ اقتصاديات دولها، كما رأينا في مواجهتها لوباء الكورونا ثم الحرب في أوكرانيا.
نحن نودع معادلة عالم العولمة الاقتصادية السهل وندخل معادلة عالم السياسة الإقليمية وقراراته السياسية الصعبة، لم نكن جزءا من الأولى، فهل سنكون غير ذلك في المعادلة المقبلة.

كاتب فلسطيني

درس النساء إلايرانيات إلى النساء العربيات. مرأة حياة حرية ، القدس العربي 28/10/2022. نزار بدران

تلعب النساء الإيرانيات دورا محوريا في تاريخ إيران، وذلك منذ نهاية القرن التاسع عشر ،وشاركن دائما في تشكيل المجتمع الإيراني، بتمسكهن بحقوقهن ورفض الأطر التقليدية وما تمثله من تمييز. لذلك نرى الآن، على إثر مقتل الشابة اليانعة مهسا أميني بسبب حجاب، حراكا نسائيا قويا تمكن من ايقاظ كافة مكونات الشعب. قد يكون هذا مستهجنا في اوساط المجتمع العربي خصوصاً المحافظ ، فنحن في كافة اشكال النضال ضد الاستبداد، ومنذ عشرات السنين، لا نرى في مشاركة المرأة العربية إلا رافدا أو داعما للرجل في أحسن الأحوال، وليس المبادر بها وقيادتها كما نرى حاليا في إيران. 

 عكس الوضع في جميع الدول العربية، فإن التغيير في القوانين لصالح حقوق النساء في إيران كان دائما نتيجة نضالهن، وليس مِنَّة من الرجال أو من السلطة السياسية. في القرن التاسع عشر شاركت فاطمة النقية (1817-1852) في تأسيس حركة البهائين  رافعة شعار تحرير المرأة والمساواة مع الرجل من منطلق ديني شيعي، وكرست حياتها لهذا الهدف، حتى يحكى أنها رفضت الزواج من ملك اذيربيجان لتؤدي رسالتها.

  زمن حكم الشاه، تمكنت النساء عام 1963 من فرض قانون حق المرأة بالتصويت والمشاركة في الحياة السياسية، ثم  قانون الأحوال الشخصية وحماية العائلة عام 1967 والذي يساوي بين المرأة والرجل ويضع حدا أدنى لسن الزواج ( ثمانية عشر سنة), ويحد من تعدد الزوجات، ومن الحق المطلق للرجل بالطلاق وارجاعه إلى القضاء، وحضانة النساء المطلقات لاطفالهن. كذلك لم تسن قوانين إجبارية بالنسبة للملبس أو منع الاختلاط في المجال العام وتم التراجع عن قانون سُنّ عام 1936 يمنع الحجاب واللباس الديني للرجال والنساء.

كل شي يجب أن يكون إسلاميا

شاركت النساء في الثورة الإيرانية عام 1979, وتعاضد الرجال والنساء تحت شعار « خبز، بيت، حرية »، كذلك شاركن بقوة في الحرب العراقيه الايرانيه دفاعا عن الثورة الإسلامية بدعمهن الدائم للجهد العسكري والاقتصادي. لكن ذلك لم يشفع لهن للحفاظ على الحقوق المكتسبة زمن الشاه.

 تحت زعامة الإمام الخميني تم التراجع عن قانون حمايه العائلة أي الاحوال الشخصية، مؤديا لنتائج مروعة أهمها تخفيض سن الزواج من ثمانية عشر إلى تسعة أعوام، منتهكا حقوق الطفولة، كذلك إعادة السيطرة الكاملة للرجل على عائلته وكأن الزوجة والاطفال ملكه الشخصي، بما في ذلك الطلاق وحضانة الأطفال، بالإضافة للفصل التام بين الرجال والنساء في الفضاء العام. هذا ما دفع النساء إلى القيام بأول احتجاجات تحتاج ايران بعد الثورة، حيث تجمهرن بكثافة في الشوارع في الثامن من آذار 1979 وهو اليوم العالمي لحقوق المرأة، احتجاجا على القانون الجديد الملزم بارتداء الحجاب بالإضافة لالغاء القوانين السابقة، ووضع قوانين جديدة مجحفة للأحوال الشخصية وحماية العائلة. تم بعد ذلك حظر الاحتجاجات وفرض المزيد من القوانين المقيدة للحرية وحقوق النساء، مثل الفصل من الوظائف التي تعتبر حكرا على الرجال، الطرد من العمل، والفصل بين الجنسين في نظام التعليم ، والغيت الحقوق المكتسبة في الستينات، ما عدا حق الانتخاب والذي وقف الخميني ضده عند اقراره  زمن النظام الملكي. وما الحفاظ عليه إلا بهدف اعطاء شرعية واسعة للنظام الجديد. في المقابل لم يرافق هذا الحق الحقوق الأخرى المرتبطة به، مثل شغل الوظائف السياسة والقضائية، وتوج ذلك الارتداد باعدام أول وزيرة للتعليم في إيران ما بين 1968 و 1971 السيدة الطبيبة بارسا فرخرو، بحجة نشر الرذيلة والفساد في الأرض مما يغضب الله.

رغم كل ذلك لم تتراجع النساء عن المطالبة بحقوقهن، لكن بطرق خفية تحت غطاء الاجتماعات البيتية وجلسات القراءة والعمل الأدبي والفني. كما انهن استمرين بالاحتفال باليوم العالمي لحقوق المرأة كل عام في الثامن من آذار، رغم أن النظام حدد يوما آخر. حتى انهن شكلن تجمعا لامهات السجناء السياسيين المفقودين بعد إعدام ثلاثين ألفا منهم مع بداية الحرب مع العراق بأمر من الخميني.

تغيرت الأوضاع قليلا لصالح النساء بعد وفاته، حيث حصل انفتاح سياسي نسبي، سمح بدخول النساء بكثافة في مجال التعليم ودخول الجامعات مع وضع عوائق لبعض التخصصات وتحديد كوتا مثل طب النساء والأطفال.

كان من اسباب عدم تمكن السلطة من اخراس النساء، ذلك التوافق في الرؤى بين التيارات النسائيه الاسلامية وتلك العلمانية، المجموعة الأولى دفعت باتجاه إعادة قراءة النصوص الدينية وتفسيرها بما يتوافق مع العصر، ورفض الرضوخ للتفسير التقليدي الرجعي، وهو ما يتناسب مع الطرح العلماني الحداثي الناظر إلى الغرب. جزء بسيط من النساء ذوات الانتماء الديني التقليدي وقفن بصف السلطة وقوانينها القادمة من أعماق التاريخ وقبلن بلعب دور تجميلي للمجلس، دون أي فائدة لكفاح الحركات النسوية بجناحيها. من الملاحظ أن الحكومات الإصلاحية كانت أكثر قبولا بمطالب النساء مثل القبول بالمعاهدة الدولية للأمم المتحدة «سيدو» والهادفة إلى منع التمييز القضائي والقانوني تجاه النساء، أما تلك المتشددة مثل الحالية بقيادة الرئيس رئيسي فكانت تزيد الخناق وتتراجع عن الإصلاحات السابقة، أو الاعتداء على النماذج الحقوقية مثل ما حدث مع الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2003 السيدة شيرين عبادي ومصادرة جائزتها.

كما يظهر من هذا السرد فالمراة الإيرانية منذ البدأ عملت على صيانة حقوقها في كل الظروف، وما احداث هذه الايام في زمن سلطة متشددة محافظة، إلا جزء من هذه الظاهرة المتأرجحة بين المد والجزر.

المرأة العربية

بالمقابل في بلداننا للأسف لم تتمكن المرأة العربية من أخذ أي دور مهم فعال في كافة أشكال الاحتجاجات والثورات، وبقيت ضحية الظلم السياسي مثل الرجل ، ولكن أيضا ضحية ذلك الرجل بعاداته وتقاليده القبلية.

إن كان لنا أن نستنتج درسا من نضال المرأة الإيرانية، فهو أهمية دور النساء في العمل الثوري وقيادته، فالرجال لم ولن يتمكنوا من الوصول إلى نجاحات سياسية واجتماعية بحكم ارتباطهم الذهني والعاطفي مع مجموعة من التقاليد البالية، حتى أن السلطة السياسية الغير ديمقراطية، لا تستطيع فرض اصلاحات لصالح النساء على قلتها بسبب ذلك (باستثناء تونس زمن الرئيس بورقيبه), فمثلا في الأراضي الفلسطينية لم تتمكن السلطة من اقناع الناس وخصوصا الجمهور الرجالي المحافظ بقبول اتفاقية سيدو للأمم المتحدة.

الدرس الإيراني للنساء العربيات هو ألا ينتظرن أي خير وتقدم لحقوقهن من السلطات السياسية والتي تقمع الجميع، ولا كذلك من المجتمع الذكوري التقليدي. إن لم تاخذ المرأة العربية حقوقها بنفسها أي من الأسفل فلن تاتيها من فوق. هذا سيتم فقط عن طريق تنظيم النساء لانفسهن كما فعلت المرأة الإيرانية، وانتزاع حقوقهن بانفسهن من النصف الذكوري في المجتمع قبل السلطة السياسية.

على المرأة العربية كمثيلتها الإيرانية أن تأخذ دورها في قيادة الحراك الثوري وليس فقط المشاركة. الرجل العربي هو أقل استعدادا لتبني او المطالبة باصلاحات إجتماعية جذرية بسبب إصابته باعاقة مزمنة مرتبطة باوهام وعادات عفا عنها الزمن وكأنها سلاسل في قدميه تعَوَّد عليها وكأنها طبيعة، لا يستطيع التخلص منها دون اجبار. على عكس دول وشعوب عديدة في العالم خاضت ثورات سياسية واجتماعية كبرى مثل دول شرق اوروبا أو امريكا اللاتينيه حيث لا توجد هذه الإعاقة. وحدها المرأة هي المؤهلة لهذه المهمة التاريخية الصعبة؛ إعادة صياغة المجتمع العربي ووضعه على طريق الانفتاح. 

هذا هو درس نساء إيران لنا جميعاً، والذي علينا التمحص به وتقليده.

تحطيم الوجدانية أو الضربة القاضية /القدس العربي 26/07/2022

تحطيم الوجدانية أو الضربة القاضية

 د. نزار بدران

هناك الكثير ما يمكن قوله بشأن فوائد التجمع على التفكك والوحدة على التمزق؛ المصالح الاقتصادية ، تكاتف الإخوة لحماية الديار، فتح الحدود لعبور الأفراد والبضاىع، حرية العمل والتعلم ، حرية الاستثمار، بناء السلم والسلام، واشياء عديدة جدا تفسر تماما لماذا تجمعت سبع وعشرون دولة لإقامة الاتحاد الأوروبي ، كذلك تجمع دول أمريكا الجنوبية أوتجمع دول أمريكا الشمالية.

إقامة تكتلات واسعة

نحن إذا أمام ظاهرة لإقامة تكتلات واسعة، وما دعم الغرب لأوكرانيا بالمال والسلاح إلا أحد ظواهره. الاسباب الوجيهه تبدو كالشمس ليست في حاجة إلى شرح وتبرير.
العرب يشكلون في هذه الظاهرة استثناء عجيبا ، فهم بالإضافة لكل ما ذكرنا من أسباب، تجمعهم أيضا عوامل إضافية مهمة جدا، في غالبيتهم الساحقة تجمعهم وحدة اللغة ، ووحدة التاريخ ، وللغالببة العظمى وحدة الانتماء الديني، هذه العوامل الأخيرة لا نجدها في مناطق أخرى في العالم ، فدول أوروبا تتكلم لغات عدة، حتى أن في داخل بعض دولها مثل بلجيكا أو سويسرا يتكلم الناس لغات مختلفة.
ولكن أهم شيء يميزنا هو ما أسميه وحدة الوجدان. وحدة الوجدان هذه تعني أنني أشعر بالآخر وكأنه جزء مني وأنا جزء منه ، نحب ما يحب ونكره ما يكره ، يترجم ذلك بحبنا كلنا للغناء والموسيقى العربية من أي قطر أتت ، نحب كلنا الأكل العربي مهما كان موطنه، نحب الأدب والشعر العربي، نحب الهندسة المعمارية العربية.
نحن أصدقاء لشعوب عديدة مثل الأتراك أو الإيرانيين ونتمنى لهم كل خير، ولكن لا تجمعنا معهم وجدانية مشتركة.
لكن أوضح شكل لهذه الوجدانية هي تضامننا كشعوب عندما يعتدى علينا ، لن تجد من سيقف مع المعتدي من أبناء الأمة ( باستثناء الأنظمة).
كنا كلنا لبنانيين عندما غزت إسرائيل جنوب لبنان ، وعراقيين عندما كان المعتدي إيران أو الولايات المتحدة.
وكلنا فلسطينيون في حروب غزة المتعددة، كل إنسان في هذه الأرض العربية الواسعة يرى أن تضامنه الوجداني العاطفي مع فلسطين هو حاصل تحصيل وليس بحاجة لشرح الأسباب والعلل لذلك ، الوجدانية ليست بحاجة لتبرير ومصالح مشتركة ، هي مثل الحب تعبير مباشر من القلب، وما إقالة الوزيرة الأميرة التي رفضت لقاء المسؤولين الإسرائيليين في البحرين إلا أحد مظاهره المشرفة.

الأنظمة العربية

قد يسأل القارئ لما هذا الإصرار على هذا الجانب ونحن نريد أن نحكم العقل أولا. الجواب أن الأنظمة العربية حطمت كل عوامل الوحدة التي ذكرناها في البداية، وتفرض علينا التفرقة والتناقض وتقوي كل أشكال الطائفية والنزاعات الداخلية، فلا اقتصاد ولا حدود نحميها بل دول على شكل سجون. لكنها لم تستطع أن تحطم وتجزئ وجدانيتنا الواحدة.
هنا اكتشف أنني كنت مخطئا في تقديري هذا، لأن قيادات الشعب الفلسطيني وفئات من مثقفيه والذي هو مركز هذه الوجدانية لم تجد حرجا في وضعنا خارج الوجدانية العربية تحت حجج واهية ، ماذا يعني العودة لحضن الأسد ، وهل هذا ما ينتظره الشعب السوري من أخيه الفلسطيني، قبل ذلك الارتماء باحضان النظام الإيراني.
أليس ذلك هي أحسن وسيله لتحقيق أمل إسرائيل بإبعاد الشعوب العربية عن الشعب الفلسطيني ، ألا تفسر هذه اللامبالاه بآلام إخوتنا في سوريا او مناطق اخرى ابتعادهم عنا ، هل التنسيق الأمني مع إسرائيل من جهه ومع القوى الفاشية في المنطقة من جهة أخرى، والوقوف مع الأنظمة ضد الشعوب أليس ذلك سببا بانهيار شارع الدعم العربي لفلسطين ، لم نر أحدا ما عدا القلة القليلة تحتج في العاصمة المغربية على زيارة رئيس الأركان الإسرائيلي ، ولا الزيارات المتعددة لمسؤولين إسرائيليين للدول المطبعة، ونحن كنا أول من ذهب ليهنئ ويدعم الوزير الأول المغربي حين وقع اتفاقيات التطبيع برعاية أمريكية، في محاولة فاشلة لانقاذه عن طريق تفعيل الوجدان الفلسطيني للشعب المغربي.
الوجدان المشترك هو كالإسمنت يلصق قطع الطوب بقوة لنبني بيتنا الواحد، هذا واضح جدا في الوجدان الأمريكي وما يعطي القوة لهذا البلد ، كل الأمريكيين فخورون للانتماء لهذا البلد مهما اختلفت ألوانهم، وينحنون أمام علمها، هو الوجدان المشترك من ينقص حاليا في أوروبا ويجعل بناءها هشا رغم نجاح الاتحاد الواضح في المجال الاقتصادي ، كما رأينا مع انسحاب بريطانيا.
هو حالياً يعود للحياة مع الاعتداء الروسي على أوكرانيا وتهديد أمن اوروبا، والذي أعطى الشعور للمواطنين الأوروبيين أنهم في قارب واحد.
الوجدان الواحد يقوى أمام الأزمات والحروب في كل بلاد العالم ، إلا على ما يبدو في بلادنا ، فكلما اعتدي علينا وسرقت أراضينا وهجرت شعوبنا ، كلما زدنا فرقة.
نحن نعيش الآن محاولة جادة وتنفذ بأيدينا لتدمير الوجدان العربي المشترك، والذي كان آخر مظهر من مظاهر التضامن، تشارك فيها ليس فقط الأنظمة المستبدة ولكن أيضا من يدعون الدفاع عن فلسطين وشعبها، هو كمن يحل الصمغ أو يزيل الإسمنت، والذي دونه لن نستطيع بناء أي شيء صلب ودائم.

صفقة الأسلحة الإماراتية الفرنسية… المال لا رائحة له. نزار بدران القدس العربي 14/12/2021

صفقة الأسلحة الإماراتية الفرنسية… المال لا رائحة له

من نافل القول التذكير أن الصناعة العسكرية، في الدول الغربية وروسيا، تُشكل أحد أعمدتها الاقتصادية.
صفقة الغواصات الفرنسية مع أستراليا، وما أحاط هذه العملية من غموض، مع اتهام أوروبا لأمريكا بسرقة أسواقها العسكرية، إلا الدليل على ذلك.
أن تبيع فرنسا، وهي ثالث بلد بحجم التجارة العسكرية في العالم، بعد أمريكا وروسيا وقبل الصين، بضاعتها إلى الدول الأوروبية، وهي أول مُستورد لها، أو حتى أمريكا وبعض الدول الديمقراطية في العالم، أو بيعها لجيشها الوطني، كما تفعل أمريكا بشكل خاص، فهذا لا يعنينا كثيرا، فكل دول العالم في حاجة للتسلح، فنحن لم نصل بعد إلى السلم العالمي، الذي قد يلغي يوماً الحاجة إلى السلاح.

إلى من تذهب الأسلحة؟

ما يهمنا كشعوب عربية، هو إلى من تذهب الأسلحة المباعة لحكوماتنا وبأي هدف. هل هو للدفاع عن شعوب هذه الدول وحمايتها وتأمين حريتها. أم هو العكس تماما ، أي تدميرها وقصف مدنها وتهجير أبنائها وتيتيم أطفالها، كما نرى مثلاً في اليمن وليبيا وسوريا ودول عديدة أخرى.
نحن كشعوب عربية لن نسأل حكوماتنا ماذا ستفعل بهذه الأسلحة، فقد رأيناه في جلدنا ودمنا وبيوتنا وحياتنا وهجرتنا وتشريدنا وتجويعنا. ما نسأله هو للدولة الفرنسية، والتي يتبجح رئيسها بإعلان من السعودية قبل بضعة أيام، باهتمامه الشديد بحقوق الإنسان.
الشعب الفرنسي، حسب استطلاعات الرأي، أظهر بنسبة 75 في المئة رفضه لبيع أسلحة لأنظمة شمولية تقتل شعوبها، وقد عبر عن ذلك مراراً من خلال مظاهرات عدة، وفي بعض الأحيان إعاقة إخراج الأسلحة من مواني البلاد. لكن هذا الرأي مُغيب. فبيع السلاح ليس موضوعاً فرنسياً مطروحاً للنقاش العام أو النقاش البرلماني، هو فقط من شأن رئيس الوزراء.
هناك مبادرات مثل مبادرة “أسكت فنحن نسلح” لمنظمة العفو الدولية، تعمل لإيصال هذه الأنشطة لمجالها الطبيعي، أي الرأي العام، وليس فقط ألعوبة بيد مجموعة ضغط أصحاب الصناعة العسكرية من طائرات حربية وأسلحة أخرى.
هذا ما نراه مثلاً في دول غربية مثل هولندا وحتى بريطانيا. مع العلم أن فرنسا هي إحدى الدول الموقعة على الإتفاقية الدولية لتجارة السلاح، يُمنع بموجبها بيع هذه الأسلحة إلى بلدان متهمة بانتهاكات لحقوق الإنسان. بدل ذلك، تدعي فرنسا، أن تسليح بلد مثل الإمارات العربية هو من أجل الدفاع عن سلامة المواطنين الفرنسيين، وذلك من خلال الحرب على الإرهاب، وكأن هذه الطائرات تُحارب الإرهاب حقاً وليس المدنيين العُزل، يكفي أن نسأل أطفال اليمن عن ذلك.

السياسات الغربية

السؤال الأهم بالنسبة لي، هو كيف لنا كشعوب عربية أن نقف أمام هذه السياسات الغربية الداعمة للأنظمة الديكتاتورية بحجج واهية.
هل يكفي الصراخ والاحتجاج، أم يجب العمل في اتجاه تعميق الحراك الديمقراطي العربي؟
بدايات الثورة التونسية في العام 2011 تُذكرنا بذلك. في حينها، وقفت وزيرة الدفاع الفرنسية -أليو ماري- إلى جانب الرئيس بن علي وزودته بأدوات القمع، قبل أن تنعكس هذه السياسة رأساً على عقب، وتستقيل الوزيرة المذكورة أمام إصرار الشعب التونسي على إسقاط هذا النظام الديكتاتوري.
وحده العمل في اتجاه التحول الديمقراطي الكامل، من سيحمينا من شر هذه الأنظمة ومن شر من يدعمها، وحده هذا النضال من سيدفع بالسياسات الغربية الحالية، وخصوصاً الفرنسية، في اتجاه مُغاير.
تدعي فرنسا ليلاً نهاراً، أن الخطر الأساسي عليها، الآتي من جنوب البحر المتوسط، هو خطر الهجرة غير الشرعية، وخطر الإرهاب والتطرف. هذه أخطار حقيقية لا نُجادل بها. لكن كيف لفرنسا أن تتجنب هذه الأخطار، هل هو بتسليح الأنظمة المُستَبدة أم بالدفع نحو الانفتاح الديمقراطي والحكم الرشيد، كما أعلنه بزمنه الرئيس فرانسوا ميتيران، عندما توجه بخطابه إلى أفريقيا.
وحده ذلك الحكم الرشيد، وما يتبعه من انفتاح وتكامل اقتصادي، من سيتمكن عن طريق التنمية، بعد القضاء على الفساد وإهدار المال العام وسرقة الثروات، لصالح الأقلية الحاكمة، من سيتمكن من وضع الدول العربية على طريق التطور والخروج من التخلف الاقتصادي والفقر وما يتبعه من ظواهر التطرف الديني والعنف السياسي، والهجرة بكل الوسائل إلى أوروبا، وهي الأخطار التي يدعي الرئيس الفرنسي محاربتها، ببيعه الأسلحة المُدمرة للإمارات المتحدة.

طريق التغيير

السياسة الفرنسية الحالية، تبدو لي قصيرة النظر، أو حتى عمياء، فهذه الأمة العربية المعذبة، قد وضعت نفسها، منذ عشر سنوات على طريق التغيير، وشبابها سيستمرون بالعمل والنضال في البصرة وبيروت والخرطوم، وكل مدن وقرى الوطن المُمتَد من المحيط إلى الخليج.
هذا الحراك رغم ضعفه، ورغم عنف القوى المعادية، وتسليحها من طرف فرنسا وغيرها، لن يهدأ ولن يختفي، بل سيعود ويعود، كما رأينا في السودان، إلى أن تجد الأمة طريق الخلاص والخروج من هذا النفق الأسود. حينها قد تكون فرنسا ومن دعم هذه الأنظمة، بوضع لا يُحسد عليه، ذلك عندما تُوضع مشاريع التنمية وما تستوجب من تقنيات ورؤوس أموال، تتجاوز بكثير، الستة عشر مليار دولار، ثمن طائراتها المُقدمة للإمارات، أو ما جنته من بيع الأسلحة لمصر والمملكة العربية السعودية.
ما نأمله من الحكومة الفرنسية هي أن تقف الى جانب قوى التغيير العربية فهي تحمل مستقبل الأمة ومستقبل العلاقات بين دول شمال وجنوب المتوسط، مواقف وسياسات شجاعة تكون متلائمة مع قيم الجمهورية الفرنسية ومع قيم الشعب الفرنسي الصديق ومصالحه المستقبلية الحقيقية.

النجاح والفشل هل من معيار؟ القدس العربي 05/08/2021

النجاح والفشل هل من معيار؟

النجاح والفشل هل من معيار؟

 د. نزار بدران 

امتلأت صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون ووسائل الإعلام الاجتماعية بكم كبير من الآراء بشأن التطور السياسي الأخير في تونس، فهناك من اعتبر ذلك نجاحا للثورة وهو ما يظهره مدى الدعم الشعبي لخطوة الرئيس قيس سعيد، وآخرون من قالوا إن ذلك ارتدادا عن الثورة، مظهرا تجاوز الرئيس صلاحياته الدستورية والعودة لحكم الفرد المستبد.
ما يتفق عليه الطرفان هو سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وعدم مقدرة الحكومة المقالة بمواجهة وباء كورونا وطرح حلول للبطالة وفشل إجراءاتها بكافة المجالات.

الإطار المغاربي

لو نظرنا بشيء من البعد لتونس ووضعناها بإطارها المغاربي ثم العربي، فإننا سنبقى متفائلين نسبيا، فربيع الجزائر معطل، وحراك المغرب ما زال يراوح مكانه، وثورة السودان لم تستطع حتى الآن التخلص من حكم العسكر، وليبيا وسوريا واليمن بحروب فرضت على شعوبها، أما العراق ولبنان والبحرين فحدث ولا حرج.
منذ أكثر من عشر سنين وهو عمر تونس الثورة، تعاقبت حكومات عدة، ولم يكن حزب النهضة الإسلامي عمدتها الأساسية دائما لنحمله دائما كل مآسينا.
إن كنا نعتبر ما قام به الرئيس سعيد فشلا للثورة وعودة للاستبداد، فلا يحق لنا تحميل مسؤولية ذلك فقط على النهضة ورئيسها، بل للجميع، وإن رأينا ذلك نصرا للثورة فهو ليس على النهضة ورئيسها وإنما على منظومة الفساد والتي لم تتمكن الثورة من إزالتها.
أحزاب إصلاحية

هناك برأيي المتواضع سببان لما يحل بالثورة التونسية، أولاهما أن من حكم تونس منذ انتصار الثورة هم مجموعة أحزاب إصلاحية، وحزب النهضة كبقية الأحزاب السياسية الإسلاميه هو حزب إصلاحي بفكره وعمله، وهذا ما رأيناه سابقا في مصر ما أدى لعودة الدكتاتورية بكل بشاعتها.
الشعب التونسي مثل الشعب المصري قام بثورة ديمقراطية ولكنه أهداها فيما بعد إلى إصلاحيين لأنه لم يكن يمتلك قيادة نابعة من حراكه الثوري الجديد، هؤلاء غيروا شكل السلطة والاقتصاد والسياسة ولكنهم لم يبدلوا الأسس التي بناها النظام السابق.
السبب الثاني هو انكفاء الدولة التونسية على نفسها، وإن انفتحت نسبيا فهو على البنك الدولي والدول الغربية.
هل دولة بحجم تونس الصغيرة تستطيع أن تبني اقتصادا قويا وديمقراطية راسخة بمنأى عن جيرانها دون التأثير والتأثر بهم.
خوف أنظمة هؤلاء الجيران من النموذج التونسي الديمقراطي لن يجعل منهم حلفاء طبيعيين كما يحق لنا أن نتوقع.
ولكنا بالوقت نفسه ندرك أن الانفتاح على الغرب ومؤسساته المالية فقط لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة، وهذا ما يحدث دائما ومنذ القرن التاسع عشر.
الثورة في تونس هي إذا بين نارين، الجيران والغرب بالإضافة لنار ثالثة مرتبطة بالنشاط الهدام لبعض الأنظمة مثل بعض دول الخليج المرتعدة من كل نفس حر في المنطقة.

الحكومة المنتظرة

هل ستتمكن الحكومة المنتظرة والرئيس سعيد من تغيير شيء ما، لا أظن ذلك للأسف، فنحن في تونس جزء من الكل المغاربي والكل العربي، ولن تستطيع أي دولة عربية ذات حكم ديمقراطي أن تبني نفسها بمنأى عن جيرانها الأقربين.
لم يحدث ذلك بأي مكان، ولا حتى بدول بحجم ألمانيا وفرنسا والتي اضطرت إلى تجاوز حروبها وعداءاتها التاريخية لصالح بناء متكامل.
لم نر ذلك أيضا في أمريكا اللاتينية بعد سقوط الأنظمة العسكرية والتي أسست سوقا اقتصاديا مشتركا، ولا حتى الولايات الأمريكية المتحدة والتي فتحت أسواقها لكندا ودول عديدة بالعالم.

التكامل الاقتصادي

التكامل الاقتصادي، فتح الحدود، حرية الحركة والاستثمار والعمل بناء شبكة مواصلات وبنى تحتية متكاملة ولا أقول الوحدة السياسة أو وحدة المؤسسات حتى لا نتهم بالعودة للقومية العربية، هي كلها شروط اضطرارية لنجاح الثورات.
أمام قوى الثورات العربية طريق واحد وهو التعاضد والتضامن والاستمرار بالسير إلى الأمام، الأفق المنظور يجب أن يتعدى حدود كل دولة والوصول إلى أفق رحب واسع، نستطيع من خلاله تصور ذلك المستقبل المشرق المشترك.
تونس وشعبها مطالبان حالياً بالتمسك أكثر من أي وقت مضى بثورتهم الديمقراطية وعدم انتظار المعجزات في هذه المرحلة، التراجع عنها تحت أي سبب او إغراء ممن يعتبرون أنفسهم أصدقاءها في الغرب والدول الأخرى لن يحل لهم أي مشكلة بل سيضيع على تونس مستقبلها وعلى شعوب المنطقة المظلومة أملها الوحيد.

كاتب ومحلل سياسي مستقل

حل الأزمة اللبنانية بين ما ظهر وما خفي. نزار بدران. القدس العربي 9/07/2021

تُظهِر الأزمة اللبنانية مدى عبثية قيام الدولة القطرية العربية، التي أسسها المستعمر الفرنسي أو البريطاني بعد انسحابه من بلادنا.
كما يعرف الكل، فإن هذا المستعمر لم يكن يهمه بناء كيانات تحتوي على عناصر القوة والديمومة، بل كيانات بائسة ضعيفة، يسهل السيطرة عليها وتوجيهها، فحدود لبنان أو سوريا أو العراق ودول الخليج وباقي الدول العربية لا تملك من الشرعية إلا الاتفاقيات الدولية التي أوجدتها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية، وليس شرعية التاريخ المشترك لمن يسكنها.
هؤلاء اُعتُبِرُوا بدورهم بناء على انتماءاتهم الطائفية، وليس على منطق الدولة القومية القوية، بما تحتويه من إمكانيات تسمح بتحقيق أمن وسعادة وازدهار هؤلاء السكان.

الإرادة الفرنسية الاستعمارية

لبنان الحديث الآتي من الإرادة الفرنسية الاستعمارية، لم يتوان يوما عن اعتبار نفسه نموذجا للعرب، بما مثله من حرية وتعايش وازدهار تجاري، حتى أن البعض أطلق عليه إسم سويسرا الشرق.
لم تصمد هذه الصفات طويلاً أمام الواقع المادي، فالتوزيع الطائفي والمحاصصة بالمناصب ومراكز التأثير، أو اعتبار الآخر خطرا على لبنان مثل الوجود الفلسطيني ثم السوري للاجئين، أو التحالف مع دول أجنبية من أجل الحماية أو الدعم، كل حسب طائفته دون الالتفات لمصلحة الوطن المشترك، لم يؤد كل ذلك إلا إلى زيادة التشرذم وتفضيل المصالح الضيقة، وهو ما يفسر ما آلت إليه الأمور.

الحراك الشعبي

الحراك الشعبي نهاية 2019 لم يكن سبب ذلك بل نتيجة له، ثار الناس لأنهم شعروا ببدء انهيار الدولة، وإمكاناتها لضمان الحياة العادية لهم من ماء وكهرباء وصحة وتعليم، وربطوا ذلك مع طبيعة بلدهم المبني على الطائفية.
شعار هذا الحراك هو إنهاء هذه الطائفية داخل البيئة السياسية، واعتماد المواطنة المتساوية بديلها.
نجد الأوضاع نفسها أو أوضاعا قريبة في دول عربية أخرى مثل العراق وسوريا، وأخرى لم تصل بعد إلى الحالة اللبنانية لكنها تتجه نحوها.
الأزمة هي بطبيعة الدولة القطرية وليس فقط بسوء سياسات قادتها. لو أخذنا نموذج دول الربيع العربي الناجحة، خصوصاً تونس وبدرجة أقل السودان، فإن إسقاط النظام السابق الفاسد لم يؤد إلى تغييرات تحفظ البلاد من الانهيار الاقتصادي، بل قد يكون في بعض الأحيان العكس، هذا ليس مرده عقم الثورة، وإنما عقم الدولة القطرية.
فلو وُضِعَت تونس في إطارها المغاربي والذي سيفتح لها باب أكثر من مئة مليون منتج ومستهلك، وإمكانيات المنطقة الهائلة على مستوى الثروات الطبيعية والزراعة، فإنها تستطيع حل مشاكلها بهذا الإطار الجديد ولمصلحة كافة دوله.
التكامل الاقتصادي بين الدول المتجاورة هو أساس الخروج من الأزمة، وليس فقط الإصلاحات السياسية على أهميتها.
يمكننا تعميم ذلك أيضا على وضع الجزائر أو السودان، التكامل الاقتصادي لتلك الأخيرة مع مصر هو شيء حيوي لها، وما نراه من صعوبات جمة أمام الحكومة السودانية الآتية من ربيع الشعب رغم الدعم الدولي إلا دليل على ذلك.
التكامل الاقتصادي بالنسبة لنا يعني حرية الحركة والعمل والاستثمار بين الدول المعنية دون قيود، بناء بنية تحتية مشتركة من وسائل النقل، فتح الجامعات أمام الجميع، واشياء كثيرة. ما نراه اليوم من قيود تكبل الناس لا تفسر إلا بأسباب أمنية، أي أمن الأنظمة وبقائها. كل مواطن يشعر بهذه الحاجة للتكامل وتقريبا بشكل عفوي فهي تبدو بديهية.
البحث عن التكامل الإقليمي هو معيار نجاح التغيير السياسي. هذا ما حدث مع دول شرق أوروبا بعد خروجها من الاستبداد وتكاملها مع الإتحاد الأوروبي، أو مع دول أمريكا اللاتينية بعد سقوط الديكتاتوريات العسكرية (سوق مشتركة)، طبعاً هذا كان أساس تواجد الاتحاد الأوروبي وسبب نجاحه.

نشأة الحضارة

معايير نجاح أي أمة بالمساهمة في الحضارة العالمية هي امتلاكها لعناصر نشأة الحضارة داخلها، والتي درسها المؤرخون وعلماء الاجتماع وليس السياسيين. حسب هؤلاء نحن بحاجة لإقامة حضارة مستدامة قوية، إلى ثلاثة عناصر على الأقل، وهي عدد السكان الكافي ليشكلوا العامل الإنتاجي ويحيوا الاستهلاك الداخلي، الأرض الواسعة المتناسقة حيث يعيش هؤلاء الناس، وكذلك فترة زمن سلم طويلة. لحد الآن للأسف فإن الدول العربية رغم إمكانياتها تفتقر إلى هذه العناصر بسبب التجزئة والحروب التي لا تنتهي.
في لبنان كما في الدول العربية، علينا أن نعلم أننا نمتلك كل عناصر الحضارة والتطور، ولكن هناك من يريد وبكل الطرق بقاءها خارج الوعي الجماعي، وتركنا هائمين في عالم الطوائف والدول الصغيرة الضفدعية والتي تظن أنها بحجم الثور.

د. نزار بدران

الربيع العربي عودة الإنسان نزار بدران

الربيع العربي عودة الإنسان نزار بدران
CLICK HERE TO READ OR DOWNLOAD THE BOOK

ملخص كتاب الربيع العربي: عودة الإنسان
يركز عنوان الكتاب على إظهار مركزية الإنسان كهدف للحراك قبل أي اعتبار آخر.
هذا العمل هو محاولة لشرح أسباب ودوافع الربيع العربي وغاياته, ذلك رغم تعنت الطبقة المسيطرة على مقدرات الأمة منذ عقود طويلة.
اهتم الجزء الأول من الكتاب وصف الوضع العربي عشية انطلاق هذا الحراك الشبابي, وما وصلت له الحالة العربية في ظل الأنظمة على مدار عقود.
ناقش الجزء الثاني من الكتاب المعطيات الاجتماعية (السوسيولوجية) وتطورها في الحالة العربية وذلك بمعزل عن الوعي المباشر منذ أكثر من ثلاثين عاما, وخصوصا تطور الطبقة الوسطى وعودة المرأة إلى الواجهة كرافعة وقائدة, وترابط ذلك بالتغيرات العميقة التي حدثت بالعالم أجمع.
الجزء الثالث هو طرح ومناقشة لمفهوم الدولة المدنية الحديثة والتي هي الهدف الأساسي لهذا الربيع مركزا على مفاهيم مثل الديمقراطية الدولة المدنية وأهمية المجتمع المدني. اخذين بالاعتبار تجارب الشعوب الأخرى والطرح الفكري بالغرب وتجربته التاريخية.
الجزء الأخير هو استمرار للطرح الفكري من خلال إعادة نشر جزء من مقالاتي التي نشرت بالصحافة وخصوصًا الصحافة العربية بلندن..
نأمل من هذا العمل مساعدة عامة الناس على فهم ما يشعرون به واعطاء هؤلاء الذين يتوقون للتغيير وسائل فهم الحدث ومكانته بالمجرى العام للتاريخ العربي.

لمن يود الكتاب الورقي هو موجود على امازون amazon وعلى

https://www.morebooks.de/

مفهوم الأمة القومية. نزار بدران القدس العربي 28 يناير 2021

مفهوم الأمة القومية

28 – يناير – 2021

مفهوم الأمة القومية

 د. نزار بدران 

حجم الخط

تطالب قوى الثورة والتغيير بالدول العربية، منذ نهاية 2010، بإسقاط النظام وتحقيق العدالة الاجتماعية والحصول على الحرية، كل شعب يسعى عن طريق النضال السلمي، مُعتمداً على حشد جماهيري كبير، إلى الوصول إلى هذه الأهداف. هل سقوط النظام الاستبدادي، سيُعيد تلقائياً حلول نظام توافقي مدعوم من كافة أطياف المجتمع، وهل يمكن بناء السِلم الاجتماعي بمجرد سقوط النظام.
هذه الأسئلة وغيرها، تُرسلنا إلى مفهوم الجمع الاجتماعي والرغبة بالعيش المشترك، فتحت الأنظمة الديكتاتورية تجمد المجتمع، نجاح الثورة يُنهي حالة التجمُد هذه، ويُظهر تناقضات لم تكن مرئية في بعض الأحيان.

سقوط النظام الشيوعي

النموذج الأكبر لذلك، هو سقوط النظام الشيوعي بيوغوسلافيا، والتي حل محلها فوراً تقسيم البلاد حسب الأديان، بين الأرثوذكس والكاثوثيك والمسلمين (صربيا، كرواتيا، سلوفانيا والبوسنة) أي العودة إلى زمن ما قبل وصول الحكم الشيوعي، وهذا أدى إلى حروب طويلة بين هذه الشعوب دون طائل، تهدف إلى الحصول على النقاء العرقي والديني لكل بلد، وهو ما لم يمنع من عودة الأمور بمرحلة أخرى إلى التقارب تحت سقف الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، الذي لا يعترف بالتمييز العرقي أو الديني.
النموذج الآخر المُغاير، هو جنوب إفريقيا بقيادة نلسون مانديلا، والتي انتقلت إلى الديمقراطية دون أي تفسخ للمجتمع، فلم تُقسم البلاد بين البيض والسود، ولم يتم مُصادرة أملاك وأراضي البيض، لصالح السود، ولم يُدعى إلى طرد البيض وعودتهم لأوروبا ( كما حدث مثلاً في زيمبابوي أو الجزائر) قريباً منا نرى أن انهيار نظام صدام حسين الاستبدادي في العراق، تبعه تدخلات غربية عديدة وصراعات داخلية على مبدأ الانتماء الديني مؤدياً إلى دمار البلاد. هذه أسئلة تُطرح على الشباب الثائر، والساعي لإسقاط الأنظمة الاستبدادية، إلى أين أنتم سائرون، والى أي مجتمع أنتم تسعون؟
تجارب الأمم المختلفة في العالم، منذ الثلاثة قرون الأخيرة، أي منذ سقوط الإمبراطوريات ونشأة الأمم، وانتهاء الشرعيات المُستمدة لصالح سيادة الشعب، تُظهر أن مفهوم الأمة ووحدتها ومبرر وجودها، يختلف من أمة إلى أخرى، ومن مفهوم فلسفي إلى آخر، وذلك مرتبط بشكل خاص، بتاريخ وظروف كل أمة أو كل شعب.
هناك بشكل عام ثلاثة تصورات لمفهوم الأمة، وعلى شعوب الدول العربية، وقادة ثوراتها، أن يُحددوا أي نموذج يختارون.
النموذج الأول، وهو النموذج المبني على العنصر الثقافي العرقي، أي الانتماء إلى لغة وثقافة واحدة، وعنصر عرقي واحد، وهو تقريباً النموذج الذي بُنيت عليه ألمانيا، والذي أدى إلى اعتبار كل مجموعة سكانية، تتكلم اللهجات الألمانية، كجزء من ألمانيا والعنصر الآري، وأسس لحرب 1870، ثم الحرب العالمية الاولى والثانية، يتناسى المُدافعون عن هذا المفهوم، أن المناطق المُتكلمة باللغة الألمانية في دول الجوار لألمانيا، تحتوي أيضاً على سكان يتكلمون لغات أخرى، وهو مدعاة لطرد هؤلاء أو التنكيل بهم -.هذه هي التجربة الأوروبية وأحد أسباب الكوارث التي عمت القارة، بالنصف الأول من القرن العشرين، بعد انتشار التصور العرقي الثقافي للشعوب.
النموذج الثاني، يذكرنا بقيام دولة اليونان، أو بعض دول أوروبا الشرقيه، ومؤخراً دولة الاحتلال الإسرائيلي. هذا النموذج مرتبط بثلاثة عناصر، وهي وحدة اللغة، وحدة الدين ووحدة الأسطورة الوطنية المؤسسة.
استطاع سكان اليونان، بالثلث الأول من القرن التاسع عشر، زمن ما يسمى بالثورة اليونانية، تحديد هوية وطنية، عن طريق الربط بين الدين الأرثوذكسي واللغة اليونانية، وأيضاً إعادة الارتباط بالأسطورة التاريخية لماضي اليونان المجيد، بعصر الحضارة اليونانية القديمة، بفضل الاكتشافات العلمية بزمنه.
نرى شيئاً قريباً من ذلك، في بولندا ورومانيا ودول شرق أوروبا، والتي أدت مثلاً في بلاد البلقان، إلى حروب متعاقبة، مما أدى إلى مفهوم البلقنة، أي التجزئة على مبدأ الدين واللغة، وهذا ما رأيناه أيضاً في حروب البلقان بعد سقوط الشيوعية.
نشأة دولة باكستان بعد استقلال الهند، وانتهاء الهيمنة الاستعمارية البريطانية، اعتمد نفس المنطق، أي الدين المشترك واللغة المشتركة ومحاولات لإيجاد قصة تاريخية مشتركة.
ضرورة تواجد العناصر الثلاثة لنشأة الدول الحديثة، أجج الحروب في كثير من المناطق بالعالم، فالانتماء لنفس الدين، لا يعني تشكيل أمة واحدة، والتكلم باللغة نفسها لا يمنع التمايز، وحدها النقطة الثالثة، أي الأسطورة المشتركة، من يُعطى النقطتين الأوليتين فاعليتهما لإيجاد الأمة.
من هذا المنظار نفسه، أُسست دولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث تمكنت من جمع جزءاً مهماً من يهود العالم داخل فلسطين، لا يجمعهم حقيقة، إلا عنصر الدين المشترك، فالعنصران الآخران، أي اللغة والقصة المشتركة، تم تكوينهما بشكل يتناقض مع التاريخ الحقيقي، فاليهود في دول العالم، ما كانوا يتكلمون اللغة نفسها، فاليهودي الأثيوبي أو البولندي أو العربي، يتكلمون بلغات بلادهم الأصلية، تمكنت إسرائيل من إعادة الحياة للغة العبرية، حتى أصبحت اللغة المشتركة لسكان إسرائيل، وهو ما حقق لهم العنصر الثاني لتكوين الأمة. عنصر الأسطورة المشتركة، وجدوه عن طريق العودة للأسطورة التوراتية الدينية والوعد الإلهي، هذه القصة المشتركة ليس لها بُعد تاريخي حقيقي، كما كان مثلاً مع نشأة الأمة اليونانية، والعودة لأمجاد أرسطو وأفلاطون وألكسندر المقدوني.
إعطاء بُعد تاريخي لمقولة دينية لإنشاء دولة، فيه طبعاً الكثير من التناقض، مع الطبيعة المُعلنة لدولة إسرائيل، وهي العلمانية، إي إبعاد الدين عن السياسة والقانون، ولكنهم لم يستطيعوا اعتماد القصة المشتركة الحقيقية، وهي موجودة تاريخياً، وأقصد بها المذابح والجرائم التي اُرتكبت بحق اليهود في أوروبا وروسيا، عبر قرون خصوصاً مع مذابح النازية، هذه القصة الحقيقية، هي جزء من التاريخ الحقيقي، وليست تاريخ اللاهوتي المُتخيل، ولكنها لا تعطيهم في حالة تبنيها، الحق بإقامة دولة بفلسطين بالتحديد، ولهذا تم استبعادها، كأحد عناصر مفهوم الأمة اليهودية عند الحركة الصهيونية.
النموذج الثالث من تكوين الأمة، هو ذلك الذي يُبنى على عنصر التاريخ المُشترك أي الماضي، والمشروع المُشترك أي المستقبل، والمُعتمد على الاختيار الحُر والإرادة الحرة لكل مواطن. هذا التصور الذي رأيناه مطبقاً مثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية، أو حديثاً دولة جنوب أفريقيا، لا يتبنى مفهوم العرق أو الدين أو اللغة المشتركة، كأساس لتكوين الأمة، ولا حتى الحدود الطبيعية، أو مفهوم المصلحة الاقتصادية البحتة.
هذا التصور هو الأكثر قرباً حالياً، لتشكيل الدول الديمقراطية الحديثة، مهما كان التصور الذي أسسها سابقاً، فلم يعد مكان بالدول الغربية مثلاً، لاعتماد الدين أو العرق، لتحديد الهوية الوطنية.
فقط الماضي المشترك بأمجاده وانتصاراته، ولكن أيضاً وبشكل أكثر تأثيراً، مآسيه وهزائمه والمعاناة المشتركه، من يحدد الانتماء للامة، والرغبة باستمرار ذلك المشروع التاريخي، من يُؤكد البقاء به.
الإرادة الحرة للأفراد والمجموعات، بما فيها حق تقرير المصير للشعوب، هي حجر الأساس لبناء هذه اللأمم، وكما يقول إرنست رنان، الفيلسوف الفرنسي في نهاية القرن التاسع عشر، الأمة هي استفتاء يومي لإظهار الانتماء المشترك للمجموعة (الإرادة الحرة لأفرادها بأن يبقوا جزءاً منها).
أي نظام سياسي ديمقراطي حديث، يبني أمته على أسس العرق أو الدين أو اللغة، يضع بنفس الوقت وسائل هدمه ودماره، من القوى الداخلية والقوى الخارجية؛ نموذج جمهورية الصرب، برئاسة ميلوزيفتش، بعد انهيار يوغوسلافيا الشيوعية، كان نظاماً منتخباً من الشعب، ولكنه بنى تصوره للوطن على العرق الصربي والدين الأرثوذكسي واللغة الصربية، وهو ما أدخله ضد كوسوفو والبوسنة أو كرواتيا الكاثولوكية، وأدى بالنهاية لحروب دامت سنوات، قبل عودة الشعب الصربي، لمفهوم أكثر حضارية، بدل البحث عن دولة النقاء العرقي.
انفصال جنوب السودان المسيحي، كلف أكثر من مليوني قتيل، لرغبة الرئيس المعزول عمر البشير ونظامه، اعتماد الدين الإسلامي بالهوية الوطنية والنظام السياسي، متناسياً أبناء الجنوب واختلافاتهم العرقية والدينية عن الشمال.
الانتماء الطائفي المعلن، كهوية في العراق وسوريا ولبنان وإيران ودول أخرى، هو تهديد مباشر لوحدة هذه الدول ونموها.
انغلاق إسرائيل على مفهوم الدين كهوية للدولة والمواطن، يحرم أكثر من مليون ونصف فلسطيني، داخل الخط الأخضر، من حقوقهم الأساسية بالمساواة، ويغلق الباب نهائياً لأي حل سلمي للقضية الفلسطينية، مبني على حق العودة للاجئين الفلسطينيين، حتى لا يُهدد الفلسطينيون الطابع الديني اليهودي للدولة الإسرائيلية. وللأسف نجد بالغرب، وبأعرق الدول الديمقراطية، من يُدافع عن هكذا تصور (تحت ضغط اللوبي الصهيوني) رغم تناقض هذا الموقف الواضح، مع القيم التي بُنيت عليها هذه الدول.

النموذج المُنفتح

يمكننا إعطاء أمثلة كثيرة عن فشل النموذج القومي، المبني على خصوصيات مستقلة عن الإرادة الحرة للأفراد، فالعرق واللغة والدين، هي أشياء مفروضة علينا وليست اختياراً لأي فرد، وحده النموذج المُنفتح ذا البُعد التاريخي والإرادة الحرة، من يتجاوب برأيي، مع مفاهيم وأسس الحضارة الإنسانية الحديثة.
قد يقول قائل، أن هذا النموذج الثالث، المبني على حرية الاختيار، قد يؤدي إلى تفكيك الدولة وخروج أجزاء منها، هذا لم نره يحدث بأي مكان، إن حُفظت حقوق الناس، وأُكد مبدأ المساواة بينهم، فالإنفصاليون لا يبررون عملهم دائماً، إلا باستعادة حقوقهم الأساسية.
شباب الثورات العربية، وهم يبنون دولهم الديمقراطية، عليهم أن يطرحوا هذا السؤال بصراحة، أي أمة تريدون أن تبنوا، وبأي وطن تريدون أن تعيشون. الجواب سهل نظرياً، لكن من يسمع ويقرأ ويرى ما يحدث على امتداد الأرض العربية، ويُتابع سياسات الأنظمة، الجارية وراء السيطرة والبقاء، والتي توقد النار دائماً، للتناقضات الاجتماعية، العرقية واللغوية والدينية، لتؤمن بقاء سيطرتها. الذي يراقب ذلك يعرف أن الطريق ليس سهلاً، وأن الانتماءات العرقية والدينية، ما زالت بأوج عنفوانها.
على شباب الأمة وثوارها، أن يعملوا للإنتقال من معطيات لتحديد الأمة، مأخذوة من أشياء ورثناها بلا أدنى إختيار، إلى تشغيل العقل والعمل لبناء أمة متسامحة، تُعامل أبناءها جميعاً، بنفس المقدار من المساواة والاحترام، مهما اختلفت أديانهم ولغاتهم وأجناسهم. لو نظرنا حولنا بالدول الأخرى، فسنرى أن النجاح هو فقط حليف هذا النوع من الأمم.

 كاتب ومحلل سياسي

الناشطات العربيات… بناتك يا وطن

الناشطات العربيات… بَنَاتَك يا وطن

الناشطات العربيات… بَنَاتَك يا وطن

 د. نزار بدران 

اغتيال المحامية والناشطة الحقوقية، حنان البرعصي وسط بنغازي، بعد نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، انتقادات للفساد، لأحد أبناء خليفة حفتر، يُظهر لنا مدى إصرار قوى الثورة المضادة، على إسكات كل الأصوات وبكل الوسائل.
هؤلاء يريدون أن يُطفئوا نور الربيع العربي بجرائمهم، وكأن التاريخ سيعود للوراء.

الحراك المجتمعي الحديث

ما أريد إظهاره بهذا المقال، أن المرأة العربية، تُشارك وبكثافة في الحراك المجتمعي الحديث، خصوصاً للموجة الثانية من الربيع العربي، فأعداد النساء المشاركات في المظاهرات والاعتصامات، هي كبيرة جداً، يكفي أن ننظر لشاشات التلفزيون، لمظاهرات لبنان والجزائر والسودان والعراق، وأن نتذكر مظاهرات اليمن.
نحن أمام وعي جديد للمجتمع، بأهمية وضرورة مشاركة الجميع، رجالاً ونساء في العمل الثوري.
لم يعد هناك مجال هنا لإبقاء نصف المجتمع، جالساً ينتظر النصف الآخر لتحقيق حقوقه.
الوضع إذا يختلف عما كان عليه سابقا حين كان نضال المرأة لنيل حقوقها نخبويا ولم يتمكن من تحريك المجتمع بشكل فعال لصالحه (مثال المناضلات نوال السعداوي، هدى شعراوي في مصر)
شاركت المرأة وبقوة، بثورات التحرر الوطني من الاستعمار، ونذكر هنا كمثال، جميلة بوحيرد، وغيرها كثيرات، لكن الدول التي أتت بعد دحر المُستعمر، سلبت النساء حقوقهن المُنتَظرة، وهو الحق في المساواة دون التفريق مع الرجل، بالإضافة لسلب المجتمع ككل حقوقه السياسية، ببناء الدولة الديمقراطية والمواطنة.
المشاركة النسائية، والتي دُفع ثمنها غالياً، من قتل واغتصاب وسجن، هو في رأيي من أهم معالم الربيع العربي الثاني، والتي تُنبئ بوضوح بالشكل الذي سيأخذه المستقبل.
قتل الناشطات العراقيات أو الليبيات، سجن لُجَيْن الهذلول، ورفيقاتها بالسعودية لن يزيد هذه المشاركة إلا عنفوانا.
وكما نرى فإن احتلال النساء لمساحة واسعة، في التعبير على ساحات التواصل الاجتماعي وتواجدهن على أرض الواقع، أعطى الحراك العربي، بُعداً جديداً، هو البُعد الإنساني العقلاني، فالمرأة، بالإضافة لمعاناتها كمواطن مثل الرجل، تُعاني أيضاً من القيود الاجتماعية المفروضة عليها، مما يجعلها أكثر حساسية وتفهما، من هنا تنبع أهمية أن تكون في الصدارة، وموقع القيادة.

العوائق الاجتماعية

الحصول على الحرية في دولنا، على خلاف دول أخرى بالعالم، لا يعني فقط إسقاط النظام، بل يعني أيضاً، إسقاط العوائق الاجتماعية أمام المرأة، للمشاركة في بناء الوطن.
تعريف الوطن، حسب بعض الفلاسفة، هو «تلك المساحة من الأرض، والتي يعيش فيها، مجموعة من الناس، بهدف تحقيق حقوقهم وأحلامهم» تحقيق الحقوق هو إذاً نقطة الانطلاق، وليس شكل الأرض ومساحتها واسم عاصمتها.
المرأة العربية المعاصرة، وقد حصلت على مستوى أعلى من التعليم، حتى أنه في بعض الجامعات فإن عدد الطالبات يفوق عدد الطلبة الرجال، وتمكنت أيضا من الحد من الانفجار الديموغرافي، عن طريق تقليل عدد الولادات لكل امرأة (تقريباً وصلنا إلى ثلث النسبة التي كانت في سنوات السبعينيات وبداية الثمانينات في كافة الدول العربية) ما سمح لها بالخروج من البيت والتعلم والعمل، هي الآن مُؤهلة، لقيادة النضال الجماهيري، أكثر كثيراً من الرجل، وسبب ذلك أنها:
أولاً، الضحية الأكثر تضرراً، بسبب القيود الاجتماعية والعادات الذي تقع عليها وحدها، بالإضافة إلى الظلم السياسي العام، فهي إذا الأكثر مصلحة بالتغيير.
ثانياً، لكون الرجل، وللسبب نفسه، أي الأثقال الاجتماعية التي تُشكل سلاسل على قدميه، معاقاً عملياً، ولن يتمكن من صناعة تغيير يؤدي لتحرير النساء أيضا، أي كامل المجتمع.
تجارب الشعوب الأخرى، تُظهر أن هذا النقاش، لتحديد دور المرأة، كان يعني دائماً للرجل، البقاء في البيت ورعاية الأطفال. وبالنسبة للمرأة يعني الخروج من البيت والمشاركة بالنشاط الاجتماعي والعمل، ووضع سؤال حقوق المرأة، داخل الإطار السياسي.
فيما يُسمى ثورة ربيع الشعوب الأوروبية، منتصف القرن التاسع عشر، خرجت المرأة من بيتها وفرضت مشاركتها، رغم رفض الرجال، وأصبحت من بعد، أحد عناصر التقدم الاجتماعي، الذي نرى آثاره اليوم، بكل الدول الأوروبية.
لحظة الثورات على الاستبداد، هي تلك اللحظات التي تتمكن بها المرأة، من إعطاء زخم وحجم لهذه الثورات أولاً، وهي أيضاً من يسمح أن تعي المرأة، مهما كان موقعها ومستواها، حقوقها الاجتماعية.
هذا ما نراه في المشاركة الحاسمة، للمرأة بالثورات الحديثة، ونموذج كنداكات السودان أمامنا.
ما نراه أيضاً من تجارب الماضي، فالشعوب التي تُهمش دور المرأة في النضال، لا يمكن أن تصل إلى إرساء أسس الدولة الحديثة الديمقراطية كما يحصل بجزء كبير من الدول الإسلامية.
ليست المرأة إذاً، إضافة كمية على العمل الثوري، بل هي إضافة نوعية، فالمساواة، وتأمين حقوق الجميع، واحترام الآخر وفتح باب النقاش الاجتماعي، على كل المواضيع مهما كانت، دون أي محرمات وممنوعات، هو نتاج المشاركة النسائية، وليس أحد سمات التفكير الذكوري الأبوي العربي. ولنتأكد من ذلك، يكفي النظر إلى ما يقوله الناس، ذكوراً وإناثاً، على صفحات التواصل الاجتماعي، فالمدافعون في اتجاه الفكر المحافظ، هم أساساً من الرجال، والعكس صحيح.

القبول بنسائية المستقبل

الأجيال الجديدة من النساء، لم تعد لتقبل بهذا الظلم، ومشاركتهن الحالية الفعالة، والثمن المدفوع من دمائهن وحريتهن كما رأينا مع حنان البرعصي وقبلها زهراء سليمان وغيرهن، هو دليل إصرارهن على الوصول إلى التحرر من الاستبداد، ببرامج اجتماعية، تُبنى على قيم حضارة هذا الزمن
لم تعد تقبل هذه الأجيال، أن يُرَحَّل سؤال حقوق المرأة، مرة أخرى لأجل غير مُسمى، أي بعد سقوط الأنظمة، ولا تُلدغ المرأة من جحر واحد مرتين.
نحن إذاً أمام إشكالية مهمة في الوطن العربي، وهي القبول بنسائية المستقبل، فكراً وقيادة. فهو لن يكون مستقبلاً زاهياً، حيث تعم قيم المساواة والحداثة، إلا إذا أخذت المرأة دورها حقاً في حمله وولادته وخصوصاً في قيادته، ونذكر هنا بشعار الناشطات العراقيات، في المظاهرات النسائية، في شهر شباط- فبراير لهذا العام «بَنَاتَك يا وطن».

السودان، موسم الهجرة إلى اسرائيل

القدس العربي 27/10/2020

السودان: موسم الهجرة إلى إسرائيل

السودان: موسم الهجرة إلى إسرائيل

 د. نزار بدران 

في قصته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال» يُظهر الكاتب السوداني الكبير، الطيب صالح، شدة التعقيد خلف بساطة المظهر، فالحقيقة ليست دائماً، ما يبدو ظاهراً للعيان.
هذا تقريباً ما نراه حالياً، مع توجه السودان، إلى تطبيع علاقاته مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فخلف وجود سلطة توافقية ناتجة عن الثورة، نجد تناقضات عميقة، بين مكونات هذه السلطة.

رموز الثورة المضادة

فالنموذج السوداني فريد من نوعه، من حيث تواجد الثورة والثورة المضادة، بنفس الوقت بقمة السلطة.
قوة الثورة المضادة، المُمثلة بالعسكر، وخصوصاً رجلها القوي «حمديتي» هي باستمرار سيطرتها على وسائل القوة، أي الجيش والشرطة بينما قوة الثورة، هي فقط بوعي الشعب واستعداده للتضحية لإنجاح ثورته.
من كان يتصور أن رموز الثورة المضادة، المتواجدين بالسلطة، سيتركونها بعد الفترة الانتقالية، ويذهبون للاستجمام، هو خاطئ، بمن فيهم قيادات الثورة.
هؤلاء كما حدث في مصر، مع عبد الفتاح السيسي، وزير دفاع الرئيس الشرعي الوحيد، محمد مرسي، أو قبله بينوشيه، وزير دفاع الرئيس أليندي في تشيلي، لا ينتظرون سوى اللحظة المناسبة، للانقضاض على السلطة وإنهاء الثورة.
ما رأينا في السودان، من رفض الولايات المتحدة، رفع اسم السودان عن لائحة الإرهاب، مع أن هذا الشعب، قام بثورة ديمقراطية، علمانية بالمعايير الحديثة، والاستمرار في حصار السودان، دون أدنى سبب، ما هو إلا إنعاش للثورة المضادة، لتتمكن من العودة.
أمريكا في أواخر أيام البشير، كانت على استعداد، لرفع اسمه عن قائمة الإرهاب، وكان البشير على ما يبدو، على استعداد للتطبيع مع إسرائيل.

اللوبي الصهيوني الأمريكي

ما يظهر على كونه، ابتزازا للثورة لصالح إسرائيل، هو بالحقيقة، محاولة إنهائها.
السودان اليوم، لم تقبل الثورة الاعتراف بإسرائيل، وإنما انتصرت الثورة المضادة، في أول معركة لها مع قوى الثورة، بدعم من معسكر كل الثورات العربية المضادة، من دول الخليج إلى مصر وغيره، ومع دعم الدولة الأكبر في العالم، ورئيسها الذي يلهث وراء اللوبي الصهيوني الأمريكي، للنجاح بالانتخابات المقبلة، بعد أيام قليلة.
الثورات المضادة العربية، تهرول نحو إسرائيل، طلباً للحماية من الثورات العربية الحالية والمقبلة، وإسرائيل تعرف ذلك وتطلب أغلى الأثمان، والنموذج المصري واضح، من تحالف إسرائيل ومصر، ضد أهل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني.
في مواجهة تحالف قوى الثورة المضادة العربية وداعميها، لا يوجد للأسف، أي تحالف لقوى الثورة العربية، لا رسمياً ولا شعبياً، فعند اندلاع الثورة السودانية، كان الكثيرون، من الإسلاميين وغيرهم، يدعون أنها ثورة شيوعية كافرة إلى ما آخره، نادمين على جمال زمن البشير، والذي دمر البلاد باسم الشريعة والدين الإسلامي.
هذه الثورات العربية، إن لم تتضامن فيما بينها، شعبياً ورسمياً، ستؤكل كل واحدة على حدة، والنموذج المصري سيصبح النموذج الرسمي لمستقبلها.
من يظن مثلاً في تونس، أنه بمنأى عن عودة الثورة المضادة، فهو خاطئ، من حاصر السودان، بحجة واهية، يستطيع أن يفعل الشيء نفسه، في تونس أو الجزائر أو أي دولة أخرى.
تضامن قوى الثورات العربية، مع الثورة السودانية، هو أقل ما يمكن تقديمه لها بهذه الأيام العصيبة، بدل انتظار أن تؤكل كما أكل الثور الأبيض.

توحد الثورات

علينا أن نتعلم من الثورات المضادة، وهي تتضامن دائماً، وتوحد جهودها، ومنذ اليوم الأول، لسحق أي حراك شعبي في أي منطقة (ليبيا، البحرين، اليمن، سوريا، العراق…الخ)
توحد الثورات العربية، خلف شعارات واحدة، يجمع القوى، هو أكثر من ضروري، اتهام الثورة السودانية، بالتطبيع مع إسرائيل هو تجن عليها، الشعب السوداني، لن يقبل ذلك، وهو يدرك أكثر من غيره، أن أباطرة الفساد، ومجرمي حرب دارفور وساحات الاعتصام، يبحثون عمن يحميهم من هذا الشعب ومن المحاسبة المقبلة، لأفعالهم الشنيعة.
في نهاية قصة موسم الهجرة إلى الشمال، نعرف الحقيقة، وخفايا الأشياء، وحب الحياة، كما يعرفها أبناء الشعب السوداني العظيم.