الربيع العربي والتغيير الديمقراطي المامول/ ديسمبر 2108

الربيع العربي والتغيير الديمقراطي المامول

د. نزار بدران / نشر بمدونة حقنا للمركز الاورومتوسطي لمراقبة حقوق الانسان. ديسمبر 2018
نحتفل هذه الايام بالذكرى الثامنة لانطلاق الربيع العربي بافراحه بنجاح التغيير الديمقراطي بتونس وباترائحه بالحرب الدائرة باقطار أخرى وقتل وتهجير وتجويع ملايين الناس لم يطالبو إلا بالحرية. عنف رد الأنظمة تجاوز بشكل غير معقول ولا مسبوق ما يمكن توقعه من اي نظام.

منذ ثمانية سنوات، ومع بدء الربيع العربي من تونس، دخل العالم العربي مرحلة رمادية، تُحدق بها الأخطار، تلك المرحلة التي تتبع مرحلة الظلام الدامس، قبل الوصول إلى وضح النهار. هذه الرمادية من ثورات وثورات مُضادة، وتدخلات أجنبية عديدة، تكاد لا تُحصى، هي سمة ثابتة لكل التغيرات الاجتماعية الجذرية.
كُثر هم إذاً من يحنون لمرحلة الظلام الدامس، لأنهم لا يرون نور النهار، بعد ولوج النفق الرمادي، بكل شروره وأشراره. هي بحق مرحلة خروج كل وُحوش الأرض، مر بها قبلنا شعوب أخرى من أوروبا، وخصوصاً الثورة الفرنسية وأمريكا اللاتينية، وحروب اليابان بشرق آسيا، والحرب الأهلية الأمريكية، وكُثر غيرها.
حَمَل الشباب العربي كثير من الأحلام، والتي في بعض الأحيان، تنتهي بالحسرة واليأس، فاتحة باب الهجرة للغرب على مخاطرها، ولكنهم كثيرون ممن زالوا يحملون حُلم التغيير، وبناء مستقبل لهم ولابنائهم بأوطانهم.
التغيرات الاجتماعية منذ أكثر من ثلاثين عاماً، تُظهر تغير نوعي للبيئة الاجتماعية، فمثلاً انخفض بشكل كبير نسبة الإنجاب، لصالح الحد من عدد أفراد العائلة، سامحاً للمرأة مُغادرة البيت، والذهاب للدراسة الجامعية، ومُحاولة وُلوج سوق العمل. لم تعد المرأة قابعة ببيت الزوجية، فقط للإنجاب والمهام المنزلية، وهو ما غير تدريجياً، الصورة النمطية والحقوقية للعلاقة داخل العائلة.
انتشر التعليم وتطور نتيجة لذلك طبقة وُسطى أوسع، لها مطالب تتعلق بالتعبير والحريات العامة والتواصل، وهو ما لم يتحقق، في ظل الظروف السياسية لبلدانهم. تطور وسائل التواصل الاجتماعي، سمح لهذه الطبقة، بتجاوز الحواجز الحدودية والمعرفاتية، التي تُميز دولهم. لم تعد الأنظمة قادرة على منع الناس من النظر خلف الجدران، ورؤية ما يحدث من تطور في العالم، خصوصاً انتشار الديمقراطية بدول عديدة، كانت تُشبه الدول العربية بمرحلة ما، كما حدث بدول شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية أو جنوب شرق آسيا.
فشل النظام العربي الرسمي، بمتابعة تطورات العصر الجديد، أو حتى فهمه، وبقائه متقوقعاً داخل بُنية استبدادية، زاد من واقع التناقض، بين المجتمع المُتحرك المتطور والسلطة الجامدة. هذا الفشل للسلطة لا ينبُع فقط من عدم رغبة بالتغيير، والحفاظ على مصالح مادية وسُلطوية، ولكنه أيضاً نابع عن عدم كفاءة هذه السلطة بفهم ما يحدث، ومواجهة الأوضاع بحلول سياسة منطقية. نحن أمام نظام يُفضل أن يُحاط بأشخاص موالون، على أشخاص كفؤ، لدراسة الواقع وحل المشاكل، أظن مثلاً أن الصحفي جمال خاشقجي، كان أفضل الأشخاص القادرين على تقديم النصيحة للنظام، ليُعطي للسعودية حلولاً، أمام تناقض بُنيتها الاجتماعية والسياسية مع التطور العالمي.
غياب الحريات العامة، أو اعتماد القانون، أدى إلى تحول الاقتصاد، رغم الثروات الهائلة المُتواجدة داخل كثير من الأقطار العربية، إلى وسيلة للنهب العام، دون الالتفات إلى رفاهية المواطنين.
شباب الطبقة الوسطى الناشئة، يختلف عن جيل الآباء والأجداد، الذين كانوا يقبلون تقديم الولاء الدائم، مقابل الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية، فالتعلم ودخول الجامعة، بحاجة لواسطة، والحصول على علاج، يأتي بمنةٍ من السلطان، بدل أن يكون كل ذلك حقوقاً مكتسبة وطبيعية للناس.
هذه التناقضات، تزداد تعمقاً يوماً بعد يوم، فالعنف السلطوي وقمع الحريات، لن يؤدي إلى حل أي إشكالية مطروحة، لا أظن أننا الآن، بمرحلة التقدم نحو الأفضل، بل بمرحلة شحن أطراف التناقض، بانتظار الانفجار الأكبر، والذي بدأت معالمه تظهر منذ عام 2010.
لن نستطيع تفادي هذا الإنفجار، إلا إذا تمكنا من دفع النظام السياسي العربي، إلى تبني مبدأ أحقية الناس باختيار من يحكمهم، واعتماد الطرق الديمقراطية، بالتعامل السياسي والاجتماعي.
كذلك وجب أيضاً، للسير نحو السِلم الاجتماعي، تطوير المجتمع المدني، حتى نتمكن من سد فراغ السلطة اولاً، وثانياً الدفع نحو تغيير مفهوم السياسة وتكوين الأحزاب والنقابات والتجمعات. وحده المجتمع المدني، القوي الحر، من يستطيع السير نحو التغيير الديمقراطي، بدون المرور بالإديولوجيات السياسية المتطرفة والشحن الطائفي والعرقي. لذلك ولتفادي الإنهيار، تتسابق هذه الأنظمة بإسكات كل أشكال منظمات المجتمع المدني، عن طريق المنع بالقانون أو بالقوة، أو عن طريق إيجاد أشكال وهمية لهذه التنظيمات المدنية، هي بالحقيقة أبواق للسلطة، وليس مُلهم لها.
استمرار الشباب وأبناء وبنات الطبقة الوسطى الفاعلة، لتنظيم أنفسهم داخل اُطر تجمعات ومنظمات المجتمع المدني، سيكون أفضل الوسائل لتقليل كُلفة التغيير الديمقراطي المأمول بمجتمعاتنا، والتي بدون ذلك، ستكون باهظة جداً، إنسانياً ومادياً.

شرعية المؤسسات الرسمية الفلسطينية.

شرعية المؤسسات الرسمية الفلسطينية. نشر باورونيوز ديسمبر 2018
د.نزار بدران
صرح مؤخرا الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية عن نيته اعتبار المجلس التشريعي الفلسطيني منتهي الصلاحيه، ولكن بدون تحديد الأسباب بشكل واضح ولا آليات انتخاب مجلس تشريعي جديد.
شرعية المجلس التشريعي وكذلك منصب الرئاسة مرتبط بالانتخابات الاخيره لكليهما والتي حصلت قبل سنوات طويلة. قد نتفهم التجديد التلقائي لمنصب الرئيس او منصب اعضاء المجلس في ظل الاحتلال واعائقته المفترضة لعقد انتخابات جديدة، لكن الواقع يظهر لنا ان العنصر الاساسي للتاخير هو الانقسامات الداخليه بالوسط السياسي الفلسطيني، وليس الشعب الفلسطيني، خصوصا بين السلطة الشرعية المعترف بها دوليا برام الله، وسلطة الحكومة المنبثقة عن آخر انتخابات تشريعية فلسطينيه عام 2006 المتواجدة بغزة والمسيطر عليها من قبل حركة حماس.
صعوبه التوافق بين الطرفين على إجراء انتخابات جديدة لا يبرره برائي إلا الضغوط الخارجية، خصوصا تلك الاقتصادية، فهذه الاطراف الدولية لا تود على ما يظهر تجذير التجربه الديمقراطيه الفلسطينية، مبقية الشعب الفلسطيني تحت سيطرة نظام سياسي يتغطى بالشرعية الشكلية، وفهم كل طرف سياسي فلسطيني وتحليله لها، ولكن خصوصا بناء على ارتباطاته العربيه والدولية، امريكا، دول الخليج ،مصر، ايران الخ.
دليل ذلك أن اجتماعات واتفاقيات عده جرت بين السلطتين الفلسطينيتين، ولكن لم يتمكن أي أحد من تنفيذها على ارض الواقع رغم حصار غزه ومعاناة المواطن الفلسطيني بكل اماكن تواجده.
كما أن تطور الموقف الامريكي منذ وصول الرئيس دونالد ترمب ونقله سفارة بلاده من تل ابيب إلى القدس وتضيقه على وكاله إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، والتحضير لصفقة القرن، بالإضافة لفصل طبيعة وتطور العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربيه المركزية بدون ربطها بالقضية الفلسطينية، دليل إضافي على انعدام أي رؤية استراتيجية فلسطينيه.
فنحن نعلم ان الخلافات الداخلية تتلاشى أمام الاخطار الخارجية خصوصا تلك الوجودية وهو ما يستشعر به حاليا الشعب الفلسطيني.
سئم هذا الشعب من هذه المهاترات، والتي لا تدل باحسن الاحوال إلا الى عدم كفائة وبأسوأها إلى خضوع تام لارادة الأطراف الدولية أو العربيه ضاربة بعرض الحائط بمصلحة الشعب الفلسطيني نفسه.
لا ارى حلا لهذه الأشكالية إلا بالعودة إلى الانتخابات والتي تعطي الشرعيه لمن تريد، كلام كهذا منطقي وعادي بكل الدول الديمقراطية التي تواجه أزمات سياسية، ولكن عند الفلسطينين كما في معظم الدول العربيه ليس له مكان.
إشكالية الشرعيه هذه كانت من أهم أسباب انفجار الربيع العربي، وبالحالة الفلسطينية ارى ان استمرار الاحتقان سيؤدي إلى عودة الضغط على الوسط الشعبي الفلسطيني وحركات المجتمع المدني بأشكالها الشعبية طبعا (وليس المؤسسات المدعومة خارجيا) إلى الضغط على السلطات الفلسطينية للعودة للشعب والانتخابات.
بدون حراك شعبي قوي، سيبقى الزعماء غارقين ببحر من الخلافات الشكلية، بدون الوصول الى أي حل، لأن هذا الأخير ليس بيدهم حقا، بل بيد الآخرين القابعين بواشنطن او بالعواصم العربيه.
تقع على شباب الشعب الفلسطيني بكل اماكن تواجده تحمل عبئ مسؤولياته والتحرك لانقاذ ما يمكن انقاذه، ولا احد يستطيع ان يعرف متى وكيف سيكون ذلك، فنحن نعيش في عالم المفاجئات.
كاتب ومحلل سياسي باريس

الوجه الاصفر المريض لفرنسا القدس العربي 11/12/2018

الوجه الأصفر المريض لفرنسا

منذ 21 ساعة

تتجه الأنظار هذه الأيام إلى فرنسا، وخصوصاً باريس، بسبب الاحتجاجات الشعبية، والتي شابها بعض العنف وتحطيم الأملاك العامة والخاصة، من طرف بعض المتشددين.
نُشر عديدٌ من المقالات والتحليلات عن هذا الحدث، والذي هو بشكل عام، شبه عادي، ففرنسا معتادة على المظاهرات والاحتجاجات والاضرابات، منذ عشرات السنين، وأحداث مايو/ أيار 1968، زمن الرئيس الأسبق شارل ديغول، كانت عنصراً مؤسساً للجمهورية الفرنسية الحديثة، وإرساء مبادئ العدالة والمساواة.
لكن الاهتمام بالأحداث الأخيرة، يعود مصدره إلى أوجه اختلاف، مع ما حدث سابقاً، وأوجه تشابه مع ما يحدث بدول أوروبية وغربية أخرى. فمثلا عدم وجود انتماء حزبي للمتظاهرين الصفر، وهم القادمون من خارج الأطر المعروفة، منهم من أقصى اليسار ومن أقصى اليمين، وما بينهما، يجمعهم التشكيك بكفاءة الأحزاب والنقابات، أو ما يسمونه بفرنسا الأجسام الوسيطة، للعب دور تمثيل الجماهير، كما كان يحدث دائماً. يجمعهم أيضاً التشكيك بصدقية ونزاهة الإعلام، بكل اتجاهاته وأشكاله، المكتوبة أو المرئية أو المسموعة، وحدها وسائل التواصل الاجتماعي، من تحمل الأخبار وتنقل الشائعات.

اختلاط الحابل بالنابل

هذه مظاهرات اختلط فيها الحابل بالنابل، فبجانب مطالبهم الأصلية بإلغاء زيادة الضرائب على المحروقات، تمددت فيما بعد إلى أكثر من أربعين مطلباً، منها رفع مستوى الحياة، فهناك من يتظاهر لإلغاء رفع كُلفة التسجيل في الجامعات على الطلبة الأجانب، مقابل من يتظاهر لأنه يتهم ماكرون ببيع فرنسا للأجانب، مع توقيعه المُنتظر على اتفاقية الأمم المتحدة في مراكش، المُخصصة لاحترام حقوق اللاجئين بالعالم.
نحن أمام صورة حديثة للاحتجاجات، المُشككة بفعالية ومصداقية الوسط السياسي والنقابي، رأينا ذلك حديثاً بإيطاليا، مع وصول اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين إلى السلطة، أو إسبانيا مع وصول حركة بودموس، القريبة من اليسار للحكومة، رأينا ذلك بالبريكسيت البريطاني، مع التصويت عام 2016، على الخروج من أوروبا، ضد إجماع الوسط السياسي والإعلامي على البقاء، كذلك وصول دونالد ترامب لرئاسة أمريكا، رغم امتعاض حزبه نفسه من ترشيحه، أي الحزب الجمهوري، ورغم معارضة شبه إجماعية للإعلام والأوساط السياسية.
ماذا يحدث إذاً في العالم الغربي، الحقيقة أن العولمة المشهورة، لم تعد تعني للناس العاديين، إلا زيادة غنى الأغنياء والتضييق على الفقراء والطبقات الوسطى. العولمة لم تعني إلا حرية الحركة لرأس المال، للتنقل والربح، ولا تعني أبداً، فتح العالم أمام الناس العاديين، بل نرى عكس ذلك تماماً، مع التشديد على قوانين الهجرة.

الطبقات المهمشة

هو إذاً، رد فعل الطبقات الوسطى والمهمشة، على جشع الأغنياء المعولمين. الإعلام والأحزاب والنقابات، لم يكن لها دور يذكر بمقاومة ذلك، فهي متهمة في أحسن الأحوال بالفشل، بمواجهة النتائج السلبية للعولمة، وبأسوأ الأحوال، بالتحالف مع الرأسماليين والشركات الكبرى.
يوجد الرئيس إيمانويل ماكرون، بموضع لا يُحسد عليه، فبعد أن كان من الأوائل في الصف الأوروبي، نراه الآن يتراجع عن إصلاحاته المالية، مُهدداً بذلك، تحالفه مع ألمانيا، حيث ستبقى أنجيلا ميركل، وحيدة للقيام بتنقية الاقتصاد والحسابات الأوروبية، أمام مزيد من الدول المُعادية لذلك كإيطاليا، أو التي لم تعد تستطيع ذلك كاليونان، فرنسا كانت بالنسبة لألمانيا أهم حليف في هذا المجال.
تهكم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، واستنتاجه من الاحتجاجات الفرنسية، بنجاعة سياساته الانفرادية، وغير المكترثة بالتغييرات البيئية، يُظهر مدى الهوة، بين النخب الأوروبية المشغولة بوضع برنامج فعال للحد من التغييرات البيئية، والمواطنين الذين لم تعد لهم المقدرة على تسديد فواتير الكهرباء.
هل تُهدد حركة السترات الصفراء، الديمقراطية الفرنسية؟، كثيرون يطرحون هذا السؤال، ولكنهم في الحقيقة يُعبرون عن خوفهم، وخوف أحزابهم أو نقاباتهم، أو إعلامهم، من الهبوط أكثر إلى القاع، أمام الوجه الجديد للعولمة، تلك التي تأخذ بالحسبان اهتمامات ومشاكل الناس البسطاء، وليس فقط مصالح الرأسمال والمُفرطين في الثراء، والذين استفادوا من إلغاء ماكرون لضريبة الثروة عليهم، ببداية عهده. قد يمر هذا التغيير بمراحل عديدة، منها وصول حركات شعبوية للسلطة، ولكنها بالنهاية ستُعيد التوازن، بين الاقتصاد وضرورة تطوره والمجتمع، وضرورة احترام حق المواطن، بالاستفادة من العولمة والتوزيع العادل للدخل والثروة.
هل هناك أوجه شبه بين الأحداث الفرنسية والربيع العربي؟، ظاهرياً الأحداث تختلف تماماً، فنحن من جهة نطالب بالحرية والديمقراطية وإسقاط الأنظمة الاستبدادية، بينما في فرنسا يطالب الناس بمزيد من الاصلاحات الاقتصادية الديمقراطية والتوزيع الأعدل للثروة. الربط قد يتم عن طريق البعد العالمي والإنساني لكلا الحراكين، فهما الإثنان، امتداد لحراك عالمي، ففرنسا وصلها الحراك التغييري، الذي أصاب عددا من الدول الغربية قبلها، ونحن بالوطن العربي، عشنا ونعيش، ما حصل في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية.
ولكن في النهاية الاثنان يدافعان عن قيم عولمة جديدة، فالمواطن العربي، يسعى للمشاركة بانتخاب واختيار صُناع القرار، والمواطن الفرنسي، يسعى للمشاركة باتخاذ القرار وليس فقط انتخاب من يصنعه، هي مراحل مُتتالية، بدأت هنا بفرنسا، منذ نهاية القرن الثامن عشر مع الثورة الفرنسية، وما زالت متفاعلة، نأمل أن تكون المسافات والأزمان، أقصر في بلادنا، للوصول لحقوقنا الإنسانية، كما فعل غيرنا في أوروبا، أو أنحاء كثيرة أخرى في العالم.

مراقب ومحلل سياسي مقيم في باريس

كلمات مفتاحية

التعليقات

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    الاعلان العالمي للائحة حقوق الانسان يورونيوز 11/12/2018

    VIEW

    في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انتهاكات ولا مبالاة.. فأين نحن من حقوق الإنسان؟
    آخر تحديث: 11/12/2018
    في ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انتهاكات ولا مبالاة.. فأين نحن من حقوق الإنسان؟


    بقلم: نزار بدران

    يحتفل العالم كل عام في العاشر من ديسمبر بالذكرى السبعين لإعلان الأمم المتحدة لائحة حقوق الانسان بباريس ، هذا الإعلان الذي تلى الحرب العالمية الثانية وأهوالها واضعا أسس عالم جديد مبني على الحقوق وليس على القوة. كل نقطة بها كانت تعبر عن حق معلن يجب احترامه. هي إذن حقوق معلنة عالميا وليس مبادئ عامه او قيم فقط قابلة للنقاش.

    ما ميز الاعلان هو التأكيد على عالمية هذه الحقوق وشموليتها، لا يُستثنى منها أحد، كما أصرّ على تضمينها للإعلان مندوب فرنسا روني كاسان.

    أين نحن الآن من حقوق الانسان، ولماذا تم الابتعاد لهذا الحد عن روحها، لا يحترم منها تقريباً شيء في كثير من البلدان.

    كما قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لو صوّتنا اليوم على هذه اللائحة المعلنة فقد لا نجد أغلبية لتبنيها، وهو ما يبين التراجع الكبير لمفهوم حقوق الانسان.

    النموذج العربي قد يكون من أشنع اشكال الانتهاكات لحقوق الانسان، الأنظمة العربية في كثير من الأقطار تنتهك حتى ما يسمى الحقوق الطبيعية مثل حق الحياة والتي تكلم عنها جان جاك روسو بالقرن الثامن عشر.

    لا تجد الدول الديمقراطية بنفس الوقت ما يجبرها على استنكار هذه الانتهاكات تحت شعار المصالح الاقتصادية والتبادل التجاري أو التحالف ضد عدو مشترك وأبرز مثل هو موقف الرئيس الامريكي دونالد ترامب من قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.

    يقتل الشعب السوري بمئات الآلاف ويهجر بالملايين ولا تتحرك الدول الغربية الديموقراطية لنصرته.

    يُحاصَر سكان غزة منذ سنوات طوال ويُمنع عنهم الغذاء والدواء والسفر ولا من مكترث بأوضاعهم. نسكت عن الانتهاكات باليمن وانتشار المجاعة ونصمت أمام اضطهاد الروهينغا في دولة تحكمها رئيسة وزراء فائزة بجائزة نوبل للسلام !!.

    أين نحن من مفهوم عولمة وشمولية حقوق الانسان وكونها تهم الانسانية جمعاء؟

    وحدها منظمات حقوق الانسان والمنظمات الإنسانية لا تزال تدافع عن حق اللاجئين بالحماية أو المعذبين وضحايا الحروب لوجود أرض تستقبلهم، بينما تغلق أوروبا أبوابها وموانئها أمامهم.

    الحقوق إذن بمفهوم هؤلاء هي فقط لمجموعة إنسانية معينة، وهي مواطنو دولهم وليس للإنسانية جميعاً كما نادت به الأمم المتحدة عام 1948. هم بالحقيقة لا يؤمنون إلا بالتمترس وإقامة الحواجز، ولكن يبدو بدون طائل، فمع العولمة الاقتصادية لرأس المال وعولمة المجتمعات الإنسانية وتواصلها لم يعد بالإمكان وقف زحف عودة القيم الإنسانية والأخوة العالمية للبشر.

    سنرى بقادم الايام مزيد من الثورات والاحتجاجات الشعبية بالدول الفقيرة ولكن أيضا بالدول الغنية والديمقراطية.

    وحدها قوة المجتمع المدني بحراكه ضد الأشكال السياسية التقليدية التي ستبقي وهج لائحة حقوق الانسان براقا، المجتمع المدني على عكس الأحزاب السياسية لا يدافع إلا عن القيم والحقوق، بينما الآخرون لا يقاتلون إلا من أجل المصالح، فمتى سنصل لمرحلة توافق بين المصالح والقيم والحقوق لبناء المجتمعات الإنسانية الفاضلة؟

    د.نزار بدران – كاتب ومحلل سياسي

    المقال يعبر عن وجهة نظر صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر يورونيوز

    مقتل جمال خاشقجي بين السياسة والإعلام

    مقتل جمال خاشقجي بين السياسة والإعلام

    نزار بدران

    كانون اول ديسمبر/05 /2018

    لم نر منذ زمن طويل اهتمام السياسيين بحقوق الإنسان، وبشكل خاص الحق بالتعبير عن الرأي وحرية الصحافة، كما نراه هذه الأيام، مع جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، بقنصلية بلاده باسطنبول.
    الرئيس ترامب وغيره من رؤساء الدول الغربية، يحاولون كعادتهم إدانة الجريمه مع التركيز على عمق التبادل التجاري، والمصالح الاقتصادية، بين الدولة البترولية الثرية ودولهم، وأهمية هذا التبادل بالحفاظ على الوظائف، خصوصاً في مجال صناعة الأسلحة.
    لولا تصدي الإعلام، وخصوصاً الواشنطن بوست، حيث كان يعمل الصحفي المغدور، وباقي الإعلام الأمريكي وثم الأوروبي، لتوقفت الأمور عند هذا الحد، وأُدين النظام السعودي شكلياً، واستمر تصدير الأسلحة لتغذية حرب اليمن. لكن رجال السياسة هؤلاء، لم يأخذوا بالحسبان أن الصحافة الأمريكية، وجدت بهذا الحدث ضالتها، والتي تستطيع أن تُعيد لها، شرف الإعلام وشرف الصحافة وقوتها ونصاعتها، بعد أن مر عليها قطار الفيك نيوز الترمبي وهز مصداقيتها.
    كون الضحية قُتل بشكل بشع، وبقنصلية بلاده، والتي كان عليها دور حمايته بدل قتله، بالإضافة لسمعة السعودية السيئة، بالرأي الأمريكي العام والكونجرس، خصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكونه صحفياً بأحد أهم الجرائد الأمريكية، والتي أسقطت ريتشارد نيكسون، بفضيحة ووتر غيت، كل هذا أبقى قضية خاشقجي حية.
    تراجعت السياسة أمام الصحافة في البدء، والمدافعون عن بيع الأسلحة، مثل الرئيس الأمريكي أو الفرنسي، اضطروا تحت ضغطها، لرؤية مواقفهم من جديد. لم ينج من الفخ الإعلامي، إلا أنجيلا ميركل، علماً أن ألمانيا هي مُصدر ثانوي للأسلحة للسعودية.
    المجتمع المدني تضامن مع الضحية، وأيد طبعاً مبدء العقاب للجناة، بما فيهم قمة السلطة السعودية، وهي متورطة حسب المعلومات المخابراتية الامريكية ، وفتح عليها باب المحاسبة والمسائلة، بمجالات أخرى متعلقة بحقوق المرأة وحقوق الإنسان والسجن والتوقيف التعسفي والتعذيب، كذلك حرب اليمن ونتائجها المُدمرة على المدنيين، قتلاً ومرضاً وجوعاً، بعدما سكت عنها رجال السياسة لسنوات طويلة. وبدأت منظمات المجتمع المدني بمختلف الدول برفع صوتها بقوة. هذه أول حالة برأيي، قد ينتصر به الحق والإنسانية، ضد الاقتصاد ورأس المال، وتنتصر به القيم ضد الإنعزالية والأنانية.
    وحده الرئيس الامريكي ولاسباب تتعلق بمصلحة اسرائيل ولاسباب انتخابية من يغض الطرف داخل الادارة الامريكية محاولا تغطية موقفه بالمصالح الاقتصادية لتمرير صفقة القرن,
    رأينا قبل خاشقجي، إيلان الطفل السوري، مُمدداً على الشاطيء، ولم يُغير ذلك السياسات الأوروبية، بالنسبة للاجئين، بل زادها صعوبة رُغم ردة الفعل القوية للرأي العام. مات بائع السمك الفقير، مفروماً بسيارة قُمامة، بشمال المغرب، ولم يؤدي ذلك لتغيير يُذكر بالمواقف السياسية، نحو الوضع الحقوقي للإنسان بالمغرب، رغم انهزاز الضمير العالمي,قتل الطفل محمد الدرة بغزة وتحرك الكثيرون من المطالبين بالعدالة ولم يعاقب احد ,وحده موت البوعزيزي بتونس، ذلك البائع المتجول، والذي فضل الموت على الذُل، من أشعل الثورات، وفتح صفحة جديدة بالوضع الإنساني بتونس، وأشعل كوكبة الأحداث للربيع العربي.
    لعلنا الآن، ومن جديد، إن سارت الأحداث نحو معاقبة الجُناة الحقيقيين وان استمرت الصحافة خاصة الامريكية وهو الاحتمال الاكبر رغم ضغط اللوبي الصهيوني بالدفع الى تحقيق الحق لان ذلك ايضا من مصلحتها بمواجهة هجوم الرئيس الامريكي عليها منذ توليه الرئاسة، لعلنا في مرحلة أخرى لهذا الربيع، بدأت بمقتل الصحفي الشهيد جمال خاشقجي، ولعل حكام السعودية وغيرها، ممن اعتقلوا وسجنوا وقتلوا المعارضين، هم على عتبة مرحلة جديدة، يبدأ منها زمن المحاسبة الإنسانية، بعد زمن الصمت الاقتصادي والمصالح الرأس مالية.

    كاتب ومحلل سياسي