القدس نهاية الحل وبداية التصدي

القدس نهاية الحل وبداية التصدي

د. نزار بدران


Jan 24, 2018

القدس العربي 24 كانون الثاني 2018

اُختصر اقتطاع فلسطين، من الأرض العربية، بداية القرن الماضي، في إطار تقاسم الإرث العثماني، بين القوى المُنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وخلق دولة أجنبية، بمواطنين لا يتكلمون لغة البلاد، ولا ينتمون لتاريخها، وإبعاد العرب سكان فلسطين، منذ آلاف السنين، إلى مخيمات اللاجئين، أو حصارهم في بقع صغيرة على الأرض الفلسطينية المتبقية؛ اُختصر كل ذلك تحت عنوان المسألة الفلسطينية، أو النزاع العربي، أو الفلسطيني الإسرائيلي، وكأن هناك مشكلة بين كيانين، أحدهما فلسطيني أو عربي، والآخر إسرائيلي، يجب طرح حلول مبدعة لحلها، بما يتلاءم مع مصلحة الطرفين.
هذا حقيقة هو الطرح الساذج، الذي عشنا عليه سنوات عديدة، والذي لا يعكس مطلقاً بديهيات القضية الفلسطينية. هذا الطرح هو أساس كل التراجعات العربية الفلسطينية، لأنها لا تزال تبحث عن حلول لمشكلة، آخرها كان المبادرة العربية بالاعتراف بإسرائيل، من كل الدول العربية والإسلامية، مقابل الإنسحاب من ألأراضي المحتلة عام 1967، وكذلك قبلها اتفاقيات أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية.
لماذا فشلت هذه الحلول العربية والعالمية المُبدعة في حل المشكلة، إلى أن تجرأ ترامب إلى الاعتراف بالقدس، عاصمة لإسرائيل، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها، والمزايدة بطلب الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية. تمهيدا لطرد فلسطينيي الـ 48، والذين هم اصلا خارج المشكلة التي يريد العرب حلها بما أنهم داخل «إسرائيل» التي يعترفون بها.
الحقيقة أننا نحن العرب والفلسطينيين، نبحث عن حلول لمشكلة وهمية، وهو ما نتصوره الخلاف العربي، أو الفلسطيني الإسرائيلي، بينما الإسرائيليون، ليس لهم معنا أي خلاف، بل لهم سياسة ينفذونها منذ اليوم الأول، وهو إقامة إسرائيل وطرد الشعب الفلسطيني، والسيطرة بعد ذلك، على مقدرات الأمة العربية.
هم كالمهاجرين الأمريكيين الأوائل، يقيمون المعاهدات مع السكان الأصليين، ثم يطردونهم بلا هوادة، ولا يحترمون من أي إتفاقية، إلا الجزء الذي يوفر لهم تحقيق السياسة المرسومة والمُخطط لها. نحن إذاً لسنا أمام مشكلة تبحث عن حل، ولكن إعتداء وتهجيرا قسريا، سرقة الأرض وإقامة شعب غريب على أرض عربية.
إن رأينا القضية الفلسطينية على حقيقتها، فالجواب ليس البحث عن حلول، ولكن بإقامة سياسات لمواجهة المُخطط الإسرائيلي الصهيوني، أي البدء بسياسة للصمود والتحدي، والعمل على استرداد المسلوب.
هذا ما فعله الجزائريون، الذين لم يقبلوا بدولة مسخ في صحراء الجزائر، وما فعله مانديلا جنوب أفريقيا، والذي لم يقبل إقامة كانتونات للسود، بل دولة واحدة، بقيادة السود السكان الأصليون للبلاد، هذا ما فعله الفييتناميون مع أمريكا، حينما رفضوا بقاء جنوب فييتنام دولة مستقلة وعاصمتها سايغون تحت الرقابة الأمريكية، وأصروا على طرد ودحر المُحتل، حتى آخر متر مربع من فييتنام شماله وجنوبه، وهذا ما فعله وفعله غيرنا كثيرون.
وحدنا في العالم، نبحث عن حلول لمشاكل وهمية أوقعنا بها أعداؤنا، وكذبة كبيرة بإقامة دول وإنشاء عواصم، بدون سيادة ولا حدود ولا قدرة.
وحدها هذه الأمة العربية، التي تقبل أن يُنتقص أهم جزء منها، وأكثره قداسة، لصالح رعاع جلبوا من أطراف العالم، ولا يرون بذلك إلا مشكلة هامشية، تبحث عن حلول خلاقة، بأروقة الأمم المتحدة، ووزارات خارجية الدول العُظمى.
والحالة هذه، فلا نستغرب أن يكون مصيرنا مخالفاً لمصير جنوب أفريقيا السوداء، أو فييتنام المستقلة، بل مصير الهنود الحمر الذين يعيشون الآن داخل كانتونات، لا تتعدى مساحتها 2,3 %من أرض أجدادهم.
نأمل أن تكون الخطوة الأمريكية الأخيرة، بدعم انتزاع القدس، من أيدي العرب والمسلمين والمسيحيين، والتي هي بكل تأكيد خطوة أخرى لدعم السياسة الإسرائيلية، القاضمة والهاضمة لحقوقنا، أن تكون القدس هي الجرس الذي دُق ليخرجنا من الجري وراء الحلول التي لا تُهم أحداً غيرنا، والبدء في وضع أُسس الصمود والتحدي. وما فعله المقدسيون، بشهر تموز 2017، حينما أجبروا نتنياهو على التراجع، إلا الخطوة الاستباقية لذلك التغيير المُنتظر.

.

كاتب عربي

وعد بلفور فخر السياسة البريطانية

وعد بلفور فخر السياسة البريطانية

القدس العربي

د. نزار بدران

Nov 15, 2017

كانت الذكرى المئوية لوعد بلفور، مناسبة لكثير من الكتاب والمراقبين والسياسيين، للتذكير بتاريخ فلسطين، وكيفية الاستيلاء عليها وطرد سكانها وتحويلهم للاجئين. ولكن ذلك ترافق أيضاً، بمطالبة بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطّيني، لم تقبل رئيسة وزرائها، هذا الطلب، بل أصرت على الاحتفال بالذكرى مع نتنياهو، وكأنه نصر مؤزر.
الحقيقة أن تيريزا ماي، لم يكن لها أن تأخذ موقفاً آخر بسبب انعدام أي وسيلة ضغط لدى المطالبين بالاّعتذار، فكل مصالح بريطانيا مُحققة في الدول العربية، دون حاجة لتقديم أي نوع من أنواع التراجع السياسي، مُقابل ضغوط إسرائيلية عليها عن طريق اللوبي الصهيوني والصحافة التابعة له.
السبب الثاني والأهم، برأيي، هو أن العرب أنفسهم، قد وافقوا على وعد بلفور وإعطاء وطن قومي لليهود، بمجرد موافقتهم بعد حرب 1967، على الاعتراف بإسرائيل والمطالبة فقط بدولة فلسطين بجوارها.
لا يمكننا إذن، كسياسيين أو صحافيين أو محللين، أن نقول شيئاً وعكسه بالوقت نفسه، أن نطالب بتطبيق الشرعية الدولية، والتي بدأت بعد وعد بلفور، وقرارات عصبة الأمم بعد مؤتمر فيرساي عام 1919، بفرض الانتداب على فلسطين إلى اليوم لتنفيذ صناعة دولة لليهود ، ومُطالبة الاعتذار عن وعد بلفور والذي لم يقل شيئا آخر.
الاتفاقيات الدولية، لا قيمة لها إلا بمقدار قوة الأطراف التي توقعها، وعد بلفور، استعملته الحركة الصهيونية لتحقيق حلم الدولة اليهودية، بينما وعود مكماهون، ورسائله الرسمية قبل ذلك، والواعدة بمملكة عربية كبيرة، في الشرق العربي، تحت سلطة الشريف حسين، مُقابل مشاركتهم بالحرب ضد العثمانيين، وهو ما فعلوه حقا، لم يُطالب أحد بتنفيذها، وكل ما همنا في حينه، هو تقاسم السلطة بين القبائل والعائلات، وليس مستقبل الأمة. الوعد الصهيوني حُقق لأن الذي استلمه، استعمله أفضل استعمال، بينما العرب لم يعرفوا أن يثوروا، بعد خُذلانهم من طرف نفس الإنجليز وبنفس الزمن.
الناظر إلى خريطة الولايات المتحدة، منذ بدء الهجرة والاستيطان ألأوروبي وخصوصاً الإنكليزي، على مدى قرون، يرى التراجع التدريجي لمساحة الأراضي المتبقية للهنود الحمر، والذين سُلبت أراضيهم ولم يبق لهم الآن إلا 2.3٪ منها، وذلك بقوة السلاح، ولكن أيضاً بمئات الاتفاقيات؛ أكثر من 400 إتفاقية لم يُنفذ منها إلا بند الإبعاد لهم وسلب أراضيهم، وليست البنود الأخرى التي تحفظ حقوقهم.
يظهر أننا سائرون على الطريق نفسه، اتفاقيات مع إسرائيل، لا يُنفذ منها إلا الجزء المفيد لهم وليس الجزء الآخر (مثلاً اتفاقية أوسلو). أرض فلسطين تفتت وتُختزل يوماً بعد يوم بالمستوطنات، والتي تستمد شرعيتها، من سكوت القوى العُظمى عليها، وخصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا، هذه القوى التي لا تأخذ بالحسبان إلا حقوق من يعرف أن يربط بين المصالح والمواقف، وهو للأسف ليس وضعنا الحالي، إن لم يكن عكسه تماماً.
لكل هذه الأسباب، قد تحتفل تيريزا ماي، برفقة نتنياهو بذكرى بلفور مرات عديدة أخرى، حتى تصحو هذه الأمة من سُباتها وتبدأ بوضع النقاط على الحروف.

القدس وعودة المسيح المنتظر

القدس وعودة المسيح المُنتظر

 القدس العربي

د. نزار بدران

Dec 15, 2017

لم يتوقف الرئيس ترامب لحظة، عند ردود الفعل العربية أو الإسلامية، على قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، ولم يأخذ رأيهم أصلاً بهذه الخطوة، وهم أهل القضية والقدس عاصمتهم الروحية الأبدية، منذ أن أسرى الله بعبده إليها.
لماذا يتخذ الرئيس ترامب هكذا قرار أصلاً، وهل يخدم ذلك المصالح الأمريكية نفسها؟. الحقيقة أن الخوف الذي يعيشه الرئيس الأمريكي، من إمكانية تنحيته، كما حدث مع الرئيس نيكسون، قد يكون السبب الحقيقي لنقل السفارة، فبعد اعترافات ميكايل فلاين، مستشار الرئيس السابق، واتصالاته مع الروس، وتأثيرهم بمجرى الانتخابات الأمريكية، أصبح الخناق يضيق شيئاً فشيئاً حول عنق الرئيس، وأصبحت إمكانية أن يُغادر منصبه، محتملة جداً.
كشخص شبه عاقل، يتوجه الرئيس إلى اللوبي الداعم له، والذي أوصله إلى سدة الرئاسة، وهم الأصوليون المسيحيون البروتستنت، أو من يُسمون أنفسهم المسيحيون الصهاينة، والذين يؤمنون بعودة المسيح إلى إسرائيل الكبرى وعاصمتها القدس، فهو إذن، يُحقق لهم جزء من النبوءة التي يؤمنون بها.
بالإضافة لذلك، فهو يسترضي اللوبي الصهيوني التقليدي، والذي كان قد صوت لهيلاري كلنتون، قبل عام بالانتخابات الرئاسية، وخصوصاً الصحافة المرتبطة به، التي كان ترامب يتهمها دوماً، بنشر المعلومات الكاذبة عنه.
هل المصلحة الأمريكية، أو دور الوسيط الأمريكي في الشرق الأوسط، سيستفيد من هذا الموقف الأمريكي، الداعم لإسرائيل بأحد مطالبها الاستراتيجية، بتناقض تام مع الشرعية الدولية عامة؟ لا نظن ذلك، ولكن اعتبار الربح والخسارة بالنسبة لأمريكا، لا يأخذ بالحسبان، ردود الحكومات العربية أو حكومات الدول الإسلامية، لانعدام أي وزن سياسي لها، فهي كلها مدينة ببقاء أنظمتها، بشكل أو بآخر لأمريكا، وتدفع مقابل ذلك الأموال الطائلة، كما نرى بدول الخليج مقابل الحماية، والتي من أجلها ومن أجل بقاء أنظمتهم، على قلوب شعوبهم، ينسون القدس وفلسطين وما حولهما. الدول الأخرى ليست أفضل حالاً من دول الخليج، فإما هي تعيش من المساعدات الأمريكية، أو تزودها بالأسلحة والعتاد، لتُحارب بعضها بعضاً.
أما الفلسطينيون، فقد جردوا أنفسهم من كل وسيلة ضغط، أو مقاومة فعالة، عندما رفعوا شعار المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات كهدف استراتيجي وحيد. ونحن ندور بفلكه، منذ أكثر من 25 عاماً، بدون اية فائدة، ولم نحصل إلا على مزيد من المستوطنات والحصار.
لا نستطيع حقاً الوقوف لنصرة القدس، إلا إذا استطعنا الانتقال ببلادنا، من حكومات الأنظمة المُستبدة، والقيادات المُلهمة، والتي تُصادر إرادة الناس، وتُغيب آراءهم، إلى تحرير أياديهم، لكي يعملوا معاً على امتداد الأرض العربية، لبناء وطن يعملون من أجل عزته وتطوره وأنظمة تُمثلهم وتعمل ليل نهار، للدفاع عن مصالحهم وحريتهم وحقوقهم، بدل العمل ليلاً ونهاراً، للحفاظ على مصالح الطبقة الحاكمة ضد مصلحة الجميع.
العلة إذن هي فينا، كشعوب وأنظمة، وما لم يُحل التناقض بين هذين الطرفين لصالح الشعوب، فلن تقوم لنا قائمة، وستبقى القدس وفلسطين بأيدي الغزاة.

كاتب فلسطيني يقيم في باريس

إرادة المقدسيين أقوى من باطل الاحتلال

نشر بالقدس العربي

د. نزار بدران

 

Aug 07, 2017

 

أضطرت إسرائيل أخيرا للتراجع عن قراراتها بالسيطرة على مداخل المسجد الأقصى، وذلك تحت ضغط الجمهور المقدسي، بعد أسبوعين من التظاهرات منذ الرابع عشر من تموز (يوليو) كانت كافية رغم سقوط الشهداء والجرحى لإعطاء الفلسطينيين أول انتصار في نزاع حاد مع إسرائيل، لم نتعود على ذلك، لهذا سيقوم كثير من المراقبين والمحللين وأبواق الأنظمة بتفسير ذلك بالضغط الدولي والأمريكي أو الموقف التركي وغيره، أو بتطوير نظرية الحراك المؤامرة كما سمعنا عن ثورة شباب سوريا عام 2011.
إسرائيل منذ عشرات السنين لم تتراجع امام أي ضغط دولي أو عربي، فقد رفضت القرار 242 الداعي للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وأخيرا قرار مجلس الآمن رقم 2334 العام الماضي، وهو المسكوت عنه أمريكيا لإدانته المستوطنات.
لم تتوقف إسرائيل يوما عن انتهاك اتفاقيات أوسلو منذ عام 1995، وواصلت سياسة الاستيطان في الضفة والقدس لتخلق على الأرض واقعا جديدا يناسب مخططاتها الصهيونية التوسعية وتهجير الفلسطينيين، في حين كانت مواقف السلطة الفلسطينية وباقي الفصائل في غزة وغيرها مجرد ظواهر صوتية لا تفعل شيئا، بينما المواقف الغربية كانت في أحسن أحوالها تعبر عن استياء من السياسات الإسرائيلية بدون أي آليات للضغط الفعلي على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتتبع دوما الموقف الأمريكي.
لا يمكن إذن أن نعزي هذا التراجع الإسرائيلي بتدخل كائن من كان، بل هو فعل شعبي مقدسي بامتياز، ولم يكن وراء هذا الصمود أحد لا ماديا ولا سياسيا.
لقد اكتشف المقدسيون اذن أنفسهم وقدرتهم على التأثير بالحدث، وتحديد آليات حراكهم وأهدافه خارج أطر السلطة الفلسطينية أو منظمة التحرير او المؤسسات السياسية. وحده صوت الجمهور في إصراره على رفض الإجراءات الإسرائيلية كان كفيلا بتغيير المعادلة. وما تقارب المنظمات الفلسطينية الا وسيلتهم للإدعاء بتحملهم لمهامهم التاريخية، وهو ما لم يره أحد سابقا بغزة أو الضفة، إن لم يكن العكس.
ردة الفعل الشعبية المقدسية ستكون لها توابعها، فهي صورة مصغرة عن مظاهرات وحراك الربيع العربي في مصر وسوريا وغيرها، ذلك الحراك السلمي الذي رأيناه يسقط حسني مبارك أو معمر القذافي وعلي عبد الله صالح.
العودة إلى التحرك الشعبي في بيئة تحكمها الأنظمة الدكتاتورية، والتي لا ترى بشعوبها التي تحكمها إلا خطرا على وجودها تحاول قمعها ومراقبتها، وليس العمل لصالحها هو ما سيتلاقى مع حراك المقدسيين.
هذا الحدث مؤشر واضح لعودة الروح للحراك الشعبي العربي، والذي ظنناه قد فارق الحياة بعد أن أغرقت دول الربيع العربي بكل أنواع المنظمات الإجرامية والإرهابية.
هل ستلتقط السلطة الفلسطينية الرسالة؟ أم أنها ستستمر بسياسة النعامة، دافنة رأسها برمال الوعود الأمريكية والتراجع المستمر عن حقوق الشعب الفلسطيني استرضاء لأمريكا، وكأن السلام يأتي بالتنازل عن الحقوق.
هل ستلتقط الأحزاب الفلسطينية هذه الرسالة ايضا، وتترك المجال للشباب والأجيال الجديدة حتى تأخذ دورها بالنضال الوطني وتمسك بزمام المبادرة وتلتحق بحراك الأمة والعالم الديمقراطي، أم أنها ستبقى هائمة في عالم العنتريات والتحالفات المشبوهة والتبعية للمحاور.
إنتصار أبناء بيت المقدس قد يكون إشارة لانطلاق وعي الجماهير العربية والفلسطينية المقهورة بأهمية دورها التاريخي الأصيل، وحقها برسم مستقبلها، وإن لم تفعله فلن يفعله أحد بدلا منها.

طبيب عربي مقيم في فرنسا

بوابات الأقصى رمز انتقاص حقوق الشعب الفلسطيني  

بوابات الأقصى رمز انتقاص حقوق الشعب الفلسطيني

VIEW

بوابات الأقصى رمز انتقاص حقوق الشعب الفلسطيني

نزار بدران – مراقب ومحلل سياسي

شاءت الظروف أن اتواجد بمدينة القدس يوم الجمعه ١٤ تموز والذي قتل به ثلاثة شبان فلسطينيين بعد ان نفذوا عملية أدت لمقتل شرطيين إسرائيليين بالمدينة القديمة، كنت قادما من قطاع غزة القابع تحت الحصار المصري الإسرائيلي، حيث عملت لبضعة ايام لعلاج المرضى كوني طبيبا.
شاءت الظروف أن أكون أيضا ضمن الفريق الذي عالج أول جريح خطير بالرصاص الحي بمستشفى المقاصد في القدس الشرقية، علاء ذو التسعة عشر ربيعا كان ضمن المتظاهرين أمام بوابات الأقصى ذلك اليوم.
انا المقدسي ولدت وكبرت بها، وعلاء ايضا، الآن يطلب مني عندما اذهب الى القدس أن أظهر جواز سفري الأوروبي وأعامل كسائح مار لا يعرف الديار. وعلاء الشاب الصغير يطلق عليه الرصاص الحي أن طالب بحقه.
نحن ابناء القدس نعامل من قبل قوات الإحتلال الإسرائيلي للمدينة كأجانب، وعابري سبيل بينما لم نعرف يوما لنا وطنا غير فلسطين والقدس، ولدنا وترعرعنا بها كما فعل آباؤنا وأباء آبائنا من قبلنا.
العالم اليوم مليئ بالمآسي والحروب ولكنه لا يعترف بإمتلاك اراضي الآخرين بالقوة، ولوائح حقوق الإنسان الموقعة من كل دول العالم بما فيها إسرائيل لا تعترف بالتمييز بين البشر وإنتقاص حقوقهم بالعيش بأوطانهم.
إسرائيل بالقانون الدولي دولة محتلة للقدس ولا يحق لها إتخاذ أي إجراء ينتقص من حق المقدسيين بدخول الحرم القدسي الشريف والذهاب والإياب اليه.
إسرائيل كدولة محتلة للضفة الغربية أيضا لا يحق لها أن تمنع سكان هذه المنطقة الفلسطينية من زيارة القدس والصلاة بالمسجد الأقصى وهذا ما تفعله منذ عشرات السنين.
إسرائيل كدولة محتلة لا يحق لها محاصرة سكان قطاع غزه الذي يقع قانونيا تحت احتلالها وسلبهم حقهم بالتنقل والعمل والعلاج.
إسرائيل تمزق شعب وأرض احتلتهما بالقوة فنصف الشعب الفلسطيني بالمهجر، كما أن فلسطيني الداخل يخضعون لقوانين تختلف عن فلسطيني الضفة الغربية وغزة، والذين بدورهم يختلفون عن سكان القدس، وكل هؤلاء تفرض عليهم قوانين خاصه تميزهم عن المواطن الإسرائيلي اليهودي. نرى تحت أعيننا نظام تمييز عنصري لا يختلف كثيرا عن جنوب أفريقيا قبل تحررها
السؤال الحقيقي هو ليس للفلسطينيين ولا الإسرائيليين ولكنه للعرب والعالم. الى متى ستبقى الشعوب العربية قابعة تحت انظمة تشارك الاحتلال سياساته تجاه الشعب الفلسطيني وتتحالف معه كما تفعل مصر بإغلاق معبر رفح، وهل سينطلق الربيع العربي من جديد.
والسؤال ايضا للعالم ماذا أنتم فاعلون بلوائح حقوق الإنسان والقوانين الدولية التي وقعتم عليها، ومتى سيصبح للقانون الدولي الذي وضعتموه آليات التنفيذ والمراقبة وعقاب من يخالف
بالإجابة على هذين السؤالين قد نفهم أسباب الأزمة الحالية وأساليب علاجها.

 

قرار 2334 هدية أوباما لخلفه ترامب

نشر بالقدس العربي بتاريخ 04/01/2017

 

قرار 2334 هدية أوباما لخلفه ترامب

 

نزار بدران

 

 

نفاجأ في بعض الأحيان، بقرارات لمجلس الأمن، لم تكن متوقعة، وذلك لكثرة ما نرى من تناقضات تتخلل السياسة الأمريكية خاصة، والغربية عامة؛ بين المواقف المبدئية لقيم القانون الدولي وحقوق الإنسان، وبين القرارات الأممية، الموثقة والمُتفق عليها، وما النموذج السوري منذ خمس سنوات، إلا دليل على ذلك، فقتل مئات الآلاف، وتدمير مدن بأكملها، وتهجير شعب من وطنه، لم تكن كافية حتى تتخذ الأمم المتحدة، قرارات لصالح هذا الشعب.

 

هل حقاً أن هذا القرار لمجلس الأمن الأخير، بشأن المستوطنات، أتى فقط بسبب انتهاء ولاية أوباما، ورغبته بالانتقام من نتنياهو، لإفشاله مشروعاته، أو تقييد قرارات مستقبلية لخصمه المنتصر في الانتخابات، دونالد ترامب؟.

 

المراقب منذ بضعة أشهر لتطور الأحداث في أمريكا ودول الغرب، يرى تراجعاً واضحاً للأحزاب السياسية التقليدية، لصالح أحزاب وحركات أو حتى أشخاص، لا يُمثلون اتجاهات سياسية تقليدية، هذا صحيح بكل الاتجاهات، كالخروج من الاتحاد الأوروبي لبريطانيا، أو تطور الحركات البديلة في إسبانيا وإيطاليا، ووصول ترامب للسلطة.

 

في هذا الإطار رأينا أن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، لم يستطع لأول مرة، فرض مرشحه الرئاسي، أي هيلاري كلينتون، لصالح مُرشح بعتبرً خارج الأُطر الحزبية الرسمية. فالسيد ترامب، ليس صديقاً للعرب والمسلمين، ولا عدواً لإسرائيل، ولكن وصوله للبيت الأبيض دليل عدم رغبة الشعب الأمريكي أن تصل السيدة هيلاري كلينتون إلى السلطة، لما تمثله من مصالح اقتصادية أو سياسية ولوبيات، وهي التي أثبتت ولاءها للوبي الصهيوني منذ سنين طويلة.

 

هذا التحليل للوضع الأميركي، سمح برأيي، بوجود نافذة ممكنة لطرح قرار مجلس الأمن الأخير، والذي صُنف على أنه القرار الأول الدولي ضد الاستيطان بشكل واضح وعلى كافة الأراضي المحتلة لعام 1967، رغم ضغط اللوبي الصهيوني في الاتجاه المعاكس. ولم تحدث عاصفة تنديد ضده بالصحافة الامريكية أو الأوروبية، كما جرت العادة لمواقف أقل أهمية.

 

هو إذن من وجهة نظري، التراجع الثاني للوبي الصهيوني بأمريكا، بعد فشل كلينتون بالوصول إلى السلطة، وسيكون مقدمة لتراجعات قادمة، قد تكون قريبة.

الربع ساعة الأخيرة للرئيس أوباما، ليست هي إذن السبب الوحيد لتغير الموقف الأمريكي، ولا رغبته بتعقيد مهمة خلفه للرئاسة. أظن على العكس، أن هذا الموقف الذي سمح بتمرير قرار إدانة  الاستيطان، هو هدية للرئيس الجديد، حتى ولو لم يقبله السيد ترامب.

 

التراجع المُستمر للأحزاب التقليدية، وما ارتبط بها من لوبيات عالمية، بالإضافة لتوافق دول العالم أجمع مُمِثلة بمجلس الأمن، من خلال هذا القرار التاريخي، سيُعطي بالعكس، الرئيس الامريكي أو من يتبعه في المستقبل، حيث أن الرئيس الجديد سيبقى لمدة أربع سنوات، وليس “العمر كله” كما في بلادنا، سيعطيه إمكانية التراجع يوماً، عن دعم إسرائيل الدائم والثابت في السياسة الأمريكية، على شرط أن تجد أمريكا، في السنوات القادمة، دولاً أو أوضاعاً عربية، ذات سياسات تعمل لصالح الأمة ولصالح فلسطين.

 

التراجع المصري عن تبني تقديم القرار الدولي، باعتبار عضوية مصر مؤقتة في مجلس الأمن، أظهر مدى اختفاء أي أثر عربي في اتخاذ هذه الخطوة، بل على العكس كما أظهر هذا الموقف، كانت هناك محاولات لعرقلته، بطلب من إسرائيل، والتي أدركت تغير الموقف الأمريكي.

 

في انتظار ظهور مواقف عربية وفلسطينية جديدة، في المستقبل القريب أو البعيد، على المجتمع المدني العربي، والفلسطيني بشكل خاص، عبر منظماته وحراكه، اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستعمال هذا القرار الدولي، ببُعده القانوني خصوصاً، وفي إطار إجماع أعضاء المجلس، للانتقال إلى الساحة القضائية الدولية، لمحاسبة إسرائيل على أفعالها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وخصوصاً طرده من وطنه، وإقامة المستوطنات والجدار الفاصل ومحاصرة قطاع غزة.

 

القرار 2334، يُعطينا أيضاً وسائل شرعية لمتابعة تطوير حملة المُقاطعة العالمية لإسرائيل، والتي أصابت هذا الكيان بضربات موجعة، رغم الحملة المُكثفة ضدها، وتجريمها من قبل دول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا.

 

بدون هذا التطور بالأوضاع العربية الرسمية والمجتمع المدني، سيبقى هذا القرار، حتى ولو كان تاريخياً، في أدراج خزائن الأمم المتحدة، وسيُغطيه الغبار، كما سبقه من قرارات ملزمة وغير ملزمة. فليس بالقرارات وحدها تحيى القضايا العادلة.

مبادرة لتجميل وجه بوتين

08/11/2016

نشر بدنيا الوطن 

مبادرة لتجميل وجه بوتين

د. نزار بدران

تقوم السلطات الفلسطينية حالياً، باتصالات مع الإدارة الروسية، بشأن مبادرة جديدة، أطلقها فلاديمير بوتين قبل أشهر، بهدف إعادة المباحثات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ومن المحتمل أن يقوم رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، بزيارة المنطقة في هذا الإطار قريباً، بحسب الإعلام الروسي. وبحسب بعض المحللين، فإن الهدف الأساسي للمبادرة، هو إفشال الجهود الفرنسية لعقد مؤتمر دولي بباريس، كانت قد رفضته إسرائيل.

نحن طبعاً لسنا ضد المبادرات الدولية، الهادفة للتوصل إلى تسوية للصراع، ولو كنا ندرك بأنها بشكل عام، ومنذ عشرات السنين، لم تفض إلى أي نتيجة تُذكر، ولكننا نستغرب أن نتوجه لروسيا الآن، وهي التي تقصف شعباً عربياً شقيقاً، وتدمر مستشفياته وتهدم منازل المواطنين السوريين على رؤوسهم، هذا الشعب الذي كان دعماً وسنداً لنا، فهو جزء منا ونحن جزء منه.

نستغرب أن نطلب من الرئيس بوتين، الذي يرفض فكرة الحرية والانعتاق للشعب السوري، أن يعمل شيئاً ليعطينا هذه الحرية. نستغرب أن نطلب ممن يمنع الحرية عن شعبه نفسه، ويضع معارضيه في السجون، إن لم يقتلهم، أن يعمل شيئاً للشعب الفلسطيني.

يجب أن نُذكر القيادة الفلسطينية، بأن التحالف الروسي الإسرائيلي، القائم تجاه الحرب السورية، والتقارب بين البلدين، واضح للقاصي والداني، ولم تكتف روسيا بدعم إسرائيل عسكرياً، حين أُنشئت عام 1948، بل زودتها بأكثر من مليون مواطن، سرقوا أرضنا، ويعملون حالياً، كلوبي صهيوني، للتأثير في السياسة الروسية وليس العكس.

في الوقت الذي ترتفع فيه أصوات الكثير من الناس والدول والمنظمات الحقوقية، للتنديد بالهجمات الروسية الإرهابية، ضد أبناء شعبنا السوري، فإنه ليس من اللائق للفلسطينيين، أن يتوددوا ويتقربوا من هذا الطرف، الذي لم نعرف منه، إلا التدمير والإجرام.

مجلس حقوق الإنسان نفسه، أخرج روسيا من عضويته، بسبب جرائمها الحالية في سوريا، فكيف نقبل على أنفسنا، أن نقوم بإعطاء بوتين شهادة حسن سلوك، في نفس الوقت الذي تدك فيه طائراته، مخيمات أبناء الشعب الفلسطيني في سوريا، كباقي السوريين. مستقبل الشعب الفلسطيني هو مع الشعب السوري، وليس مع الحكم الروسي، فلا يجوز لنا أن نسجل على أنفسنا، ولو مرة واحدة، أننا لسنا والشعب السوري في خندق واحد.

نأمل من القيادة الفلسطينية، أن تكون أكثر قرباً من جماهير الأمة، وتطلعات شعوبها، كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطيني، الذي لا ولن يرى بعين السرور زيارات قادة عرب إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، في الوقت  الذي ينتهك هذا الكيان، حقوقه بالعيش في وطنه بكرامة وحرية، فكيف سيرانا الشعب السوري، ونحن نتعامل ونستقبل من يقتلونه يومياً؟.

 

حصار غزة والوضع الصحي

oct 2015

 

حصار غزة والوضع الصحي

نزار  بدران

 

الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ ثماني سنوات، بالإضافة إلى ثلاثة حروب، لم يُقابل من جهة الأنظمة العربية بأي دعم أو تضامن، بل على عكس ذلك غض الكثيرون الطرف، وأشاحوا النظر في اتجاهات أخرى، بينما شارك البعض الآخر بشكل مباشر بالحصار. وقام النظام المصري الجديد بإغلاق الأنفاق التي كانت الوسيلة الوحيدة لإدخال البضائع والتواصل مع الخارج، بدل بناء الجسور ومد يد العون، كما هو مُفترض من أكبر دولة عربية، وأكثرها التصاقاً بقطاع غزة.

لوحده العدوان الإسرائيلي الأخير، أدى إلى خسائر فادحة بالبنية التحتية الفلسطينية بقطاع غزة، بالإضافة إلى آلاف الضحايا، فحسب آخر تقرير لمنظمة الصحة العالمية بتاريخ 15/05/2015، هناك أكثر من ألفي شهيد وحوالي ستة عشر ألف إصابة، ونصف مليون مُشرد، مئة ألف من دون مأوى حتى نهاية العام 2014، وتدمير 22 ألف بيت لم تعُد صالحة للسكن، وبحسب منظمة العفو الدولية تم تدمير عدد كبير من المستشفيات والمراكز الصحية، 117 مستشفى عيادة أو صيدلية، كليا أو جزئيا، كذلك 20 مدرسة أو جامعة، تدمير وسائل القطاع بالحصول على الماء، 95 بالمئة من السكان لا يصلهم الماء الصالح للشرب، توقف المضخات ومحطات تحلية الماء وتكرير المياه، مما أدى إلى تلوث مياه البحر والبيئة وانتشار الأوبئة.

وتذكر منظمة الصحة العالمية بتقريرها، بوجود مليون وثلاثمئة ألف شخص بحاجة لمساعدة غذائية من أصل عدد سكان القطاع البالغ مليون وسبعمائة ألف. كما أدى هذا الحصار أيضاَ إلى تأخر بالنمو عند 10% من الأطفال دون الخامسة، وفقر دم عند الأطفال دون السنة (68%) وعند النساء الحوامل (37%).

ويظهر التقرير ايضا إنخفاض عدد المارين من معبر رفح الخاضع للسيطرة المصرية بشكل هائل (93%) منذ شهر تموز من العام 2013. وهو ما أدى إلى مضاعفة طلبات المرور للمرضى من معبر إيرتز المُراقب كلياً من إسرائيل، والتي ترفض مرور 20% من الناس، وتبتز المارين بكل الوسائل، وعدد حالات الوفيات في غزة نتيجة رفض السلطات، أو إعاقتهم للمارين تُعد بالعشرات.

يُنتج محلياً 40 % من كهرباء غزة، باستعمال الوقود المُستورد من طريق المعابر الإسرائيلية و 50% مباشرة من طريق شبكة الكهرباء الإسرائيلية و10% عن طريق الشبكة المصرية. هذا يعني أن 90% من الكهرباء هي تحت رحمة إسرائيل، وهو ما يُؤدي إلى توقف توزيع الكهرباء ما بين 8 – 12 ساعة يومياً.

نختصر، نتيجة ذلك، بأربع كلمات: نقص الغذاء، الماء،  والدواء والهواء. فلا يمكن الحفاظ على المواد الغذائية بدون كهرباء، مما يؤدي إلى فسادها وتسمم مستهلكيها بما فيه حليب الأطفال. يوجد في غزة 180 نقطة مائية منها 140 بئراً بحاجة لمضخات تعمل بالكهرباء أو بالوقود، ونفس الشىء بالنسبة لمحطات تحلية الماء ومحطات التكرير. بدون ماء لا توجد حياة ممكنة بشكل صحي. أما الدواء فهو عدم تمكن غرف العمليات من العمل بدون كهرباء والمحطات البديلة بحاجة لوقود لم يعد متوفراً، أقسام الإنعاش الطبي ورعاية الأطفال الخُدج وغسل الكلى (أكثر من 450 حالة بمعدل 3 مرات بالأسبوع لكل حالة) بحاجة لهذه الطاقة الحيوية . الهواء هو اهلاك كثير من الادوية الحيوية بسبب الحر وانعدام التبريد مثل أدوية العلاج الكيميائي للسرطان أو مشتقات الدم, وحياة الاطفال المرضى وكبار السن.

هدف إسرائيل من تجويع وتمريض أهل القطاع، جزء عضوي من سياستها العامة، لعقاب الناس وتهجيرهم، أما هدف النظام المصري، بالتعاون في تطبيق تلك السياسة، فهو الحصول على رضى داعميه لإظهار حسن النية، والاستعداد لعمل كل شيء، مُقابل البقاء ضد رغبة وإرادة شعبه، التي عبر عنها في انتخابات حرة ونزيهة قبل ثلاث سنوات. هدف الأنظمة العربية المتغاضية هو إنهاء أي امل في مفهوم المقاومة وحق التعبير عن الرأي وأحقية الشعب بانتخاب قياداته في بلادهم، ولا يجوز بشرعهم أن يكون هناك مثل عكس ذلك.

العمل لإفشال تلك المُخططات والسياسات لا يتم إلا بتقوية بُنى المجتمع المدني العربي ومؤسساته، بعيداً من الأنظمة السياسية الحاكمة ورقابتها، وحده المجتمع المدني هو المؤهل بالضغط والعمل لدعم الشعب الفلسطيني. أين هي الاتحادات والنقابات، أين هي أحزاب المعارضة، أين هم الكتاب والمفكرون؟ أين هي حملات المقاطعة لإسرائيل في بلادنا، أين هم ثوار وشباب ساحة التحرير بالقاهرة وشارع بورقيبة بتونس، أين هم الشباب الفلسطيني المطالب برفع الحصار عن غزة؟. كذلك فإن الشعب الفلسطيني بقواه المدنية مُطالب من جديد بالتعبير عن نفسه، خارج الأطر السياسية الحالية التي لم تعد راغبة بالعودة للشعب عن طريق الاستفتاء أو انتخابات جديدة، وما ألاعيب الحلقات الشكسبيرية للمصالحة التي لا تنتهي حتى تبدأ من جديد، إلا وسيلة لتنويم الرأي الفلسطيني وإبعاده عن أي عمل خارج الأطر الرسمية، التي عجزت منذ أكثر من أربعين عاماً، عن تحقيق أي شيء.

إن تجميع طاقات ومنظمات المجتمع المدني العربي، وإعطاءها بعداً على أرض الواقع، هو الذي سيُغير حسابات إسرائيل والأنظمة العربية المتحالفة معها، وغير ذلك يعني البقاء في حالة الشكوى من الأنظمة وإسرائيل والأمم المتحدة والعالم، والاستمرار بسياسة وضع الرأس تحت الرمال.

غزة بين حق البقاء وحدّ الواجبات الملحة

24/07/2015

 

غزة بين حق البقاء

 وحدّ الواجبات الملحة 

د. نزار بدران

تحل الذكرى الأولى للحرب العدوانية الإسرائيلية ضد قطاع غزة صيف العام الماضي، في وقت ما زال سكانه يعانون الأمرين؛ بعيدا من أمل الإعمار، والحد الأدنى من العيش الكريم. بينما انتصرت المقاومة بصدها للهجوم الإسرائيلي، وإفشال أهدافه بتدميرها أو استسلامها، ولكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها برفع الحصار، أو دفع العالم للتنديد به، والضغط باتجاه رفعه؛ لا من الغريب ولا من القريب، ولا حتى من أقرب المقربين. بل وزادت مصر إمعانا بحصار القطاع، وتدمير الأنفاق، في تنسيق واضح ومُعلن، وإن لم يكن مباشرا مع العدو الإسرائيلي.

نُدرك تماماً مصلحة إسرائيل في خنق القطاع، وندرك كذلك سكوت دول عديدة غربية على ذلك، تحت ضغط اللوبي الصهيوني، وقد نُدرك قليلاً مصلحة النظام المصري بالتواطؤ؛ فهو يقوم بالدور المُناط به، موضوعيا، وبتوجه واع ومدرك من قبله بالتواطؤ مع الساسة الإسرائيليين وداعميهم الغربيين ثمناً لدعم بقائه، واستمراره في خنق الربيع العربي.

ما ندركه ولا نفهمه، هو مصلحة الفلسطينيين بالاختلاف والاقتتال منذ سنوات، فالمنطق يذهب باتجاه التوحد أمام الاعتداء والحصار، وهو ما لا يحدث. فمنذ البداية كان مطلب الشعب الفلسطيني يتركز حول توحيد الصف، ولكن لا من مُجيب.

السؤال الذي لا يطرحه أحد؛ هو عن أهلية الطبقة السياسية الفلسطينية بكل أطرافها، لقيادة الحركة الوطنية الفلسطينية. فنحن الوحيدون وسط عالم النضال من أجل التحرر، الذي له برنامج سياسي وقيادات لا تتغير منذ عشرات السنين، وحدنا في العالم ما زلنا نبحث عن الاستقلال الوطني، في وقت نجح وينجح الآخرون في نيل الحرية والاستقلال وبناء أوطانهم.

قد يُخطىء الإنسان أو الحركة السياسية، مرة أو مرتين أو حتى ثلاثة، ولكنها في الأساس ينبغي لها أن تمتلك من الآليات ما يجعلها تصحح أخطاءها، أو تنجح في أحايين كثيرة، أما أن لا نرى إلا مجرد مسلسل أخطاء وكوارث، ولا نطرح السؤال الوجودي عن سبب ذلك، الكامن فينا نحن، وليس دائماً بسبب مؤامرات الآخرين، وقُدرة إسرائيل على حشد الدعم لصالحها، وتواطؤ الغير المُزمن معها، هذا منطق لا يستقيم وواقع الأمور على الدوام. لذا لا يكفي أن ترفع حركة أو حزب سياسي شعارات، وتضع سياسات، بدون أن تحدد سبل ووسائل تحقيق تلك السياسات والشعارات، وإلا أصبح ذلك لُغواً وخداعاً للناس.

النظام السياسي الفلسطيني للأسف وبكل أعمدته؛ بالضفة أو قطاع غزة، أو حتى بالخارج؛ وضع نفسه في موقع المغلوب على أمره، وأفقد نفسه مقومات وجوده المستقل، الأمر الذي يستوجب العودة إلى استقلالية قراره السياسي، بعيدا عن تدخلات إقليمية ودولية، لا تعرف ولا تريد أن تخدم سوى مصالحها.

إن استعادة استقلالية القرار السياسي والسيادي، تحتم أولا التأكيد على أهمية الاستقواء بالشعب الفلسطيني، وذلك عبر انتخابات حرة ونزيهة، والتي على ما يبدو تم نسيانها تماماً. واستعمال أسلوب الاستفتاء عند الحاجة، كما فعل رئيس الحكومة اليونانية مؤخراً في مواجهة أوروبا، وهذا ما لم نفعله أو نقدم عليه أبداً، خاصة وأن لنا مبررات مصيرية، هي بالقياس ربما تبدو أكثر أهمية من الأزمة الاقتصادية اليونانية، مثل أهمية الصراع والتناحر مع الاحتلال، ومآلات اتفاقيات أوسلو، أو اتفاقيات المصالحة الوطنية والتي وُقعت عدة مرات. وهذا ما يستوجب العودة للرأي العام الفلسطيني لطرح أي حل لمشكلة اللاجئين وحقهم الراسخ بالعودة إلى قراهم ومدنهم وحقولهم.

وثانياً بناء مقومات وجود اقتصاد وطني مستقل، يبتعد تدريجيا عن الارتباط مع الاحتلال، وليس فقط الاعتماد على دعم الداعمين الأجانب بشروطهم، وبناءً على أجندتهم ومصالحهم. وذلك عبر العمل على إقامة قواعد اقتصاد إنتاجي صناعي وزراعي، بدل اقتصاد الإستيراد لكل شيء، وتحويل الدعم المادي المقدم من الغرب بشكل عام إلى البنية التحتية الانتاجية، وليس فقط لدفع معاشات الموظفين وشراء السلع المستوردة.

وثالثاً العمل لوضع مقومات حماية هذا القرار السياسي، المُدعوم والمحصّن  شعبياً واقتصاديا، وذلك عبر توجه برنامجي عماده تطوير مقاومة الاحتلال، وعزله عالمياً، وإظهار الفكر الصهيوني كفكر عنصري، وإسرائيل كدولة أبارتهايد. كذلك دعم كل الحركات الفلسطينية والعربية والعالمية العاملة بجهد لمقاطعة إسرائيل اقتصادياً وعلمياً، وهو ما بدأ يعطي ثماره حالياً بالغرب، وبدأ بزعزعة “التلاصق” الفكري والاقتصادي مع الاتحاد الأوروبي وأمريكا, ونحن في أوروبا بدأنا نشعر  بتضامن شعوبها معنا بشكل واسع.

على أن حماية القرار السياسي، تتم أيضاً عن طريق إعادة القضية الفلسطينية إلى حضن الأمة، وذلك بالتضامن مع كل حركات وحراكات الشعوب العربية التواقة للحرية والعدالة، وليس الإنجرار وراء أنظمة الاستبداد، كما فعلنا طوال الستين عاما الماضية. فهذه الأنظمة التي تُدمر مدنا على رؤوس سكانها، لا يمكن أن يُعول عليها لحماية الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه.

إن مراقبة الأحداث الجارية حولنا، والمُتغيرات السريعة والمتلاحقة، تفرض على شبابنا وطبقتنا المثقفة أن تبدأ بطرح وضع الحقوق الأساسية للإنسان الفلسطيني في المرتبة الأولى، قبل أي حق أخر: الحق بالعيش الكريم، الحق بالتنقل والعمل داخل وخارج وطنه، حق اللاجئين بالعودة إلى قراهم ومدنهم والعمل والتنقل في أماكن وجودهم الحالية، مع الاحتفاظ بحقوقهم المدنية المُتعارف عليها دولياً، والحق في التملك والبناء والتوريث، (وبشكل خاص بالنسبة للاجئي لبنان)، وحق المواطن الفلسطيني بانتخاب ممثليه، والحق في رفض العيش في أُطر فصل عنصري، والحق بالخروج والدخول إلى قطاع غزة والضفة ومخيمات اللاجئين، والحق بالحماية للمدنيين العزل في سوريا وفلسطين وغيرهما ومتابعة المجرمين. والحق في التعليم والصحة، وكل ما له علاقة بالحقوق الإنسانية الطبيعية, وليس تلك السياسية المُسجلة بلوائح القوانين الدولية، وهي مما ليست في حاجة إلى معاهدات جديدة، ولكنها في حاجة لمن يرفعها ويُدافع عنها بجدارة؛ ونموذج نلسون مانديلا بجنوب أفريقيا، أكبر دليل على نجاعة ذلك.

نأمل أن تكون هذه الذكرى هي الأخيرة لحصار أهلنا في غزة، وتعرضهم في شكل دوري للاعتداء والقتل والتدمير، ولن يتم ذلك إلا إذا استفاقت عقولنا، واتجهنا نحو الحفاظ على قيم الوحدة والحرية، والنضال من أجلهما.

طبيب عربي مقيم في فرنسا