الغرب وراء إسرائيل، فأين العرب

الغرب وراء إسرائيل… فأين العرب؟ /نزار بدران/ القدس العربي 18 اكتوبر 2023

المواقف الغربية من الحرب الدائرة حاليا في غزة، لا تمثل فقط كما يدعون، دعما لإسرائيل في حربها ضد الإرهاب، معتمدة ومتبنية الصور التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية، بالإضافة لتصريحات بنيامين نتنياهو وعدد من كبار مسؤولي الدولة، بل أيضا تأييدا لسياسات إسرائيل في تهجير السكان الفلسطينيين للقطاع، وسفك دماء أطفالهم وأبنائهم؛ نساء ورجالا، لغسل عار هزيمتهم المدوية أمام المقاتلين الفلسطينيين، وجبن جنودهم وهربهم مذعورين من ساحة المعركة، تاركين قواعدهم وأسلحتهم ودباباتهم وراءهم.
لم يحارب الجندي الإسرائيلي كما كان متوقعا منه، ولم يدافع عن السكان المدنيين والمستوطنات والكيبوتسات. هذه صورة غريبة، تتناقض تماما مع تلك التي عودتنا إسرائيل عليها من الجندي المنتظم، الذي لم يعرف يوما الهزيمة. هذه هي المرة الأولى التي ينهزم فيها حقا على ما يعتبرها ارضه.
الإصرار الإسرائيلي والغربي على نعت ما حدث بالإرهاب، هي محاولة لإبعاد صورة الهزيمة العسكرية الحقيقية، وتحويل الأنظار إلى وهم الصورة النمطية للإرهابيين؛ قاطعي الرؤوس وحارقي الأطفال، كما رأينا سابقا مع القاعدة وداعش وكأن الجيش الإسرائيلي لم يكن موجودا على الحدود وكأن هؤلاء “الإرهابيين” لم يواجهوا أكثر جنود العالم تقنية وذكاء، لسوء حظهم فكل الصور التي تسربت من طرف المقاتلين الفلسطينيين في عملياتهم؛ وهم يدخلون الدبابات ويأسرون الجنود، لا يمكن محوها من الذاكرة الجماعية للإسرائيليين ولا الفلسطينيين أو العالم.
عمليات القتل الجماعي للمدنيين الفلسطينيين؛ الموثقة بالصوت والصورة، على عكس ادعاءاتهم فيما يخص ضحاياهم المدنيين، لن تمحي عار الهزيمة. لكن نتنياهو وقيادته العسكرية يظنون أن الدم الفلسطيني السائل دون انقطاع، مثل النهر، سيغطي هذا العار، ويشفي غليل المواطن الإسرائيلي، ويعيد له كبريائه المحطمة وثقته في جيشه “الذي لا يقهر”.
هذه القيادة المصدومة بهزيمتها ستدفع- إن بقيت في الحكم- إسرائيل إلى هزائم جديدة. هم لم يكونوا أكفاء بمواجهة هجوم مباغت من بضعة مئات من المقاتلين فكيف لهم أن يتمتعوا بتلك الكفاءة في مواجهة حرب على الأرض قد تمتد لأسابيع طويلة.
لم يطرح الإسرائيليون على أنفسهم السؤال الوحيد الذي يجب عليهم طرحه؛ وهو لماذا حدث بنا ذلك؛ وكيف هزمنا، بدل التغني بجرائم الإرهاب والتعطش للانتقام. هم يعرفون الإجابة؛ فهي سهلة جدا؛ تتلخص في تناسيهم لكل القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، واحتلالهم أرض فلسطين وتهجير سكانها، وعشرات المجازر والجرائم المرتكبة منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما. هي ستة عشر عاما من حصار خانق على أهل غزة. لكنهم يفضلون الاستمرار في نكران ذلك؛ والغوص في كابوس الإرهاب؛ لأنه أهون على أنفسهم وأكثر تناغما مع سياسات أمريكا والغرب.

القضية الفلسطينية

اصطف العالم الغربي بشكل واضح خلف إسرائيل، وتبنى روايتها؛ مجرما أي عمل أو صوت لصالح القضية الفلسطينية؛ أو حتى رفع علم فلسطين. نكتشف فجأة أن أوروبا بمعظم دولها، تجري وراء أمريكا لاحتضان الجيش الإسرائيلي وتبرير جرائمه.
نكتشف أن إسرائيل هي كما كانت دائما؛ جزء من الكل الغربي وليست جزءا من الشرق، رغم محاولات التطبيع الحثيثة مع عديد من الدول العربية.
الغرب هو الآن من يقاتل إلى جانب إسرائيل، وللهدف نفسه، أي إعادة ثقة المواطن الإسرائيلي بقدرته على الانتصار. تصريحات الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته بتوفير الحماية لإسرائيل حتى ولو كان جيشها منهمكا في حربه على غزة، وإرسال حاملتين للطائرات لشاطئ فلسطين المحتلة، هو لهذا السبب.
هي تطمينات واضحة لهذا المواطن المذعور الخائف، قبل أن تكون موجهة لإيران أو حزب الله (المنشغلين في حروبهم ضد الشعب السوري) حتى لا يبدأ التفكير خارج الصندوق؛ واستعمال ازدواجية الجنسية التي يحملها معظمهم؛ للبحث عن مكان أكثر أمنا.

المعسكر العربي

مقابل هذا المعسكر الغربي الإسرائيلي الموحد، هل هناك معسكر عربي شبيه؟
للأسف لا شيء من هذا القبيل. لكنا ندرك كفلسطينيين؛ أن التضامن الشعبي العربي مع أبناء غزة هي وسيلتهم الوحيدة المتبقية للصمود. فلا يمكن انتظار أي دعم ذي جدوى من حكومات الدول العربية والتي في معظمها؛ إما منهمكة في حروب داخلية؛ أو لا يهمها إلا البقاء في السلطة وسرقة ثروات بلادها.
تضامن المواطن العربي من المحيط إلى الخليج؛ يعني أن نخرج من جديد لنندد بهذه الحرب غير المتكافئة؛ حرب شعب محاصر صغير، ضد أقوى دول العالم؛ بجنودها وأساطيلها. هو التظاهر بلا كلل وبمئات الآلاف في عواصمنا. هو الاحتجاج المستمر أمام سفارات الدول الغربية، والمطالبة بطرد السفراء الإسرائيليين، وإلغاء اتفاقيات التطبيع. هي تحريك كل منظمات المجتمع المدني؛ لتخفيف آثار الحرب على شعبنا في غزة.
وحدها الشعوب العربية من يستطيع أن يضع حدا للعربدة الإسرائيلية والأمريكية، ومن يظهر للرأي العام الغربي أن الفلسطيني ليس وحيدا، وليس إرهابيا، بل مناضل عن حقه يموت من أجله، مدعوما من قوة الملايين؛ الذين لن يسكتوا طويلا على فشل حكوماتهم وتواطئها، ونسيان دول الغرب لواجباتها الإنسانية.
لن يعود هذا الغرب إلى رشده؛ إلا إذا رأى ميلاد هذا التوجه القوي؛ فهو يعلم أن الشعوب وحدها هي التي تحمل وتعطي الشرعية؛ وتحدد أهدافها وليس منابر الإعلام المأجورة والكاذبة.

كاتب فلسطيني

كلمات مفتاحية

د. نزار بدران

أضف تعليق