نشر بالقدس العربي ١٩ آب ٢٠١٧
فنزويلا مادورو وسياسة الهروب إلى الأمام
د. نزار بدران
باغتتنا الأنباء عن قيام السلطات الفنزويلية بكاراكاس، بتشكيل برلمان مواز تابع للسلطة، وذلك تحت مسمى المجلس التأسيسي لصياغة دستور جديد، ليمدد لنيكولاس مادورو خليفة شافيز بدون معارضة، في تراجع واضح عن أسس النظام الديمقراطي الذي اوصله للسلطة.
تتميز جمهورية فنزويلا بكونها من الدول الكبرى المنتجة للنفط، ويوجد فيها أكبر احتياطي بالعالم، يمثل النفط 95 في المئة من صادراتها..
وكدولة نفطية في العالم الثالث، مثل الجزائر أو السعودية، استطاع النظام عن طريق سياسة توزيعية للدخل أن يحافظ على السلم الاجتماعي ويخلق له قاعدة صلبة تمكنه من البقاء بالسلطة لسنوات طويلة.
انتخب هيغو شافيز عام 1998 ووصل السلطة رافعا شعار محاربة الفقر والفساد، وان كان قد نجح إلى حد ما بعلاج المرض الأول عن طريق التوزيع المالي المباشر وسياسة المساعدات الاجتماعية، فإنه بالمقابل لم يستطع أن يحد من الفساد. وقد تمكن الجيش زمنه، ولكن أيضا زمن خليفته مادورو من السيطرة على كل مفاصل الاقتصاد.
عام 1993 كان عدد جنرالات الجيش أقل من خمسين، أصبحوا الآن أكثر من أربعة آلاف. سلطة الجيش كبيرة جدا، فمثلا ثلث الذين يديرون الوزارات هم من الجنرالات المتقاعدين، ونصف محافظات فنزويلا الـ 23 نصب عليها محافظون قادمون من المؤسسة العسكرية. ويسيطرون على قطاع واسع من اقتصاد البلاد.
الأزمة الاقتصادية ليس لها تأثير حقيقي على أعمالهم، فهم يضاعفون رواتبهم كما يشاؤون، ويستحوذون على المواد الغذائية والعقارات بسهولة، يحصلون على عقود مربحة جدا مع الدولة، يراقبون سوق العملات الصعبة ويتحكمون بجزء من الثروة النفطية عن طريق بيعها لصالحهم، وذلك بسعر منخفض لدول الجوار.
منذ انخفاض سعر النفط، والذي تزامن مع اختفاء شافيز، لم تعد السلطة الثورية قادرة على الاستمرار بسياسة التوزيع وكسب السلم الأهلي، وهي التي لم تبن اي اقتصاد إنتاجي فعال ذات وزن على مدى حوالي عشرين عاما، واكتفت بتوزيع عائدات النفط.
ما استطاع شافيز فعله زمن الازدهار النفطي، لم يستطع خليفته نيكولاس مادورو الاستمرار به، في زمن الانخفاض الحاد لأسعار النفط، فيما المواطن الفنزويلي البسيط يرى يوميا الطوابير تزداد طولا أمام المتاجر لشراء السكر أو أي مادة غذائية، ويقضي ساعات طويلة فيها، لم يعد أحد يصدق مادورو وتحميله لأمريكا أو المتآمرين السيئين وأعداء الثورة البوليفارية مسؤولية ما حصل. وهو مضطر للذهاب لدول الجوار مثل كولومبيا للحصول على حاجاته من الغذاء والدواء.
قبل عام كلف مادورو رئيس أركان جيشه الجنرال فلاديمير بادرينو، بعد تعيينه وزيرا للدفاع، بحل مشكلة نقص المواد الأولية والمواد الغذائية وحتى الأدوية (85 في المئة حسب اتحاد الصيادلة بما فيها المضادات الحيوية والعلاج الكيميائي للسرطان) عن طريق أخذ إجراءات إجبارية. محاولات السلطة إرسال الجيش للمصانع والمحلات التجارية لمراقبة الأسعار في ظل تضخم وصل لسبعة مئة في المئة سنويا، حسب احصائيات البنك العالمي للتنمية، أدى إلى أن أغلق كثير من أصحاب المحلات متاجرهم، لعدم قدرتهم على البيع بأقل من سعر التكلفة، وهو الذي بدوره عمق الأزمة الاقتصادية بدل حلها.
بهذه الوسيلة يكون الجيش قد أطبق على كل البنية الاقتصادية والسياسية للبلد، وبقي وحده من يستطيع أن يفرض بقوة السلاح هذه المرة سلطة خليفة شافيز..
وككل الأنظمة المدعومة من العسكر، فهي بطبيعتها تحتكم إلى القوة وليس لصندوق الاقتراع، والسلطة الحالية الموروثة عن شافيز، وصلت إلى الحكم عن طريق الانتخابات، معتمدة على قاعدة شعبية صلبة، تلك التي استفادت من الإصلاحات الاشتراكية التوزيعية للثروة النفطية.
بعد اختفاء الثروة الريعية وعدم وجود بديل إنتاجي، لم يعد النظام مدعوما من قاعدته الشعبية الطبيعية للاستمرار بالحكم. لم يبق له إذن إلا الرحيل من خلال الصناديق، أو البقاء بدعم الجيش والتراجع التدريجي عن البنية الديمقراطية، وهو ما يفعل الآن، فعشرات القتلى بالمظاهرات السلمية واستبدال البرلمان بجمعية تأسيسية من صنع يديه وبتزوير الإنتخابات دليل ناصع على هذا التقهقر.
لكن مادورو لن يجد من يقف معه بين دول القارة اللاتينية، والصين التي بعثت له مؤخرا بالسلاح والعتاد، لن تستطيع أن تذهب بعيدا بذلك، لعدم الإضرار بمصالحها بالقارة..
لن يجد مادورو مثل الأسد في سوريا، لا روسيا ولا إيران بجواره لدعمه وحمايته، ولن يجد مثل السيسي في مصر مليارات الإمارات أو السعودية.
هو بكل تأكيد رهان خاسر، وانتصار الشعب الفنزويلي سيكون قريبا.
طبيب عربي مقيم في فرنسا