وعد بلفور فخر السياسة البريطانية

وعد بلفور فخر السياسة البريطانية

القدس العربي

د. نزار بدران

Nov 15, 2017

كانت الذكرى المئوية لوعد بلفور، مناسبة لكثير من الكتاب والمراقبين والسياسيين، للتذكير بتاريخ فلسطين، وكيفية الاستيلاء عليها وطرد سكانها وتحويلهم للاجئين. ولكن ذلك ترافق أيضاً، بمطالبة بريطانيا بالاعتذار للشعب الفلسطّيني، لم تقبل رئيسة وزرائها، هذا الطلب، بل أصرت على الاحتفال بالذكرى مع نتنياهو، وكأنه نصر مؤزر.
الحقيقة أن تيريزا ماي، لم يكن لها أن تأخذ موقفاً آخر بسبب انعدام أي وسيلة ضغط لدى المطالبين بالاّعتذار، فكل مصالح بريطانيا مُحققة في الدول العربية، دون حاجة لتقديم أي نوع من أنواع التراجع السياسي، مُقابل ضغوط إسرائيلية عليها عن طريق اللوبي الصهيوني والصحافة التابعة له.
السبب الثاني والأهم، برأيي، هو أن العرب أنفسهم، قد وافقوا على وعد بلفور وإعطاء وطن قومي لليهود، بمجرد موافقتهم بعد حرب 1967، على الاعتراف بإسرائيل والمطالبة فقط بدولة فلسطين بجوارها.
لا يمكننا إذن، كسياسيين أو صحافيين أو محللين، أن نقول شيئاً وعكسه بالوقت نفسه، أن نطالب بتطبيق الشرعية الدولية، والتي بدأت بعد وعد بلفور، وقرارات عصبة الأمم بعد مؤتمر فيرساي عام 1919، بفرض الانتداب على فلسطين إلى اليوم لتنفيذ صناعة دولة لليهود ، ومُطالبة الاعتذار عن وعد بلفور والذي لم يقل شيئا آخر.
الاتفاقيات الدولية، لا قيمة لها إلا بمقدار قوة الأطراف التي توقعها، وعد بلفور، استعملته الحركة الصهيونية لتحقيق حلم الدولة اليهودية، بينما وعود مكماهون، ورسائله الرسمية قبل ذلك، والواعدة بمملكة عربية كبيرة، في الشرق العربي، تحت سلطة الشريف حسين، مُقابل مشاركتهم بالحرب ضد العثمانيين، وهو ما فعلوه حقا، لم يُطالب أحد بتنفيذها، وكل ما همنا في حينه، هو تقاسم السلطة بين القبائل والعائلات، وليس مستقبل الأمة. الوعد الصهيوني حُقق لأن الذي استلمه، استعمله أفضل استعمال، بينما العرب لم يعرفوا أن يثوروا، بعد خُذلانهم من طرف نفس الإنجليز وبنفس الزمن.
الناظر إلى خريطة الولايات المتحدة، منذ بدء الهجرة والاستيطان ألأوروبي وخصوصاً الإنكليزي، على مدى قرون، يرى التراجع التدريجي لمساحة الأراضي المتبقية للهنود الحمر، والذين سُلبت أراضيهم ولم يبق لهم الآن إلا 2.3٪ منها، وذلك بقوة السلاح، ولكن أيضاً بمئات الاتفاقيات؛ أكثر من 400 إتفاقية لم يُنفذ منها إلا بند الإبعاد لهم وسلب أراضيهم، وليست البنود الأخرى التي تحفظ حقوقهم.
يظهر أننا سائرون على الطريق نفسه، اتفاقيات مع إسرائيل، لا يُنفذ منها إلا الجزء المفيد لهم وليس الجزء الآخر (مثلاً اتفاقية أوسلو). أرض فلسطين تفتت وتُختزل يوماً بعد يوم بالمستوطنات، والتي تستمد شرعيتها، من سكوت القوى العُظمى عليها، وخصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا، هذه القوى التي لا تأخذ بالحسبان إلا حقوق من يعرف أن يربط بين المصالح والمواقف، وهو للأسف ليس وضعنا الحالي، إن لم يكن عكسه تماماً.
لكل هذه الأسباب، قد تحتفل تيريزا ماي، برفقة نتنياهو بذكرى بلفور مرات عديدة أخرى، حتى تصحو هذه الأمة من سُباتها وتبدأ بوضع النقاط على الحروف.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s