شعر نزار بدران. القدس العربي 06 شباط فبراير 2020
اذْهَبْ فَقَدْ وَصَلَتْ رِسَالَتُك السَّمَاء،
اذْهَبْ إلَى كُلِّ البِلاد
اذْهَبْ إلَى كُلِّ الْعِبَاد
يَا بَائعَ اللَّيْمُونِ قَدْ كُنْتَ الضِّيَاء
كَيْف يئِستَ حَتَّى الْمَوْتِ، وَاخْتَرْتَ الْفَنَاء،
يَا بَائعَ الزَّيْتُونِ، وَصَلَت رِسَالَتُك الشُّهُود
وَتَجَاوَزْت كُلَّ الْحُدُود
الذُّلٌّ مَوْتُ الأبرياء وَالدّمْعُ ثَوْبُ الْكِبْرِيَاء
وَالْحُلُمُ وَجْهٌ لِلْقَمَر لا يَخْتَفِي إلَّا لِيَظْهَرَ مَنْ جَدِيد
اذْهَبْ وَقَد أشْعَلَتْهَا نَارًا مُقَدَّسَةً عَلَى مَنْ خَانَ عَهْدَ اللَّه
فانحسرَ الرَّمَاد
أَنْظُرُ إِلَى التَّحْرِيرِ فِي بَغْدَادَ
أَشْبَهَ مَا تَكُونُ إلَى العرين
وَشَبَابِهَا مِثْلَ الْغُصُونِ الْخُضْر
لا تُكْسَرْ
لا فَرْقَ بَيْنَ الجائِعِين أَو الْعُرَاة
لا فَرْقَ بَيْنَ الْيَاسَمِينِ وَزُهْرَةِ اللَّوْزِ الْجَدِيد
الْفَرْقُ مَعَ كُلِّ الطُّغَاة
بَيْرُوتُ تَحْمِلُ قَلْبَهَا الدامي هَدِيَّة وَتَبْحَثُ عَنْ مُحَمَّد،
بَيْرُوتُ تَخْلَعُ كُلّ أَشْوَاكَ الزَّمَانِ وتعلنُ الزَّمَنَ الْجَدِيد،
يَا بَائعَ التُّفَّاحِ هَل جَفِّفْتَ دَمْعَك،
وَصَلَت رِسَالتُكَ الرَّقِيقَةُ فابتسم
يَا مَنْ رَأَيْتَ كَرَامَةَ الْإِنْسَانِ وَهْمَاً فِي حَيَاتِك،
وَتَقُومُ غِرْبَانُ الظَّلامِ بنهشِ لحمِك فِي مَمَاتَك
وَصَلَتْ رِسَالَتُك الْمَدَائِنَ وَالْعَوَاصِمَ وَالْمَمَالِك
رَأَيْتَ وَجْهَكَ فِي عُيُونِ الْقَادِمِين مِنْ الشَّمَالِ إِلَى الجَنُوب
والسائرين مِن الشُّرُوق إلَى الْغُرُوب
وشوارعُ الخُرْطُومِ أَعْطَت حُكْمَهَا
لا وَقْتَ لِلْمَوْتِ المبرمجِ،
سَقَطَت عُرُوشُ الْقَشِّ والأتبان،
وَانْدَفَعَتْ مِيَاهُ النِّيل كالطوفان
حَامِلِهً رِسَالَتَك الْأَخِيرَةَ
يَا بَائعَ السَّمَكِ المجففِ بَيْن أكواخِ الصَّفِيحِ
مَا كُنْت تَدْرِي
وَالذِّئَابُ تَدُور حَوْلَك مَا كُنْت تَجْرِي
لَم تَرَ الْمَوْتَ المفاجئ
لَمْ تَقُلْ سَأصيرُ طَيْرًا بِالسَّمَاء
أَرَى الضِّيَاءَ وَأَمُوتُ قُرْبَ الْأَنْبِيَاء
يَا ابْنَ الحُسَيْمةِ
مَا كُنْتَ تَسْمَعُ صَوْتَ ارْتِطَامِ الْمَوْج
بالصَّخْرِ الْمُكَابِر
وَلا الرِّيَاحَ تَهُبُّ مِنْ كُلِّ المعابر
بَل هَمْسةً لِصَغِيرَةٍ تَأْتِيَك مِنْ بَيْتٍ فَقِير
وَتَنهُّداتِ حَبِيبَةٍ تطهو الفطائر
وتنتظرُ الْأَمِيرْ
فَوَقَفْتَ كَالْقَدَرِ المرير
تَحْمِي بِضَاعَتِك الْبَسِيطَةَ مِن بَراثِنٍ مَزَّقَتْ مَعْنَى الضَّمِير
وَصَلَت رِسَالَتُكَ الحزينةُ يَا مُحَمَّد
يَا بَائعَ السمكِ المجمد
يَا بائِعَ التَّمْرِ المعطرِ وَالْحَلِيب
اذْهَبْ فَقَدْ وَصَلَت رِسَالَتُك الْمَنَابِر وَالْمَقَابِر
وَكُلَّ نَافِذَةٍ محطمةٍ
وَبَابٍ لَمْ يَعُدْ يُغْلَق
وَمَزْرَعَةٍ بِلا عِنَب
وحقلٍ لَمْ يَعُدْ يُسْقَى
وَأَرْضٍ باللظى تَحَرَّق
وَبَعْد اليأس جَاءَ الغَيْثُ يُعْلِن عَوْدَة الْأَحْلام
وميلادَ الرَّبِيع وزقزقةَ السنونو وَالْحَمَام
وَعَبْدُ الْقَادِرِ الْمَدْفُونُ بِالصَّدْر
يناجينا وَيَهْدِيَنَا . ويجمعُنا وَيُلْهِمُنَا
وَيَدْفَعُ مِن يعادينا
ونحملُه كنقش الْعَيْن بالبدر
اذْهَبْ يَا بَائعَ الْأَوْهَامِ والقصصِ المثيرةِ
يَا مَنْ جَعَلْتَ مِنْ الْمَمَاتِ وِلادَةً لِلْقَادِمِين
وَحَمَلَت نَعَشَك سَائِرا
وَدَفَعْت جِلْدَك سَاتِرا
رَفَعَت عُنْوَانَ الْأَمَل حِين انطفى أَمْلُك
وَوجدتَ يُنبوعَ الْحَيَاةِ حِينَ انْتَهَى أَلَمُك
فَاذْهَبْ إِلَى الرَّحْمَن
قَدْ وَصَلَتْ رِسَالَتُك الأثيرة